36/01/23


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا
يمكن التأمل في الاحتمالات المتقدمة كلا او بعضا.
اما الاحتمال القائل بأن القضاء يكون من باب العقوبة وان ادلة المفطرية في شهر رمضان لا تدل على الفساد فلا تنافي الصحيحة , لأن الصحيحة تقول بأن البقاء على الجنابة لا يفسد الصوم وهذا الادلة تقول ان تعمد البقاء على الجنابة يوجب القضاء من باب العقوبة وليس من باب فساد الصوم .
وقد يستدل له بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ؟ قال : ليس عليه شيء، قلت : فإنّه استيقظ ثم نام حتى أصبح ؟ قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة )[1]
ولم يرد لفظ العقوبة وجعل القضاء عقوبة الا في هذه الرواية بحسب الظاهر , وقد يقال بأن هذا هو منشأ طرح احتمال ان يكون القضاء في محل الكلام من باب العقوبة جمعا بينها وبين صحيحة محمد بن مسلم (أي بين ادلة وجوب القضاء لتعمد الجنابة في شهر رمضان وبين صحيحة محمد بن مسلم ) وذلك بأن نحمل وجوب القضاء على انه من باب العقوبة .
اقول هذا الدليل لا يصح الاستدلال به في محل كلامنا, فالظاهر انه وارد في موضوع اخر غير محل كلامنا , فأنه وارد في النومة الثانية وهو صريح في ذلك وليس له ظهور في واضح في انه من باب تعمد البقاء على الجنابة خصوصا عبارة (ليس عليه شيء) ؛ ولابد من حمل صدر هذه الرواية على النومة الاولى _ كما فهم منها الفقهاء ذلك _ وحمل ذيلها على النومة الثانية , والنوم الثاني لا يعني تعمد البقاء على الجنابة ؛ وهنا يقول الامام عليه السلام فليقض ذلك اليوم عقوبة , ولا محذور من الالتزام بوجوب القضاء في النوم الثاني لكنه من باب العقوبة وليس من باب افساد الصوم .
وقد يستدل لهذا الاحتمال ايضا بالأمر بإتمام الصوم كما هو في كثير من الروايات من قبيل صحيحة بن يعفور[2] وصحيحة البزنطي وصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة حيث ورد فيها لسان ( يتم صومه ويقضي يوما اخر) وقد يستفاد من قول يتم صومه صحة الصوم وعدم فساده فتكون دالة على عدم فساد الصوم, والقضاء لابد ان يفسر بأنه من باب العقوبة .
اقول ان هذا لا يمكننا الالتزام به ايضا, لأن الظاهر من هذه الروايات وغيرها ان الامر بالإتمام فيها هو من باب التأدب والاحترام لشهر رمضان وليس بأعتبار صحة صومه .
والذي يدل على ذلك هو موثقة سماعة بن مهران( قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى أدركه الفجر ؟ فقال ( عليه السلام ) : عليه أن يتم صومه ويقضي يوما آخر، فقلت : إذا كان ذلكمن الرجل وهو يقضي رمضان ؟ قال : فليأكل يومه ذلك وليقض فانه لا يشبه رمضان شيء من الشهور )[3] حيث انها تكاد تكون ظاهرة في التفريق بين صوم شهر رمضان وقضاءه وتقول بأن شهر رمضان لا يشبهه شيء من الشهور فإذا فعل ذلك في صوم شهر رمضان يتم صومه , واما اذا فعل ذلك في قضاءه قال فليأكل يومه؛ ويظهر من ذلك بأن المسألة ليست مسألة ان الصوم يكون صحيحا وليس فاسدا, وانما يفهم منها ان اتمام الصوم ليس دليلا على عدم الفساد (كما هو المدّعى في هذا الاحتمال) .
وعليه فلابد من استبعاد هذا الاحتمال .
واما الاحتمال القائل ( بحمل ادلة المفطرية على تعدد المطلوب ) فأنه مضافا الى انه لا شاهد عليه يلاحظ عليه ان (عدم البقاء على الجنابة متعمدا الى الصباح ) هل هو مطلوب مستقلا عن الصوم؟؟ او انه مطلوب في نفس الصوم وليس مطلوبا مستقلا ؟؟
فإذا كان المراد بأنه مطلوب مستقلا ولا علاقة له بالصوم, فأنه يقال بأن هذا خلاف الظاهر جدا ؛ ومن البعيد جدا على لسان الروايات بأن نفترض ان هذا الواجب واجب مستقل, وان يكون من قبيل ان يُأمر الصائم بعدم النظر الى الاجنبية او ان يُأمر بأن لا يغتاب مثلا , وكذلك خلاف ظاهر الامر بالقضاء لأنه اذا افترضنا ان المكلف جاء بالصوم بتمام ما هو معتبر فيه بحسب الفرض فأنه يكون قد خالف هذا الواجب المستقل من باب الواجب في الواجب, فلماذا يُأمر بالقضاء مع ان الامر بالقضاء لا يكون الا مع وجود الخلل بنفس الصوم وليس لعصيان واجب اخر وجب في ضمن الصوم , وحينئذ نقول اذا تخلف عن هذا الواجب وجاء بالصوم بجميع ما هو معتبر فيه لا وجه للأمر بقضائه فيكون حمل الرواية على ذلك خلاف ظاهر الامر بالقضاء .
واما اذا كان المطلوب ليس مستقلا وانما هو مطلوب في الصوم فأن هذا يساوق اعتباره فيه, فيتعين ان يكون الاخلال فيه مفسدا للصوم ولا معنى حينئذ للقول بعدم افساده للصوم لكونه من باب تعدد المطلوب .
واما الاحتمال القائل (بحمل النساء_ في الصحيحة_ على معنى يشمل تعمد البقاء على الجنابة ) فيرد عليه ايضا انه لا شاهد عليه اولا وثانيا يوجب عدم دخول البقاء على الجنابة عمدا بغير مقاربة النساء كالاحتلام مثلا, لأنه من الصعب ادخال الاحتلام في النساء واذا عممنا النساء الى الاعم من الجنابة الحادثة بالمقاربة و الباقية بالمقاربة فأن هذا ممكن , اما اذا عممنا الى البقاء على الجنابة الحاصلة بالاحتلام او بغير الاحتلام كاللواط فأن هذا خلاف الظاهر جدا ومن الصعب الالتزام به ؛ لأن حمل لفظ النساء على غير معنى النساء خلاف الظاهر , ثم انه خلاف الظاهر من جهة انه يوجب عدم شمول الحديث لتعمد البقاء على الجنابة بغير مقاربة النساء, وهذا يعني ان تعمد البقاء على الجنابة بغير مقاربة النساء لا يضر بالصوم , وانما الذي يضر بالصوم بعد هذا الحمل _ حمل النساء على مطلق ما يشمل تعمد البقاء على الجنابة _ هو تعمد البقاء على الجنابة بمقاربة النساء وهذا ينتج لنا التفصيل في تعمد البقاء على الجنابة بين ما اذا كان بالمقاربة فيكون مشمولا لمنطوق الرواية ويكون مضرا بالصوم وموجبا للفساد , وبين ما اذا كان بالاحتلام مثلا فلا يكون مضرا وهذا التفصيل مما لم يقل به احد, وهو غريب حيث يفصل في البقاء على الجنابة بين اسباب الجنابة فإذا كان باللواط مثلا فلا يشمله الحديث واذا كان بالمقاربة فأن الحديث يشمله , ونقول هذا بأعتبار ان النساء لا يمكن جعلها كناية عن البقاء على الجنابة بغير المقاربة, وحينئذ قد يقال بأن الامر يدور بين الاحتمالين ( القائل بإلغاء الاطلاق في الصحيحة والقائل بالحمل على الحصر الاضافي ) وعلى كلا التقديرين لا يصح الاستدلال بأطلاق الصحيحة لعدم الفساد في محل الكلام .