33/10/29


تحمیل
  (بحث يوم الاثنين 29 شوال 1433 هـ 165)
 الموضوع :- المسألة التاسعة والثلاثون / الفرع الثاني : الكلام في الحصة التي يدّعيها الحالف بعد استلامها / القول الثالث : التفصيل بين الدين والعين والاستدلال عليه وذكر الروايات الواردة في المقام / الشروع في المسألة الأربعين وبيان قول المشهور من أن الولي لا يحلف بدل الصبي وتعليل ذلك بأمرين / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 تقدّم أن الأقوال في هذه المسألة ثلاثة وانتهى الكلام إلى القول الثالث وهو التفصيل بين الدين والعين بالاشتراك في الثاني دون الأول فيختصّ الحالف بما يُدفع إليه من قبل المُدّعى عليه .
 واستُدلّ على ذلك :
 أما الاشتراك في ما إذا كانت الدعوى على العين فقد بيّنا في البحث السابق الوجه في التزامهم فيها بالاشتراك وحاصله أن المفروض في محلّ الكلام أن الحالف يقر بالشركة مع بقية المدّعين في هذه العين فإذا حلف وأخذ حصته منها فهو في الحقيقة أخذ ما هو مشترك بينه وبين باقي الشركاء ، والحصة التي ثبتت له بالشاهد واليمين هي حصة مشاعة كأصل العين ، والسرّ في ذلك هو عدم تحقق القسمة شرعاً فإن ما يأخذه أحد الشركاء بشاهده ويمينه لا يعيّن حصته المشاعة في العين المشترك فيها بما أخذه وإنما تتعين الحصة المشاعة وتكون ملكاً خاصّاً لمن اخذها في ما لو حصل رضا جميع الشركاء باقتسام العين في ما بينهم وحصول القسمة منهم فعلاً ولم يُفترض في محلّ الكلام حصول رضا الآخرين بل غاية ما حصل هو اتفاق بين الحالف والمُدّعى عليه الذي هو خارج دائرة الشركاء وليس له حقّ التعيين والقسمة فما يدفعه لهذا الحالف إنما جزء مشاع والحالف يملك من هذا الجزء المأخوذ من المُدّعى عليه نسبة مشاعة أيضاً كالنسبة التي يملكها في أصل العين .
 هذا بالنسبة إلى العين .
 وأما بالنسبة إلى الدين كما لو ادّعى جماعة مالاً مشتركاً ديناً في ذمة شخص وأقام أحدهم شاهداً وحلف وأخذ حصته منه فهل يشترك معه باقي الورثة أم لا ؟
 الذين ذهبوا إلى التفصيل وهم الأكثر قالوا بأن ما يأخذه الحالف هنا يختصّ به ولا يشترك معه غيره من باقي الشركاء وذلك لأن الدين يختلف عن العين في أن تعيين ما في الذمة منه بعين خارجية يكون من حقّ صاحب الذمة وهو المدين فإذا دفع المُدّعى عليه حصة بعنوان أداء الدين تفريغاً لذمته مما اشتغلت به والحالف قبض بهذا العنوان أيضاً فالمأخوذ يكون حينئذ لهذا الحالف بخصوصه ولا يشترك معه سائر الشركاء وإنما تبقى حصص باقي الشركاء في ذمة المُدّعى عليه فالنكتة إذاً ن قسمة العين لا تكون إلا برضا الشركاء في حين أن تشخيص ما في الذمة بعين خارجية يكون من حقّ المدين والمفروض في محلّ الكلام أن المدين هو الذي دفع هذه الحصة إلى هذا الحالف بعنوان أداء الدين فيتشخّص ما في الذمة في ما دفعه ويكون حصة خالصة للحالف وحينئذ لا موجب لاشتراك سائر الشركاء معه .
 واستُدل أيضاً للاختصاص في ما إذا كان المُدّعى به ديناً مضافاً إلى ما تقدّم بأنه لو قيل بالاشتراك في هذا المأخوذ يلزم القول بإثبات اليمين مالاً لغير الحالف واللازم باطل لأن اليمين لا يثبت به إلا حقّ الحالف فالملزوم وهو الاشتراك مثله في البطلان .
 بيان الملازمة : إنه لا إشكال في أن الذي يأخذه الحالف في باب الدين هو مال المُدّعى عليه قبل دفعه إليه [1] غاية الأمر أنه [2] يدفعه من ماله ليُبرئ ذمته مما اشتغلت به فإذا أقام أحد الورثة شاهداً وحلف وأخذ ما دُفع إليه فلا يخلو هذا المأخوذ من أن يكون مختصاً بالآخذ أو يكون مشتركاً بينه وبين الشركاء الآخرين : أما على الأول فهو يُثبت المطلوب ، وأما على الثاني فلنا أن نتساءل كيف أصبح هذا المال المملوك للمدّعى عليه قبل الدفع ملكاً لغير الحالف بعد الدفع ولا جواب هنا إلا بأن يقال إن اليمين كما أثبتت حقّاً للحالف في هذا المال كذلك أثبتت حقّاً لغيره فيلزم كون اليمين مُثبتة حقّاً لغير الحالف وهو باطل كما تقدّم .
 وهذا التفصيل الذي ذُكر [3] هو الذي التزم به المشهور وهو الأقرب بلحاظ القواعد لكن هناك بعض الروايات التي قد يقال بل قيل والتزم به بعضهم بأن مضمونها يمنع من الالتزام بمقتضى القاعدة وتُثبت أمراً آخر وهو القول بالاشتراك مطلقاً [4] ومفاد هذه الروايات أنه إذا كان جماعة شركاء في مال عيناً كان أو ديناً ووصل إلى أحد الشركاء مقدار منه فهو للجميع يشتركون فيه ولا يختص بالقابض ، وهذه الروايات فيها ما معتبر سنداً فإذا تمت دلالتها على الاشتراك مطلقاً فلا بد أن نرفع اليد عن مقتضى القاعدة ونلتزم بمضمون هذه الروايات ويثبت بذلك القول الثاني وهو الاشتراك مطلقاً وهو ما ذهب إليه الشيخ صاحب الجواهر (قده) إلا أنه لم يستدل بالروايات بل استدل بدليل آخر حيث قال إن الدين هو عين أيضاً لكنه عين كلية فأجرى الكلام الذي يقال في الدين [أجراه] في العين أيضاً أو ما يُفهم منه ذلك ، كما أن فتوى المشهور في باب الشركة على ذلك فذكروا أنه لو قبض أحد الشريكين حصة من الدين المشترك شاركه الآخر في ما قبضه ، وفي محلّ الكلام أحد الشركاء قبض حصة من الدين فيشاركه الآخر في ما قبضه فكيف يقال إنه مختص بالحالف ؟!
 وهذا إشكال لا بد من علاجه بلحاظ الروايات ، والروايات تشترك في المضمون وإن كانت مبثوثة في أبواب متفرقة ففي كتاب الشركة من الوسائل هناك روايتان :
 إحداهما : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) :
 " قال : سألته عن رجلين بينهما مال منه دين ومنه عين فاقتسما العين والدين فتوى [5] الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه وخرج الذي للآخر أيرُدّ على صاحبه ؟ قال : نعم ، ما يذهب بماله " [6] .
 والأخرى : مرسلة علي بن الحكم عن أبي حمزة :
 " قال : سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما ومنه غائب عنهما فاقتسما الذي بأيديهما وأحال كل واحد منهما من نصيبه الغائب [7] فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخر [8] ، قال : ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ما يذهب بماله [9] " [10] .
 هاتان روايتان وهناك روايتان أخريان ذُكرتا في كتاب أبواب الدين والقرض :
 الأولى : صحيحة سليمان بن خالد :
 " قال : " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين كان لهما مال ، منه بأيديهما ومنه متفرق عنهما فاقتسما بالسوية ما كان في أيديهما وما كان غائباً فهلك نصيب أحدهما مما كان عنه غائباً واستوفى الآخر أيَرُدّ على صاحبه ؟ قال : نعم ما يذهب بماله " [11] .
 الثانية : معتبرة غياث بن إبراهيم : " في رجلين بينهما مال ، منه بأيديهما ومنه غائب عنهما فاقتسما الذي بأيديهما وأحال كل واحد منهما بنصيبه فقبض أحدهما ولم يقبض الاخر ، فقال : ما قبض أحدهما فهو بينهما وما ذهب فهو بينهما " [12] .
 هذا وقد أفتى فقهاؤنا كصاحب المستند وفق مضمون هذه الروايات ورفعوا اليد عن مقتضى القاعدة المتقدّمة والتزموا بالاشتراك مطلقاً ولكن بعض المحققين كالسيد صاحب العروة (قده) في ملحقاتها والمحقق العراقي (قده) في كتاب قضائه أجابوا عن ذلك بما حاصله أن الروايات ليست ناظرة إلى محلّ الكلام فلا يصح الاستدلال بها حينئذ وذلك لأنها ظاهرة في قسمة الدين قبل الأخذ فإنه لا معنى لاقتسام المال الغائب إلا بأن يكون المراد به أحد فرضين :
 الأول : كون المدين واحداً ويكون التقسيم بلحاظ التعيين كما لو تبانيا قبل الأخذ - أي قبل أن يصل إلى أيديهما شيء من الدين - على أن القسط الأول الذي يدفعه المدين هو لأحدهما تعييناً والقسط الثاني للآخر .
 الثاني : كون المدين متعدداً أي أن المال الذي يملكانه هو في ذمة شخصين فيقتسمان الدين بأن يقول أحدهما للآخر بأن ما نملكه في ذمة المدين الأول هو لك وما نملكه في ذمة المدين الثاني هو لي .
 وهذه القسمة بكلا نحويها باطلة لأنها قسمة قبل الأخذ والاستلام فلا أثر لها والرواية حكمت وفقاً لذلك بأنها قسمة لاغية فما يستلمه أحدهما يكون مشتركاً بينهما وهذا خارج عمّا هو محلّ الكلام حيث يُفترض في ما نحن فيه الاشتراك في الدين في ذمة شخص واحد وأن هذا المدين الذي له حقّ تشخيص ما في ذمته بمال خارجي قد دفع إلى الحالف حصته وشخّصها بالمقدار الذي دفعه فأيّ معنى للقول بأن الشريك الآخر يشترك معه فيه فإن هذا دين قد تعيّن بتعيين من له حقّ التعيين وليس هو مالاً مشتركاً ، وقد علمت أن موضوع الروايات هو قسمة وتبانٍ قبل الأخذ والاستلام وقبل أن يُعيّن الدافع بل قبل علمه بالقسمة أصلاً ولذلك حكم الإمام (عليه السلام) بأنه إذا تلف جزء منه يشتركان في الباقي وبهذا يظهر أن الروايات أجنبية عن محلّ الكلام فلا مانع حينئذ من الالتزام بمقتضى القاعدة من التفصيل بين الدين والعين كما عليه المشهور .
 هذا تمام الكلام في هذه المسألة .
 ثم قال (قده) في المسألة الأربعين :
 " لو كان بين الجماعة المدعين مالاً لمورثهم صغير فالمشهور أنه ليس لوليّه الحلف لإثبات حقه بل تبقى حصته إلى أن يبلغ وفيه اشكال ، والأقرب أن لوليّه الحلف فإن لم يحلف ومات الصبي قبل بلوغه قام وارثه مقامه فإن حلف فهو وإلا فلا حقّ له " .
 ظاهر كلامه (قده) أن هناك اتّفاقاً وشهرة على أن الولي لا يحلف بدل الصبي ، وقد عُلّل هذا الحكم في كلماتهم بأمرين :
 الأول : أن الأدلة التي تدل على تصديق الحالف واعتبار اليمين مختصة بيمين صاحب الحقّ أو الدين وانطباقه على الولي مشكل لأن صاحب الحقّ والدين هو الصغير .
 الثاني : إن حلف الحالف لا يُثبت إلا حقّه ولا يُثبت حقّ غيره فقيل هنا إن حلف الولي لا يَثبت به حقّ الصبي بل يُنتظر بالصبي إلى أن يبلغ فيحلف ويأخذ حصته .
 لكن السيد الماتن (قده) خالف في ذلك وأفتى بجواز حلف الولي وأَخْذِ حصة الصغير .. وسيأتي تعقيب ذلك إن شاء الله تعالى .


[1] وهذا بخلاف العين فإنها قبل الأخذ ملك المدّعين على تقدير صدق الدعوى .
[2] أي المُدّعى عليه .
[3] أي القول الثالث .
[4] أي في العين والدين وهو القول الثاني .
[5] أي تلف وهلك .
[6] الوسائل الباب السادس باب عدم جواز قسمة الدين المشترك قبل قبضه الحديث الثاني مج19 ص13 ، التهذيب مج7 ص186 .
[7] أي - كما في روايات أخرى - أحال كل منهما نصيبه على الآخر يعني قال له إن الدين الذي صفته كذا الذي هو مشترك بيننا هو لك والدين الذي صفته كذا هو لي (منه دامت بركاته) .
[8] يعني أن أحدهما وصل إليه دينه دون الآخر .
[9] أي أن مال الشريك الآخر لا يذهب بل يشترك مع هذا في ما وصل إليه .
[10] الوسائل الباب السادس باب عدم جواز قسمة الدين المشترك قبل قبضه الحديث الأول مج19 ص12 .
[11] الفقيه مج3 ص36 ، التهذيب مج6 ص207 ، الوسائل الباب 29 الحديث الأول مج18 ص371 .
[12] الفقيه مج3 ص98 ، التهذيب مج6 ص195 ، الوسائل كتاب الضمان الباب الثالث عشر الحديث الأول مج18 ص435 .