34-05-19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 أفعال منى في اليوم العاشر
 قال(قده):- إذا أفاض المكلف من المزدلفة وجب عليه الرجوع إلى منى لأداء الأعمال الواجبة هناك وهي كما نذكرها تفصيلاً ثلاثة:-
 الأول:- جمرة العقبة.
 الكلام يقع في الواجب الأول من واجبات منى في اليوم العاشر وهو رمي جمرة العقبة والكلام في ذلك يقع تارةً من حيث الفتوى وأخرى من حيث المستند:-
 أما من حيث الفتوى:-
 فقد اختلفت الكلمة في هذا المجال فالمنسوب إلى الشيخ(قده) في كتابه ( الجمل والعقود ) أن ذلك مسنون [1] وقيل بأنه وردت أخبار بكونه مسنوناً ، ولم يكتفى بنسبة هذا للشيخ(قده) فقط بل نسب إلى الشيخ المفيد وابن البراج وابن الجنيد ذلك وربما ينسب إلى الشيخ الطبرسي في مجمع البيان أيضاً ، بل ربما تصعّد اللهجة ويقال إنه لا مصرِّح بالوجوب إلا المحقق وابن سعيد الحلي هذا من جهة.
 ومن الجهة الثانية هناك من ينسب إليه دعوى عدم الخلاف في المسألة وهو ابن ادريس في سرائره فإنه نسب إليه أنه يرى أن لا خلاف في الوجوب وأن كلمة ( السنّة ) أو ( المسنون ) المنسوبة إلى الشيخ لا يراد منها الاستحباب بل هي بمعنى الواجب الذي ثبت بسنَّة الرسول صلى الله عليه وآله في مقابل ما ثبت بالكتاب الكريم حيث يعبّر عنه بـ( الفرض ) ، وربما نسب عدم الخلاف إلى العلامة في بعض كلماته(قده) أيضاً . وفي هذا البين وجد آخرون ممن أثبت الخلاف بلهجةٍ شديدةٍ كصاحب الحدائق(قده) فإنه ادّعى بضرسٍ قاطعٍ أن المسألة خلافية وأن ما ذكره ابن إدريس من عدم مخالفة الشيخ أمرٌ في غير محلّه فإن الشيخ لو كانت له تلك العبارة فقط فلعل الحق مع ابن إدريس ولكن له عبائر أخرى لا يمكن توجيهها بما ذكر بل إن الشهيد(قده) في دروسه الذي هو أعرف بكلمات الأصحاب نسب الخلاف إلى الشيخ والمفيد وغيرهما ، ولكن صاحب المدارك كانت لهجته مخفّفة على خلاف لهجة صاحب الحدائق .
 وعلى أي حال يصعب من خلال هذه الأجواء تحصيل الإجماع في المسألة خلافاً لما يظهر من صاحب الجواهر(قده) فإنه حاول تحصيل الإجماع فيها مدعياً أن كلام الشيخ يفسّر بعضه بعضاً فإذا كان هناك إجمال في كلامه في كتاب ( الجمل والعقود ) حيث عبّر بالسّنة والمسنون ولكنه في المبسوط ذكر عبارةً واضحةً في الوجوب حيث قال على ما في الجواهر:- ( وعليه بمنى يوم النحر ثلاثة مناسك أوّلها رمي الجمرة الكبرى ) [2] فإن تعبيره بكلمة ( وعليه ) يدل على الوجوب فلابد من توجيه تلك العبارة ، فالمسألة في نظر صاحب الجواهر يمكن أن يدّعى فيها الإجماع . وهكذا يظهر من السيد الخوئي(قده) في المعتمد.
 والذي دعانا إلى هذا التطويل وعرض هذه الصورة هو أنه سوف يأتي إن شاء الله تعالى أن تحصيل المستند لإثبات وجوب رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر شيءٌ صعب ، ومن هنا ذهب بعض المتأخرين كالسيد الروحاني(قده) في المرتقى [3] إلى الاستحباب حيث قال:- ( بل يقوى في النظر كونه ندبيّاً ) ، ولأجل أن المستند ليس واضحاً أطلنا الكلام في أن الإجماع ثابت أو لا فإنه لو كان ثابتاً فقد يساعدنا في إثبات الوجوب أما إذا كانت المسألة خلافية فسوف لا نستفيد من هذه الجهة .
  وعلى أي حال قال في المدارك:- ( قال العلامة في التذكرة والمنتهى إنه لا يعلم فيه خلافاً ، ثم قال في المنتهى " وقد يوجد في بعض العبارات أنه سنّة وذلك في بعض أحاديث الأئمة عليهم السلام " [4] وفي لفظ الشيخ في الجمل والعقود وهو محمول على الثبت بالسنّة لا أنه مستحب . وقال ابن ادريس " لا خلاف عندنا في وجوبه ولا أظن أن أحداً من المسلمين يخالف فيه " .... ) [5] .
  وفي الحدائق نقل في البداية عن المختلف نسبة كونه مسنوناً إلى الشيخ في الجمل وإلى ابن البراج إلى أن قال في المختلف:- ( وقال ابن حمزة " الرمي واجب عند أبي علي مندوب إليه عند الشيخ أبي جعفر ".... وقال ابن ادريس " وهل رمي الجمار واجب أو مسنون ؟ لا خلاف بين أصحابنا في كونه واجباً ولا أظن أن أحداً من المسلمين يخالف فيه وقد يشتبه على بعض أصحابنا ويعتقد أنه مسنون غير واجب لما يجده من كلام بعض المصنفين وعبارة موهمة أوردها في كتبه ويقلد المسطور بغير فكر ولا نظر وهذا غاية الخطأ وضد الصواب فإن شيخنا قال في الجمل:- والرمي مسنون فظن من يقف على هذه العبارة أنه مندوب وإنما أراد الشيخ بقوله مسنون أن فرضه عُرِف من جهة السنّة لأن القرآن لا يدل على ذلك " ) [6] .
 ثم بعد ذلك علّق صاحب الحدائق(قده) على كلام السرائر قائلاً:- ( لو لم يكن ثمّة إلا عبارة الشيخ في الجمل التي ذكرها لأمكن ما ذكره من التأويل إلا أن كلمات الشيخ وغيره متكثّرة بذلك ولهذا قال في الدروس " ذهب الشيخ والقاضي وهو ظاهر المفيد وابن الجنيد إلى استحباب الرمي وقال ابن ادريس لا خلاف عندنا في وجوبه " .. ) ، ثم نقل صاحب الحدائق عن الشيخ الطبرسي في مجمع البيان في ذيل قوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) [7] قد توحي بأن رمي جمرة العقبة ليس بواجبٍ لأنه ذكر أركان الحج واجباته الأخرى غير الأركان ولم يذكر في الأركان ولا في الواجبات غير الأركان رمي جمرة العقبة.
 ثم لا يخفى أن صاحب الحدائق(قده) إنه قال ( إن للشيخ عبارات متكثرة ) ولا أدري أين تلك العبارات ؟!
 والخلاصة من كل هذا:- إن تحصيل الإجماع على ما اتضح شيء صعب بعد نسبة الشهيد في الدروس إلى الأعلام الأربعة - أعني الشيخ والمفيد وابن البراج وابن الجنيد - استحباب الرمي .
 ولكن الشيء الذي أريد أن اقوله إضافة إلى ما أشرت إليه من صعوبة تحصيل الإجماع في المسألة وهو أن صاحب الحدائق والمدارك نسبا إلى ابن إدريس أنه ادعى عدم الخلاف في المسألة ولكن ينبغي أن نفرّق بين الرمي يوم العاشر والرمي بعد اليوم العاشر - أي بعد الذهاب إلى مكة لأداء الطواف والسعي والعود إلى منى فإنه يوجد رمي أيضاً - وإذا رجعنا إلى السرائر نجد أن دعوى عدم الخلاف في المسألة هو في رمي غير اليوم العاشر وأما في رمي يوم العاشر فهو لم يدّع عدم الخلاف فيه بل له تعبير قد يوحي بالاستحباب - يعني نفس صاحب السرائر - فإنه قال بالنسبة إلى رمي جمرة العقبة يوم العاشر:- ( وينبغي أن يرمي يوم النحر جمرة العقبة وهي التي إلى مكة أقرب بسبع حصيات يرميها من قبل وجهها وحدها ذلك اليوم فحسب ) [8] فإنه عبّر بكلمة ( ينبغي ) والتي قد توحي بالاستحباب ، ثم بعد ذلك عقد باباً [9] باسم ( باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ورمي الجمار ) [10] قائلاً فيه:- ( وهل رمي الجمار واجب أو مسنون ؟ لا خلاف بين أصحابنا في كونه واجباً ولا أظن أن أحداً من المسلمين يخالف في ذلك ) [11] ، إنه ذكر هذه العبارة ناظراً بها إلى رمي ما بعد اليوم العاشر وأما رمي يوم العاشر فهو قد أشار إليه بتلك العبارة - أي بكلمة ( وينبغي ... ) - ومن الغريب أنه وقع مثل هذا الاشتباه من أحد الأعلام ثم تبعه آخرون . وعلى أي حال إن المسألة لم يثبت أنها اجماعية . هذا من حيث الفتوى
 وأما من حيث المستند:-
 فقد استدل بعدة وجوه لإثبات الوجوب:-
 الوجه الأول:- التأسّي ، وقد تمسك بذلك في المدارك [12] والجواهر [13] والرياض [14] وغير هؤلاء.
 والإشكال فيه واضح:- حيث ذكرنا أكثر من مرَّة أن الفعل أعمُّ من الوجوب.
 الوجه الثاني:- ما نقله في الرياض [15] عن الذخيرة للسبزواري بقوله:- ( توقف يقين البراءة من التكليف الثابت عليه ) يعني أنه يريد أن يشير إلى قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
 وقد ذكرنا غير مرَّة أنا نذهب إلى عالم شغل الذمة قبل أن ننظر إلى عالم الامتثال فإن النظر إلى عالم الامتثال فرع الفراغ عن عالم شغل الذمة فإذا فرغنا أن ذمتنا قد اشتغلت بكذا فنذهب آنذاك إلى عالم الامتثال ونقول ( الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ) أما إذا فرض أن عالم شغل الذمة لم يكن واضحاً فلا معنى للتمسك بقاعدة الاشتغال اليقيني ، وفي المقام نقول نحن لو ذهبنا إلى عالم شغل الذمة لا نتمكن أن نجزم بأن ذمتنا قد اشتغلت بالحج المقيّد بأمور منها رمي جمرة العقبة يوم العاشر فإنه لم يدلّ دليلٌ واضحٌ على ذلك فلا يقين بالاشتغال وإنما هناك يقينٌ بالاشتغال بالحج في الجملة والحج في الجملة قد أتينا به وأما المقيد برمي جمرة العقبة يوم العاشر فلا يقين باشتغال الذمة به حتى نطبّق قاعدة ( الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ) ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.


[1] أي رمي جمرة العقبة يوم العاشر.
[2] جواهر الكلام، ج19، ص102.
[3] المرتقى إلى الفقه الأرقى، ج2، ص326.
[4] والذي يمكن ذكره كشاهدٍ للأخبار ما هو منقول عن دعائم الإسلام حيث جاء ما نصه في المستدرك، ج10، ص67، حيث قال صاحب الدعائم القاضي نعمان المصري:- ( عنه عليه السلام أنه قال:- لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله من المزدلفة مرّ على جمرة العقبة يوم النحر فرماها بسبع حصيات ثم أتى منى وكذلك السنًّة ) هكذا ورد في مستدرك النوري ، وأما في المصدر على ما قيل - أي في دعائم الإسلام - ( وذلك السنّة ).
[5] مدارك الأحكام، السيد محمد العاملي، ج8، ص6.
[6] الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني، ج17، ص7.
[7] البقرة، آیه196.
[8] السرائر، ابن إدريس الحلي، ج1، ص591.
[9] السرائر، ابن إدريس الحلي، ج1، ص606.
[10] ولا أعلم هل أن هذا الباب منه أو من المحققين، وهذا ليس بمهم.
[11] السرائر، ابن إدريس الحلي، ج1، ص606.
[12] مدارك الأحكام، السيد محمد العاملي، ج8، ص6.
[13] جواهر الكلام، ج19، ص103.
[14] رياض المسائل، السيد علي الطباطبائي، ج6 ص388، ط النشر الاسلامي.
[15] رياض المسائل، السيد علي الطباطبائي، ج6 ص410، ط النشر الاسلامي.