34-05-20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع: الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 المستند الثالث:- الأخبار البيانيّة ، أعني التي يبيّن فيها الإمام عليه السلام كيفية حجّ النبي صلى الله عليه وآله فإنه رمى جمرة العقبة في اليوم العاشر حسب ما ذكر في هذه الأخبار البيانيّة وقد جاءت الإشارة إليها في الوسائل [1] .
 وقد أشكلنا سابقاً على التمسك بها:- بأنها فعلٌ والفعل أعم من الوجوب فمن المحتمل أنه فعل ذلك من باب الاستحباب وليس من باب الوجوب ، اللهم إلا أن يدّعى كما ادعى السيد الخوئي(قده) في الأخبار البيانيّة الواردة في باب الوضوء أن ظاهر الأخبار المذكورة هو أن كل ما يذكره الإمام عليه السلام هو واجب فإنه في مقام بيان الكيفيّة - يعني الواجبة - فنتمسك بهذا الظهور ولا نرفع اليد عنه إلا إذا قام دليل على ذلك - أي مخصّص - هكذا ادعى(قده) ، فإنه بناءً على هذا يمكن أن نستفيد من الأخبار المذكورة الوجوب تمسّكاً بظاهرها والمفروض أنه لم يقم دليلٌ على نفي الوجوب حتى نرفع اليد عن هذا الظهور.
 وقد أشرنا إلى التعليق على ذلك وقلنا إن عهدة دعوى هذا الظهور على مدّعيها ، يعني أن ما ذكره(قده) شيء محتمل ووجيه ولكن لا يبلغ درجة الظهور بحيث يتكوّن ظهورٌ للرواية بذلك والمسألة من هذه الناحية تتبع الفقيه ، وعلى أي حال المورد من الموارد القابلة للقبول والرفض.
 المستند الرابع:- صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( خذ حصى الجمار ثم اات الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قِبَلِ وجهها ولا ترمِها من أعلاها وتقول والحصى في يدك اللهم هؤلاء حصياتي فاحصهن .... ) [2] ، وقد تمسّك بها غير واحدٍ من الأعلام كصاحب المدارك [3] وصاحب الجواهر [4] ، ولعل تقريب الدلالة شيء واضح فإنه عليه السلام قال:- ( فارمها من قبل وجهها ) وحيث أن الأمر يدل على الوجوب فيثبت بذلك الوجوب.
 وفيه:- إن محل كلامنا هو في رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر وهذه الرواية يحتمل فيها الإشارة إلى رميها فيما سوى ذلك من أيام . مضافاً إلى ذلك أن الرواية تشتمل على بعض المستحبّات فلا يمكن الانتفاع بها في إثبات الوجوب إلا بناءً على مسلك حكم العقل.
 غير أنه لو غضضنا النظر من هاتين الناحيتين فيمكن أن نقول إنها بصدد بيان الجهة التي ترمى منها الجمرة وليست بصدد البيان من ناحية أصل وجوب الرمي فإنه توجد قضيتان لابد من التفرقة بينهما إحداهما أصل وجوب الرمي وثانيهما الجهة التي يرمى من ناحيتها الجمرة ونحن نريد أن نثبت الأول - يعني أصل الوجوب - دون الجهة وهذه ناظرة إلى الجهة فكيف نثبت آنذاك الوجوب ؟! وبالتالي نريد أن نقول:- يحتمل أن هذه الرواية ناظرة إلى بيان الوجوب الشرطي وأنه لو أردت أن ترمي فجهة الرمي لابد وأن تكون كذا أما أن أصل الرمي واجبٌ فهذا أوّل الكلام ، وهذا نظير ما إذا قلت ( توضأ من الأعلى فالأعلى أو بالماء المطلق أو بالماء المباح ) فهل يستفاد من ذلك وجوب أصل الوضوء ؟ كلا وإنما المقصود هو بيان الوجوب الشرطي يعني أن من شرائط صحّة الوضوء هو أن يكون من الأعلى فالأعلى سواء كان الوضوء واجباً أم مستحباً فلا يمكن أن نثبت وجوب الوضوء بهذا الأمر ومقامنا من هذا القبيل فإنه قد ذكرت الجهة التي يرمى منها ولعل ذلك بيان للوجوب الشرطي كما في مثال الوضوء ، وهي نكتة ظريفة جداً يجدر الالتفات إليها.
 إن قلت:- إنه توجد في الرواية فقرات أخرى يمكن أن نستفيد منها الوجوب - أعني مثل قوله ( خذ حصى الجمار ) وأيضاً ( ثم اات الجمرة القصوى ) - فإن هذا أمرٌ فلو كان رمي جمرة العقبة ليس لازماً فلا معنى لقوله عليه السلام بنحو الأمر ( خذ حصى الجمار ) أو ( اات الجمرة القصوى ) فهذان التعبيران بنفسيهما دالّان على وجوب جمرة العقبة وإلا كان الأمر بأخذ الجمار والأمر بإتيان الجمرة القصوى لغواً وبلا معنى . إذن فقرة الاستدلال لا تنحصر بقوله عليه السلام ( ارمها من قبل وجهها ) حتى يقال بأنها ناظرة إلى بيان الجهة دون أصل الرمي ، كلا بل توجد فقرة أخرى وهي ما أشرنا إليه.
 قلت:- إن هذين الأمرين هما بيان للوجوب الشرطي أيضاً فإن رمي جمرة العقبة من وجهها يلازم أخذ الجمرة ويلازم الإتيان إلى الجمرة القصوى فذكر ذلك من باب توقّف رمي الجمرة من قبل وجهها على ذلك من قبيل أن يقال في باب الوضوء ( افتح صنبور الماء ثم خُذ الماء ) فإن هذا لا يمكن أن يستفاد منه وجوب الوضوء وإنما هو من باب توقف الإتيان بالوضوء سواء كان واجباً أو مستحباً على فتح الصنبور وعلى أخذ الماء وهنا أيضاً يحتمل أن يكون الأمر من هذا القبيل ، وعلى أي حال استفادة الوجوب من هذه الرواية شيء مشكل أيضاً.
 المستند الخامس:- ما دلّ على جواز الإفاضة للنساء ليلاً وأنهن يرمين جمرة العقبة ليلاً وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك من قبيل صحيحة سعيد الأعرج:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- معنا نساء ، قال:- أفِض بهنَّ بليلٍ ولا تفض بهنَّ حتى تقف بهنَّ بجمعٍ ثم أفِض بهنَّ حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة ) [5] فإنها دلت على لزوم رمي الجمرة والأمر وإن كان من خلال الجملة الفعلية ولكن الثابت في علم الأصول حسب ما قرأنا في الكفاية أن الجملة الفعلية في مقام الإنشاء تدل على الوجوب أيضاً خلافا للشيخ النراقي(قده) ، وقد تمسك بها غير واحدٍ من الفقهاء منهم صاحب الجواهر(قده) [6] ، وذكر السيد الخوئي(قده) في المعتمد ما نصّه:- ( فإن الترخيص لهم ليلاً يكشف عن ثبوت أصل الوجوب في النهار ).
 وفيه:- إنها واردة في رمي جمرة العقبة يوم العاشر ولا يحتمل أنها ناظرة إلى رمي سائر الأيام وهذا شيء مسلم ولا تأمّل من ناحيته ولكن يرد عليها أن الأمر فيها وارد في مورد توهم الحظر وهو كما قرأنا في علم الأصول لا يدل على الوجوب فكأنه هناك توهّم أن الجواز مختصّ فالإفاضة ليلاً من المشعر الحرام لذوي الأعذار وأما الرمي فلابد وأن يكون في النهار ولا إشكال في أن هذا التوهّم موجودٌ والإمام عليه السلام أمر وقال ( يرمين ليلاً ) والمقصود إنه يجوز لذوي الأعذار الرمي ليلاً ، وعلى هذا الأساس أقصى ما يريد أن يقوله عليه السلام هو أن الرمي الثابت في حقهم نهاراً يجوز أن يُقدَّم ليلاً أما الثابت نهاراً ما هو هل هو واجب أو مستحب ؟ إنه شيء مسكوت عنه فلا يمكن أن نفهم من ذلك أن أصل الرمي في النهار واجب كما أراد السيد الخوئي(قده) ذلك بل غاية ما يفهم هو أن الرمي الثابت مشروعيته في النهار يجوز تقديمه لذوي الأعذار ليلاً أما أنه ثابت في النهار بنحو الوجوب فقضية مسكوت عنها ، وعليه فاستفادة الوجوب من هذه الرواية شيء مشكل أيضاً.
 المستند السادس:- صحيحة عمر بن أذينة:- ( كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العباس .... وسألته عن قوله تعالى " الحج الأكبر " ما يُعنى بالحج الأكبر ؟ فقال:- الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار والحج الأصغر العمرة ) [7] ، وقد تمسك بها غير واحد من الفقهاء كالسيد الحكيم(قده) في دليل الناسك [8] ، وهكذا السيد الخوئي(قده) في المعتمد وذكر ما نصه:- ( ويستفاد الوجوب أيضاً من إطلاق رمي الجمار فإنه يشمل العقبة كصحيحة ابن اذينة ... ) . إذن نحن نحتاج في إثبات الدلالة إلى مقدمة وهي الإطلاق إذ لو لم نتمسك بذلك ونضمّه إلى الرواية فقد يقال آنذاك يحتمل أنها ناظرة إلى الرمي في غير اليوم العاشر فنحتاج إذن إلى التمسك بالإطلاق حتى نعمّم للرمي في اليوم العاشر وبذلك يثبت مطلوبنا.
 ويرد عليه:-
 أولاً:- إن أصل دلالتها على الوجوب محل تأمل ومن الغريب إن العلمين لم يشيرا إلى ذلك وكان من المناسب لهما تسليط الأضواء على ذلك - يعني كيف نستفيد منها الوجوب ؟ - ونحن لا نرى في الرواية ما يدل على الوجوب فإنها ناظرة إلى الآية الكريمة - أعني قوله تعالى في سورة براءة ( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله ) - فوردت كلمة ( الحج الأكبر ) هنا وعمر بن أذينة يسأل الإمام ويقول له ما هو المقصود منها والإمام فسَّرها وقال ( يعني الوقوف بعرفة ورمي الجمار ) وغاية ما نفهمه هو أن البراءة لابد وأن تصير في الموقف الذي يجمع الناس وهو عند عرفة فإنهم جميعاً بعد الزوال في حالة تأهب وسماع ولعله لم يذكر المشعر من باب أن الناس يجيئون إليه من عرفة وهم في حالة تعب فينامون أما في عرفة فهم في حالة اجتماع وتأهب فالبراءة تكون هناك كما تكون في موردٍ آخر وهو رمي الجمار حيث يجتمع الناس أما أن رمي الجمار واجب فمن أين ذلك ؟! فالرواية لا إشكال في قصور دلالتها على الوجوب.
 هذا مضافاً إلى أن التمسك بالإطلاق مشكل كما حاوله السيد الخوئي(قده) فإن الرواية ناظرة إلى تفسير يوم الحج الأكبر وفسّرته برمي الجمار أما أنه كل يومٍ من رمي الجمار هو كذلك - يعني يصدق عليه أنه يوم الحج الأكبر - فهي ليست في مقام البيان من هذه الناحية . إذن التمسك بالإطلاق مشكل وإثبات أصل الدلالة على الوجوب مشكل أيضاً.


[1] وسائل الشيعة، ج11، ص216، أبواب أقسام الحج، ح4، ط آل‌البيت.
[2] وسائل الشيعة ، ج14، ص58، ب3 من أبواب رمي جمرة العقبة، ح، ط آل‌البيت 1.
[3] مدارك الأحكام، ج8، ص6.
[4] جواهر الكلام، ج19، ص102.
[5] وسائل الشيعة، ج14، ص28، ب17، من أبواب الوقوف بالمشعر، ح2، ط آل‌البيت 1.
[6] جواهر الكلام، ج19، ص102.
[7] وسائل الشيعة، ج11، ص7، ب1، من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح2، ط آل‌البيت 1.
[8] دليل الناسك، السيد محسن الحكيم، ص363.