36/04/04


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة , مسألة 56 القسم الرابع وهو ما اذا نام مجنبا بانيا على الاغتسال(النومة الثالثة ).
واما مسألة الكفارة في النومة الثالثة فالظاهر ان فيها خلافا , فالمشهور يرى وجوب الكفارة فيها, بل ادُعي عليه الاجماع , كما عن الشيخ الطوسي في الخلاف ,السيد في الغنية ,جامع المقاصد, الوسيلة , وغيرهم لعلهم ادعوا الاجماع على وجوب الكفارة في النومة الثالثة ؛ وفي المقابل ذهب جماعة من المتأخرين _ كما ذهب الى ذلك السيد الماتن_ الى عدم وجوب الكفارة فتكون كالنومة الثانية , وممن ذهب الى هذا القول المحقق _ وقد بدأ الخلاف منه _ في المعتبر, العلامة في المنتهى, صاحب المدارك , وجماعة من متأخري المتأخرين على ما حكي .
والادلة التي ذُكرت لأثبات وجوب الكفارة في النوم الثالث _ كما يظهر من الشيخ الطوسي وغيره _ هي نفس الادلة التي اُستدل بها على وجوب الكفارة في النوم الثاني التي تقدمت الاشارة اليها , حيث ذكرنا اربع ادلة منها ما تقدم من الوجهين والروايتين , اما الوجهان فلم يُذكرا في كلمات القدماء وانما تم التركيز في كلماتهم على الروايات , وقد اضاف الشيخ الطوسي الى هاتين الروايتين_ رواية المروزي ومرسلة ابراهيم بن عبدالحميد _ رواية اخرى وهي صحيحة أبي بصير (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح، قال : يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، قال : وقال : إنه حقيق إن لا أراه يدركه أبدا )[1].
وهذه الرواية واردة في التعمد ونحن كلامنا في النومة الثالثة مع نية الاغتسال , لكنه صادف ان استمر به النوم الى الصباح , وعليه فالاستدلال بهذه الصحيحة على وجوب الكفارة في محل الكلام محل اشكال عند الفقهاء , واما الروايتان الباقيتان فقد تقدم الكلام فيهما .
اشار الشيخ الانصاري الى ما ذكره الشيخ الطوسي ويجيب على الروايات بما ذكرناه حيث انه ذكر في المقام (وإنما الكلام في ثبوت الكفارة في النوم الثالث، فإن ظاهر المشهور ثبوتها فيه، بل عن الغنية والوسيلة والخلاف دعوى الاجماع، إلا أنه لا دليل عليه كما اعترف به في الروضة وغيرها، عدا ما استدل به الشيخ من رواية المروزي ومرسلة عبد الحميد ورواية أبي بصير - المتقدمة في مسألة تعمد البقاء على الجنابة -. ولا يخفى اختصاص الثالثة بمن تركه متعمدا، وإن كانتا مطلقتين في النوم إلا أن التمسك بإطلاقهما وارتكاب خروج النومة الأولى والثانية ليس بأولى من تقييدها بالنوم معرضا عن الغسل - وإن كان في النومة الأولى - مع أن المرسلة آبية عن الحمل على ما عدا الأولى – كما لا يخفى - .)[2]
وقد ذكر (قد) (مع أن المرسلة آبية عن الحمل على ما عدا الأولى) وكأنه يرى انها صريحة في النوم الاول , وقد تقدم الكلام على انها ظاهرة في النوم الاول ؛ وقلنا ايضا ان نفس تعرض الروايات لذكر الكفارة يناسب حملها على حالة التعمد بأعتبار ما هو المركوز في الاذهان من ان الكفارة تثبت في حالة التعمد ؛ مضافا الى ما نبه عليه بعض الفقهاء ما هو مذكور في ذيل الروايات(ولا يدرك فضل يومه ؛ ولن يدركه أبدا؛ إنه حقيق إن لا أراه يدركه أبدا) وكأنه يفهم من هذا التعبير حث المكلف على تجنب ترك الغسل , وليس الامر في مقام بيان امر واقعي , وهو(الحث) يختص بترك الغسل متعمدا , لأن الشخص الذي ليس متعمدا لترك الغسل لا معنى لحثه على تجنب تركه ,فيكون هذا التعبير قرينة اخرى او منبه على اختصاص هذه الروايات بحالة التعمد ؛ وعلى كل حال فالاستدلال بهذه الروايات على وجوب الكفارة في البحث السابق (النومة الثانية) وفي المقام (النومة الثالثة) ليس تاما , وقد عرفت حال باقي الوجوه التي اُستدل بها في محل الكلام؛ ومن هنا يظهر انه بحسب الصناعة لا دليل على وجوب الكفارة في النوم الثالث فضلا عن النوم الثاني .
نعم ذهب المشهور الى وجوب الكفارة ؛ ومن هنا قال السيد الماتن _ بعد ان نفى وجوب الكفارة _ (وإن كان في النومة الثالثة فكذلك ) أي يجب القضاء دون الكفارة كما في النوم الثاني (على الأقوى وإن كان الأحوط ما هو المشهور من وجوب الكفارة أيضا في هذه الصورة )[3]
وهذا الاحتياط استحبابي من جهة ذهاب المشهور الى وجوب الكفارة, وهو مناسب جدا ولعله يصل الى حد الاحتياط الوجوبي الا انه قد يقال بأن ذلك يكون كذلك عندما لا نعرف مستند المشهور, لكن الظاهر ان مستند فتوى المشهور بوجوب الكفارة في المقام هو الروايات السابقة كما صرح بذلك الشيخ الطوسي وغيره , وهذه الروايات بحسب الظاهر لا يمكن ان نصدق بأنها دليل تام على وجوب الكفارة ومن هنا قد يقال ان فتوى المشهور لا تكون مانعة من الالتزام بالقواعد الاولية والالتزام بعدم وجوب الكفارة؛ وحينئذ لا يكون الاحتياط وجوبيا وانما يكون استحبابيا كما هو ظاهر عبارة المتن.

قال الماتن
( بل الأحوط وجوبها في النومة الثانية أيضا ) وهذا الاحتياط استحبابي بلا اشكال ومنشأه احتمال وجوبها وقد تقدم سابقا ذُكر ادلة على وجوب الكفارة وهي وان لم نوافق عليها الا انها تورث احتمال ذلك , ومراعاة لهذا الاحتمال يُذكر الاحتياط الاستحبابي في المقام .
( بل وكذا في النومة الأولى أيضا) أي الاحوط استحبابا وجوب الكفارة في النومة الاولى وبما انه لا وجوب للكفارة بدون القضاء , يترتب على ذلك الاحتياط الاستحبابي للحكم بوجوب القضاء والكفارة , الا انه قيده النومة الاولى بقوله (إذا لم يكن معتاد الانتباه )
وردت مسألة التقييد (بمعتاد الانتباه) في كلمات الفقهاء كما في المسالك وغيرها ,واشير في كلمات البعض الى اشتراط اعتياد الانتباه في قبال عدم الاعتياد , وذُكر اشتراط (احتمال الانتباه) في صحة الصوم وعدم ترتب القضاء والكفارة _ كما في بعض الكلمات_ وفي مقابل ذلك ان ينام من دون ان يحتمل الانتباه .
فالنتيجة ان المذكور في المقام عنوانان الاول (اعتياد الانتباه) والثاني(احتمال الانتباه) وعللوا اشتراط ذلك بصحة الصوم بأن من لم يكن معتاد الانتباه او يحتمل الانتباه يكون كمتعمد البقاء على الجنابة .
والكلام يقع ان النوم الاول هل يشترط في جوازه اعتياد الانتباه؟ او احتمال ذلك؟ او لا يشترط أي من هذين الامرين ؟
فالذي يظهر من كلماتهم هو الاستدلال على الاشتراط بمسألة انه من دون الشرط يكون كمتعمد البقاء على الجنابة ؛ وعليه يكون جواز النوم وصحة الصوم متوقفة على احتمال الانتباه والا فأنه يكون متعمد البقاء على الجنابة فيترتب عليه كل الاثار من وجوب القضاء والكفارة , وهكذا الكلام بالنسبة لمن اشترط الاعتياد .
والذي يمكن ان يقال في المقام _ والله العالم _ هو ان الظاهر ان احتمال الانتباه(احتمالا معتدا به) معتبر _من أي سبب حصل _ في جواز النوم وصحة الصوم وعدم ترتب القضاء والكفارة ؛ أي ان من ينام على الجنابة يعتبر فيه ان يكون محتمل الانتباه واما اذا لم يكن كذلك , كما لو كان عالما او مطمئنا او واثقا بعدم الانتباه فالظاهر انه يصح فيه ما ذكروه من انه متعمد البقاء على الجنابة.
اما العنوان الاخر (معتاد الانتباه ) فالظاهر انه لا وجه لأعتباره الا من حيث كونه احد الاسباب التي توجب احتمال الانتباه , لأن الشخص الذي يعتاد الانتباه يحتمل ذلك عادة ؛ فلو ان المكلف الذي نام على الجنابة واحتمل الانتباه لسبب اخر غير اعتياد الانتباه (كما لو احتمله بسبب منبه او كلف شخصا اخر يوقظه قبل الفجر ) فأنه يصح منه الصوم ولا يكون كمتعمد البقاء على الجنابة عند استمرار النوم به الى الصباح .
وعلى كل حال يظهر _والله العالم _ ان صدق التعمد وعدمه يدور مدار عدم احتمال الانتباه واحتماله احتمالا معتدا به .
هذا من جهة , ومن جهة اخرى يظهر عدم الفرق من هذه الجهة بين النوم الاول والثاني والثالث والرابع , فكل نوم يقترن بأحتمال الانتباه لا يكون متعمد البقاء على الجنابة _ وان دلت الادلة على وجوب القضاء عليه من جهة اخرى _ وكل نوم بعد العلم بالجنابة لا يقترن بأحتمال الانتباه يكون كمتعمد البقاء على الجنابة حتى وان كان النوم الاول .
نعم في الجواهر يظهر كأنه يجعل النوم الثالث مطلقا كتعمد البقاء على الجنابة ويعلل ذلك بندرة الانتباه في النوم الثالث وما بعده ؛ وهذا الكلام يكون تاما _ اذا سلمنا هذه الندرة _ اذا كانت هذه الندرة توجب عدم احتمال الانتباه , واما اذا كانت لا توجب عدم احتمال الانتباه, وانما كانت تنسجم معه كما لو احتمل الانتباه لسبب ما, فأنه لا يكون كالمتعمد حينئذ, فالمناط هو احتمال الانتباه وعدمه اما ندرة الاستيقاظ واعتياد الانتباه وامثال هذه الامور فالظاهر انها ليست دخيلة .
وقد تقدم في مسألة سابقة حكم النوم من ناحية تكليفية وتبين عدم تمامية احد الادلة التي اُستدل بها على حرمة النوم مطلقا ولا ما اُستدل به على التفصيل المنسوب الى الشهيد الذي كان بين النوم الاول فيحرم مع عدم العزم على الغسل وعدم اعتياد الانتباه وبين النوم الثاني فيحرم مطلقا , وانتهينا _ تبعا لجماعة من المحققين ليسوا بالقليلين _ الى ان الظاهر عدم الدليل على حرمة النوم تكليفا لكن مع تقييده بأحتمال الانتباه .