34-05-01


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- إدراك كلا الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 قال(قده):-
 أن يدرك الوقوف الاضطراري في كل من عرفات والمزدلفة . والاظهر في هذه الصورة صحة حجه وإن كان الأحوط إعادته في السنة القادمة إذا بقيت شرائط الوجوب أو كان الحج مستقراً في ذمته.
 إن محصّل هذه الصورة هي أن يدرك المكلف الاضطراري من الموقفين ، وقد وقع الخلاف في هذه الصورة وسبب ذلك هو اختلاف الروايات ، قال المحقق(قده) في الشرائع:- ( إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهاراً فوقف ليلاً ثم لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس فقد فاته الحج وقيل يدركه ولو قبل الزوال وهو حسنٌ ) فيظهر منه الميل إلى إمكان إدراكه ، وعلّق في المدارك(قده) بقوله:- ( هذا حكم من أدرك الوقوفين الاضطراريين . والأصح ما اختاره المصنف من إدراك الحج بإدراكهما وهو اختيار الشيخ في كتابي الأخبار وجمع من الأصحاب ورواه بخصوصه الشيخ في الصحيح عن الحسن العطار .... ) [1] ، وقريب من ذلك ذكر في الجواهر [2] . وعلى أي حال الصورة المفروضة تشتمل على نصّ خاص بها وقد دلَّ على الجزاء وما دام يوجد نصّ خاص فما معنى التوقف والخلاف ؟
 ولكن يوجد في المقابل ما يدلُّ على أن من لم يدرك المشعر قبل طلوع الشمس لم يدرك الحج والآن نقرأ هذه الرواية وكما نقرأ تلك الروايات ثم نرى:-
 أما الرواية الواردة في المورد:- فهي صحيحة الحسن العطار عن أبي عبد الله عليه السلام :- ( إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمعٍ ووجدهم قد أفاضوا فليقف قليلاً بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى ولا شيء عليه ) [3] فإنها ناظرة إلى الموقفين الاضطراريين وقد حكمت بالإجزاء حيث قالت:- ( إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر ) ومن المعلوم أن هذا عبارة عن الموقف الاضطراري فإن الوقت من بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر هو الموقف الاضطراري فإذا أدركه فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمعٍ ووجدهم قد أفاضوا - يعني بعد طلوع الشمس الذي هو عبارة عن الموقف الاضطراري للمشعر - فليقف قليلاً بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى ولا شيء عليه ، إذن هي واضحة في الحكم بالإجزاء وواضح في كونها واردة في محلّ الصورة التي نلحظها بلا تأمل.
 وأما ما دل على أن من يدرك الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فلا حج له:- فهي عدّة روايات:-
 منها:- صحيحة الحلبي المتقدمة حيث جاء فيها:- ( ... وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ... ) والمقصود من ( وإن لم يدرك المشعر الحرام ) يعني قبل طلوع الشمس فقد فاته الحج ، إذن هذه تدل على أنه بفوات الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس يفوت الحج.
 ومنها:- صحيحة حريز المتقدمة:- (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ مفردٍ للحج فاته الموقفان جميعاً ، فقال:- له إلى طلوع الشمس يوم النحر فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حجّ ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ) فإنها كسابقتها في أن المدار في إدراك الحج هو على إدراك المشعر قبل طلوع الشمس.
  ومنها:- رواية أو صحيحة محمد بن الفضيل - والترديد من جهة محمد بن الفضيل وأنه هل يمكن توثيقه أو لا ؟ - ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحدِّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج ، فقال:- إذا أتى جمعاً والناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له وإن لم يأت جمعاً حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حجّ له ) [4] ودلالتها واضحة أيضاً .... إلى غير ذلك من الروايات في هذا المجال فكيف نصنع ؟
 وفي هذا المجال يمكن أن يقال:-
 أولاً:- إن هذه الروايات الدالة على أن من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ومن لم يدركه كذلك فقد فاته الحج يوجد لها معارض وهو روايات أخرى دلّت على أن المشعر يمتد زمانه إلى زوال الشمس ومن لم يدركه إلى زوال الشمس فقد فاته الحج وهي روايات متعددة:-
 من قبيل:- صحيحة عبد الله بن المغيرة:- ( جاءنا رجل بمنى فقال:- إني لم أدرك الناس بالموقفين جميعاً .... فدخل اسحاق بن عمار على أبي الحسن عليه السلام فسأله عن ذلك فقال:- إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج ) [5] ودلالتها واضحة على ما ذكرناه وأن المدار على إدراك المشعر إلى الزوال.
 ومن قبيل:- صحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج ) [6] .
 ومنها:- صحيحة معاوية بن عمار:- ( قال لي أبو عبد الله عليه السلام:- إذا أدرك الزوال فقد أدرك الموقف ) [7] والمقصود من الموقف هنا هو المشعر إذ لا يحتمل إرادة عرفات إذ لا معنى له ... إلى غير ذلك من الروايات ، ومادامت هذه الروايات معارضة لتلك فحينئذ نقول بأنه يتساقط إطلاق تلك واطلاق هذه فتعود صحيحة الحسن العطار سالمة عمّا يقف أمامها فنأخذ بها بلا محذور.
 وثانياً:- إن الطائفة الأخيرة التي قالت ( إن من أدرك المشعر قبل الزوال فقد أدرك الحج ) هي ليست معارضة لصحيحة العطار بل هي موافقة لها بالنتيجة وإنما المخالف هي تلك الطائفة التي تقول ( إن من أدرك قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ) وحينئذ نقول لابد وأن ننظر بعينٍ إلى هذه الطائفة التي تجعل المدار إلى طلوع الشمس وننظر بالعين الأخرى إلى صحيحة العطار ويمكن أن يقال إن صحيحة العطار مخصصّة لإطلاق هذه فإن هذه بإطلاقها تدلّ على أن من لم يدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد فاته الحج وهي مطلقة - يعني سواء أدرك الموقف في عرفات الاختياري أو لا وسواء أدرك الاضطراري أو لا فعلى جميع التقادير لم ينفعه ذلك ما دام لم يدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس - فتأتي صحيحة العطار وتصير مخصصّة وتقول مادام قد أدرك عرفات ولو الموقف الاضطراري لها منضمّاً إلى اضطراري المشعر فيكفيه ذلك فتصير صحيحة العطار مخصصّة ومقيدةً للطائفة المذكورة وبذلك يصير المدار على صحيحة العطار من دون منازع.
 وثالثاً:- لو نظرنا إلى الروايات المذكورة التي تجعل المدار على إدراك المشعر قبل طلوع الشمس لوجدناها هي بنفسها ضيّقة وغير شاملة لمن أدرك موقف عرفات الاضطراري بلا حاجة إلى إعمال فكرة الإطلاق والتقييد بل هي في نفسها ضيقة ومختصة بحالة ما إذا لم يدرك المكلف موقف عرفات بكلا قسميه الاختياري والاضطراري وبذلك لا تصير معارضة لصحيحة العطار فلننظر إلى تلك الروايات من جديد فإن منها صحيحة الحلبي حيث جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات ، فقال:- إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده فقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الفجر ) فإنه عليه السلام جعل المدار على إدراك المشعر قبل طلوع الشمس فيما إذا فاتته عرفات - يعني حتى في الليل أي حتى الموقف الاضطراري - فالمقصود هو أن من فاتته عرفات بما في ذلك الوقوف ليلاً فحجّه لا يمكن تحققه إلا إذا أدرك الناس في المشعر قبل طلوع الشمس ، وهذا خارج عن محلِّ كلامنا فإن محلّ كلامنا هو في ما لو أدرك الموقف الاضطراري لعرفات بينما هذه الرواية تدلّ على أن من لم يدرك الموقف الاضطراري والاختياري لعرفات فالمدار يكون على الموقف الاختياري للمشعر - يعني إلى طلوع الشمس - إذن هي ضيّقة من البداية ولا تنفعنا.
 وأما رواية حريز فالوارد فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا ، فقال:- له إلى طلوع الشمس يوم النحر فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ) والمفروض في هذه الرواية أنه قد فاته الموقفان - يعني قد فاته الموقف الاختياري والاضطراري بعرفة - لا أن المفروض أنه فاته الموقف الاختياري فقط ولا أقل هي محتملة لذلك ويكفينا هذا المقدار . إذن هي في حدّ نفسها ليس فيها إطلاق حتى نحتاج إلى تقييدها بصحيحة العطار.
 وعلى هذا المنوال صحيحة محمد الفضيل التي جاء فيها:- ( سألت أبا الحسن عن الحدِّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج ، فقال:- إذا أتى جمعاً والناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ) يعني أن هذا المقدار لوحده لو أدركه فقد أدرك الحج ولو لم يدركه لم يدرك الحج والمقصود هو أنه بعد أن لم يكن قد أدرك شيئاً من غير ذلك - أي من عرفات - فآنذاك يصير المدار على إدراك المشعر إلى طلوع الشمس ، فهي إذن ضيقة في حدِّ نفسها أيضاً ولا أقل هي محتملة لذلك وبالتالي تبقى صحيحة العطار بلا معارض بالشكل الذي أشرنا إليه.
 وبهذا اتضح أن المناسب هو الحكم بالصحة في هذه الصورة كما ذكر السيد الماتن(قده) وجمع من الأصحاب.


[1] المدارك ج7 ص406.
[2] الجواهر ج19 ص42.
[3] الوسائل ج14 ص44 ب من أبواب الوقوف بالمشعر ح1.
[4] الوسائل ج14 ص38 ب23 من الوقوف بالمشعر ح3.
[5] المصدر السابق ح6.
[6] المصدر السابق ح9.
[7] المصدر السابق.