35/06/08


تحمیل
الموضوع: الصوم: المفطرات: اكل وشرب ما لا يعتاد
المناقشة الثالثة للرواية : انها معارضة بموثقة عمر بن سعيد الدالة على الجواز.
وذكروا وجوه للجمع بين الروايتين وسيأتي البحث عن ذلك في مسألة مفطرية الغبار الغليظ, لكن نشير الى احد وجوه الجمع بين الروايتين لأننا في مقام الاستدلال على ان المفطر هو مطلق الاكل ولو كان ما لا يعتاد ويستدل برواية سليمان بن حفص بأعتبار ان اكل الغبار هو اكل لما لا يعتاد.
والجمع الذي ذكر بين الروايتين هو ان تحمل رواية سليمان بن حفص المروزي على التعمد, وموثقة عمر بن سعيد تحمل على عدم التعمد , فأن كان الاكل والشرب بتعمد يكون مفطرا ومبطلا, وان كان بغير تعمد فلا بأس به كما في موثقة عمر بن سعيد ويكون حال دخول الغبار الى الجوف حال اي مفطر اخر, لأنه انما يكون مفطرا في حال التعمد واما في غيرها فلا يكون مفطرا وعليه فيصح الاستدلال برواية سليمان بن حفص المروزي في محل الكلام , وقيل بوجود قرائن على هذا الجمع .
القرينة الاولى: ان الرواية صرحت بالتعمد في صدرها فقالت ( اذا تمضمض الصائم في شهر رمضان او استنشق متعمدا ) والتعمد قدر متيقن منه انه يعود لإستنشق ويمكن ان يعود لتمضمض, وذكر التعمد قرينة على ان ما بعدها (كنس بيتا فدخل في انفه وحلقه غبار )محمولة على صورة التعمد .
القرينة الثانية: هي الحكم بوجوب الكفارة وهو لا يجتمع مع عدم التعمد وانما يجب في حالة التعمد فتكون كاشفة عنه .
القرينة الثالثة : ان الكلام فُرض في الكنس وهو يعتبر وسيلة اختيارية لدخول الغبار الى الجوف فتناسب حمل الرواية على العمد.
القرينة الرابعة : التشبيه بالأكل والشرب والنكاح في ذيل الرواية ومن الواضح ان هذه الامور تختص مفطريتها بصورة العمد.
وبهذه القرائن تحمل الرواية على صورة العمد بينما موثقة عمر بن سعيد تحمل على صورة عدم العمد .
وهذا الجواب يبدو انه تبرعي ولا شاهد علية من نفس الاخبار بل ان الشواهد على خلافه واما القرائن المتقدمة فأنها لا تصلح ان تكون شاهدا عليه, وذلك لأنه حتى القرينة الاولى من انه ذكر في صدر الرواية متعمدا فأنها تفيد العكس, فلماذا خص المضمضة والاستنشاق بالتعمد وسكت عنه في الباقي فهذا معناه ان مفطريته ليس مخصوصة بحال التعمد لإمكان تأخير التعمد الى ما بعد اتمام هذه العبارات كلها فالرواية قالت (تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في انفه وحلقه غبار....) فالسكوت عن حال التعمد في الباقي قرينة معاكسة اي قرينة على ان ادخال الغبار الى الحلق لا يراد بها حالة التعمد, مضافا الى نفس التعبير ( كنس بينا فدخل في انفه وحلقه غبار) لا يفهم منه تعمد الادخال وانما يفهم منها ان الدخول كان من غير تعمد وهذا التعبير يوحي ان التعمد كان للكنس لكن تعمد الكنس لا يعني تعمد ادخال الغبار في الحلق , مضافا الى انه تعمد ادخال الغبار في الجوف حالة غريبة وليس نادرة فحسب , على كل حال فالظاهر ان هذا الجواب تبرعي لا شاهد عليه .
هناك اجوبة اخرى ذكرت في محلها ولا داعي للإطالة في ذلك فالمهم في المقام هو المناقشة السابقة وهو ضعف الرواية سندا ولا يمكن الاستدلال بها, مضافا الى بعض المناقشات التامة المتقدمة, غاية الامر انه يمكن التنبه الى شيء وهو ان المناقشة لهذه الرواية لا يجعل اصل الدليل باطلا وغير صحيح , فالاستدلال ليس بهذه الرواية وانما هو بما دل على مفطرية الغبار الغليظ غاية الامر ان هذه الرواية ذكرت كدليل على مفطرية الغبار الغليظ واذا لم نقبلها, وتوصلنا الى مفطرية الغبار الغليظ بأدلة اخرى فهذا الدليل يتم ايضا لأننا نقول انه ثبت ان الغبار الغليظ من المفطرات فتثبت مفطرية اكل التراب من باب اولى, نعم ينهار هذا الدليل في حال انحصار الاستدلال(على مفطرية الغبار الغليظ) بهذه الرواية فينهار الدليل عند عدم تماميتها وهو غير بعيد كما سيأتي .
ومن جملة الروايات التي اُستدل بها على اصل المطلب (ان المفطر هو مطلق الاكل والشرب ) روايات الاكتحال , ذكر ذلك السيد الخوئي (ويؤكده أيضا ما أشرنا إليه من تعليل المنع في روايات الاكتحال بكونه مظنة الدخول في الحلق، إذ من المعلوم أن الكحل ليس من سنخ المأكول والمشروب غالبا . فيعلم من ذلك أن الاعتبار في المنع بالدخول في الجوف من طريق الحلق سواء أكان الداخل مما يؤكل ويشرب أم لا)[1]
والظاهر ان الرواية التي يقول ورد فيها تعليل بهذه الكيفية غير موجودة, ولكن لعله يشير الى رواية الحلبي ( عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الرجل يكتحل وهو صائم ؟ فقال : لا إني أتخوف أن يدخل رأسه)[2]
لعله فهم من هذه الرواية ان دخول الرأس كناية عن الدخول في الحلق ولكن الاستدلال بها غير تام, لأن الاكتحال ليس من المفطرات اطلاقا, ولذا عُد من المكروهات للصائم والظاهر ان السيد الخوئي نفسه لا يقول بمفطرية الاكتحال.
الدليل الثالث:وهو العمدة للقول المشهور وهو التمسك بأطلاق ما دل على مفطرية الاكل والشرب بدعوى ان الاطلاق يشمل اكل وشرب ما يعتاد واكل وشرب ما لا يعتاد , وهذا الاطلاق في تماميته وعدمها كلام كثير والاعتراض المعروف هو ان الروايات منصرفة الى اكل وشرب ما يعتاد وبعد فرض الانصراف ليس فيها دلالة على مفطرية اكل وشرب ما لا يعتاد .
وهذا الانصراف ذكره اكثر من واحد من المحققين ونوقش بمناقشات كثيرة ,
الاولى والمهمة منها هي ما ذكره المحقق الهمداني (وفيه : منع الانصراف إن أريد بالنسبة إلى متعلَّق الأكل والشرب لأنّه غير مذكور في الكلام حتى يدّعى فيه الانصراف، بل حذفه يكشف عن عدم ملحوظيّة شيء بخصوصه، وإناطة الحكم بماهيّة الأكل والشرب بأيّ شيء حصلت، كقولنا : زيد يعطي ويمنع.
وإن أريد بالنسبة إلى نفس الأكل والشرب، بدعوى : أنّ المتبادر إرادة القسم المتعارف منهما وهو : ما إذا تعلَّقا بما يتعارف أكله وشربه، كانصراف إطلاق الغسل إلى الغسل بالماء ففيه : أنّ انصرافهما حينئذ عن غير المتعارف منهما من حيث ذات الأكل والشرب كمّا وكيفا أولى من انصرافهما عن غير المتعارف منهما من حيث المتعلَّق . مع أنّ هذا ممّا لم يقل به أحد من المسلمين . فهذا يكشف عن أنّ الحكم بالاجتناب متعلَّق بطبيعة الأكل والشرب من حيث هي )[3]
وعلى كل حال فأن هذا الانصراف_ كما هو الحال في كل الانصرافات _ يحتاج الى قرائن واضحة ولو كانت القرائن هي مناسبات الحكم والموضوع, واما مجرد ندرة الوجود وعدم التعارف وامثال هذه الامور فلا توجب الانصراف الى الافراد المتعارفة ,فالإطلاق يبقى حكما متعلقا بالطبيعة وهي لم يؤخذ فيها قيد ومقتضى شمولها واستيعابها شمول واستيعاب جميع الافراد .

المناقشة الثانية في الاطلاق
ان يقال ان التمسك بالإطلاق مبني على افتراض ورود الاكل والشرب في الادلة ليقال ان هذا مطلق فيشمل المعتاد وغير المعتاد او يقال انه منصرف الى خصوص المعتاد , وبما انه لا توجد الفاظ الاكل والشرب في الادلة فأن هذا الفرض غير واقع , نعم ورد الاكل والشرب في بعض الادلة التي لا يمكن التمسك بأطلاقها كما في القضاء عمن اكل او شرب ناسيا فأنه دل الدليل على عدم القضاء عليه, فأنه وان ورد لفظ الاكل الشرب في الدليل لكن لا يمكن التمسك بالإطلاق في هذا المقام لأن الدليل ليس مسوقا لبيان مفطرية الاكل والشرب, وانما هو مسوق لبيان وجوب القضاء وعدمه, وانه اذا اكل متعمدا فعليه القضاء واما اذا اكل ناسيا فلا قضاء عليه , فالرواية فارغة عن كون الاكل مفطرا وتريد القول ان هذا الاكل اذا استعمله الصائم نسيانا فلا قضاء عليه .
والآية الشريفة التي ورد فيها لفظ الاكل والشرب (وكلوا واشربوا ) ايضا لا يمكن التمسك بأطلاق الاكل والشرب الوارد فيها لغير المعتاد لأنها غير مسوقة لبيان المفطرية للأكل والشرب وانما هي في مقام بيان تحديد وقت الامساك .
واذا آمنا بهذا الاشكال لا يبقى دليل على مفطرية الاكل مطلقا (كما قال المشهور)
هذا بالنسبة الى ادلة القائلين بالعموم وعرفنا بأن العمدة في هذه الادلة هو الاطلاق, وترد فيه كثير من المناقشات, وتحقيق هذا المطلب سيأتي في استعراض ادلة القائلين بعدم مفطرية اكل ما لا يعتاد حيث ذكروا بعض الادلة وناقشوا مسألة الانصراف وتمامية الاطلاق وعدمة .


[1] كتاب الصوم , السيد الخوئي ,ج1 ,ص93.
[2] وسائل الشيعة , الحر العاملي ,ج10 ,ص76, ابواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك , باب25,ح9, ط آل البيت.
[3] مصباح الفقيه ,المحقق الهمداني ,ج14,ص365.