34-08-19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/08/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 384 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 النقطة الثالثة:- الصفات المعتبرة في الحيوان.
 وأما بالنسبة إلى الصفات المعتبرة في الحيوان فقد ذكر(قده) ما نصّه:- ( ويعتبر في الهدي أن يكون تامّ الأعضاء فلا يجزئ الأعور والأعرج والمقطوع أذنه والمكسور قرنه الداخل ونحو ذلك . والأظهر عدم كفاية الخصي أيضاً . ويعتبر فيه أن لا يكون مهزولاً عرفاً . والأحوط الأولى أن لا يكون مريضاً ولا موجوءاً ولا مرضوض الخصيتين ولا كبيراً لا مخَّ له . ولا بأس بأن يكون مشقوق الأذن أو مثقوبها وإن كان الأحوط اعتبار سلامته منهما . والأحوط الأولى أن لا يكون الهدي فاقد القرن أو الذنب من أصل خلقته ).
 لا إشكال بين الفقهاء باعتبار أن يكون الهدي صحيحاً وليس بمعيبٍ ، قال صاحب المدارك:- ( هذا حكمٌ مجمع عليه بين العلماء ) [1] . إذن من حيث الفتوى لا يوجد خلاف في اعتبار كونه تامّاً سويّاً وإنما الكلام في مدرك ذلك.
 وقد دلّت على ذلك جملة من الروايات والمهم منها ثلاث:-
 الرواية الأولى:- صحيحة علي بن جعفر التي رواها الشيخ والصدوق بإسنادهما عنه - أي عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام -:- ( سأله عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها هل تجزئ عنه ؟ قال:- نعم إلا أن يكون هدياً واجباً فإنه لا يجوز أن يكون ناقصاً ) [2] ، ودلالتها واضحة على أنه متى ما صدق على الحيوان أنه ناقص عرفاً فلا يجزئ.
 الرواية الثانية:- صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( رجل يشتري هدياً فكان به عيبٌ عورٌ أو غيره ، فقال:- إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه وإن لم يكن نقد ثمنه ردّه واشترى غيره ) [3] ، ودلالتها واضحة أيضاً بيد أن دلالتها بترك الاستفصال وليس بالإطلاق - وهذه قضيّة فنيّة - إذ لا يوجد لفظ أو مفهوم ورد في كلام الإمام عليه السلام كلفظ ( العيب ) أو ( الناقص ) وأنه لا يجزئ حتى يتمسك بإطلاقه وإنما السائل قد افترض أن به ذلك ومن الواضح أن المهم والحجّة هو الإطلاق جواب الإمام وليس في كلام السائل بيد أنه بترك الاستفصال تثبت نتيجة الإطلاق فلا مشكلة.
 الرواية الثالثة:- صحيحة عمران الحلبي - والحلبيون كما قال النجاشي ( بيت معروف في الكوفة كلهم ثقاة ) على خلاف بيت الأشعث - عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من اشترى هدياً ولم يعلم به عيباً حتى نقد ثمنه ثم علم فقد تمّ ) [4]
 ودلالتها واضحة أيضاً وذلك بإطلاق المفهوم فإنه في المنطوق قال عليه السلام:- ( من اشترى ولم يعلم أن به عيباً ثم علم فقد تمّ ) وبالمفهوم نفهم أنه إذا كان به عيبٌ فلا يكفي.
 نعم هناك قضيّة فنيّة أشرنا إليها أكثر من مرة:-وهو أن المفهوم في أمثال ذلك هل هو قضيّة كليّة أو هو قضيّة جزئية ؟ لعله في بعض الكلمات نجد أنهم يحكمون بكونها كليّة ولا أقصد في هذه الرواية بل في أمثال ذلك ولكن يمكن أن يقال إنه قضيّة جزئية إذ الذي يفهم من المنطوق أنه إذا لم يعلم أن به عيباً فقد تمّ وهذا يفهم منه أن أيّ عيب من العيوب مادام كان غير معلوم فقد تمّ ولا يضر فيستفاد من المطوق قضيّة كليّة وهي أن العيب المجهول لا يضر مادام مجهولاً أي عيب كان من العيوب ومفهوم ذلك قضيّة جزئية فإن المفهوم هو دائماً نقيض المنطوق ونقيض السالبة الكليّة مثلاً أن يكون المنطوق موجبة جزئية - أي قضية جزئية وليست كلية - ولا أريد أن أستعين بالمصطلحات المنطقية ونتشبث بذلك وأنه في المنطق قيل إن نقيض الكليّة جزئية كلا ليس مستندي هذا حتى يقال إنه لا بد من الاستعانة بالفهم العرفي وليس بالقضايا المنطقية كلا إنه في مقام الجواب نقول عرفاً الأمر كذلك إذ يفهم عرفا هذا المعنى - يعني يفهم أنه مادام العيب مجهولاً فلا يضرّ أي عيب كان وأما في حالة العلم فيضر جزماً أما في دائم الأحوال والعيوب فهذا أوّل الكلام فإنه حتى عرفا لا يفهم هذا المعنى - ومن هنا قيل في قضيّة ( إذا بلغ الماء قدر كر فلا ينجسه شيء ) إن مفهوم هذه القضيّة التي هي سالبة كليّة مفهوماً موجبة جزئية يعني ينجسه شيء لا أنه ينجسه أي شيء من الأشياء كلا وإنما يتنجس في الجملة . نعم ربما يتنجس بجميع الأشياء إلا أن الذي هو ثابت من الدلالة هو القضيّة الجزئية دون القضيّة الكليّة وهنا أيضاً كذلك.
 وعلى أي حال إذا كان في دلالة هذه الرواية قصور إذ أن مفهومها قضيّة جزئيّة فتكفينا الرواية الأولى والثانية ، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية ، وهذه قضايا فنيّة لا أكثر.
 وقبل أن نواصل الموضوع نعود إلى الرواية الأولى - أعني صحيحة علي بن جعفر - لنلاحظ سندها وليست هناك نكات خاصة بها أقصد بيانها وإنما أقصد من بيان حال سندها التطبيق والتعليم لا أكثر من ذلك.
 إن هذه الرواية قد رويت كما ذكرنا بطريقين أحدهما طريق الشيخ الطوسي وقد رواها بإسناده عن علي بن جعفر [5] والآخر طريق الشيخ الصدوق [6] فعلى هذا الأساس لابد من ملاحظة سند طريق الشيخ إلى علي بن جعفر ، وإذا رجعنا إلى المشيخة المذكورة في آخر جزء من التهذيب - أو الاستبصار وهما عادة متطابقتان نجده يقول ما نصّه:- ( وما ذكرته عن علي بن جعفر فقد أخبرني به الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه محمد بن يحيى عن العمركي النيسابوري البوفكي عن علي بن جعفر ) ، إنه لو لاحظنا هذا الطريق كانت فيه مشكلتان الأولى من ناحية الحسين بن عبيد الله يعني الغضائري والأخرى أحمد بن محمد بن يحيى وإلا فباقي السند هم من الثقاة ولا مشكلة فيهم - أعني محمد بن يحيى والعمركي النيسابوري فهما ثقتان جليلان - .
 أما بالنسبة إلى الحسين بن عبد الله الغضائري:- الذي حضر عليه الشيخ الطوسي مع أحمد بن الحسين بن عبيد الله - يعني ابن الغضائري فإن الغضائري أب وابن فالأب اسمه الحسين بن عبيد الله والابن هو أحمد - قال الشيخ الطوسي في بعض كلماته:- ( إنه كنت أحضر عنده معه ) - أي مع أحمد الولد عند الحسين بن عبيد الله - ولكن حينما ذكر ترجمته عبّر بكلمة ( شيخنا ) و( سمعنا منه ) و ( عرضنا عليه ) ولكنه لم يقل ( هو ثقة ) وهذه هي المشكلة ، فإن استفدنا من كلمة ( شيخنا ) و ( حضرنا عنده ) الوثاقة فبها ونعمت أما إذا قلنا هذا لازم وتعبير أعم وليست فيه دلالة فهل هناك طريق آخر لإثبات وثاقته ؟ يمكن أن يتمسك بأنه من شيوخ النجاشي فإن الحسين بن عبيد الله الغضائري قد حضر عنده العلمان - أعني الطوسي والنجاشي - وسمعا منه الأحاديث ونقلا كتبه وشيوخ النجاشي هم بأجمعهم ثقاة إلا ما خرج بالدليل ، ولكن لماذا شيوخ النجاشي بأجمعهم ثقاة ؟ إن ذلك لبعض التعبيرات الواردة في كتاب النجاشي التي يمكن أن يستفاد منها ذلك من قبيل أنه ذكر في ترجمة محمد بن عبيد الله بن الحسن الجوهري ذكر ما نصّه:- ( رأيت هذا الشيخ وكان صديقاً لي ولوالدي وسمعت منه شيئاً كثيراً ورأيت شيوخنا يضعّفونه فلم أروِ عنه شيئاً وتجنبته ... ) إن هذا التعبير - أعني ( فلم أروِ عنه ) - يعني بسبب أن شيوخنا يضعّفونه يدلّ على أن النجاشي لا يروي بالمباشرة عن شخصٍ ضعيفٍ والدلالة واضحة في ذلك ، وذكر أيضاً في ترجمة محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول ما نصّه:- ( وكان في أوّل أمرّه ثبتاً ثم خلط ورأيت جل أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه ...... رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطةٍ بيني وبينه ) إن هذه العبارة واضحة أيضاً وهي تدلّ على أنه قد يسمع الروايات من الضعيف ولكنه لا يرويها بالمباشرة بل مع الواسطة ، وذكر في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك ما نصّه:- ( كان ضعيفاً في الحديث ، قال أحمد بن الحسين:- كان يضع الحديث وضعاً ويروي عن المجاهيل وسمعت من قال كان أيضاً فاسد المذهب والرواية ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همّام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري ) ، إنه يستغرب من رواية هذين الثقتين عنه والحال قد أنه قد غمزه الأصحاب وضعّفوه وهذا يفهم منه أنه لا يروي عن الضعيف.
 إن قلت:- إن غاية ما تدلّ عليه هذه العبائر وغيرها - إن كانت - هو أن النجاشي لا يروي عمّن ضُعِّف وغمز أما الشخص المجهول الذي لم يضعَّف ولم يغمز وإنما هو مجهول ولم يذكر بتوثيقٍ ولكن في نفس الوقت لم يذكر بتضعيفٍ فإن هذه العبائر لا تدل على أنه لا يروي عن المجهول الذي لم يضعَّف فلعله يروي عنه وحيث إن المفروض أن مثل الحسين بن عبيد الله الغضائري ومن كان على شاكلته هم لم يذكروا بتوثيق ولكنه في نفس الوقت لم يذكروا بتضعيفٍ فلا تدلّ العبائر المذكورة على أنه لا يروي عنهم ، إذن هذه العبائر لا تنفعنا.
 قلت:- إن المجهول والضعيف سيّان فإن المجهول هو بالتالي في حكم الضعيف . نعم هو لم يضعف أما من حيث التعامل فهما سيّان فأنت تعاملك مع الشخص الذي لا تعرفه إذا دخلت بلدة ولا تعرف أنه ثقة أو لا فتعاملك معه كتعاملك مع الشخص الذي ذكر بتضعيفٍ فالمجهول وأن لم يكن ضعيفاً ومضعّفاً ولكنه بالتالي بحكم الضعيف فالنكتة التي من أجلها ترك النجاشي الرواية عن الضعيف تأتي بالنسبة إلى المجهول أيضاً فإن الضعيف لا يناسب الرواية عنه مادام ضعيفاً والمجهول مادام بحكم الضعيف فأمره كذلك.
 هذا مضافاً إلى أنه يمكن أن يقال:- إن المشايخ عادةً لا يكونون مجهولين فإنه مادام شيخاً لي ونحضر عنده أياماً طويلةً وتوجد هناك صحبة وفي الصحبة يظهر حال الشخص فالجهالة يمكن أن يقال إنها لا تبقى فهو إما ضعيف جزماً أو ثقة جزماً ولا يوجد شق ثالث وحيث قد روى عنه النجاشي فيثبت أنه حضر عنده وكان يروي عنه الكتب فيثبت أنه ليس بمجهول الحال وبالتالي يثبت أنه ثقة فإن احتمال كونه ضعيف عنده منفيٌّ بشهادته السابقة فيتعيّن أن يكون ثقة بعد فرض أن الجهالة - التي هي حدّ وسط - غير موجودة في المقام.
 إن قلت:- إن الإنسان قد يتحرّز عن الرواية والنقل عن الضعيف وأما مجهول الحال فقد لا يتحرز عنه.
 قلت:- هذا هو نفس ما أشرنا إليه من أنه بالتالي أنت لماذا تتحرز عن الضعيف ؟ إنه لأجل أنه لا تليق الرواية عنه بعد عدم حجيّة نقله والأمر كذلك في المجهول فإن نقله ليس بحجّة ولذلك ترى أنهم يرمون بعض الأشخاص بأنه يروي عن الضعفاء والمجاهيل فيعطفون المجاهيل على الضعفاء ، فإذن الرواية عن المجهول بنفسه هو قدح ، وفي عرفنا الأمر كذلك يعني أن بعض الاشخاص إذا كان ينقل عن الأشخاص الذين لا يعرف حالهم فهذا يعدّ علامة استفهام وتوقف في حق الشخص.
 والخلاصة:- إن فرض أنا قبلنا ما ذكرناه فيثبت وثاقة الغضائري وإن رفضنا ذلك فينحصر الأمر بكونه من مشايخ الإجازة المعروفين بناءً على كفاية شيخوخة الإجازة ، وهكذا بالنسبة إلى أحمد بن محمد بن يحيى نتغلب على مشكلته من خلال شيخوخة الإجازة فإن قبلنا بهذا فبها نعمت.


[1] مدارك الأحكام، الموسوي العاملي، ج8 ، ص30.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص130، ب24 من أبواب الذبح، ح2، آل البيت
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص130، ب24 من أبواب الذبح، ح1، آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص131، ب24 من أبواب الذبح، ح3، آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص125، ب21 من أبواب كون الهدي كامل الخلقة، ح1، آل البيت..
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص30، ب14 من اوبا من اشترى هديا على أنه كامل فبان ناقصاً، ح2.