35/01/23


تحمیل
الموضوع: الصوم : ضروريات الدين

هناك جمع اخر بين الدليلين حاصله :- الالتزام بأن موثقة سماعة[1] مقيدة بمفاد روايات الباب ونتيجة ذلك هو السببية (أي ان عنوان الضروري سبب مستقل للكفر ) بأعتبار ان الاسلام لا يكفي فيه الاقرار بالشهادتين وانما اضفنا له الاقرار بالضروريات فكأن الاسلام يحتاج الى الاقرار بالتوحيد والنبوة وضروريات الدين, وهذا هو المراد بالتقييد فروايات الباب تدل على ان الضروري بما هو ضروري انكاره يوجب الكفر , وبهذا الجمع يرتفع التعارض بين الدليلين .
لأن التعارض مبني على ان موثقة سماعه تحصر ما اخذ في الاسلام هو الشهادتين فقط, اما بناء على تقييدها بروايات الباب فأن الدائرة تكون اوسع لتشمل الضروريات ايضا فيكون الاسلام مبني على الاقرار بالشهادتين والضروريات .
وهذا الجمع يؤدي الى السببية , لكن هذا لعله ليس اولى من ان نعكس الامر فنقيد روايات الباب بموثقة سماعة ونعتبرها غير شاملة للأنكار مع الشبهة , لأن موثقة سماعة تقول المعتبر في الاسلام هو الشهادتان, والروايات تقول ان منكر الضروري مطلقا يخرج عن الاسلام حتى وان كان غير منكر احد الاصلين فإذا اخرجنا روايات الشبهة عن روايات الباب ينتفي الاشكال لأن الانكار مع العلم لا ينافي المعتبرة لأنه يؤدي الى انكار الرسالة , فالذي ينافيها هو الانكار مع الشبهة .
والظاهر ان هذا ليس هو التقييد المصطلح وهو تقديم لهذا الدليل على ذاك أي يقدم روايات الباب على موثقة سماعة وفي المقابل نحن نقول بتقديم موثقة سماعة على روايات الباب ونحمل روايات الباب على صورة العلم فقط .
والاشكال في هذا الجمع ليس هو انه لا قائل بأن الاقرار بالضروريات مأخوذ في الاسلام , لإمكان الجواب عنه ان نفس الاقرار بالشهادتين يتضمن ذلك فهو عندما يصدق الرسول تصديقا اجماليا فأنه يعني تصديق كل ما يأتي به الرسول صلى الله عليه واله وسلم ومنها الضروريات.
وانما الاشكال في هذا الجمع هو ما ذكرناه
الجمع الاخر بين الدليلين هو ان يقال بأننا نحمل روايات الباب على ان انكار الضروري امارة على انكار الرسول صلى الله عليه واله وسلم .
ويقول صاحب هذا الجواب ان المعتبر في الاسلام هو الشهادتان لكن الشارع في حالة الشك وعدم العلم في اسلام الشخص وعدمه جعل انكار الضروري علامة وامارة على الواقع (الكفر).
ومن الواضح ان الامارة لا مجال للعمل بها في حالة العلم وعليه فأن جعل انكار الضروري امارة على الكفر لا مجال له في صورة العلم بأن هذا كافر , كما لا مجال لها في صورة العلم بأيمانه.
فتحمل روايات الباب على انها في مقام جعل انكار الضروري امارة الى الكفر وانكار الرسالة, وهذا الجمع الاخير بين الطائفتين ونتيجته الالتزام بعدم كفر منكر الضروري مع الشبهة , لأننا نعلم ونجزم بأنه مصدق الرسول , فهو ينكر ما يعتقد انه لم يثبت في الاسلام , ومع الجزم بأنه باق على الاسلام لا مجال لعمل الامارة التي تدل على انه خرج عن الاسلام , واما المنكر مع العلم بالثبوت ايضا لا مجال للعمل بهذه الامارة بناء على الملازمة التي ادعوها في المقام بين انكار الضروري مع العلم بالثبوت وبين انكار الرسالة , فحينئذ نعلم بخروجه عن الاسلام ومع العلم بالخروج عن الاسلام لا نحتاج الى الامارة التي موردها الشك وعدم العلم .
اذن المنكر مع الشبهة لا تجري الامارة في حقه والمنكر مع العلم بالثبوت لا مجال للعمل بالأمارة ايضا , نعم بناءا على ما ذكرناه (من انكار الملازمة في بعض حالات انكار الضروري مع العلم بالثبوت كحالة الكذب على الرسول وحالة الغفلة) فهنا يمكن ان يقال بأن الامارة يمكن الاخذ بها , وعلى كل حال فهذا الجمع يبدو انه خلاف ظاهر بعض الاخبار , وختام هذا البحث نقول انه يبدو ان اقرب ما يمكن ان يقال في مقام الجمع بين هاتين الطائفتين هو ما ذكره الشيخ الانصاري لكن مع التعديل الاخير الذي ذكرناه فيه .
وكان حاصل ما ذكره الشيخ الانصاري هو اننا نحكم بكفر منكر الضروري حتى في حالة الشبهة وان لم يرجع انكاره الى انكار الرسالة عملا بالأخبار الدالة بحسب الفرض على كفره وندّعي بأن الحكم بكفره انما هو بأعتبار انكار هذه الشعيرة من شعائر الاسلام (فالضروريات من شعائر الاسلام فمن لا يؤمن بها وينكرها يخرج عن الاسلام) وهذا لا محذور فيه , وليس بالضرورة ان يرجع انكاره الى انكار الرسالة , بل حتى اذا رجع انكاره الى انكار الرسالة بالتحليل والدقة فأن هذا لا يضرنا لأننا لسنا مقيَدين بالاصطلاحات, ان هذا قول بالسببية وهذا قول بالامارية , فأننا نحكم بكفر المنكر للضروري في حال الشبهة سواء رجع انكاره الى انكار احدى الشهادتين , او لم يرجع .
هذا هو الحال في الدليل الثاني.
واما الدليل الثالث للقول الثالث: فهو ما ذُكر من اتفاق الفقهاء على عدم كفر منكر الضروري لمن كان حديث عهد في الاسلام او يعيش في غير دار الاسلام ويقال في مقام الاستدلال بأن هذا الحكم لا يتم الا على القول بالامارية بأعتبار ان حديث العهد بالإسلام ومن يعيش في غير بلاد الاسلام يجهل ثبوت هذا الحكم في الدين وبعبارة اخرى ان انكاره لا يستلزم انكار الرسالة .
وهذا الاتفاق لا يتم الا على القول بالامارية بأعتبار ان انكاره لا يستلزم انكار الرسالة والمناط بالكفر هو انكار الرسالة واما على القول بالسببية فهذا لا يتم, فلابد ان نحكم بكفر منكر الضروري مطلقا .
والجواب عن هذا الدليل هو ان ما يثبت بهذا الدليل هو ابطال القول بالسببية المطلقة , لأنها تعتبر الانكار للضروري موجبا للكفر مطلقا كأنكار احد الاصلين , فكما ان انكار النبوة والتوحيد في جميع الحالات يوجب الكفر حتى لو كان المنكر حديث عهد في الاسلام كذلك انكار الضروري بناءا على القول بالسببية المطلقة , فالاتفاق على عدم الكفر لحديث العهد او من كان في غير بلاد الاسلام يكون منافيا للقول بالسببية المطلقة, لكنه لا يكون منافيا للقول بالسببية المقيدة , لأنه كما قلنا سابقا ان حديث العهد في الاسلام لا يعرف ان ما انكره ثابتا في الدين فضلا عن ان يعرفه بأنه ضروري عند المسلمين , والسببية المقيدة تحكم بكفر من يعلم ان هذا الحكم الذي ينكره من الضروريات عند عامة المسلمين , وعليه فهذا الاتفاق لا يثبت الامارية, نعم اذا فرضنا ان الاتفاق ليس على عدم كفر منكر الضروري اذا كان حديث العهد في الاسلام وانما كان الاتفاق بشكل اخر , كما لو اتفقوا على عدم كفر المنكر مع الشبهة فحينئذ يكون هذا الاتفاق منافيا للقول بالسببية المطلقة والمقيدة فيكون دالا على القول بالامارية , لأنه مع الشبهة يكون جاهلا بالثبوت ويعتقد عدمه ولذا لا يحكم بكفره لأن انكاره لا يكون ملازما لأنكار الرسالة , وانما يحكم بكفره في صورة العلم بالثبوت وهذا هو معنى القول بالامارية , فإذا حصل اتفاق واجماع على عدم الحكم بالكفر مع الانكار مع الشبهة فأنه يكون دليلا على الامارية وينافي القول بالسببية بكلا قسميها .
لكن مثل هذا الاتفاق لم يثبت وان ذهب اليه بعضهم لكن لا يمكن القول بالإجماع على الحكم بعدم كفر منكر الضروري مع الشبهة , نعم نسب ذلك الى الاكثر في بعض الكلمات لكن صحة هذه النسبة غير واضحة خصوصا مع احتمال انهم حكموا بعدم كفره في حالة الجهل بكون ما انكره من ضروريات الدين عند عامة المسلمين وهذا لا ينافي السببية المقيدة .
والى هنا انتهى الكلام الا ان الادلة التي اُستدل بها على الامارية غير ناهضة , وبقي الكلام في انه على فرض التسليم بها فأن هناك بعض الاشكاليات الواردة على القول بها ولابد من حل هذه الاشكالات.



[1] اشارة الى ما دل على كفاية الشهادتين في الاسلام .