38/04/03


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/04/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات - المكاسب المحرمة.

وفيه:- أما بالنسبة إلى الكبرى التي ذكرها فلا يبعد أن يكون لها وجاهة - يعني من أتى بفعلٍ لغايةٍ ولكن بما هي متخصّصة بخصوصية فجزء العلّة أو تمام العلّة سوف يكون تلك الخصوصية - ، ولكن نقول:- إنَّ مقامنا ليس مصداقاً لذلك ، فإنَّ المكلّف حينما يأتي بالصلاة إذا كان يقصد الامتثال بهدف الأجرة - بخصوصية الأجرة - فما ذكره قريبٌ إلى الصواب - يعني لا يكفي - لأنّ الأجرة صار لها كمال الدور أو جزء الدور ، ولكن نقول ليس الأمر كذلك وإنما الأجير يأتي بالمغيّا بما هو مغياّ ، واقصد بالمغيا بما هو مغيّا الصلاة بغاية الامتثال ، فهو يأتي به لأجل الأجرة ، فبالتالي صارت الصلاة لأجل الامتثال لكن الاتيان بهذا الجموع الكلّي - يعني الصلاة بقصد الامتثال - هو صار بداعي الأجرة وهذا لا محذور فيه ، بل هذا هو عين الداعي إلى الداعي ، وواقع الحال هو هذا - يعني يأتي بالمجموع المغيّا بما هو مغيا للأجرة - لأنَّ الأجرة على ماذا وضعت هل على ذات الصلاة أو على قصد الامتثال وحده ؟ إنما جعلت الأجرة على أني أريد منك صلاةً بقصد الامتثال ، والأجرة والمستأجر يجعل الأجرة على هذا ، فواقع الحال هو هذا ، فحينئذٍ يأتي بالصلاة المغيّاة بقصد الامتثال لأجل الأجرة ، فصارت الأجرة هي الداعي لتحقيق هذا المغيّا بما هو مغيّا.

نعم قد تشكل وتقول:- هذا صحيح ولكن بالتالي أنا أشعر بقلبي أنَّ المحرّك الأساسي والأعظم هو الأجرة.

قلت:- هذا كلامٌ آخر ، فانتظرنا بعد قليل ، والشيخ الأنصاري والنائيني قد ذكرا ذلك ، أما الآن فنحن نتكلّم مع الشيخ محمد تقي الشيرازي(قده) حيث قال إنه لا يوجد داعي إلى الداعي وإنما الموجود هو أنه يأتي بالصلاة لأجل الخصوصية وهي الأجرة ، فهو أنكر وجود الداعي إلى الداعي لا أنه قبل به لكنه لا يسمن ولا يغني من جوع ، ولكن الشيخ الأنصاري(قده) سلّم فكرة الداعي إلى الداعي ولكنه قال هي لا تسمن ولا تغني من جوع ، فإشكالك هذا لا تذكره هنا ، فنحن نريد أن نعرف هل يوجد داعي إلى الداعي أو لا ، والشيخ الشيرازي(قده) قال هو ليس موجوداً ، فأنت تأتي بالصلاة لأجل الأجرة ولا يوجد شيءٌ آخر - وهو قصد الامتثال - ، ونحن أجبنا وقلنا:- إنَّ الأجرة قد وضعت على المغيّا بما هو مغيّا فإذن الأجير يأتي بالصلاة المغيّاة بقصد الامتثال ، فهو يأتي بهذا المجموع لأجل الأجرة وهذا هو عين الداعي إلى الداعي لا أنه يقصد الامتثال - أي الغاية - لأجل خصوصيةٍ وهي الأجرة ، بل يقصد المغيّا بما هو مغيّا لا أنه يقصد الغاية فقط لأجل الخصوصية.

وبهذا يتضح أنَّ أصحاب فكرة الداعي إلى الداعي إذا كانوا يفسّرونها بهذا الشكل - يعني يؤتى بالمغيّا بما هو مغيّا لأجل الأجرة - فهذا تفسيرٌ جيّدٌ ووجيه ، يعني تنطبق عليه فكرة الداعي إلى الداعي.

نعم قد يرد إشكال:- وهو أنه رغم كونه من الداعي إلى الداعي ولكن هذا لا يكفي.

وقد قلنا:- إنَّ هذه هي مناقشة الشيخ الأعظم(قده) وسوف تأتي ، فإنَّ كان أصحاب فكرة الداعي إلى الداعي هذا المعنى فهذا شيء وجيه وتنطبق عليه فكرة الداعي إلى الداعي.

وأما إذا كانوا يقصدون كما لعلّه أحياناً قد نتساهل في التعبير ونقول الصلاة يؤتى بها لأجل قصد الامتثال وإنما يقصد الامتثال لأجل الخصوصيّة وهي قصد الأجرة فهنا يأتي إشكال الشيخ محمد تقي الشيرازي(قده) أنه بالتالي تكون الخصوصية هي الداعي كاملاً أو جزء الداعي.

فلابدّ وأن نلتفت إلى أنه حينما نفسّر فكرة الداعي إلى الداعي أن نفسّرها بالتفسير الأوّل لا بالتفسير الثاني المسامحي حتى يرد إشكال الشيخ محمد تقي الشيرازي(قده) . هذا بالنسبة إلى أصل تطبيقه للفكرة.

إذن أصل الكبرى لا بأس بها لكن تطبيقها على مقامنا مرفوضٌ لأنّ مقامنا ليس صداقاً لها كما أوضحنا.

وأما ما ذكره في المثال:- فهو على تقديرٍ من مقامنا ومصداقٌ له ، ولكنه لنا وليس علينا ، بل عليه ، وعلى تقديرٍ آخر ليسا من مقامنا حتى يستحقّا الذكر والاستشهاد بهما وذلك ببيان:- أنَّ هذا الابن حينما كان يدق الباب على الضيف كلّ صباح ويقول له ماذا تطلب فحينما يمتثل هذا الولد ويأتي بكل يأتي بما طلبه منه الضيف هل يأتي بقصد امتثال أوامر الضيق ويقول للضيف باللسان الصريح أنا أمتثل أوامرك ولكن الذي حرّكني إلى قصد امتثال أمرك إما الأجرة أو الوالد ، ومرّة يقول إنّي لم أقصد امتثال أوامرك بل هي لا قيمة لها عندي وإنما أنا ائت لك بما تريد لا بقصد امتثال أوامرك بل لأجل الأجرة أو لأجل امتثال أمر الأوّل الصادر من والدي ، فعلى الأوّل هنا نتمكن أن نقول من المناسب للضيف أن يشكر هذا الابن لأنه بالتالي قصد امتثال أوامره ، هكذا نرى بوجداننا أنه يستحق الشكر ومن اللازم أن يشكره الضيف لأنه قصد امتثال أوامره ، غاية الأمر الداعي لامتثال أوامر الضيف هو أنَّ الوالد قد أمر ولكن بالتالي الولد امتثل أوامر الضيف وقصد أن يمتثل أوامر الضيف ، فعلى هذا الأساس يستحق الشكر ، وهذا لنا وليس علينا بل يصير عليك.

وإذا فرض الحالة الثانية فهذا خارج عن محل كلامنا ، يعني هو لا يستحق الشكر من الضيف لأن الابن ليس قاصداً امتثال الضيف ولكن هذا خارج عن محل كلامنا فإن محل كلامنا فيما إذا قصد الامتثال وأتى بهذه الأفعال بقصد الامتثال لأجل أن الوالد قد أمر ، فإذن هذه الحالة خارجة عن محل الكلام . فإن قصدت الأوّل فهو من محل كلامنا ولكن لا نوافقك على أنه لا يلزم على الضيف الشكر بل يلزمه الشكر وهذا ينفعنا وإذا قصدت الحالة الثانية فهي خارجة عن محل كلامنا فإن محل كلامنا فيما إذا قصد الأجير قصد الامتثال لا أنه إذا لم يقصد الامتثال . إذن ما أفاده الشيخ الشيرازي(قده) قابل للمناقشة بالشكل الذي أشرنا إليه بكلا بيانيه.

هذا كلّه بالنسبة إلى ما أفاده في النحو الأوّل من الاشكال على فكرة الداعي إلى الداعي والذي كان يقول لا توجد فكرة الداعي إلى الداعي وإنما هنا عرضية لا طولية.

والآن ننتقل إلى النحو الثاني من الاشكال على فكرة الداعي إلى الداعي والذي قلنا أنَّ مضمون الاشكال هو أنَّ القربة لازمه في جميع حلقات السلسلة ولا يكفي ثبوت القربة في البداية كما يقوله أصحاب فكرة الداعي إلى الداعي.

اعتبار القربة في جميع الحلقات:- ذهب الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب ووافقه على ذلك الشيخ النائيني(قده) على التسليم بفكرة الداعي إلى الداعي كفكرة ولكنهما قالا بالتالي المحرّك سوف يكون هو الأجرة وإنما تكون القربة متحققة لو فرض أنها ثابتة في البداية وفي النهاية ، بينما هي في فكرة الداعي ثابتة في البداية لأنه يأتي بالصلاة بداعي الامتثال والقربة ولكن في النهاية وفي الحلقة الثانية ليست موجودة لأنَّ الذي يدعوه إلى ذلك هو الأجرة وليس قصد القربة ، ومثل هذا بالتالي ليس قربة وإنما تتحقّق القربة واقعاً لو فرض أنها ثابتة في جميع حلقات السلسلة لا في البداية دون النهاية.

ثم اعترض الشيخ الأعظم(قده) وهكذا الشيخ النائيني(قده) على نفسه وقال:- ما رأيك بالصلاة لطلب الرزق فإنه من الثابت في الروايات الصلاة لطلب الرزق ، إن نفس تشريع هذا المعنى يدلّ على أنَّ النهاية لا يلزم أن تكون قربة بل يكفي أن تكون النهاية هي الرزق وهذا ليس قربة ويكفي البداية أن تكون قربة ، فالمكلّف الذي يصلّي لطلب الرزق يقف أمام القبلة ويقول أصلّي صلاة الرزق قربة إلى الله تعالى أو امتثالاً لأمره وهو لا يقول لأجل الرزق ولكن نيته هي لأجل الرزق فصار الرزق داعي إلى الداعي وهو ليس قربة والوقوع أدل دليل على الامكان . إذن يمكن حصول التقرّب أو الشارع يكتفي بهذا المقدار من التقرّب - وهل تسميه شكلي أو صوري فإنَّ الشارع يكتفي بهذا المقدار فهو صورة قربة وإن لم يكن حقيقةً قربة صادقة ولكن الشرع الاسلامي يكتفي بهذا المقدار -.

أجاب الشيخ الأعظم(قده) وقال:- إنَّ طلب الرزق من الله تعالى أيضاً هو داعي إلهي فإنَّ الله تعالى هو الرزاق ومحبوب له أن يطلب منه العبد الرزق ، فبالتالي صار هذا الداعي وهو الرزق شيء محبب إلى الله تعالى ومراد له فصارت جميع حلقات السلسلة كلّها محبوبة لله عزّ وجلّ وسوف تصير قربية ، فإذن صلاة الرزق لا تكون ردّاً علينا.

والشيخ النائيني(قده) في بعض كلماته تحامل على فكرة الداعي إلى الداعي بقسوة وذكر أن فكرة الداعي إلى الداعي أجدر أن تسجّل إشكالاً لا أن تسجّل جواباً ، فهي أحرى بالإشكال منها بالجواب.

يعني بعبارة أخرى نقول:- إن قلت يمكن تصحيح صلاة الأجير بفكرة الداعي إلى الداعي.

أجبنا:- بأن نهاية السلسلة هي غير قربيّة فبالتالي لا قربة ، ففكرة الداعي إلى الداعي لا ينبغي التمسّك بها لتصحيح عبادة الأجير ، بل قل لا يمكن تصحيح عبادة الأجير بفكرة الداعي إلى الداعي لأنه يرد هذا الاشكال عليها فإنَّ هذا هو المناسب.

وأجاب عن مسألة الصلاة للرزق كما ذكر الشيخ الأعظم(قده) ، وذكر أيضاً شيئاً آخر وهو أنَّ الصلاة لطلب الرزق التي هي محبّبة لله عزّ وجلّ هي قربية ولكن بأدنى مراتب القربة ، إنها عبادة العبيد وليس تقرّب الأحرار فإنَّ تقرّب الأحرار هو العالي الذي هو يمتثل لا لأجل أجرةٍ ولا غير ذلك وهو ينحصر بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام . وهذا ليس جواباً ثانياً وإنما هو نفس الجواب الأوّل ولكن مع تغيير الألفاظ.

هذا ما أفاده العلمان ، وهل كلامهما مقبول أو يمكن دفعه ؟