38/06/05


تحمیل

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

38/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: زكاة الفطرة.

ذكرنا أنّ المعيل إذا كان فقيراً فلا يجب عليه دفع الزكاة لا عن نفسه ولا عن المعال ، وحينئذ هل يجب على المعال ــــ إذا كان واجداً لسائر الشروط كما اذا كان بالغاً وعاقلاً وغنياً ــــ دفع الزكاة عن نفسه؟

الجواب:- الظاهر الوجوب تمسكاً باطلاق الروايات وعمومها لأنّ الشك في هذه الصورة شكٌ في التخصيص الزائد ، فاذا كان المعيل غنيا وجب عليه دفع زكاة الفطرة عن المعال فالروايات المطلقات قد خصصت في هذه الصورة[1] وعموها قد خصص بهذه الصورة ، وأما إذا كان المعيل فقيراً فيشك في تخصيص العام بالمعيل الفقير والشك في التخصيص الزائد المرجع هو عموم العام ، كما إذا فرضنا أنّ المولى قال: (أكرم كل عالم) ثم قال: (لا تكرم الفساق منهم) وفرضنا أنّ الفاسق يدور أمره بين فاعل الكبيرة والاعم منه ومن فاعل الصغيرة فالمتيقن تخصيص العام بالفاسق الذي يرتكب الكبيرة ويشك في تخصيص العام بالفاعل للصغيرة فقط فاذا شك في التخصيص الزائد فالمرجع هو عموم العام لا التمسك باطلاق المخَصِص ، ومقتضى عموم العام وجوب إكرام الفاسق الذي يكون فاعلا للصغيرة فقط دون الكبيرة ، وما نحن فيه كذلك فان المتيقن تخصيص العمومات بما إذا كان المعيل غنياً وأما إذا كان فقيراً فيشك في تخصيص العمومات بغير المعال والشك في التخصيص يكون المرجع هو عموم العام ومقتضى عموم العام وجوب زكاة الفطرة على المعال إذا كان المعيل فقيراً.

وكذلك الحال فيما إذا كان المعيل ناسياً لوجوب زكاة الفطرة عن المعال او جاهلاً جهلاً مركباً فان تكليف الناسي غير ممكن فالنسيان يوجب سقوط التكليف واقعاً ، وكذا الجهل المركب فانّ الجهل المركب معناه أنه غافل والغافل غير قابل للتكليف وتكليف الغافل لغو كتكليف الناسي ، ففي مثل ذلك هل يجب على المعال دفع الفطرة عن نفسه؟

الجواب:- الظاهر الوجوب تمسكاً بعموم الروايات وإطلاقها لأن القدر المتيقن هو التخصيص بما إذا لم يكن المعيل ناسيا او غافلا او جاهلاً جهلاً مركباً ، فإذا كان ناسياً او جاهلاً جهلاً مركباً فحينئذ نشك في التخصيص الزائد والمرجع هو عموم العام ومقتضى عموم العام وجوب زكاة الفطرة على المعال.

واما إذا ترك المعيل دفع زكاة فطرة المعال متعمداً فأيضا يجب على المعال دفع الزكاة عن نفسه فإن الشك في التخصيص الزائد والقدر المتيقن هو التخصيص فيما إذا دفع المعيل زكاة فطرة المعال ، وأما إذا لم يدفع فيشك في التخصيص في هذا الفرض وعند الشك في التخصيص الزائد المرجع هو عموم العام ومقتضى عموم العام وجوب زكاة الفطرة على المعال فعليه أنّ يدفع زكاة فطرته.

واما اذا فرضنا ان العصيان هو قيد فحينئذ طالما لم يعصي فالامر موجه الى المعيل فاذا كان الامر بدفع فطرة المعال موجه الى المعيل لم يكن أمر بالنسبة الى المعال والمفروض ان سقوط هذا الامر انما هو بالعصيان لا ان العصيان بنفسه موجب للسقوط باعتبار ان العصيان لا يتحقق الا بخروج الوقت فاذا خرج الوقت فهو عاص فطالما يكون الوقت موجودا هو متمكن من الامتثال فاذا خرج الوقت سقط الحكم بسقوط موضوعه وهو الوقت لا من جهة العصيان فان العصيان لا يوجب سقوط التكليف فاذا خرج الوقت فلا وجوب لا على المعيل ولا على المعال لان وقت الوجوب قد إنتهى وبعد الانتهاء فلا وجوب ، وأما القضاء فهو بحاجة الى دليل وسوف يأتي الكلام في وجوب القضاء في ضمن المسائل القادمة.

ومن هنا يظهر بطلان ما قيل من أنّ زكاة فطرة المعيل واجبة على المعيل والمعال معاً وهو مقتضى إطلاقات الادلة فان مقتضى إطلاقات الادلة انّ كل مكلف إذا كان واجداً للشروط فيجب عليه الفطرة سواء أكان معالاً أم لم يكن معالاً ونتيجة ذلك أنه يجب على المعيل والمعال معا الفطرة فعلى المعيل دفع الفطرة عن المعال وعلى المعيل دفع الفطرة عن نفسه غاية الامر وجوب دفع الفطرة على كلٍ منهما مشروط بعدم دفع الآخر مثلا وجوب دفع الفطرة على المعال مشروط بان لا يدفع الفطرة المعيل ووجوب دفع الفطرة على المعيل مشروط بان لا يدفع المعال فطرته.

ولكن لا وجه لذلك ، وهذا لا يستفاد من الروايات فان الروايات على طائفتين الاولى تدل على وجوب الفطرة على كل مكلف واجد للشروط من البلوغ والعقل والغنى سواء أكان معالا أم لم يكن معالا ومقتضى إطلاق هذه الطائفة ذلك والثانية تدل على أن المكلف إذا كان معالا فتجب فطرته على المعيل والمفروض ان الواجب فطرة واحدة فالفطرةُ الواجبةُ على المعال تجبُ على المعيل اذا صار معالا أي اذا صدق عليه هذا العنوان فتجب فطرته على المعيل ولا يستفاد من شيء من الادلة ان هنا واجبان وفطرتان غاية الامر ان كلا منهما مشروط بعدم دفع الاخر كالواجب الكفائي فلا دليل على ذلك.

إذن ما ذكره بعضهم من ان الفطرة واجب على كل منهما غاية الامر وجوب الفطرة على كل منهما مشروط بعدم إتيان الآخر فاذا اتى الاخر سقط عنه كالواجب الكفائي واجب على الجميع لكن وجوبه على كل منهم مشروط بعد اتيان الآخر بالواجب فاذا اتى بالواجب سقط عن الاخرين بسقوط موضوعه وما نحن فيه كذلك ولكن هذا المعنى لا يستفاد من الدليل بل المستفاد ان الفطرة فطرة واحدة بل هو من الضروريات الفقهية أن على كل راس فطرة واحدة غاية الامر اذا صار المكلف معالا تجب فطرته على المعيل لا على المعال هذا كله فيما اذا كان وجوب الفطرة تكليفيا ، وأما اذا كان وضعيا فهنا كلام آخر نتكلم فيه ان شاء الله تعالى.


[1] صورة ما اذا كان المعيل غنيا.