34-06-04


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/06/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 أما بالنسبة إلى الحكم الأول:- فقد تعرض إليه غير واحدٍ من الفقهاء فقال صاحب الجواهر(قده) بعد أن حكم صاحب الشرائع بلزوم الإعادة ما نصّه:- ( لأصالة الشغل وعن الشافعي قولٌ بالإجزاء لأن الظاهر الإصابة وهو كما ترى [1] ) [2] ولعل مقصوده من أصالة الشغل الإشارة إلى قاعدة الاشتغال اليقيني أو الاستصحاب ، هكذا ذكر غيره من الفقهاء وهو حكم على طبق القاعدة وذلك إما لأجل التمسك بحكم العقل - يعني من شك في الامتثال فعليه اليقين بتحققه وهو ما يعبر عنه بأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني - ويمكن التمسك بالاستصحاب أيضاً فيقال نحن نشك هل أصابت الحصاة الجمرة أو لا ؟ ومقتضى الاستصحاب عدم تحقق الإصابة.
 وقد يعترض معترض ويقول:- إن الجمع بين البيانين ليس بوجيه إذ مع جريان الاستصحاب الذي هو أصل محرز لا تصل النوبة آنذاك إلى حكم العقل بأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فإن الاستصحاب حيث إنه محرز فهو يحرز لنا عدم تحقق الإصابة فلا تصل النوبة إلى القاعدة المذكورة التي أخذ فيها الشك بفراغ الذمة.
 ويمكن ردّه:- بأن المقصود من الجمع بين الوجهين المذكورين الإشارة إلى أن كل واحدٍ منهما صالح في حدّ نفسه لإثبات المطلوب - يعني بقطع النظر عن الآخر - كما في كل دليلين يتمسك بهما لإثبات قضيّة من القضايا فإن المقصود هو التمسك بكلِّ وجهٍ بقطع النظر عن جريان الآخر وعدمه.
 هذا مضافاً إلى أن نتيجة هذين الدليلين متوافقة فإن نتيجة الاستصحاب هي عدم تحقق الإصابة الذي نتيجته لزوم التأكد والإعادة وقاعدة الاشتغال اليقيني أيضاً نتيجتها ذلك - أي لزوم الإعادة - فهما إذن متوافقان من حيث النتيجة والذي يذكر في علم الأصول من أن الأصل الموضوعي مقدَّم على الأصل الحكمي فإن استصحاب عدم الإصابة ينقِّح الموضوع - يعني لم تتحقق الإصابة - فهو أصل موضوعي بينما قاعدة الاشتغال أصل حكمي ينظر إلى وجوب الإعادة فما ذكر في علم الأصول من أن الأصل الموضوعي مقدَّم على الأصل الحكمي لأن الموضوعي حاكم على الأصل الحكمي لو تمَّ هناك فنقبله في حالة ما إذا كان الأصلان متخالفين من حيث النتيجة كما في استصحاب طهارة الماء الذي غسل به ثوب نجس فإن مقتضى استصحاب طهارة الماء هو الطهارة - أي طهارة الماء ومن ثم طهارة الثوب - بينما استصحاب نجاسة الثوب يثبت عكس ذلك إنه هنا يتقدم الأصل السببي على المسبَّبي والموضوعي على الحكمي وأما إذا كانا متوافقين كما هو الحال في محلّ كلامنا فاختصاص الجريان بالأصل السببي أو الموضوعي هو أوّل الكلام ، بل يمكن أن يقال هما يجريان معاً ويكون أحدهما مؤكداً للآخر بعدما كانت النتيجة واحدة ولا مانع من ذلك.
 بل نصعد اللهجة ونقول:- إذا فرض أن العقل كان يحكم بلزوم تفريغ الذمة عند الشك في الاصابة وعدم وجود أصل ينقح ويثبت أنه لم تحصل الإصابة فبالأولى يحكم العقل بلزوم الإعادة إذا فرض أن الأصل الآخر كان يقتضي عدم تحقق الإصابة.
 هذا كله بالنسبة إلى الحكم الأول وقد قلنا إنه لا كلام فيه وإنما الكلام في التخريج الفنّي وقد اتضح.
 وأما الحكم الثاني:- فيجدر الالتفات إلى مطلبٍ كليّ ومقامنا صغرى لذلك هو أن كل من شك في تحقق الواجب منه فيلزم على ما ذكرنا التأكد من أدائه وذلك بالإعادة لأجل قاعدة الاشتغال اليقيني أو الاستصحاب ولكن نرفع اليد عن هذا في ثلاث حالات وهذا مطلب كليّ سيّال -
 الحالة الأولى:- إذا فرض صدق عنوان المضي يعني أن العنوان السابق قد مضى وانتهى وشككت بعد ذلك في بعض شروطه كما لو فرض أن المكلف أكمل صلاته ثم شك في شرطٍ من شروطها كأن شك في أنه استقبل القبلة أو لا وهل كان ثوبه طاهراً أو لا .... وهكذا إنه هنا يصدق عليه أن صلاته قد مضت والشك بعد المضي لا عبرة به وذلك للقاعدة العامّة المشار إليها في موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ( كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو ) والمقصود من ( كما هو ) [3] أي بترتيبه الصحيح الشرعي المطلوب ، وهي كما ترى قاعدة عامة لا تختص بمورد دون آخر.
 الحالة الثانية:- إذا كان الشك بعد الدخول في الجزء الآخر المترتب على الجزء الأول . ومستند ذلك صحيحة زرارة الواردة في مسألة من شك في جزءٍ من أجزاء الصلاة وقد دخل في غيره فإنه عليه السلام حكم بعدم الاعتناء بالشك ثم ذكر عليه السلام قاعدة بالشكل التالي ( يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء ) [4] ومقتضاها في مقامنا هو أنه لو شك في تحقق الإصابة بعد أن فرض دخول المكلف في الواجب الآخر - أعني الذبح أو الحلق مثلاً - فلا يعتني بشكّه.
 نعم هناك إشكال فنّي أو علمي:- وهو أن هذه القاعدة التي ذكرها الامام عليه السلام هي يحتمل أن تكون مختصة بباب الصلاة إذ الحديث كان عن باب الصلاة ثم بعد ذلك ذكر عليه السلام القاعدة المذكورة فكيف نثبت أن القاعدة المذكورة عامة ؟ ويكفينا لوجاهة هذا الإشكال الشك - أعني احتمال أنها مختصة بباب الصلاة - اللهم إلا أن يدّعي شخصٌ أن لها ظهوراً في العموم والشمول لكل باب من الأبواب من دون اختصاص بباب الصلاة ولكن من أين هذا ؟! إننا نسلم أن لها جنبة عموميّة لأن الإمام عليه السلام قال:- ( يا زرارة إذا خرجت من شيءٍ ثم دخلت في غيره ) فنسلّم أن هذا مطلب عام ولكن من قال إن الإمام يريد العموم بدرجته الوسيعة الشاملة لغير باب الصلاة ؟ فلعله يقصد العموم في خصوص باب الصلاة فإن العموم له مراتب والمرتبة المتيقنة هي باب الصلاة وأما المرتبة الأخرى فهي مشكوكة ولا ظهور في إرادة العموم بالدرجة الوسيعة جداً فكيف يُدفع هذا الإشكال ؟
 ولعل البعض يجيب ويقول:- نحن تعلمنا أن المورد لا يخصص الوارد.
 وجوابه:- إن هذا نسلّمه إذا فرض أن الوارد كان عاماً وله ظهور في العموم الوسيع فحينئذ يقال إن المورد لا يخصص أما إذا فرض أن المورد كان بشكلٍ يمكن الاستناد إليه في إرادة العموم غير الوسيع فلا معنى لتطبيق مثل هذا الكلام .
 وواضح بأن الإشكال تامٌّ على أحد مبنيين:-
 المبنى الأول:- على مبنى الشيخ الخراساني(قده) في باب الاطلاق حيث ذهب إلى أن القدر المتيقن في باب التخاطب يمنع من التمسك بالإطلاق وهنا الحوار بين الإمام عليه السلام وزرارة كان عن الصلاة وأجزائها فهذا هو القدر المتيقن من في مقام التخاطب وليس من الخارج فبناءً على أنه يمنع من الاطلاق فلا يتحقق الاطلاق فيكون الإشكال تاماً.
 المبنى الثاني:- وهو ما نصير إليه وهو أن شرط التمسك بالإطلاق أن يستهجن من المولى الاطلاق إذا فرض أنه كان يريد المقيَّد واقعاً فإنه متى ما استهجن منه الاطلاق فذلك مورد لانعقاد الاطلاق فينعقد الاطلاق ويصح التمسك به بالدرجة الوسيعة أما إذا فرض أن المتكلم برز وقال إن مرادي الواقعي هو خصوص باب الصلاة فإذا لم يستهجن منه ذلك فلا يصح التمسك بالإطلاق ، إنه إذا بنينا على هذا فلا يصح التمسك بالإطلاق أيضاً إذ لو برز الإمام عليه السلام وقال إن مقصودي هو باب الصلاة فلا نستهجن منه ذلك ولو قلنا له إذن لماذا لم تقيد ؟ إذا يجيب بأن حوارنا كان عن باب الصلاة فما الحاجة إلى التقييد ؟!
 إنه على هذين المبنيين يكون الإشكال تاماً . نعم من يرفضهما فمن حقه التمسك بالإطلاق كالسيد الخوئي(قده) وغيره فإنه يتمسك بالإطلاق ويقول إن حكم الامام هنا مطلقٌ والقدر المتيقن في مقام التخاطب لا يمنع من انعقاد الاطلاق.
 وعلى أي حال يمكن أن نثبت السعة والشموليَّة من خلال البيان التالي وذلك بأن يقال:- إن الحكم الذي ذكره الإمام عليه السلام ليس حكماً تعبديّاً محضاً وإنما هو حكم عقلائي فالعقلاء يرون ذلك أيضاً - يعني أن المكلف إذا دخل في الجزء الآخر فمن المناسب أن لا يعتني للشك بعد دخوله في الجزء الآخر - والمقصود العقلاء هو أنه لو ألفتت أنظارهم إلى ذلك لقالوا إن هذا وجيه ولتقبلوه تقبلاً حسناً ، واذ سلمنا بأنه عقلائي فنضمّ إليه إحدى مقدمتين:-
 الأولى:- إن الحكم مادام عقلائياً فسوف تثبت له السعة تبعاً لعقلائيته - يعني يتولّد له ظهور في العموم الوسيع - فإن ذلك لا زم كونه عقلائياً.
 والثانية:- أن نقول إن العقلاء يلغون خصوصيّة المورد - يعني يقولون صحيح أنه وارد في باب الصلاة ولكن لأجل الجزم بعدم الخصوصية يكون الحكم عاماً من هذه الناحية -.
 والفارق بين هذين هو أنه على الثاني نسلّم أن مورده هو خصوص باب الصلاة ولكن نتعدى إلى غير باب الصلاة بسبب الغاء العقلاء لخصوصيّة المورد كما لو فرض أن شخصاً سأل الإمام عليه السلام وقال ( أصاب ثوبي دمٌ ) فإذا قال له الإمام ( يجب عليك أن تغسله ) فنقول إن المورد وإن كان هو الثوب ولكن نتعدى إلى العباءة وغيرها مما يشبه الثوب إلغاءً لخصوصيّة المورد ، وأما على البيان الأول فمن البداية نقول إن الحكم حكمٌ عامٌ لا أن نقول هو مختص بموردٍ خاصٍ ثم نعمم بسبب إلغاء العقلاء للخصوصية.
 وعلى أي حال نحن أيضاً نرتضي عموميّة القاعدة المذكورة من جهة أن الحكم المذكور عقلائي والعقلاء لا يرون فرقاً بين باب الصلاة وبين غيرها فنتعدى ونعمّم لأجل الحكم العقلائي المذكور وليس لأجل أن القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يمنع من انعقاد الاطلاق.


[1] ومقصوده أنه من أين لك هذا الظهور أيها الشافعي ؟!
[2] الجواهر، ج19 ص106.
[3] الوسائل، ج8 ص237 ب23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح3.
[4] المصدر السابق ح1.