38/06/12


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 32 ) حكم الرشوة – المكاسب المحرمة.

ثالثاً:- إنَّ الشيخ(قده) ذكر أنه يمكن أن نقول إنَّ الأصل هو عدم تحقق الهبة الصحيحة وبذلك يصير القول قول الدافع ، بقطع النظر عن المناقشة التي بينتنها.

ثم قال:- وليس المورد مورد التداعي كما لا يخفى.

وكيف أنَّ المورد ليس مورد التداعي فإنَّ هذا يحتاج إلى بيان ؟ وكأنَّ الشيخ جعل المطلب واضحاً حيث قال ( إنَّ المورد ليس هو مورد التداعي كما لا يخفى ) ، وأنا في هذا التعليق أريد أن أبيّن أنَّ المورد ليس مورد التداعي ، فتعليقي هنا ليس تعليقاً علمياً وإنما هو بيانٌ وتوضيحٌ بأنَّ المورد ليس من مورد التداعي.

والوجه في ذلك:- إنَّ المورد يصير مورد التداعي لو فرض أنَّ كل واحدٍ منهما كان مدّعياً ، ومتى يصير كل واحد منهما مدّعياً ؟ فإذا خالف قول كلّ واحد منهما للأصل ، لأنَّ المدّعي هو من يخالف قوله الأصل - على التحديد المعروف - فإذا كان الأصل يجري في الجانبين فقول كل واحد منهما يصير مخالفاً للأصل ، وبالتالي يصير كل واحد منهما مدّعياً يعني يصير المورد مورد التداعي ، وإذا لاحظنا المقام نجد أنَّ كلا الأصلين لا يجريان وإنما يجري أصل واحد ، والنكتة هي أنَّ الأثر يترتب على وجود العقد الصحيح وعدم وجوده ، فإنَّ وجود العقد الصحيح يترتب عليه أثر وهو النقل والانتقال وعدم وجوده يترتّب عليه عدم النقل والانتقال ، فوجود السبب الصحيح يترتب عليه الانتقال وعدمه يترتب عليه العدم ، هذا بخلاف السبب الفاسد فإنَّ وجوده وعدمه لا يترتّب عليه أثر إلا بالأصل المثبت ، فإنَّ وجود العقد الفاسد لا يترتب عليه عدم الانتقال وإنما عدم الانتقال ليس مترتباً على وجود العقد الفاسد وإنما هو مترتب على عدم وجود العقد الصحيح لأنَّ العقد الصحيح يوجب الانتقال أما وجود العقد الفاسد بما أنه يلازم عدم العقد الصحيح فمسامحةً ومجازاً نقول يترتب على العقد الفاسد عدم الانتقال ، وهذا ليس بصحيح بل هو مسامحة في التعبير وإلا فالعقد الفاسد لا يترتب عليه أثر عدم الانتقال ، وعلى هذا الأساس يكون استصحاب عدم تحقق الهبة الصحيحة يترتب عليه حينئذٍ عدم الانتقال ، وبذلك يصير المخالف لهذا الأصل مدّعياً ، ومن هو المخالف لهذا الأصل ؟ إنه القاضي فإنه يدّعي الهبة الصحيحة فيكون قوله مخالف للأصل فيصير مدّعياً ، وحيث لا بيّنة له كما هو المفروض فيصير الدافع منكراً فالقول قوله مع اليمين ، ولا يكون ذلك الدافع مدّعياً حتى يصير من مورد التداعي فإنَّ أصالة عدم العقد الفاسد لا يترتّب عليها أثر ، بل وجود العقد الفاسد وعدم وجوده لا يترتب عليه أثر ، والمفروض أنَّ الدافع يدّعي العقد الفاسد ووجود العقد الفاسد وعدم وجوده لا يترتب عليه أثر ، فأصالة عدم تحقق الاجارة الفاسدة لا يجري ، فتبقى أصالة عدم تحقق الهبة الصحيحة من دون معارض ، وحيث إنَّ قول القاضي مخالف لهذا الأصل فيصير مدّعياً ، وبما أنه لا بيّنة له فيحلف الدافع وينفى بذلك تحقق الهبة الصحيحة ، يعني بعبارة أخرى يثبت بذلك الضمان بقطع النظر عن التعلق الثاني الذي ذكرناه فيما سبق ، بل نسير على ما سار عليه الشيخ الأعظم(قده).

الصورة الثالثة:- أن يدّعي كلا الطرفين أنَّ العقد الواقع فاسد إلا أنَّ الدافع يقول هو فاسد يوجب الضمان يعني كعقد الاجارة لأنه في صحيحها ضمان ففي فاسدها ضمان ، بينما القاضي يقول هو عقدٌ فاسد لا ضمان فيه كالهبة الفاسدة من قبيل أنَّ الداعي فيها كان هو الرشوة وعليه فسوف تكون فاسدة وحرّمة ، فهنا القول قول من ؟

وقبل أن أبيّن ذلك أقول:- إنَّ هذا النزاع لا يمكن تصوّره إلا إذا فرض أنَّ العين كانت تالفة ، وإما إذا كانت موجودة فيتمكن أن يسترجعها الدافع بلا نزاع لأنه إذا كانت إجارة فاسدة والعين موجودة أمكنه ردّها ، وإذا كانت هبة فاسدة وكانت العين موجودة أمكن أن يرجع العين أيضاً.

وفي البداية قال الشيخ(قده):- إنه يمكن أن نقول بالضمان لأصالة الضمان في اليد ، يعني في صالح الدافع ، ، ونحن قلنا يعني قاعدة على اليد .

ثم قال:- ويحتمل أنَّ القول قول القاضي ، باعتبار أنا نشك في تحقق سبب الضمان وعدمه والأصل عند الشك في تحقق سبب الضمان عدم تحققه.

ثم قال:- والارجح هو الأوّل ، يعني الضمان ، يعني القول قول الدافع[1] .

أقول:- المناسب هو ما ذكره الشيخ(قده) في آخر كلامه ، وهو الضمان ، وذلك لأنَّ موضوع الضمان على ما ذكرنا مركّب من مقتضٍ وعدم مانع ، والمقتضي هو ( اليد على مال الغير ) ، والمانع هو ( الهبة الصحيحة ) وبعبارة أخرى التسليط المجّاني ، فعدم التسليط المجّاني هو عبارة أخرى عن عدم المانع ، فنحن إذا أثبتنا اليد على مال الغير وأثبتنا وعدم التسليط المجاني ثبت بذلك الضمان ، وكلا الجزأين ثابت ، أما الجزء الأوّل - وهو اليد على مال الغير - فهو ثابت بالوجدان ، باعتبار أنهما معاً متفقان على أنَّ الانتقال لم يحدث فتكون يد القاضي حينما صارت على هذا المال هي يد على مال الغير سواء كانت إجارة فاسدة فهي لا توجب الانتقال فهو مال الغير أو هبة فاسدة فأيضاً كذلك ، فبالتالي اليد هي يدٌ على مال الغير بالوجدان أو باتفاق الطرفين على ذلك ، ونشك هل حصل تسليط مجّاني أو لم يحصل - لأنه يرفع الضمان - فالأصل عدم تحقق التسليط المجّاني ، وبذلك يتحقق موضوع الضمان بكلا جزأيه الجزء الأوّل بالوجدان والجزء الثاني بالأصل وبذلك يكون المناسب الحكم بالضمان.

لا تصل النوبة إلى ما ذكره الشيخ(قده) بعنوان الاحتمال الثاني ، فإنه قال ( ويحتمل أصالة عدم تحقق سبب الضمان ) فإنَّ هذا في صالح القاضي ، ونحن نريد أن نقول: إنَّ هذا الأصل لا يجري ، إذ المفروض أنه بالبيان الذي ذكرناه قد تحقق موضوع الضمان بكلا جزأيه فيرتفع الشك حينئذٍ إذ تحقق موضوع الضمان ، فإنه توجد يدٌ على مال الغير والأصل عدم التسليط المجّاني ، فبذلك يثبت موضوع الضمان شرعاً ، ومع ثبوته لا تصل النوبة إلى أصالة عدم تحقق سبب الضمان بعد أن فرض أننا قد أثبتنا سبب الضمان بضمّ الوجدان إلى الأصل.

إذن هذه قضيّة خاصة بهذه الصورة الثالثة ، فإذن في الصورة الثالثة نقبل بالضمان لأنَّ موضوع الضمان متحقق بكلا جزأيه ، وهذا بخلافه في الصورة الأولى والثانية فإنَّ عنوان اليد على مال الغير لم يحرز ، فاليد موجودة أما أنها على مال الغير فليست محرزة ، بخلافه في هذه الصورة فإنَّ الجزء الأوّل - وهو اليد على مال الغير - هو محرز وقطعي ومسلّم والجزء الثاني أيضاً نثبته بالأصل فإذن قد تحقق سبب الضمان ، فبعد تحقق سبب الضمام بهذا البيان لا تصل النوبة آنذاك إلى أصالة عدم تحقق سبب الضمان ، بل هذه الطريقة تكون حاكمة أو مقدّمة على أصالة عدم تحقق سبب الضمان ، إذ بهذه الطريقة يرتفع الشك في الضمان ويثبت الضمان شرعاً وبذلك لا تصل النوبة إلى أصالة عدم تحقق سبب الضمان.