1440/03/09


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

وهناك عبارة ثانية:- هي: ( قلت: فإن أصاب البغل كسر أو .... فقال: عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم تردّه ) ، فهنا هذه العبارة جعلت الميزان على يوم الردّ ، فإذاً هذه العبارة تتنافى مع الميزان الذي ذكرته العبارة الأولى التي تقول ( قيمة بغل يوم خالفت ) ، فتلك جعلت المدار على يوم المخالفة وهذه العبارة جعلت المدار على يوم الردّ .

وقد يخطر إلى ذهن البعض دفعاً لهذا الاختلاف أو التهافت:- أنَّ مورد العبارة الأولى يتباين مع مورد هذه العبارة الثانية ، فمورد العبارة الأولى هو فيما إذا تلف البغل ، بينما مورد هذه العبارة فيما إذا أصاب البغل كسرٍ أو غير ذلك ولم يتلف ، فإذاً لا يحصل تهافت في البين بعد اختلاف موردهما.

وجوابه:- إنَّ تلف الوصف كتلف العين ولا فرق بينهما من هذ الناحية ، فهو تلفٌ لشيءٍ مضمون والعقلاء لا يفرّقون ، فالخصوصية ملغاة من هذه الناحية ، فبالتالي تلف الرِّجل وكسر اليد أو ما شاكل ذلك كتلف أصل الحيوان ، وعرفاً وعقلائياً لا فرق بينهما ، فإذاً الاشكال إنما يأتي بعد إلغاء هذه الخصوصية فما هو الجواب ؟

يمكن دفع هذا التهافت:-

أوّلاً:- إنَّ هذا الاشكال يأتي فيما إذا كانت كلمة ( يوم ) موجودة - يعني كانت العبارة ( يوم تردّه ) - ، أما إذا فرض أنها غير موجودة كما نقل صاحب الجواهر(قده)[1] حيث ذكر أنَّ كلمة ( يوم ) غير موجودة ، يعني تصير العبارة هكذا: ( عليك قيمة ما بين الصحة والعيب تردّه ) أما أنَّ قيمة العيب على أيّ يوم ؟ إنه هذا ليس بمذكور ، قال(قده):- ( الموجود فيما حضرني نسخة التهذيب الصحيحة المحشّاة " تردّه عليه " من دون لفظ " يوم " ) ، ومادامت توجد نسخة من هذا القبيل فإشكال التهافت يرتفع من الأساس.

ثانياً:- يمكن أن نقول: إنَّ كلمة ( يوم ) على تقدير وجودها فهي ليست قيداً لقوله ( قيمة ) ، فهي ليست متعلّق بالقيمة - يعني القيمة يوم الرد - ، وإنما هي متعلّقة بكلمة ( عليك ) ، فإنَّ كلمة عليك صحيح هي جار وجرور ولكن ليس من البعيد أنها اسم فعل ، أي بمعنى يلزمك ، أي ( يلزمك يوم تردّه قيمة الفرق ) ، أما المدار على قيمة أيّ يوم ؟ إنَّ هذه الفقرة ساكتة عنه ، فيرتفع التنافي . ولا يخفى لطفه.

والنتيجة من كل هذا:- هي أنه يمكن أن يقال إنَّ المدار على قيمة يوم المخالفة ، خلافاً لصاحب الجواهر(قده) من أنَّ الرواية لم تحدد قيمة أيّ يوم ، والعبارتان الأخريان يمكن توجيههما بشكلٍ لا تتنافيان مع العبارة الأولى - أي عبارة ( نعم قيمة بغل يوم خالفت ) - ، فخرجنا بأنَّ المدار في الضمان على قيمة يوم المخالفة - يعني يوم الغصب - ، وعلى ذلك أفتى بعض الفقهاء.

بيد أنَّ الشيخ الأعظم(قده) بعد أن أنهى هذا الموضوع تكلّم بكلامٍ هو تراجعٌ وهدمٌ لكلّ ما ذكره حيث إنه يمكن أن يقال:- إنَّ المدار ليس على قيمة يوم الخالفة وإنما المدار على قيمة يوم التلف ، فإنَّ هذا محتمل ، وإنما لم عبّر بيوم المخالفة لوجهين:-

الأوّل:- عادةً القيمة متحدة بين يوم المخالفة ويوم التلف ، فبعد وحدة القيمتين فمن حقه أن يعبّر بدل يوم التلف بيوم المخالفة.

ومن الواضح أنَّ الشيخ الأعظم(قده) يريد أن يبرز هذا مبرز الاحتمال ، فإذا أُبرزه مبرز الاحتمال فسوف تصير الرواية مجملة ، فنرجع إلى القاعدة من دون أن تكون لدينا رواية.

الثاني:- إنَّ الامام عليه السلام أراد أن يدفع توهّم البعض حيث قد يخطر إلى ذهن العوام - ومنهم صاحب البغل - أنَّ المدار على قيمة شراء البغل ، فمادام البغل قد اشتري بقيمة مرتفعةٍ وإن لم تكن هي القيمة السوقية فبالتالي هو قد خسر قيمةً كبيرةً فيعتقد أنَّ المدار يكون عليها ، فالإمام عليه السلام أراد أن يدفع هذا التوهمّ وأنَّ المدار ليس على قيمة يوم الشراء فإنَّ الشراء لا يهمنا ، فعبّر بقيمة يوم المخالفة دفعاً لهذا التوهم ، قال(قده):- ( السر في التعبير بيوم المخالفة دفع ما ربما يتوهم أمثال صاحب البغل من العوام أنَّ العبرة بقيمة ما اشتري بعه البغل وإن نقص بعد ذلك لأنه خسّره المبلغ الذي اشتري به البغل )[2] .

وما ذكره واضح الوهن إذ يرد عليه:- إنه لو فرض وجود متوهم أنَّ المدار على قيمة يوم الشراء ، ولنسلَّم أنَّ قيمة الشراء كانت أعلى ، ولكن نجيب ونقول: لو كان المدار على يوم التلف حقاً فليعبّر الامام عليه السلام بيوم التلف ، فماذا يعبّر بيوم المخالفة ؟!! ، وحينئذٍ يرتفع جميع ما أشار إليه الشيخ الأعظم(قده):-

أما ما أشار إليه أوّلاً فنقول:- صحيح أنَّ له الحق أن يعبّر بهذا أو بذاك ولكن الأنسب أن يعبّر بقيمة يوم التلف ، فإنَّ هذا العدول لا معنى له ، أما أنه تعبَّر بيوم الاكتراء فنقول إنه يوم مشهودٌ له الناس ، أما أنك تعبّر بيوم المخالفة فلماذا ؟!! ، بل عبّر بيوم التلف فإنه يتأتى بذلك المقصود.

وأما ما ذكره ثانياً فجوابه:- إنَّ دفع توهم عوام الناس يتحقق بالتعبير بيوم التلف ولا يتوقف على ما ذكره.

فإذاً ذكره ليس بتام.

ولكنا في نهاية المطاف نقول:- إنه يحتمل أنَّ الامام عليه السلام ليس في صدد بيان تحديد قيمة يوم معيّن ، وإنما هو في صدد اثبات أصل الضمان ، أما ضمان قيمة أيّ يوم فهو ليس في صدده ، من باب أنه لا يحصل تغيّر عادةً في قيمة البغل ، فإنَّ هذا احتمال وجيه ، فالإمام عليه السلام لا يشير إلى قيمة يوم المخالفة كما فهم الشيخ الأعظم والسيد الخوئي وغيرهما أصلاً ، وإنما هو في صدد اثبات أصل الضمان حيث أنَّ القيمة لا تخلف في تلك الأزمنة وخصوصاً في البغل وخصوصاً في ظرف خمسة عشر يوماً ، فبهذا الشكل هي لا تختلف حتى يحتاج الامام عليه السلام أن يحدد قيمة أيّ يوم ، وبهذا سوف نتوافق مع صاحب الجواهر(قده) من حيث النتيجة.

يبقى أنه لماذا عبّر الامام عليه السلام مرّة بيوم المخالفة ومرّةً بغير ذلك ؟إنَّ هذا تفنُّنٌ في التعبير لمناسبة يقتضيها المقام.