1439/10/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/10/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- أصالة اللزوم - مسألة ( 52 ) – المكاسب المحرمة.

ومن باب الكلام يجر الكلام نتكلم بشكل لمختصر عن قضية جانبية هي ليست محل كلامنا ولكن نذكرها كفائدة:- ما هو ضابط المدّعي والمنكر وما هو ضابط المتداعيين ؟ فمتى يكون المورد من المدّعي والمنكر ومتى يكون المورد من باب التداعي ؟

تشخيص كون المورد من المدعي والمنكر:- ينبغي أن يكون وضاحاً أنَّ النصوص الشرعية غاية ما ذكرته أنَّ البيّنة على المدّعي أما ما هو المدّعي وما هو ضابط المدّعي فلم تبينه الروايات ، وهكذا بالنسبة إلى المنكر فالروايات صبّت الحكم على المدّعي وأن عليه البيّنة وأنَّ على المدّعى عليه اليمين ، فلاحظ صحيحة جميل وهشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه )[1] ، إذن عندنا روايات تبيّن هذا المضمون ، أما من هو المدّعي ومن هو المدّعى عليه فهو شيء مسكوت عنه في الروايات ، فإذن ما هو المشخِّص والملاك في المدّعي والمدّعى عليه ؟

هناك أجوبة على ذلك نذكر منها ثلاثة أجوبة ونضيف عليها جواباً رابعاً:-

الجواب الأوّل:- أن يقال إنَّ المدّعي هو من إذا تَرَكً تُرِكَ والمدّعى عليه إذا تَرَكَ لا يترك ، كأن سجل شخص دعوى على شخص آخر ، فلو سحب المشتكي دعواه فسوف يُترَك أما المدّعى عليه لو قال أنا أترك الدعوى فلا يترك.

وفيه:- إنَّ هذا ينطبق على بعض أفراد المدّعي فإنَّ المدّعي عادةً هو كما قلت ، فهو حينما يسجل دعوى فإذا تَرَك تُرِكَ ، ولكن توجد بعض أفراد المدّعي ليس الأمر فيها كذلك ، كما لو فرض أني ادّعيت عليك ديناً أو أتلفت عليّ ما يعادل مليون دينار مثلاً وأنت قلت هذا صحيح ولكني قد أوفيتك ، ففي مثل هذه الحالة المدّعى عليه لو قال أنا قد وفيت ففي مثل هذه الحالة ماذا ينطبق عليه فهل ينطبق عليه أنه مدّعى عليه أو أنه ينطبق عليه عنوان المدّعي ؟ إنه لا ينطبق عليه عنوان المدّعى عليه لأنه يدّعي الوفاء فإذن صار مدعياً للوفاء ، فعلى هذا الأساس أنت مدّعٍ للوفاء ولكن رغم ذلك لو تَركتَ لا تُترَك ، فصحيح أنه مدّعٍ لأنه يدّعي الوفاء ولكنه لو تَرَك لا يُترَك.

فإذن اتضح أنَّ بعض أفراد المدّعي لا ينطبق عليهم هذا الضابط وإنما ينطبق في بعض الحالات ، ويمكن ذكر أمثلة أخرى من هذا القبيل.

وهكذا لو فرضنا وجود دار وقلت لك هذه الدار أنت قد غصبتها منّي وأنت قلت صحيح أنا أخذت الدار منه ولكن أخذتها شراءً لا غصباً ، ففي مثل هذه الحالة سوف يصير الذي بيده الدار مدّعياً ولو ترك لا يترك ، فإذن هذا الضابط لا ينطبق على جميع الافراد.

الضابط الثاني:- إنَّ المدّعي هو من يدّعي شيئاً ويكون ملزماً في نظر العقلاء بالإثبات[2] ، وهذا قد يخطر إلى الذهن.

وفيه:- أما جزؤه الأوّل وهو من ادّعى شيئاً فهذا ليس إلا هو نفس المدّعي وهذا تفسير بنفسه ولم يذكر شيئاً وإنما فقط أبدلت كلمة المدعي وجعلتها ( من ادّعى شيئاً ) ولم تأت بشيء جديد ، فبلحاظ الجزء الأوّل أنت لم تأت بشيء جديد وإنما فسّرت الشيء بنفسه ، وبلحاظ الجزء الثاني - أعني يكون ملزماً في النظر العقلائي بالاثبات - فهذا من باب بيان الشيء من خلال حكمه ، يعني أنك وأضحت الشيء وعرّفته من خلال بيان حكمه ونحن نريد أن نعرف موضوع الحكم.

فإذن بلحاظ الجزء الأوّل هذا التعريف ليس إلا من باب تعريف الشيء بنفسه ، وبلحاظ جزئه الثاني هو من قبيل تعريف الشيء ببيان حكمه ، وكلامنا هو أن هذا الحكم هو لأيّ شيء ثابت ، فنحن نريد أن نعرف ذلك الشيء الذي ثبت له ذلك الحكم ، فلابد أن تحدّد لنا ذلك الشيء وأنت لم تحدده ، فإذن لم نستفد شيئاً.

الضابط الثالث:- وهو ما صار إليه صاحب الجواهر(قده)[3] حيث ذكر أنَّ المرجع هو العرف فمن قال العرف هو مدّعٍ فهو يكون مدعياً ، وبالتالي من قال العرف أنه مدّعٍ عليه يكون مدّعى عليه ، واختاره الميرزا محمد علي الآشتياني صاحب بحر الفوائد في شرح الفرائد.

وفيه:- إنَّ الارجاع إلى العرف شيء جيد ، فإنَّ العرف متى ما ترك تحديد الشيء فهذا يعني أنه ترك تحديده إلى العرف ، بيد أن كلامنا هو أن العرف ماذا يرى فمتى يقول للشخص أنك مدّعي ؟ فتحويلك على العرف صحيح ولكنك لم تفعل شيئاً ، فنحن نريد عرفاً من هو المدّعي ، وكل كلامنا الآن هو بلحاظ النظرة العرفية ، فأنت كعرف الآن نسألك ونقول متى تقول هذا مدّعي وذاك مدّعى عليه فإنَّ الشرع قد ترك التحديد فماذا تقول أنت ؟ إنك تذكر شيئاً.

ولا يبعد أن يقال:- إنَّ كل من خالف قوله الحجة فهو مدّعي - وهذا الكلام كعرف - ، والذي وافق الحجة يكون مدّعاً عليه ، فمثلاً لو كانت بيدي دار أسكنها لسنوات عديدة وجاء شخص وقال هذه الدار لي ، فهنا يمكن أن نقول إن قول هذا الشخص هو الذي خالف الحجة وأنا مع الحجة لأني توجد عندي يد ، فأنا صاحب يد فقولي لا يخالف الحجة وإنما قول ذلك الشخص خالف الحجة فيصير هو المدّعي وأنا أصير المدّعى عليه.

وعلى ورزان ذلك نقول:- إذا فرضنا أنَّ الاستصحاب كان في صالح أحد الطرفين ، كما لو فرض أَن هذا الشيء كان ملكاً لزيد قبل سنة ، نعم لم تكن هناك يد ولكن كلنا نعترف بأنَّ هذا الشيء ملك لزيد والآن جاء شخص يدعي هذا الملك لكن ليست الحالة السابقة هي كونه مالكاً لأنَّ الحالة السابقة هو ملك لزيد فإذن مقتضى الاستصحاب أنَّ الدار لزيد لأنها كانت له ومقتضى الاستصحاب أنها الآن باقية له ، والاستصحاب أيضاً عقلائي وليست قضية شرعية فقط ، فحينئذٍ ذلك الشخص قوله يخالف الحجّة ، وأقصد من الحجّة الاستصحاب هنا ، فيصير هو المدّعي ، وأما زيد الذي فقد كان مالكاً للدار والآن نشك فيكون مدّعى عليه.

وعلى هذا المنوال يمكن ذكر بقية الأمثلة ، ولا يبعد أنَّ من فسّر المدّعي بأنه هو ( من خالف قوله الأصل الظاهر ) أو ( خالف قوله الأصل )[4] هو ما ذكرناه بعد أخذ الظهور والأصل كمصداقٍ للحجة مطلق الحجة من دون خصوصية لهما ، فيرجع ما ذكرناه إلى هذا الذي ذكر ولكن بعد أخذ الأصل والظهور كمصداقٍ لمطلق الحجة.

والنتيجة التي انتهينا إليها:- هي أنه لا يبعد أن يكون التحديد الصحيح للمدّعي عرفاً هو من خالف قوله الحجة العقلائية ، والمنكر بالعكس.


[2] يعني أخذنا وصفين الأوّل هو من يدّعي شيئاً والثاني يكون في نظر العقلاء هو الملزم بالاثبات.
[4] كما ذكر ذلك في اللمعة.