34/07/17


تحمیل
 ذكرنا فيما سبق معتبرة حمران بن أعين ، وقلنا في الجواب على الاستدلال بها لنفوذ الشهادة المستندة الى الاستصحاب أن من الواضح كون النزاع بين الرجل والمرأة حول الجارية التي وجدت بينهما في اصل الملكية، أي الرجل يدعي انها مملوكة والمرأة تدعي انها ليست مملوكة ، ومن الطبيعي ان الرجل حينما يدعي انها مملوكة في مقابل دعوى المرأة انها حرة يدعي استمرار هذه الملكية الى حين الترافع لدى القاضي ، وليس هناك نزاع في شيءٍ اخر حتى في الملكية الفعلية لان الرجل وان ادعى استمرار الملكية الى حين الترافع ، ولكن لايوجد له منازع في هذه الدعوى ، لا المراة لانها لم تنازع في ذلك ، بل لعلها تسلم الملكية الفعلية على تقدير التسليم بإصل الملكية، ولا شخصٍ اخر لعدم افتراض وجود شخصٍ اخر في الرواية ، وقلنا ان هذا النزاع ينحل بوجود شهود يشهدون على الملكية السابقة لهذه الجارية ، ولكن هذا لاينفعنا في محل الكلام ، لان هذه الشهادة هي شهادة أستندت الى الاحساس بسبب الملكية من بيع ونحوه ، وليست مستندة الى الاستصحاب ، ونفوذ هذه الشهادة لايعني نفوذ الشهادة المستندة الى الاستصحاب ، نعم الرجل لايكتفي بدعوى ان الجارية كانت مملوكة له لانها لاتنفعه في تسليم الجارية اليه ، وانما يدعي بالاضافة الى هذا انها فعلاً ملكه لم يبع ولم يهب ، وهذه الدعوى بلا منازع ، ولامانع من قبولها اذا اقيمت الشهادة عليها لانها في الحقيقة أخباربالملكية الفعلية بمقتضى الاستصحاب لان الشاهدعلى يقين من اصل الملكية ، ولكن هذا كما قلنا سابقاً لايثبت المطلوب وهو نفوذ الشهادة المستندة الى الاستصحاب في مقام الترافع ، ولهذه النكتة ذكر في الرواية ان الشهود يشهدون انها مملوكة ولايعلمونه باع ولا وهب ، فقول الامام (ع) لايعلمونه باع ولا وهب أشارة الى ان الرجل لايكتفي بأثبات أصل الملكية ، وانما يريد اثبات اصل الملكية في مقابل المرأة التي تدعي الحرية ، وأثبات الملكية الفعلية حتى يعطيه الحاكم الجارية ، ولذا يصعب الاستدلال بالرواية على نفوذ الشهادة المستندة الى الاستصحاب في باب القضاء ، هذا ما أردنا أضافته من التعليق على الرواية السابقة .
 وأما الحديث عن الرواية الرابعة وهي رواية حفص بن غياث فقد قلنا ان المشايخ الثلاثة رووها بعدة طرق ، والاشكال في هذه الطرق هو في من يروي عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث لاختلاف الطرق في تشخيصه ، فذكر الشيخ في التهذيب انه القاسم بن محمد ، والصدوق في الفقيه ذكر انه القاسم بن محمد الاصفهاني ، وفي بعض نسخ الكافي هو القاسم بن يحيى كما في نسخة صاحب الوسائل ونسخة الوافي ونسخ خطية معتبرة من قبل الطبعة الاخيرة المنقحة ، وفي نسخٍ اخرى منه ولعله معظمها هو القاسم بن محمد .
 وحينئذٍ يقال :ان الراوي عن سليمان بن داود المنقري ان كان هو القاسم بن محمد الاصفهاني كما ذكر الصدوق وهو المعروف بكاسولى _ وان ذكر النجاشي في ترجمة القاسم بن محمد القمي انه المعروف بكاسولى وهذا يعني انه غير القاسم بن محمد الاصفهاني _ الا انه لامانع من نسبته الى محل ولادته بنفس الوقت الذي ينسب الى محل سكناه ، والظاهر انه مجهول ، فلم تثبت وثاقته ، وأن كان هو القاسم بن محمد كما في التهذيب فأن قصد به الاصفهاني فهو مجهول ، وان أراد به شخصاً اخر فهو مردد بين جماعة لاحظ لهم من التوثيق ، او مردد بين الثقة وغيره لاحتمالٍ ضعيفٍ بان يراد به القاسم بن محمد الجوهري على تقدير وثاقته، وهذا لايكون نافعاً ايضاً، وأما إذا قصد به القاسم بن يحيى كما في بعض نسخ الكافي ، فقد يدعى وثاقته لانه القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد الذي كثيراً مايروي عن جده الحسن بن راشد الثقة المعروف وهو من أصحاب الرضا (ع) ، وهناك وجه لتوثيق القاسم بن يحيى بل لعله اكثر من وجه وهو ثقة عندنا ، ولكن لا داعي للتعرض لها لان الكلام في أصل تشخيص من يروي عن سليمان بن داود في هذه الرواية باعتبار أختلاف نسخ الكافي وأن معظمها على ان الراوي عن سليمان هو القاسم بن محمد ، ولعل مما يؤيد كونه القاسم بن محمد هو ان النجاشي في ترجمة سليمان بن داود ذكر ان له كتابا وذكر في طريقه الى هذا الكتاب ان الراوي له هو القاسم بن محمد .
 والحاصل ، انه يكفي في عدم الاعتماد على الرواية تردد الراوي عن سليمان بن داود بين القاسم بن محمد والقاسم بن يحيى ، ومن هنا يظهر الخدش في سند هذه الرواية في جميع طرقها .
 ولكن قد يقال :بأمكان الاعتماد على الرواية لعدة أمورٍ :
 منها: رواية المشايخ الثلاثة لها بطرقٍ متعددة كما قلنا .
 ومنها:أشتهار الرواية بين الاصحاب الحاصل من تعدد طرقها .
 ومنها: عمل الاصحاب المتقدمين بها كما يظهر بالمراجعة .
 ومنها: وهو الاهم قوة احتمال اخذ الرواية من كتاب حفص بن غياث ، أي ان المشايخ الثلاثة قد وصل اليهم الكتاب واخذوا هذه الرواية منه ، وانما ذكروا الطرق لمجرد اخراج الرواية عن حد الارسال الى حد الاسناد حتى لايعيّر الشيعة بان روايتهم مراسيل ، باعتبار ما ذكره الشيخ من حفص بن غياث له كتاب معتمد ، فأن معنى الاعتماد على الكتاب هو أعتماد الاصحاب عليه ، وتداوله فيما بينهم فانه يظهر من النجاشي والشيخ ان كلٍ منهما له طرق متعددة الى الكتاب ، فليس من البعيد ان المشايخ الثلاثة او واحد منهم على الاقل اخذ الرواية من كتاب حفص بن غياث ، وبناءً على هذا لايضر ضعف الطريق الى الرواية ، بل قد يفهم من عبارة الشيخ ان لحفص بن غياث كتاب معتمد ، انه معتمد بالطرق الواصلة اليهم، لا انه بحد نفسه كتاب معتمد أي ان راويه يعتمد عليه ، وحينئذٍ يترقى ويقال ان معنى هذا امكان الاعتماد على القاسم بن محمد حتى لو كان كاسولى أو الاصفهاني لانه غاية ماقيل فيه انه مجهول ، والاعتماد على طرق الكتاب يرفع هذه الجهالة ، ويوجب الاعتماد على رواة الكتاب الواقعين في الطرق .
 هذا ما يمكن من القول في تصحيح الرواية ، فإن اعتمدنا عليه فالرواية تامة سنداً والا تبقى الخدشة التي ذكرناها في الرواية
 هذا كله من حيث السند .
 وأما من حيث الدلالة ، فالظاهر منها نفوذ الشهادة بملكية الشخص لمالٍ استناداً الى اليد في باب القضاء ، فيستكشف منها نفوذ الشهادة المستندة الى الامارة تعبداً ، لعدم العلم هنا فضلاً عن العلم الحسي .
 وقد يناقش في هذا الاستدلال _ ولعل السيد الماتن ناظر الى ما سنبينه وان كانت عبارته ليس بذلك الوضوح_ بان الرواية تدل على جواز الشهادة بالملكية مستندةً الى اليد ، ولكن هذه الملكية التي يشهد بها الشاهد مستنداً الى اليد هي ملكية ظاهرية أي الشارع حكم بالملكية ظاهراً لان العين في يد الشخص و ليس ملكية واقعية ، وهذا لاينفع في محل الكلام ، لاننا نتكلم عن نزاع بين طرفين وهو يقع في الملكية الواقعية لهذا المال فان احد الطرفين يدعي ملكية هذا المال واقعاً والاخر ينكرها ، ومن الواضح ان الحاكم في مقام فض هذه الخصومة لايجوز له ان يستند الى الشهادة بالملكية الظاهرية المستندة الى اليد ،
 وبعبارة اكثر وضوحاً ان الشهادة بالملكية الظاهرية المستندة الى اليد هي لاتزيد عما اذا احس نفس الحاكم باليد وبان العين تحت تصرف هذا المدعي ، فانه لايمكنه الحكم بفصل القضية والحكم لصالح المدعي لانه رأى العين في يده أذ هي ملكية ظاهرية لاتنفع في مقام فض الخصومة لان الشهادة والبينة لابد ان تكون على مايدعيه المدعي وينكره المنكر ، وما يدعيه المدعي وينكره المنكر ليس هو الملكية الظاهرية وانما هو الملكية الواقعية ، والرواية ليس فيها مايدل على ذلك ، وانما الموجود فيها جواز الشهادة بالملكية الظاهرية بالاستناد الى اليد وهي لاتنفع في باب القضاء ، نعم هي تنفع في ان تصيّر المدعي صاحب اليد منكراً ، لان قوله يكون موافقاً للقاعدة وهي الامارة في محل كلامنا ، وتقدم ان الميزان في المنكر هو من يوافق قوله الحجة ،فشاهدة هؤلاء بان فلان صاحب يد يصيّره منكراً ومدعى عليه ، والطرف الاخر عليه اقامة البينة .
 ولو تنزلنا وقلنا ان بالامكان ان يحكم الحاكم بالاستناد الى الشهادة بالملكية الظاهرية ، الا انها لاتنفع ايضاً هنا لانها شهادة عن حس وهو لاينفع في اثبات الاعتماد على الشهادة المستندة الى غير الحس الذي هومحل الكلام .
 اذاً فالصحيح هو عدم قبول هذه الشهادة في باب القضاء .