38/05/29


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 32 ) حكم الرشوة – المكاسب المحرمة.

الرواية الثانية:- وهي ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن إسماعيل بن أبي سماك عن محمد بن أبي حمزة عن حكم بن حكيم [ حكيم بن حكيم ] الصيرفي قال:- ( سمعت أبي الحسن وسأله حفص الأعور فقال:- إن السلطان [ عمال السلطان ][1] يشترون منّا القِرَب والإداوي[2] فيوّكلون الوكيل حتى يستوفيه منّا فنرشوه حتى لا يظلمنا ، فقال:- لا بأس ما تصلح به مالك ، ثم سكت ساعة ثم قال:- إذا أنت رشوته يأخذ أقل من الشرط ؟ قلت:- نعم ، قال:- فسدت رشوتك )[3] ، والرواية فصّلت بين ما إذا كانت الرشوة لدفع الظلم ، يعني تم الاتفاق بين عمال السلطان وبين صاحب المحل على أن يشترون مائة من هذه الإداوي بكذا ولكن حينما يأتي الوكلاء ويريدون قبض الإداوي يريدون أن يقبضوا اكثر من مائة كمائة وعشرة من الإداوي فلأجل دفع ظلم هؤلاء يعطون شيئاً حتى لا يظلمونه بالمطالبة بإداوي أكثر والامام قال له ( لا بأس ما تصلح به مالك ) ، ثم قال له الامام عليه السلام وأما أنت رشوته هل يأخذ أقل من الشرط يعني حينما تدفع يأخذ أقل من مائة فهنا لا يجوز حيث قال الامام عليه السلام ( إذا أنت رشوته تأخذ أقل من الشرط ؟ قال:- فسدت رشوتك ) ، فإذن الامام عليه السلام فصّل بين حالتين ، والشاهد هو أنه إذا لم يكن في دفع الرشوة - وقلنا إنَّ المقصود من الرشوة المعنى الأعم وهو المال الذي تدفعه - الحرام بل كان القصود هو المباح فحينئذٍ يجوز فيصير الشاهد في الشق الأوّل من الرواية والشيخ (قده) ذكر الرواية فقط ولم يبين ذلك.

وفي مقام التعليق نقول:- إنه إذا تمتّ الرواية سنداً ولم نناقش من ناحية إسماعيل بن سماك فإنه لم يوثق وغضضنا النظر عن هذا فربما يناقش في الدلالة ، باعتبار أنَّ القسم الأوّل منها هو دفع الظلم ومحلّ كلامنا هو في دفع الأجرة في مقابل المباح لا في مقابل دفع الظلم ، فلعله لدفع الظلم يجوز إعطاء المال أما أن تدفع مقداراً من المال لأمرٍ مباح لا لدفع الظلم لا يمكن أن نتمسّك بالرواية لإثبات جوازه ، والمفروض أنَّ الشيخ المفروض محل كلامه في أن يدفع مقداراً من المال في مقابل المباح مثل أن يدفع له مالاً لأجل أن يعطيه مكانه ولا يوجد ظلمٌ في البين وكلامنا هنا وهو أنه هل يجوز دفع الأجرة أو لا يجوز أما أن تذكر هذه الرواية التي فيها دفع للظلم فهذا ليس في محلّه ، فلعل لدفع الظلم خصوصية ، فلا يمكن التمسك بهذه الرواية لإثبات أنَّ دفع المال والأجرة في مقابل المباح حينئذٍ يجوز فإنه لا توجد ملازمة بين المطلبين ، وهذا إشكال يسجّل على الشيخ الأعظم(قده) بلحاظ الرواية الثانية ، أما الرواية الأولى - وهي رواية التحوّل من المنزل - فلا مشكلة فيها :

نعم يبقى الاشكال الذي أثرناه سابقاً والآن نكرره من جديد فنقول:-

أوّلاً:- كان من المناسب للشيخ أن يتمسك بالقاعدة فإنها تقتضي الجواز من دون حاجة إلى وراية ، فمن حيث الحكم التكليفي أصل البراءة يجري ومن حيث الحكم الوضعي نتمكن أن نقول صحيح لأنه إما أن يكون عقد – إجارة – فيشمله ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو نحوٌ من الصلح فيشمله قانون ﴿ والصلح خير ﴾ فعلى هذا الأساس كان من المناسب للشيخ أن يتمسّك بالأصول ومقتضى القواعد.

ثانياً:- إن دفع المال لأجل المباح أصلاً لا يحتاج إلى ذكر رواية لأنه لا يوجد فيه احتمال عدم الجواز حتى نثبته بالرواية ، فلا يوجد متشرعي يوجد عنده أدنى معرفة يحتمل أنَّ هذا فيه مشكلة ، فهو إما إجارة أو صلح وعلى كلا التقديرين هو في حدّ نفسه لا يحتمل عدم جوازه حتى تأتي لنا برواية أو روايتين في هذا المجال ، والعرض هنا لقضية دفع المال لأجل المباح لا معنى له لأنَّ جوازه واضح ، فاجعل الشقوق اثنان لا ثلاثة.

الرشوة للموظفين:-

ذكرنا فيما سبق أنَّ الرشوة تارة تكون في مجال الحكم ، وأخرى في غير مجال الحكم ، وإذا لم تكن في مجال الحكم نقسّمها إلى قسمين ، قسم في غير مجال الوظيفة والموظفين وهذا الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده) وذكر له ثلاث حالات وقد انتهينا منه ، وأخرى يكون في مجال الوظيفة والموظفين والشيخ(قده) لم يتعرّض إليه ، ولكن نحن نريد التعرّض إليه تكميلاً للفائدة.

وفي هذا المجال نقول:- إنَّ دفع الأجرة للموظف للقيام بقضية معيّنة هل هو جائز أو لا ؟

والجواب:- إنَّ ذلك يختلف باختلاف الموارد ولا يمكن أن نقدم حكماً عاماً فنقول يجوز دائماً أو نقول لا يجوز دائماً ، ونحن الآن نتعرض إلى جملةٍ من الحالات لنلاحظ الحكم فيها والتكييف الفقهي لذلك الحكم:-

الحالة الأولى:- كان في النظام السابق إذا أعدم الشخص وكأن مسجلاً باسمه أملاكاً كالدور فإنها سوف تصادر ، ولعلَّ الأملاك ليست له ولكنها مجلّة باسمه فهذه أيضاً سوف تصادر ، فهل يجوز الاتفاق مع الموظّف في دائرة الطابو إذا كان يتمكن من ذلك على أن ينقل هذه الدار أو غيرها من اسم ذلك الشخص إلى اسم شخصٍ آخر حفاظاً عليها من المصادرة ؟ فهل يجوز دفع المال إلى هذا الموظف أو لا ؟ ، ومرّةً يكون الكلام من ناحيته ، ومرّةً يكون من ناحيتنا ، ومرّةً يقع الكلام بالنسبة إلى الأجرة.

أما بالنسبة إلى فعلنا نحن:- فهذا يمكن ان يقال هو جائز رغم أنه مخالف للنظام ولكن حيث أن النظام في هذه المادة القانونية فيها اجحاف وظلم وليست شرعية فالالتزام بها لس بلازم ، ولكن يبقى حينئذٍ محذور الكذب لأننا حينما نحول هذا الملك من اسم إلى اسم آخر فالقضية قد تحتاج إلى الكذب ، لأنه حينما نحول الملك من اسم إلى اسم آخر فالقضية قد تحتاج إلى كذب هذا المتصدي إما بالكذب القولي أو بالكذب العملي فنقول آنذاك أنَّ هذا الكذب جائز ولا محذور فيه من باب قاعدة لا ضرر فإنها حاكمة على جميع أدلة الأحكام الأوّلية ، فصحيح أنه بالعنوان الأوّلي يوجد هنا كذب وهو لا يجوز ولكن بما أنه إذا أردت أن لا أكذب يلزم من ذلك الضرر لأن الورثة سوف تذهب منهم الكثير من الأموال ففي مثل هذه الحالة دفعاً للضرر تمسكاً بقاعدة لا ضرر يجوز حينئذٍ الكذب ، بل يجوز القَسَم كاذباً إذا فرض أنه احتيج إلى القَسَم فإنه يجوز آنذاك القسم كاذباً لقاعدة لا ضرر ، بل للروايات الخاصة التي تدل على جواز الحلف كاذباً.

نعم الفارق بين قاعدة لا ضرر وبين الروايات هو أنه إذا كان المستند قاعدة لا ضرر فلا يجوز أن يطبق القاعدة إلا الورثة لأنهم هم الذين سوف يتضرّرون ، فقاعدة لا ضرر تشملهم والفقيه يجوّز لهم ذلك ومستنده هو قاعدة لا ضرر أيضاً ، أما إذا فرض أنهم أناس عاديّون يريدون أن يشهدوا وأنَّ هذا يحتاج إلى شهادة فهؤلاء ليسوا ورثة فقاعدة لا ضرر لا تشملهم لأنهم لا يصيبهم الضرر فعلى هذا الأساس لا يمكن تطبيق قاعدة لا ضرر من ناحيتهم لكن الروايات الآتية التي تجوّز الحلف كاذبا حفاظاً على مال الأخ المسلم هي التي يمكن التمسّك بها في هذا المجال:-

من قبيل:- ما رواه الشيخ الكليني - بسندٍ تام - عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن إسماعيل بن سعد الشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام:- ( ...... وعن رجلٍ يخاف على ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه ، قال:- لا جناح عليه ، وسألته:- هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله ؟ قال:- نعم )[4] ، وهي في شقها الأوّل تعرضت إلى حلف نفس الرجل أو الورثة مثلاً وفي الشق الثاني يحلف الرجل على مال أخيه ، وحينئذٍ هي تشمل الناس الآخرين الذين يحلفون لا صاحب المال ولا الورثة فإنَّ الامام جوّز ذلك.

إن قلت:- إنَّ هذه الرواية لم يفترض فيها الحلف كاذباً ، بل قال هل يجوز له أن يحلف أو لا يجوز له ذلك ؟

قلت:- إنه إما أن يتمسّك بالاطلاق ، فإذا كان السؤال مطلق والامام عليه السلام أيضاً جوّز ذلك ولم يستفصل ، أو يقال إنه إذا كان الحلف صادقاً لا يحتاج إلى سؤال ، فنفس السؤال هو قرينة على أنَّ هذا الحلف كاذباً لينجو بالمال ، فإذن لا ينبغي التأمّل من هذه الناحية.

ومن قبيل:- ما رواه الشيخ الصدوق(قده) بإسناده عن ابن بكير عن زرارة قالك- ( قلت لأبي جعفر عليه السلام:- نمرّ بالمال على العشّار فيطلبون منّا أن نحلف لهم ويخلّون سبيلنا ولا يرضون منّا إلا بذلك ؟ قال:- فاحلف لهم فهو أحلّ من التمر والزبد )[5] ، وهناك روايات أخرى في نفس الباب يمكن مراجعتها وملاحظتها وبعضها يصرّح بالحلف كاذباً ولكني أذكر تلك الروايات لأنَّ أصح الروايات سنداً هو ما ذكرته منها.

هذا من ناحية الورثة مثلاً أو بقيّة الناس الذين يقومون بهذا المعروف.

وأما من ناحية نفس الموظف:- فهل يمكن لنفس الموظّف أن يتصدّى لمثل هذه القضية والمفروض أنه لا يتضرّر من هذه الناحية ؟

والجواب:- إنَّ عدم الجواز هو الذي يحتاج إلى مانع ، والمانع أو الدليل هو إما مخالفة النظام أو الكذب.

أمّا مخالفة النظام:- فقد قلنا إنه لا تجوز مخالفة النظام إذا كان النظام محقاً لا ما إذا كان ليس بحق ويوجب سلب أموال الآخرين.

وأما من ناحية الكذب:- فقد فرضنا أنَّ الحلف كاذباً له جائز ، فإذن من هذه الناحية الكذب له جائز لأجل حفظ مال المؤمن ، فمن هذه الناحية لا توجد مشكلة لكيلهما.

أما مسألة الأجرة التي يأخذها الموظف على هذا العمل ويطالب بها:- فهل يجوز له أخذها أولا ؟

الجواب:- إنَّ هذا عمل هو ليس بملزم به ، على أنه يخاطر بنفسه من أجل ذلك ، فإذن هو ليس بملزم به فله الحقّ في أن يطالب بمقدارٍ من المال بإزائه ، مضافاً إلى ذلك أنه يخاطر بنفسه ، فله الحقّ في أن يطالب بالأجرة ، فإذن هذا العمل جائز من هذه الناحية ولا مشكلة فيه.


[1] والموجود في المكاسب هو ( عمال السلطان ) ولعل النسب هو هذا.
[2] الإداوي:- جمع إداوة والإداوة آنية من جلد.