1440/03/19


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/صوم العيدين

 

(تبين مما تقدم في الدرس السابق أن بعض الفقهاء قصروا نظرهم على الروايتين اللتين رواهما الشيخ الكليني في الكافي و التي كانت الاولى منهما ضعيفة السند ب(سهل بن زياد)، و الثانية تعاني من مشكلة ورود كلمة (العيدان) فيها وأجبنا عن الإشكال السندي في الرواية الأولى، والآن ) يقع الكلام في الإشكال الدلالي في الرواية الثانية فنقول:

 

أولاً: هذا الإشكال - لو سلمنا به – يختص بهذا الطريق من الرواية دون غيره، لأن الوارد في الطرق الأخرى هو (العيد) لا (العيدان).

 

ثانياً: نحتمل وجود تحريف فيها بإضافة (الألف والنون) في (العيدان)، والقرينة عليه وضوح عدم وجود عيدين يحرم صومهما في أشهر الحرم، ويؤيد ذلك وجود كلمة (العيد) لا (العيدان) في جميع الطرق الأخرى للرواية.

 

ثالثاً: ما ذكره صاحب الجواهر في بيان مراد المحقق - من إرجاع الضمير في (يصومه) إلى (صوم الشهرين) لتعذر إرجاعه إلى (العيدان) لإختلافهما في الإفراد و التثنية - ليس واضحاً، إذ لا معنى لان يقال (يصوم صوم الشهرين) إلا مع التقدير.

ذكر السيد الخوئي (قده) أن مرجع الضمير هو (الداخل) المستفاد من قوله (عليه السلام) (وما يدخل؟)[1] ، وحينئذ الضمير مع تذكيره وعدم تثنيته يشمل العيدين وأيام التشريق، ويكون المعنى وجوب صوم هذه الأيام.

ولعل الأفضل منه إرجاعه إلى كلمة (شيء) الواردة في الرواية مع المحافظة على تذكيره وعدم تثنيته، لأنها قد صرح بها فيها بخلاف كلمة (الداخل). وعلى هذا الإحتمال أيضاً الرواية تدل على وجوب صوم العيدين وأيام التشريق.

على كل حال لا يتعيّن إرجاع الضمير إلى (صوم الشهرين)، لإمكان إرجاعه إلى كلمة (الداخل) أو (شيء).

 

ومن هنا يظهر عدم ورود إشكال في عطف أيام التشريق على العيد[2] بناءاً على الإحتمال الثاني والثالث[3] ، كما كان يرد هذا الإشكال على من أرجع الضمير إلى كلمة (العيد)، لأن الضمير مذكر ولا يشمل أيام التشريق، فيحتاج أن يقول بدخولها فيه بالتبع.

 

هذا كله بلحاظ دلالة الرواية الثانية المروية في الكافي، أما بلحاظ السند فقد نوقش فيها بالإرسال لعدم إمكان رواية (إبن أبي عمير) عن (أبان بن تغلب) عادة، لكن هذا الإرسال لا يؤثر فيها بناءاً على كبرى أن المشايخ الثلاثة لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

 

فتبين مما تقدم أن هذه الرواية الثانية يمكن دفع المناقشة السندية والدلالية فيها.

 

ملاحظة:

 

إثنتان من الروايات التي ذكرناها في الدروس السابقة واردة في محل كلامنا [4] وهو القتل في أشهر الحرم، وهما الرواية الأولى للكليني في الكافي[5] ، و الرواية الأولى للشيخ في التهذيب[6] ويحتمل وجود رواية اخرى في نوادر احمد بن محمد بن عيسى وردت بهذا المضمون في الاشهر الحرم ايضاً، والعمدة في المقام رواية_ زرارة في _ التهذيب والفقيه عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن زرارة، والفرق بينهما ان الامام المسؤول في رواية التهذيب هو الامام الصادق عليه السلام وفي الفقيه الامام الباقر عليه السلام، وليس في كل منهما اشكال سندي ولا دلالي، أما باقي الروايات _ كرواية الكافي[7] الثانية ورواية التهذيب[8] الثانية_ واردة في القتل في الحرم، لا القتل في الاشهر الحرم، وبين الامرين عموم وخصوص من وجه، يجتمعان في القتل في الحرم في الاشهر الحرم، كما ان بعض الروايات كرواية الكافي الاولى يشكل في سندها بسهل بن زياد.

وهل يلتزم بالحكم في المورد الاخر (القتل في الحرم) ؟

الظاهر الالتزام بذلك لدلالة رواية الكافي الثانية بناءً على صحتها وعدم القدح فيها بالإرسال ورواية التهذيب الثانية.

نعم اقتصر من تعرض لهذه المسألة على محل الكلام، ولم يتعرضوا لمن قتل في الحَرَم،

وقد يقال بأنهم لم يلاحظوا الروايات الواردة في من قتل في الحرم، أو انهم فسروا الحرم بالأشهر الحرم كما احتمله الشيخ صاحب الجواهر في كتاب الديات لوصول نسخة محركة إليه من الكافي وفيها (الحُرُم) بالضمتين، حيث قال (اللهم إلا أن يكون قرء ما تسمعه من النصوص الآتية " في الحرم " بلفظ الجمع على إرادة الأشهر الحرم ، بل ربما كان ذلك عذرا للمصنف وغيره ممن أنكر وجود دليل على إلحاق الحرم بالشهر الحرام)[9] ثم قال (فإنه من المستبعد عدم رؤيتهم للنصوص المزبورة مع وجودها في المجامع العظام)

والظاهر من اقتصارهم على محل الكلام عدم التزامهم بهذا الحكم في غيره، لأنهم ذكروه بعنوان الاستثناء من حرمة صوم العيد، والمفروض في مثل ذلك ذكر جميع المستثنيات لا بعضها، خصوصاً ان الشيخ هو من يقول بهذا الحكم ولم يذكره في كتبه الفقهية الا في محل الكلام مع انه روى ما دل على حكم القتل في الحَرَم في التهذيب،

وعلى كل حال اذا بقينا نحن و الادلة المفروض ان نلتزم باستثناء هذا المورد ايضا لما عرفت من وجود روايتين معتبرتين تدلان على ثبوت هذا الحكم في من قتل في الحرم و لا يمكن الاقتناع بقراءة (الحُرُم) و ان كانت قد تصلح ان تكون مبررة لعدم تطرقهم لهذه المسألة بل المناسب ان تقرأ الحرم بفتحتين.

الا ان يستكشف من اقتصارهم على المورد الاول و عدم ذكرهم المورد الثاني انه يوجد اتفاق و وضوح عندهم في ان الحكم لا يشمل المورد الثاني لكنه من الصعب جدا اثباته .

و قد تبين ان ما ذكره السيد الماتن _من انه لا يصح هذا الاستثناء لان الرواية الدالة عليه ضعيفة و القول به شاذ_ غير تام بل الرواية الدالة عليه صحيحة و القول به ليس شاذا .

تتمة

هناك كلام بالنسبة الى حرمة صوم يوم العيدين _الذي قلنا انه لا اشكال فيه_ و هو ان الحرمة هل هى ذاتية او تشريعية

فانه اذا كانت الحرمة تشريعية سوف يكون بامكان المكلف ان يصوم اليوم الذي يحتمل كونه يوم عيد و يقصد به رجاء المطلوبية و لا يكون بذلك مشرعا فلم يقع منه فعل محرم حتى اذا كان هذا اليوم يوم عيد لما قلناه من ان الحرمة التشريعية ترتفع بقصد المكلف فانه اذا قصد الاتيان به احتياطا و لاحتمال المطلوبية سوف لا يكون مشرعا

بخلاف ما اذا قلنا ان الحرمة ذاتية فانه بناء عليه بمجرد ان يصوم يكون قد فعل حراما و استحق المؤاخذة على ذلك حتى اذا كان صومه برجاء المطلوبية

المعروف بين المتاخرين ان حرمته حرمة ذاتية بل يوخذ ذلك مأخذ المسلمات الى درجة انه في بعض اقسام الصوم عندما يشك في ان حرمته ذاتية او تشريعية ،من يبني على انه حرمته ذاتية يذكر ان حرمته كحرمة صوم يوم العيدين.

 


[1] موسوعة السيد الخوئي ج٢٢، ص٢٧٨.
[2] هذا الإشكال عام يشمل كل طرق الرواية مما عطف فيها أيام التشريق على العيد أو العيدان.
[3] و هما إرجاع الضمير في (يصومه) إلى الداخل أو شيء.
[4] بل ثلاثة ثالثها رواية الصدوق في الفقيه و قد تقدمت.
[5] الكافي ج٤، ص١٣٩، ح٨.
[6] تهذيب الأحكام ج١٠، ص٢١٥، ح٨٥٠.
[7] الكافي، الشيخ الكليني، ج4، ص140.
[8] تهذيب الاحكام، الشيخ الطوسي، ج10، ص216.
[9] جواهر الكلام، الشيخ صاحب الجواهر، ج43، ص26.