39/04/05


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حرمة حلق اللحية - مسألة ( 43 ) - المكاسب المحرّمة.

الحكم الأوّل:- حلق اللحية.

وإذا رجعنا إلى كلمات القدماء لعلنا لا نجد تعرّضاً إلى ذلك ، من قبيل كلمات الشيخ الطوسي وابن إدريس والمحقق والعلامة ، ولعل أوّل من أشار إلى ذلك الشهيد الأوّل ، فإنه ذكر في مسألة الخنثى ما نصّه:- ( ولا يجوز له حلق لحيته لجواز رجوليته[1] )[2] ، فهذا التعبير يدل على أنه يحرم حلق اللحية على الرجل ، وقد أشار المجلسي الأوّل إلى ذلك بما نصّه:- ( ولم يذكره فيما رأينا منهم غير الشهيد رحمه الله فإنه ذكر حرمة الحلق بلا ذكر خلاف[3] )[4] .

ومن جملة من تعرّض إلى هذا الحكم صاحب الوافي(قده) بعد نقل أخبار المسألة حيث قال:- ( وقد أفتى جماعة من فقهائنا بتحريم حلق اللحية ، وربما يستشهد لهم بقوله سبحانه .... )[5] ، فإذن هو نسبه إلى فتوى جماعة ولم ينسبه إلى المشهور.

وقد نسبه صاحب الحدائق(قده) إلى جملة من أصحابنا حيث قال:- ( الثانية: الظاهر كما استظهره جملة من الأصحاب كما عرفت تحريم حلق اللحية ) [6] ، ولم ينسبه إلى المشهور أيضاً.

وإذا رجعنا إلى الجواهر لم نجد تعرّضاً إلى المسألة بنحو تسليط الأضواء عليها ، لأنَّ المحقق الحلّي لم يتعرّض إليها فمادام لم يتعرّض للمسألة فصاحب الجواهر لم يتعرّض إليها أيضاً ، ولكن له عبارة ذكرها بمناسبةٍ ، وهي أنَّ المحقق ذكر في باب الحج أنَّ المرأة لا يجوز لها أن تحلّ من احرامها بالحلق وإنما بالتقصير ، فإنه لا يجوز لها الحلق في الاحرام كما لا يجوز لها ذلك في المصاب ، ثم قال: ولكن يوجد خبر ضعيف ولعلّه يدعم ، فإنَّ دعم فسوف يدل على الحرمة في غير ذلك ، فإن ثبت مضمون هذا الخبر - وهو أنه يحرم عليها في غير ذلك - كما لو صار حلق الرأس بالنسبة إلى النساء موديلاً في زماننا فهذا الخبر سوف يدل على عدم الجواز ويصير حكمها حكم حلق اللحية للرجل.

والشاهد هنا فهو جعل المشبّه به حلق الرجل لحيته ، يعني أنَّ هذا حرام فيصير حلق شعر رأسها بمثابة حلق اللحية للرجل أي يصير حراماً ، ولكن الحرام بالنسبة للرجل هو حلق اللحية وأما لها الحرام فهو حلق شعر رأسها ، فهو ذكر هذه العبارة فقط ولم يقل إنه هذا الحكم مشهور أو عليه الاجماع أو أي شيء آخر ، قال في ذيل قول المحقّق التي تقول( وليس على النساء حلق ) تعليقاً عليها ( بل يحرم عليهن ذلك[7] بلا خلاف أجده فيه [8] أيضاً بل عن المختلف الاجماع عليه وهو الحجة بعد المرتضوي " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن تحلق المرأة رأسها " أي في الاحلال لا مطلقاً فإنَّ الظاهر عدم حرمته عليها في غير المصاب المقتضي للجزع[9] للأصل السالم عن معارضة دليل معتبر ، اللهم إلى أن يكون هناك شهرة بين الأصحاب تصلح جابراً لنحو المرسل المزبور[10] بناءً على ارادة الاطلاق فيكون كحلق اللحية للرجال ) ، يعني بناءً على هذا إذا قلنا إنَّ هذا المرسل الذي فيه اطلاق وقلنا هو منجبر بعمل الأصحاب فسوف تصير حرمة حلق المرأة رأسها مثل حرمة حلق الرجل لحيته ، ولكنه لم يقل إنَّ هذا مشهور أو عليه الإجماع.

وإذا رجعنا الدرّة النجفية فلعلّه يظهر منها أنه يذهب إلى أنَّ الأفضل هو عدم حلق اللحية ، حيث قال ما نصه:- ( وحلقه[11] أولى وإنَّ الأصلحا ... في الشارب الحفّ[12] كإعفاء اللّحا )[13] ، فيظهر منه أنه هو الأصلح لا أنه شيء لازم.

ومن كلّ هذا نخرج بهذه النتيجة:- وهي أنَّ نسبة الاجماع على حرمة حلق اللحية إلى علمائنا شيء مشكل ، بل نسبة الشهرة ينبغي التحفّظ بلحاظه أيضاً ، كما أن نقول إنَّ المشهور ذلك فهذا صعب أيضاً لأنه لحد الآن لا توجد مثبتات للشهرة ، فإنَّ صاحب الحداق والوافي عبّروا بـ ( جملة ) أو ( جماعة ) ، فلا يوجد تعبير يوحي بأنَّ ذلك هو المشهور.

ومن هنا يتضح التأمل فيما ذكره السيد الخوئي(قده) حيث قال:- ( المشهور بل المجمع عليه بين الشيعة والسنة هو حرمة حلق اللحية )[14] ، فهو نسبه إلى المشهور ، بل صعّد اللهجة وقال ( بل المجمع عليه ) ، اللهم إلا أن يكون المقصود من المجمع عليه هو أنه ذهب جماعة من الخاصة وجماعة من العامة إلى ذلك ، فليس المقصود هو أنه مجمع عليه وإنما اتفقت كلمات جماعة من الطرفين عليه ، ولكن تبقى نسبته إلى المشهور محلّ تأمل.

وإذا رجعنا إلى الفقه في المذاهب الأربعة[15] وجدناه ينقل الحرمة عن الحنفية والمالكية والحنابلة ، ثم قال ( وعن الشافعية كراهية حلقها ) ، اللهم إلا أن تفسّر الكراهة بمرتبة من مراتب الحرمة ، لأنَّ الكراهة عندهم لعلّها ليست كالكراهة عندنا.

وكلامنا مع السيد الخوئي(قده) فنحن نقول:- إنَّ نسبة هذا إلى المشهور لا يمكن القول به بضرس قاطع .

وقال في المحاضرات:- ( وأما حرمة الحلق فعليها المشهور وإن ذهب شرذمة إلى جوازه )[16] ، فهو نسب الحرمة إلى المشهور بضرسٍ قاطع ، ونحن قلنا لابد وأن يكون ذلك مع تحفظ ، يعني ليس من الواضح أن ينسب ذلك إلى المشهور.

وإذا رجعنا إلى كتاب ( المنية في حكم الشرب واللحية )[17] نجد أنه نقل عن كتاب الاعتقادات للشيخ البهائي أنه قال:- ( إنَّ حلق اللحية كبقية المآثم الكبيرة من قبيل القمار والسحر والرشوة ولم يخدش واحد من العلماء الأعلام في حرمته ) ، وأيضاً نقل الطبسي عن السيد الداماد في رسالة ( شارع النجاة ) ما نصه:- ( إنَّ حلق اللحية حرام بالاجماع ) ، فإذن السيد الداماد يدّعي الاجماع حسب هذه العبارة.

وهذا غريبٌ ، إذ كيف يدّعى أنَّ حلق اللحية حرام بالاجماع والحال أنَّ الشيخ الطوسي وابن ادريس والمحقّق والعلامة وغيرهم لم يتعرّضوا إلى هذه المسألة ؟!!

فإذن صار واضحاً عندنا أنَّ المسألة لا يمكن أن يدّعى فيها الاجماع ، بل قد يصعب دعوى الشهرة أيضاً ، فإذن علينا ملاحظة الأدلة ، هي كما يلي:-

الدليل الأوّل:- ما أشار إليه صاحب الوافي(قده) ، ولعله أوّل من تمسّك به ، وهو قوله تعالى على لسان إبليس لعنه الله:- ﴿ ولآمرنهم فليبتكون آذان الانعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليّاً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً ﴾[18] ، ونصّ عبارته:- ( وقد افتى جماعة من فقهائنا بتحريم حلق اللحية وربما يستشهد لهم بقوله سبحانه حكاية عن إبليس اللعين " ولآمرنهم فليغرنَّ خلق الله " ).

وتقريب الدلالة يحتاج إلى أمور ثلاث:-

الأوّل:- إنَّ خلق اللحية هو تغيير لخلق الله عزّ وجلّ.

الثاني:- إنَّ تغيير خلق الله مما أمر به إبليس.

الثالث:- إنَّ كل ما أمر به إبليس هو محرّم.

وإذا ناقشنا في كل واحدة من هذه المقدّمات فحينئذٍ لا يتم هذا الاستدلال.

أما المقدّمة الأولى فهي قابلة للمناقشة حيث يقال:- إنَّ حلق اللحية ليس من مصاديق تغيير خلق الله المشار إليه في الآية الكريمة وإلا يلزم أن نلتزم بأنَّ إزالة الزوائد اللحمية التي تخرج على البدن يكون تغييراً لخلق الله عزّ وجلّ ، وكذلك شعر اليد وشعر الظهر وشعر الرجل[19] فكلّ هذه يلزم أن نقول بأنها تغيير لخلق الله فلا يجوز فعلها ، وعلى هذا المنوال يمكن أن نذكر الكثير ، فإذن الانسب أن يكون المقصود - إما جزماً أو احتمالاً[20] - من خلق الله إشارة إلى الفطرة ، فإنَّ الله تعالى فطر الانسان على الاستقامة والاعتدال ولكن هناك جماعة وعلى رأسهم الشيطان يحاول أن يحرفه عن هذه الطبيعة التي خلقه الله عزّ وجلّ عليها ، نظير ما ورد في الحديث الشريف:- ( كل مولود يولد على الفطر وإنما أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه ) ، وهناك آية كريمة لعله يمكن الاستفادة منها في هذا المجال وهي قوله تعالى:- ﴿ فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ﴾[21] ، فعبّر بـ ( خلق الله ) عن الفطرة ، وأيّ فطرة ؟ هي ﴿ أقم وجهك للين حنيفاً ﴾ ، يعني أنَّ الفطرة تقتضي الدين وإنما المحيط والشياطين هي التي تؤثر على الانسان ، فإذا لم نقل بأنَّ هذا هو المقصود جزماً فلا أقل هو احتمال وجيه إلى حدّ تكون معه الآية الكريمة مجملة فلا يمكن التسّمك بها حينئذٍ.


[1] يعني لاحتمال رجوليته.
[3] يعني أنه ذكر الحرمة من دون أن يذكر خلافاً في المسألة لأنه قال ( ولا يجوز له حلق لحيته لجواز رجوليته ) فهو اثبت الحرمة من دون أن ينقل خلافاً في الحكم.
[5] الوافي، ج6، الفيض الكاشاني ص99.
[7] أي حلق شعر الراس في الاحرام.
[9] يعني إذا صار موديلاً في هذا الزمان أن النساء يحلقن رؤوسهن فصاحب الجواهر يقول هذا جائز للبراءة.
[10] يعني ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن تحلق المرأة رأسها ). فإن هذا مطلق وليس مقيد فإذا اخذنا بالإطلاق فسوف تثبت الحرمة
[11] أي شعر الراس.
[12] وإن كان الحفّ غير الحلق ولكنه بالتالي هو إزالة الشعر كله.
[15] الفقه في المذاهب الأربعة، الجزيري، ج2، ص44، كتاب الحظر والاباحة حكم ازالة الشعر.
[16] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج1، ص286.
[17] المنية في حكم الشارب واللحية، الشيخ محمد رضا الطبسي، ص55، الأمر الخامس.
[19] ولا اقول العانة فإنه قد دليل الدليل على جواز ذلك فيها.
[20] ومن الواضح أن هذا الاحتمال يكون بدرجة تجعل الاجمال موجوداً في الآية الكريمة.