38/06/23


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 34 ) حكم لبس الذهب للرجال – المكاسب المحرمة.

وقبل أن نذكر بقية الروايات هناك اشكالان على هذا المضمون - أي مضمون ( فإنه زينتك في الآخرة ) -:- ومن الواضح أنَّ أحسن الروايات حالاً هي موثقة عمّار المتقدّمة لأنها تامة من حيث السند ، والاشكالان هما:-

الاشكال الأوّل:- إنَّ موثقة عمّار - والتي هي أحسن الروايات حالاً من الثلاث المتقدّمة - اشتملت مقدّمتها على بعض المكروهات ، من قبيل النهي عن لبس الحديد أثناء الصلاة حيث ورد في صدرها:- ( الرجل يصلّي وعليه خاتم حديد ، قال:- لا ، ولا يتختم به الرجل فإنه من لباس أهل النار )[1] – ولم يذكر صاحب الوسائل(قده) كل الرواية بل ذكر موضع الشاهد فقط وهو لبس الذهب - ولا إشكال في أنَّ لبس خاتم من حديد لا يحتمل فقيه أنه لا يجوز ، فأقصى ما هناك حمل هذا الكراهة ، فتكون إذن بقرينة هذه الفقرة - أي وحدة السياق – أنَّ النهي عن لبس الرجال للذهب يكون محمولاً على الكراهة أيضاً.

وجوابه:- إنَّ السياق بالشكل المذكور يورث الاجمال لا أنه يورث الظهور في الكراهة ، يعني إذا كانت الرواية تشتمل على بعض المستحبّات أو بعض المكروهات فظهورها في الوجوب أو في الحرمة سوف يتزعزع ويتصدع ، يعني يصير اجمال لا أنَّ ظهورها ينقلب إلى ظهور في الكراهة أو في الاستحباب مثلاً ، كلا بل أقصى ما هناك يوجد إجمال ، وما دام يوجد اجمال فسوف لا تعارض بقيّة الروايات الظاهرة في الحرمة ، نعم هذه الرواية لا يمكن أن نستدل بها على الحرمة لا أنه سوف تعارض ما دلّ على الحرمة ، فإذن لا مشكلة من هذه الناحية.

وهذا الاشكال يأتي على رواية عمّار فقط ولا يرد على بقية الروايات.

الاشكال الثاني:- وهو يرد على جميع الروايات الثلاث ، وهو ما أشرنا إليه سابقاً من أنَّ أهل الجنّة هم المتّقون فإذا كان لبس الذهب للرجال حراماً كيف يلبسون الذهب في الجنّة ؟ فلبسهم للذهب إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنَّ هذا الحكم ليس تحريمياً وإلا كيف يلبسون الذهب ، فإذن هذه كل الروايات الثلاث المقصود منها ليس هو التحريم.

والجواب:-

أوّلاً:- إذا لم نحمل هذه الروايات على التحريم فسوف نحملها على الكراهة ن وأهل الجنة هم أصحاب الفضائل فهم كما لا يفعلون المحرّم لا يفعلون المكروه أيضاً ، فإذن الرواية لا يمكن أن نأخذ بها حتى لإثبات الكراهة وهذا لا يمكن القول به.

ثانياً:- إنَّ دار الآخرة ليست دار تكليف ، إنما التكليف في دار الدنيا فقط ، وعلى هذا الأساس الآخرة ليست دار تكليف حتى نقول كيف هم يرتكبون المحرّمات فإنه لا يوجد محرّم فيها أصلاً.

ثالثاً:- يمكن أن نقول إنَّ الرواية ناظرة إلى شيء آخر حينما عللت بهذا التعليل ، فهي تريد أن تقول إنَّ الذهب قد خصّص الله حليته للرجال المؤمنين في الجنّة كرامة وتفخيماً وتعظيماً لهم أما في دار الدنيا فلا يوجد تحليل ، فإذن الحلّية مختصّة بالآخرة وهذا ليس من شأن المؤمنين لبسه في الدنيا ، فالرواية ناظرة إلى هذا المعنى الذي هو بعيد عن الاشكال.

نعم قد يخطر إلى الذهن:- أنه لماذا خصّص الله عزّ وجلّ حلية لبسه للرجال في دار الآخرة فقط ؟

وجوابه واضح:- وهو أننا نسلّم بما حكم به الله عزّ وجل ، فنحن نسلّم بالأمور الغيبية ، قال تعالى:- ﴿ لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون ﴾ فهذه أمور غيبية لا يسأ ل الله عليها.

والأن أؤكد هذه القضية ولعلّي لم أسمع التأكيد عليها:- فإنه فيوجد عندنا الكثير من المفاهيم مؤكدٌ عليها كالإيثار والشجاعة والتقوى والجهاد وغير ذلك إلا أنَّ هناك مفهوماً اسلامياً لم نسمع التأكيد عليه وهو التسليم للغيب ، يعني حينما قيل ﴿ للذكر مثل حظ الانثيين ﴾ فالمؤمن يسلّم بهذا الحكم من دون أيّ اعتراض ، فإنَّ الله تعالى هو الحكيم العارف بأسرار الأمور ونحن يلزم أن نخضع له خضوعاً تاماً ، وحينما نقرأ في بداية القرآن الكريم في سورة البقرة ﴿ الم ، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين ، الذين يؤمنون بالغيب ﴾ فمعنى ﴿ الذين يؤمنون بالغيب ﴾ أي ما غاب عنهم فهم يسلّمون به ، فالقضية المهمة هي التسليم لما دلت عليه الشريعة من أحكامٍ وغير ذلك بلا اعتراض ، وفي الآية الثانية نقرأ ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ﴾ ، فعلى هذا الأساس الآية الكريمة تدل على أنَّ المؤمن لابد وأن يثبت نفسه ويجعلها لكل ما يقوله الله تعالى ، وفي آية كريمة أخرى نقرأ ﴿ وسلّموا تسليما ﴾ فنفسّر ( تسليما ) بالتسليم لا أن نفسّره بمعنى ( سلاما ) يعني ( سلّموا سلاما ) ، ولعلّ من بحث في القرآن الكريم يجد الكثير من هذه الأمور التي تدل على فكرة التسليم بالأحكام الإلهية بلا اعتراض ، فلا تقل:- لماذا تكون دية المرأة نصف دية الرجل ، وفي الارث يكون للمرأة نصف حضّ الرجل .... وغير ذلك ؟ فكلّ هذا يلزم التسليم به وعدم الاعتراض عليه ، نعم إذا أردت أن تجيب فأجب باحتمالات وجيهة ولكن أوّل شيء يلزم أن تبرزه وتؤكد عليه هو أنه نحن لابد وأن نسلّم للقضاء الإلهي ، كما ذكرنا ذلك في ترجمة بن أبي يعفور المتقدّمة حيث قال ابن أبي يعفور للإمام الصادق عليه السلام:- ( لو كان بيدي رمانة وقسمتها نصفين وكان النصفان متساويين من كل الجهات وأنت قلت لي هذا النصف حلال وذاك حرام فأنا أقول هذا حلال وذاك حرام من دون اعتراض فقال له الامام رحمك الله رحمك الله ).

فإذن الجواب الصحيح هو أنَّ هذه أمور غيبية لا نتجاوز عليها.

الرواية الرابعة:- معاني الأخبار عن حمزة بن محمد العلوي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن حماد بن عثمان عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال علي عليه السلام :- نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أقول نهاكم عن التختم بالذهب ... )[2] ، إذن هذه الرواية دلت على أنَّ النبي صلى الله عليه وآله نهى أمير المؤمنين عن التختم بالذهب فيدل ذلك على حرمة لب الرجال للذهب.

يرد على ذلك إشكالان:-

الاشكال الأوّل:- هو أنه عليه السلام قال ( نهاني ولا أقول نهاكم ) يعني هو لم ينهاكم بل نهاني وحينئذٍ هذا يدل على الجواز بالنسبة إلى الرجال ، فإذن هذه الرواية لا تدل على التحريم بل تدل على الجواز لأنَّ الامام عليه السلام قال ( ولا أقول نهاكم ) يعني هو لم ينهكم.

وفيه:- إنَّ هذا احتمال ، ويجد احتمال آخر فالإمام عليه السلام يريد أن ينقل نصّ تعبير النبي صلى الله عليه وآله ، فهو يقول قد صدر النهي من النبي صلى الله عليه وآله بهذا الشكل كأن قال ( أنهاك يا علي عن التختّم بالذهب ) ، فالإمام عليه يريد أن يبيّن التعبير النبوي بشكله الصادر فهو يقول قد صدر بهذا الشكل ولم يصدر بذاك الشكل ، فهذا احتمال وذاك احتمال ، ومع وجود هذين احتمالين تصير الرواية مجملة من حيث دلالتها على الاباحة ، فلا نستطيع استفاد الاباحة منها ، وإذا لم نستطع أن نستفيد منها الاباحة فيبقى ما دل على التحريم من دون معارض.

الاشكال الثاني:- وهو الاشكال الذي أشرنا إليه مراراً ، من أنَّ مادّة نهى الاخبارية غير مادّة نهى الانائية ، فإنه لابد من التفرقة بينهما ، فإذا كانت مادّة نهى صادرة بنحو الانشاء كما لو قال ( أنهاك عن الشيء الفلاني ) فهنا لا بأس بالدلالة على التحريم ، أما إذا فرض أنَّ الامام كان ينقل صدور النهي ولعلّ النهي الصادر كان كراهتياً وليس تحريمياً فيصدق حينئذٍ أنه صدر النهي ، فالتعبير بـ( نهى النبي ) كـ( نهى النبي عن بيع الغرر ) مثلاً لا نستطيع أن نستفيد منه التحريم ولو الوضعي ، بل لعل التحريم الصادر كراهتي فإنه يصدق ( نهى ) حينئذٍ ولا يكون ذلك كذباً.

الرواية الخامسة:- عبد الله بن الحسن عن جدّه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما اللام قال:- ( سألته عن الرجل هل يصلح له الخاتم الذهب ؟ قال:- لا )[3] ، ثم قال صاحب الوسائل:- ( ورواه أيضاً علي بن جعفر في كتابه ) ، وحينما يقول صاحب الوسائل(قده) هكذا يعني يريد أن يقول أنا عندي نسخة من كتاب علي بن جعفر وأنا أنقل عنه بالمباشرة ، فهذه الرواية وصلت من طريق عبد الله بن الحسن أي في قرب الاسناد ووردت أيضاً في كتاب علي بن جعفر.

وهي تكون دالة على التحريم بناءً على أنَّ عبارة ( لا يصلح ) يستفاد منها التحريم كما بنى على ذلك السيد الخوئي(قده) ، فإن قلت هي ظاهرة في التحريم فلا مشكلة ، وإن أراد شخص أن يتوقف في ذلك فيقول إنَّ نفي الصلاح أعم من الحرمة فإنَّ ( لا صلاح ) يعني الأعم فلا يمكن الاستفادة التحريم منها.

فإذن إذا قلنا إنَّ هذه الصياغة تدل على التحريم فبها ، ولكن تبقى المشكلة السندية حيث إنَّ عبد الله بن الحسين لم تثبت وثاقته ، وعليه سوف تصير الرواية غير معتبرة من هذه ناحيته لأنه مجهول الحال إلا إذا بنينا على أنَّ أحفاد الأئمة عليهم السلام ثقاة فهذا لا بأس به.

أما قول صاحب الوسائل ( رواه علي بن جعفر في كتابه ) فقد قلنا وإنَّ كان لصاحب الوسائل(قده) طريق معتبر إلى الشيخ الطوسي والشيخ أيضاً له طريق معتبر إلى كتاب علي بن جعفر وجميع كتبه ، وهذه هي الطريقة التي كان يسلكها السيد الخوئي(قده) والسيد الشهيد(قده) ، ولكن هذه الطريقة أشكلنا عليه وقلنا إنَّها جيدة فيما إذا كانت النسخة معنية ، ولكن نحتمل أنَّ هذه اجازة تبرّكية أي هو طريق تبركي وليس على نسخة معينة.

ولكن يمكن أن يقال إنَّ نقل كلا الكتابين لهذه الرواية يورث الاطمئنان بصدورها ، فإنَّ اتحاد النسختين بهذا الشكل ربما يورث الاطمئنان للفقيه بصدورها.