36/04/05


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة , مسألة 56 قول الماتن (ولا يعد النوم الذي احتلم فيه من النوم الأول بل المعتبر فيه النوم بعد تحقق الجنابة فلو استيقظ المحتلم من نومه ثم نام كان من النوم الأول لا الثاني .)

قال الماتن
(ولا يعد النوم الذي احتلم فيه من النوم الأول بل المعتبر فيه النوم بعد تحقق الجنابة فلو استيقظ المحتلم من نومه ثم نام كان من النوم الأول لا الثاني .)[1]
لا اشكال ولا خلاف في ان النوم الذي يقع بعد الجنابة الاختيارية هو الذي يعد النوم الاول , وانما وقع الخلاف في الجنابة غير الاختيارية (الاحتلام) فهل ان النوم الاول هو النوم الذي وقع فيه الاحتلام ؟؟ ام ان النوم الذي وقع فيه الاحتلام لا يُعد وانما النوم الذي يُعد والذي يكون هو النوم الاول هو النوم الذي بعد الاستيقاظ من النوم الذي احتلم فيه ؟
صرح بعض الفقهاء بأن النوم الاول هو الذي يقع بعد حصول العلم بالجنابة _ وهذا هو الرأي المشهور _ ومن جملة من صرح بذلك فخر المحققين بن العلامة على ما حكي عنه (قال : ولو أجنب في النوم ولم ينتبه بالاحتلام ثم انتبه فالظاهر أنه أيضا غير معدود، وإنما المعدود ما بعد العلم بالجنابة كما هو نص الشارع)[2]
وبناء على هذا فالنوم الاول بالنسبة الى المحتلم هو النوم الواقع بعد نومة الاحتلام ولا تعد نومة الاحتلام من جملة النومات , لكن عبارة فخر المحققين فيها تقييد لذلك بما اذا لم يلتفت بالاحتلام , وحينئذ يبدأ النوم الاول بعد ذلك ولا يحسب النوم الذي احتلم فيه , ولو كان لكلامه مفهوما يكون المؤدى بأنه اذا انتبه بالاحتلام وعلم بالجنابة فأن النوم المستأنف يكون معدودا نوما اولا .
والمحكي عن جملة من المتأخرين الالتزام بأن النومة التي حصلت الجنابة فيها هي النومة الأولى لكن يشترط استمرارها إلى ما بعد حصول الجنابة في الجملة وعدم حصول الانتباه بالاحتلام لكي يصدق على ما يتحقق منها بعد الاحتلام ما في الاخبار من قوله ثم نام أو ينام حتى أصبح قال في المستند : (ظاهر الروايات المتقدمة احتساب نومة الاحتلام من النومتين، لأنها نوم، فيصدق على ما بعدها ما في الأخبار من قوله : ثم نام، أو : ينام حتى أصبح، أو : يصبح .)[3]
أي تصدق النومة الثانية على ما بعد نومة الاحتلام وتكون نومة الاحتلام هي النومة الاولى .
والذي يبدو انه لا خلاف بينهم في ما اشار اليه فخر المحققين , أي اذا فرضنا ان المحتلم انتبه بالاحتلام والتفت الى جنابته ثم استأنف النوم, فالظاهر عدم الخلاف بينهم في ان هذا النوم المستأنف يكون محسوبا وهو النوم الاول , لأنه يصدق عليه ما ورد في الروايات من عباراتٍ من امثال (نام ثم اصبح ) , وهذا النوم حتى مَن لا يحتسب نومة الاحتلام يحسبه نوما اولا , كما اشار اليه فخر المحققين وهو من القائلين بعدم الاحتساب لنومة الاحتلام الممتدة من دون انتباه .
نعم يقع النزاع فيما لو لم ينتبه بالاحتلام واستمر النوم مدة من الزمن ثم استيقظ ووجد نفسه محتلما ثم نام فهل ان هذه النومة هي النومة الثانية ؟ او النومة الاولى؟
فمن يحسب نومة الاحتلام يقول بأن هذا هو النوم الثاني ويترتب عليه وجوب القضاء ؛ ومن لا يحتسب نومة الاحتلام يقول بأن هذا هو النوم الاول ولا يجب عليه القضاء , وهذا هو محل النزاع فيما بيهم .
ويستدل على عدم احتساب هذه النومة في محل الكلام بأمور :-
الامر الاول : الاصل؛ بمعنى اننا اذا شككنا _ على فرض عدم الدليل ووصول المسألة الى مرحلة الشك _ في احتساب نومة الاحتلام وعدمه فأننا نشك في المفطرية وفي وجوب القضاء في النوم الواقع بعدها , فإذا احتسبنا نومة الاحتلام نومة اولى , يجب القضاء في النوم الثاني ويكون مفطرا , واذا لم نحتسب نومة الاحتلام فأن هذه النومة تكون هي النومة الاولى ولا يجب القضاء حينئذ ؛ وعليه يقع الشك في المفطرية ووجوب القضاء ومقتضى الاصل هو عدم المفطرية وعدم وجوب القضاء , وحينئذ يؤدي هذا الاصل الى نتيجة القول بعدم احتساب نومة الاحتلام ؛ وعليه فإذا لم يتم دليل على الاحتساب او عدم الاحتساب يمكن الرجوع الى هذا الاصل لأثبات عدم الاحتساب بهذا المعنى (أي عدم وجوب القضاء في النوم الذي يقع بعد نوم الاحتلام ).
الامر الثاني : صحيحة العيص بن القاسم (أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل ان يغتسل ؟ قال : لا بأس )[4].
وكيفية الاستدلال بها على عدم الاحتساب مبنية على ان المراد من قوله (ثم ينام) هو النوم الاول بعد نوم الاحتلام؛ وقد اجاب الامام عليه السلام بقوله (لا بأس) أي لا يجب فيه القضاء وهذا يعني انه عليه السلام لم يحتسب نومة الاحتلام والا لكان النوم الذي اشار اليه بقوله (ثم ينام) هو النوم الثاني ولوجب فيه القضاء, وحيث انه قال (لا بأس) فهذا يعني انه عليه السلام احتسب هذه النومة, النومة الاولى أي انه لم يحتسب نومة الاحتلام .
وقد تقدم مرارا ان الذي يبدو _ ولا اقل من كونه احتمالا _ ان الرواية اجنبية عن محل الكلام فهي ناظرة الى مسألة جواز النوم بعد الاحتلام وقبل الغسل تكليفا ؛ خصوصا اذا حملنا الرواية على نهار شهر رمضان كما لعل قوله (في شهر رمضان) يكون قرينة على ذلك لأنه عادة ينصرف هذا التعبير الى نهار شهر رمضان وليس الى الليل ؛ وعلى فرض عدم القول بهذه القرينة وكانت الرواية عامة وشاملة لليل والنهار فأنها ناظرة الى الحكم التكليفي, فقول (لا بأس) لا يُفسّر بأنه لا يجب عليه القضاء, وانما تعني ان العمل جائز , وقد ذكرنا سابقا ان بعض الاخبار يستفاد منها وجود شبهة عدم جواز النوم بعد الجنابة وقبل الاغتسال , وكأن هذه الرواية جاءت لدفع هذه الشبهة ونفي البأس عن النوم في مثل هذا المورد ؛ فالإنصاف ان الاستدلال بهذه الرواية على عدم الاحتساب ليس تاما .
الامر الثالث: صحيحة معاوية بن عمار (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ؟ قال : ليس عليه شيء، قلت : فإنّه استيقظ ثم نام حتى أصبح ؟ قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة )[5]
وتقريب الاستدلال بالرواية هو انها فرضت ان الرجل يجنب في اول الليل ثم ينام حتى يصبح _ والاستدلال مبني على ان الرواية شاملة بأطلاقها للجنابة الاحتلامية والجنابة الاختيارية_ وحينئذ يقال بأن قوله عليه السلام (ليس عليه شيء) يستلزم عدم احتساب نومة الاحتلام والا فلو كانت محتسبة لابد ان يكون النوم الذي اشار اليه هو النوم الثاني وحينئذ يتعين عليه ان يحكم عليه بوجوب القضاء, وبما ان الامام عليه السلام لم يحكم بذلك وانما قال (ليس عليه شيء) فهذا يدل على ان نومة الاحتلام ليست محتسبة .

وقد اُستدل على القول بأحتساب نومة الاحتلام _ الذي ذهب اليه جماعة من المتأخرين والمعاصرين _ بالمعنى الذي هو محل النزاع بروايتين :-

الرواية الاولى : صحيحة ابن ابي يعفور بناء على نسخة التهذيبين كما نقلها صاحب الوسائل (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ؟ قال : يتم يومه ويقضي يوما آخر، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له .)[6]
فقول الرواية (ثم يستيقظ) يُفهم منه ان الجنابة احتلامية لأنها حصلت اثناء النوم ثم استيقظ بعد ذلك ؛ وقول الامام عليه السلام (يتم يومه ويقضي يوما آخر) يدل على انه عليه السلام احتسب نومة الاحتلام نومة اولى واحتسب النومة التي اشير اليها بقول الرواية (ثم ينام ) النومة الثانية ولذا حكم بوجوب القضاء , والا فلو لم تكن نومة الاحتلام محتسبة لم يحكم بوجوب القضاء لأن هذه النومة تكون حينئذ النومة الاولى .
ويشكل على هذا الاستدلال ما تقدم من تعدد النسخ في هذه الرواية , مع انها لا تدل على الاحتساب في بعض النسخ كما في نسخة الفقيه حيث ورد فيها ابن أبي يعفور (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : " الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ، ثم ينام، ثم يستيقظ، ثم ينام حتى يصبح ؟ قال : يتم صومه ويقضي يوما آخر، فإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم صومه وجاز له ) [7]
فقول الرواية (ثم يستيقظ، ثم ينام، ثم يستيقظ، ثم ينام حتى يصبح) فيه نوم بعد الاستيقاظ من الجنابة ونوم ثانٍ بعده وقد حكم الامام عليه السلام بقوله (يتم صومه ويقضي يوما آخر) بالقضاء على من نام النوم الثاني وهذا يعني ان النوم الاول (الذي بعد الاحتلام ) لم يحتسب.
وحيث ان النسخ متعددة ولا يمكن الجزم بصحة النسخة التي نقلها صاحب الوسائل عن التهذيبين _ كما انها موجودة فيهما _ كما ان هناك نسخة ثالثة اشرنا اليه سابقا منقولة عن بعض نسخ الوسائل كما في المستمسك , فحينئذ لا يصح الاستدلال بها على الاحتساب .

الرواية الثانية : موثقة سماعة بن مهران( قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى أدركه الفجر ؟ فقال ( عليه السلام ) : عليه أن يتم صومه ويقضي يوما آخر، فقلت : إذا كان ذلكمن الرجل وهو يقضي رمضان ؟ قال : فليأكل يومه ذلك وليقض فانه لا يشبه رمضان شيء من الشهور )[8]
حيث حكم الامام عليه السلام على النوم الواقع بعد نومة الاحتلام بوجوب القضاء (عليه أن يتم صومه ويقضي يوما آخر) وهذا يعني انه عليه السلام اعتبرها نومة ثانية , وان نومة الاحتلام هي النومة الاولى, والا فلو لم تكن نومة الاحتلام محتسبة اصلا , لكانت هذه النومة هي النومة الاولى ولما وجب فيها القضاء .

يتبين مما ذكرناه في القول الاول بعد استثناء الاصل (الدليل الاول) ان الدليل الوحيد هو صحيحة معاوية بن عمار , كما ان القول الثاني(القول بالاحتساب) عمدة ادلته هو موثقة سماعة , لأن صحيحة بن ابي يعفور يُشكل عليها بتعدد النسخ , فالمهم في المقام هو كيفية التوفيق بين هاتين الروايتين(صحيحة معاوية وموثقة سماعة) .
وهناك من ناقش بموثقة سماعة على انها ليست صريحة في النومة الاولى بعد نومة الاحتلام حيث انها ورد فيها (عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام)[9] وقولها فنام ليس صريحا في النوم الاول بعد نوم الاحتلام , فيحتمل ان يكون المقصود فيها هو النوم الثاني وليس الاول , وحينئذ يكون وجوب القضاء على القاعدة من دون ان تدل الرواية على احتساب نومة الاحتلام .
ومن هنا قيل يمكن الجمع بينها وبين صحيحة معاوية بن عمار بحمل موثقة سماعة على النومة الثانية , وبذلك يرتفع التعارض بينها وبين صحيحة معاوية بن عمار ؛ فصحيحة معاوية بن عمار تقول لا تحتسب نومة الاحتلام وان النومة الاولى ليس عليها شيء , وموثقة سماعة تقول لا تحتسب نومة الاحتلام وان هذه النومة التي حُكم فيها بالقضاء هي النومة الثانية بعد نومة الاحتلام , والنتيجة هي عدم احتساب نومة الاحتلام.