35/05/11


تحمیل
الموضوع :الصوم :النية مسألة 16
تقدم الكلام بأن ظاهر كلمات الفقهاء (بما فيهم المتقدمين) ان موضوع الاجزاء هو يوم الشك ولم يشترطوا في هذا الموضوع شيء اخر_ كالعلة والشبهة_( وانما علقوا الحكم على يوم الشك وبعضهم علقه على الشك (كأن يقول مثلا اذا شك) من دون ان يقيد بأن منشأ هذا الشك من سبب خاص) , وتعليق الحكم على يوم الشك (او الشك) ظاهر في ان الاجزاء لا يشمل صورة القطع بأن هذا من شهر شعبان , فكلمات الفقهاء ظاهرة في ان صورة القطع ليس من يوم الشك (او الشك )الذي يُحكم فيه بالاجزاء .
ونذكر بعض كلمات الفقهاء القدماء للتأكيد , ففي فقه الرضا(وإذا شككت في يوم لا تعلم أنه من شهر رمضان أو من شعبان، فصم من شعبان، فإن كان منه لم يضرك، وإن كان من شهر رمضان جاز لك من رمضان)[1] فالعبارة ظاهرة في الاختصاص بحال الشك بأنه من شهر رمضان او انه من شعبان ومن الصعب تعميمها الى صورة القطع بأنه من شعبان , كما انه لا داعي لتقييدها بما اذا كان الشك ناشئ من جهة خاصة .
الشيخ المفيد في المقنعة (ويجب على المكلف الاحتياط لفرض الصيام بأن يرقب الهلال، ويطلبه في آخر نهار يوم التاسع والعشرين من شعبان، فإن أصابه على اليقين بيت النية لمفروض الصيام، فإن لم يصبه يقينا عزم على الصيام معتقدا أنه صائم يوما من شعبان، فإن ظهر له بعد ذلك أنه من شهر رمضان فقد وفق لإصابة الحق عينا، وأجزأ عنه الصيام )[2] فعبارته تفصل بين ما اذا تيقن انه من رمضان وما اذا لم يتيقن وعلى الاول يصمه من رمضان وعلى الثاني يصمه على انه من شعبان , وهذه العبارة فيها اطلاق تشمل صورة العلم انه من شعبان , لأن الشق الاخر هو اذا لم يصبه أي يصيب هلال شهر رمضان يقينا وهذا يشمل صورة القطع بأنه شعبان , فضلا عن حالة الشك .
السيد المرتضى قال (وفي صيام يوم الشك ينوي أنه من شعبان، فإن ظهر فيما بعد أنه من شهر رمضان أجزأه )[3] فأنه اخذ في كلامه يوم الشك وجعله موضوعا للإجزاء .
الشيخ في النهاية يقول (والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشك على أنه من شعبان. فإن قامت له البينة بعد ذلك أنه كان من رمضان، فقد وفق له، وأجزأ عنه)[4]
ونحو هذه العبارة يذكرها القاضي ابن البراج في المهذب .
السيد ابن زهرة في الغنية قال(ويستحب صوم يوم الشك بنية أنه من شعبان، بدليل الإجماع المتردد و طريقة الاحتياط، لأنه إن كان من رمضان أجزأ عندنا عن الفرض)[5] فأنه اخذ يوم الشك موضوعا للإجزاء.
ابن حمزة في الوسيلة قال (وإن شك ونوى شهر رمضان لم يجزئ، ولزمه القضاء إن تحقق بعد ذلك أنه من شهر رمضان . وإن نوى صوم غير رمضان، أو صوم رمضان إن كان منه وصوم غيره إن لم يكن أجزأ .)[6] ولا اشكال عنده في النية المرددة , وموضوع الحكم عنده في الاجزاء هو اذا شك وهذه العبارة لا يمكن ان تشمل صورة القطع بأنه من شعبان .
وفي اصباح الشيعة للصهرشتي ( ويوم الشك يصومه على انه من شعبان وقد اجزأه ) فأخذ يوم الشك موضوعا للإجزاء ايضا.
ابن ادريس في السرائر(والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشك على أنّه من شعبان)[7]
المحقق في الشرائع(ولو نواه مندوبا اجزأ عن رمضان اذا انكشف انه منه)[8]
وهكذا عبارات من تأخر عن صاحب الشرائع والذي يظهر من معظم هذه العبارات التفصيل بين يوم الشك وعدمه (القطع على انه من شعبان ) , وهو الاحتمال الاول الذي ذكرناه في الرواية .
قد يقال ان معظم كلمات الفقهاء موضوع الاجزاء فيها (يوم الشك ) وقليل منهم عبر ب(اذا شككت او اذا شك) وعليه يمكن ان يدعى ان المراد من يوم الشك هو الثلاثون من شعبان _ الذي هو يوم شك بحسب طبعه الاولي , بأعتبار ان الشهور قد تكون تامة وقد تكون ناقصة _ وعلى هذا يصدق يوم الشك حتى مع القطع بأن هذا اليوم من شعبان , وحينئذ يمكن القول بأن الفقهاء يعممون الاجزاء لصورة القطع بأنه من شعبان .
لكن هذا الكلام لا يجري الا في كلمات من عبر بيوم الشك , فلا يجري في عبارة فقه الرضا ولا في الوسيلة ولا في الشرائع .
وهذه الكلمات _ سواء عممنا الحكم ليشمل يوم القطع او لا _ متفقة بحسب الظاهر على شيء واحد وهو ان الاجزاء لا يعتبر فيه وجود علة او شبهة , بل المعتبر هو صدق (يوم الشك) في بعضها او (الشك) في بعض اخر وهذا يصدق حتى مع عدم العلة و الشبهة .
وهذا يعني ان المشهور لم يعمل بهذه الرواية , لأنها تفصل بين الشك مع الشبهة وغيره كما تقدم . وعليه يمكن ان نحتمل ان المشهور اعرض عن هذه الرواية , وفي قبال هذا الاحتمال هناك احتمال اخر يقول ان المشهور لم يعرضوا عن الرواية بل كلامهم يمكن ان يكون مطابقا لها , وذلك بأن نقول انهم فهموا من الرواية التفصيل الاول (بين القطع وبين الشك أي القطع من شعبان فلا يجزي والشك منه فيجزي) ويمكن تأييد هذا الاحتمال بأمرين في داخل الرواية الاول قول (إذا كان لا يعلم أهو من شعبان أم من شهر رمضان) وفي مقابل ذلك يعلم انه من شهر رمضان او من شهر شعبان , فتحكم بالاجزاء في صورة الشك من أي سبب كان , في مقابل العلم بأنه من شعبان فلا يحكم فيه بالاجزاء .
والمؤيد الاخر ان نحمل الشبهة على المعنى الاعم , برفع اليد عما ذكرناها سابقا من ان المراد منها مالا يشمل احتمال النقصان في الشهر , فنقول ان الشبهة هي كل ما يوجب الشك وان كان احتمال نقصان الشهر , وبهذا الحمل تكون الرواية صريحة بالتفصيل بين القطع انه من شعبان وبين الشك من أي سبب كان , وبناء على هذا الحمل فأن معظم كلمات الفقهاء لا تنافي ذلك خصوصا المتقدمين منهم .
وهذا التفصيل يمكن الالتزام به لقيام الدليل المعتبر عليه ( رواية معمر بن خلاد) , وهي غير منافيه لروايات الاجزاء وانما تكون حاكمة عليها , وتفسرها بأن المراد من يوم الشك فيها ليس الثلاثين من شعبان وانما المراد هو ما يحصل فيه شك لأي سبب كان , في مقابل القطع بأنه من شعبان فلا تشمله ادلة الاجزاء.
فلا يبعد الالتزام بمدلول الرواية بعد ان تمت سندا , ولا دليل لإعراض الاصحاب عنها , غاية الامر ان هذا يتوقف على حمل الرواية على هذا التفصيل لا على التفصيل بين صورة وجود علة او شبهة وبين عدمهما.
وهذا الكلام يمكن الالتزام به وليس على خلاف المشهور ولا على خلاف نصوص الاجزاء .