1440/03/12


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/03/12

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: أقسام الصوم المكروه/ صوم الولد من دون إذن والده

 

تكلمنا في الدرس السابق عن صوم الولد من دون إذن والده، و انتهينا إلى كراهته، والآن يقع الكلام في صومه مع نهي الوالد عنه،

 

قال السيد الماتن

(...بل الأحوط تركه خصوصاً مع النهي...).

 

هذا الإحتياط متعلق بالبحث السابق - صوم الولد من دون إذن والده – وهو إحتياط إستحبابي لعدم حرمة الصوم كذلك، ثم السيد الماتن أيضاً ذهب إلى الإحتياط في صورة النهي، لكن الصوم في هذه الصورة فيه شبهة الحرمة، ومنشأ الحرمة في صورة النهي هو أحد وجهين :-

 

الأول:. من جهة وجوب إطاعة الوالد في أوامره ونواهيه. وهذا الوجوب – لو ثبت – يكون كوجوب إطاعة الله، فيجب إطاعته فيهما حتى لو كانت من دون علمه و لم تكن أمامه.

 

الثاني: من جهة العقوق

 

بالنسبة إلى الوجه الاول فقد جزم السيد الخوئي (قد) بعدم وجوب إطاعته في أوامره ونواهيه، نعم إذا إستلزم عدم الاطاعة إيذاءه يكون الفعل المنهي عنه حراماً لحرمة الإيذاء، بل معه يكون الفعل حراماً حتى مع عدم النهي.[1]

 

والظاهر ان ذلك منه (قد)لأجل عدم وجود دليل يدل على الوجوب بينما دل الدليل على حرمة الإيذاء حتى بمستوى قول (أف) لهما. والصحيح هو ما ذهب إليه السيد الخوئي (قد)، لعدم ظهور الآيات القرانية في الوجوب وعدم تمامية الروايات.

 

أما الكتاب فإن أقوى الآيات دلالة على الوجوب كما قيل هي قوله تعالى: ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا)[2] .

قيل أنها تدل على حرمة إطاعة الوالد إذا أمر بالشرك، و وجوب إطاعته إذا أمر بغير ذلك.

و قيل أن منطوقها يدل على حرمة الإطاعة إذا أمر بالمعصية، و مفهومها يدل على وجوبها إذا أمر بغيرها .

 

لكن الإنصاف أن الآية المباركة لا تدل على ما ذكر، لأن مفهومها – إن قلنا به - هو عدم حرمة الإطاعة (أي: جواز الإطاعة) إذا أمر بغير المعصية في مقابل منطوقها الذي كان حرمة الإطاعة إذا أمر بها.

 

وكذا الحال في الآيات الأخرى التي تتكلم عن علاقة الولد مع والديه، كقوله تعالى: (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا)[3] و(وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)[4] ، فإن جميعها لا تدل على وجوب إطاعتهما.

 

أما الروايات فقد جمع الشيخ الكليني عمدة الروايات التي قد تدل على ذلك في باب تحت عنوان برّالوالدين. وأهمّها – كما إستدل بها أكثر الفقهاء – ما يرويه محمد بن مروان حيث قال:

 

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أوصني فقال: لا تشرك بالله شيئا وإن حرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان، و والديك فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل فإن ذلك من الايمان.[5]

 

و دلالتها على وجوب إطاعة الوالدين واضحة،

اما سندها فمطعون به من جهتين:

الاولى جهة خالد بن نافع البجلي الملقب بالعاقولي فهو مجهول

و الثانية جهة محمد بن مروان فهو مشترك في هذه الطبقة بين جماعة لا حظ لهم من التوثيق الا بناءً على بعض المباني الضعيفة، وعلى فرض وثاقة البعض لا يمكن الاعتماد على الرواية للاشتراك بين الثقة وغيره.

واشكل المجلسي على مفاد الرواية بما نصه (وظاهره وجوب طاعتهما فيما لم يكن معصية ، وإن كان في نفسه مرجوحا لا سيما إذا صار تركه سببا لغيظهما و حزنهما ، وليس ببعيد ، لكنه تكليف شاق بل ربما انتهى إلى الحرج العظيم)[6]

نعم ذهب كثير من العلماء إلى وجوب الاطاعة بل صرح بعضهم كالشهيد في القواعد بوجوب الاطاعة بكل فعل وان كان شبهة، كما لو امراه بالأكل معهما في مال يعتقده شبهة، لأن اطاعتهما واجبة وترك الشبهة مستحب.

 

بالنسبة الى الوجه الثاني و هو العقوق فانه وان كان بمفاده العرفي لا يصدق بمجرد عدم الاذن، لكنه اذا صدق مع النهي كما جزم بذلك جماعة يكون الولد عاقا فلابد من الالتزام بالحرمة حينئذ لا الاحتياط الوجوبي _كما في المتن _واذا لم يصدق مع النهي، وإنما يصدق مع الايذاء كما يجزم بذلك السيد الخوئي _من جهة انه (قد) ذهب إلى عدم حرمة الصوم حتى مع النهي، حيث يظهر منه انه لا يرى صدق العقوق مع النهي و الا كان من المفترض ان يحكم بالحرمة_ فلا يكون الصوم حراما لكن لا يبعد ان يقال بان العقوق يصدق مع النهي، ولذا نلتزم بالاحتياط الوجوبي في هذه المسألة كما هو ظاهر السيد الماتن، نعم مع عدم الاذن _وعدم النهي_ يكون الاحتياط استحبابياً، هذا كله مع عدم استلزام ايذائهما والا فلا اشكال في الحرمة.

قال الماتن

بل يحرم اذا كان ايذاءً له من حيث شفقته عليه

لا اشكال في حرمة الايذاء حتى على مستوى قول الأُف كتاباً وسنة، فاذا فرضنا ان الصوم ايذاءً لهما كان حراماً سواء كان منهياً عنه أم لا.

قد يقال بعدم خصوصية الوالدين في المقام لحرمة الايذاء مطلقاً.

فانه يقال بان الحرمة في المقام من حيث الشفقة _كما ذكروا و السيد الماتن اشار اليه_و هذه الحرمة مختصة بالوالدين او من يكون بمثابتهما و لا تشمل الاجنبي اذ لا معنى للقول بانه اذا صام الولد يتأذى الاجنبى شفقة عليه و لو تنزلنا و سلمنا ان الصيام يكون ايذاء للاجنبي نقول انه لا دليل على حرمة مطلق ايذاء الاجنبي فلو فرضنا ان شخصا يتصرف في امواله تصرفا مباحا لا مشكلة فيه و كان ذلك يوجب ايذاء الغير فانه لا دليل على حرمة هذا التصرف و ان كانت بعض المستحبات تشمل مثل هذه الحالة لكن المهم انه ليس بمحرم.

قال الماتن

والظاهر جريان الحكم في ولد الولد بالنسبة إلى الجد

منشأ هذا الحكم ان الولد في الادلة اعم من المباشر و غير المباشر و كذلك الوالد في الادلة اعم منهما فالادلة التي تدل على حكم موضوعه الولد او الوالد لا تختص بالمباشر بل تعم غير المباشر

و في المقابل يوجد احتمال انصراف الادلة الى خصوص المباشر بل بعضهم منع من الصدق على غير المباشر فاذا لم يكن هناك منع من الصدق قد يقال يوجد تشكيك او انصراف الى خصوص الولد المباشر هذا بخلاف ما ذكره السيد الماتن حيث استظهر التعميم و ما يذكرونه في سائر الموارد كباب الارث باعتبار ان الولد بالنسبة الى الجد ولد له حقيقتا و الجد بالنسبة الى الولد والد له حقيقتا .

قال الماتن

والأولى مراعاة إذن الوالدة

الدليل على ذلك معتبرة هشام حيث ورد فيها (من بر الولد ان لا يصوم تطوعا الا باذن ابويه و امرهما) و قد ورد عنوان الابوين في الرواية الاخرى الضعيفة سندا

ثم يقول

ومع كونه إيذاء لها يحرم كما في الوالد

هذا واضح باعتبار ان ادلة حرمة الايذاء لا تختص بالوالد بل تشمل الوالدة ايضا.

 


[1] موسوعة السيد الخوئي ج٢٢، ص٣٢٥.
[2] سورة لقمان ١٥.
[3] سورة الإسراء ٢٣.
[4] سورة لقمان ١٥.
[5] الكافي ج٢، ص١٥٨.
[6] بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج71، ص35.