33/06/17


تحمیل
  (بحث يوم الأربعاء 17 جمادى الثانية 1433 هـ 130)
 الموضوع :- المسألة الثامنة عشر / البحث الثاني ، وفيه قولان : الأول : التفصيل بالاكتفاء باليمين الأولى في الشاهد واليمين وعدم الاكتفاء في البيّنة ، الثاني : عدم الاكتفاء / بيان أمرين ذكرهما السيد الماتن (قده) في ذيل البحث / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام حول ما ذكره السيد الماتن (قده) في البحث الأول من الاستدلال على عدم ثبوت الدين على الميت بشاهد ويمين بصحيحة الصفّار وتقدّم الجواب عنه بجوابين كان الأول منهما البناء على اعتبار رواية البصري لتماميّتها سنداً فتكون هي المدرك لكونها مفسّرة لصحيحة الصفار وعليه فيثبت اعتبار الشاهد واليمين في دعوى الدين على الميت تمسّكاً بإطلاق أدلته [1] إذ لا محذور في ذلك وإنما يلزم المحذور في ما إذا كان المدرك هو صحيحة الصفار .
 وكان الجواب الثاني أنه بعد التسليم بأن المدرك هو خصوص صحيحة الصفار وأن رواية البصري غير معتبرة إلا أن مفاد الصحيحة ليس منافياً لإطلاق نصوص الشاهد واليمين حتى تكون مقيّدة له إذ ليست هي ظاهرة في توقف ثبوت الدين على الميت على ضمّ شهادة الوصي إلى شهادة عدل آخر ويمين المدّعي حتى يكون ذلك منافياً لكفاية الشاهد واليمين في دعوى الدين على الميت وبالتالي يكون مقيّداً لإطلاق نصوص الشاهد واليمين لأن هذا الفرض لم يرد في كلام الإمام (عليه السلام) وإنما ذُكر في كلام السائل وجواب الإمام (عليه السلام) بلزوم ضم اليمين ليس منافياً لإطلاق النصوص المتظافرة الذي مفاده كفاية الشاهد واليمين في ثبوت الدين مطلقاً [2] فيكون لسان تلك النصوص قيام الشاهد واليمين مقام البيّنة لإثبات أصل الدين فينتج التعميم في البحث الأول وحينئذ ينفتح المجال للبحث الثاني فيقال هل يُشترط انضمام اليمين (القائمة على إثبات بقاء الحقّ إلى حين موت المُدّعى عليه) إلى الشاهد واليمين (القائم على إثبات أصل الدين) أم لا يُشترط ذلك بمعنى أنه لو فُرض أن المدّعي بالحقّ على الميت لم يكن عنده إلا شاهد واحد وحلف يميناً مكمّلاً لهذه الشهادة فهل يُكتفى منه بذلك في إثبات الحقّ على الميت أم لا بد من يمين ثانية [3] ؟
 قولان في المسألة :
 القول الأول : التفصيل بالاكتفاء باليمين الأولى [4] في ما إذا كان إثبات الدين على الميت بالشاهد واليمين وعدم الاكتفاء في ما إذا إثباته بالبيّنة بل لا بد من ضم يمين إليها ، وعُلّل هذا كما في الإرشاد للعلامة - بأمور :
 الأول : دعوى الاقتصار على مورد النصّ وهو ما إذا كان إثبات الدين على الميت بالبيّنة فلا بد حينئذ من اليمين ولا مسوّغ للتعدي إلى غيره من الشاهد واليمين .
 الثاني : لزوم التكرار غير المفيد في طلب اليمين الثانية فيُكتفى بالأولى .
 الثالث : كون الشاهد واليمين حجة في نفسه فلا يحتاج إلى ضم شيء آخر .
 وأجيب عنها :
 أما بالنسبة إلى الأمر الأول فإنه وإن كان مورد النص هو البيّنة بلا إشكال إلا أنه يمكن التعدّي إلى الشاهد واليمين بعموم التعليل الموجود في رواية البصري - حيث تدل هذه الرواية على اشتراط انضمام اليمين إلى كل ما يثبت به أصل الدين - كما أمكن التعدّي إلى الإقرار وعلم الحاكم .
 وأما بالنسبة إلى الأمر الثاني فأجيب عنه بوجود الفرق بين اليمينين فإن اليمين الأولى المكمّلة هي لإثبات أصل الدين في حين أن اليمين الثانية التي يُشترط انضمامها هي لإثبات بقاء الدين إلى حين وفاة المُدّعى عليه .
 وأما بالنسبة إلى الأمر الثالث فأجيب عنه بأنه منقوض بالبيّنة فإنها أيضاً حجة في نفسها مع أنها تحتاج إلى ضمّ اليمين بلا إشكال .
 هكذا أجيب .. وأقول :
 يمكن توجيه استدلال العلامة بهذه الأمور بنحو لا ترد عليه الأجوبة المذكورة وذلك بأن يقال إن كلامه (قده) مبني على انحصار مدرك الاستثناء بصحيحة الصفار كما هو الحال عند السيد الماتن (قده) وحينئذ لا يصح الجواب عنه بما تقدّم من الأجوبة الثلاثة وذلك لوضوح عدم وجود تعليل في صحيحة الصفار حتى يُتعدّى بعمومه إلى الشاهد واليمين وإنما تدل الصحيحة على اعتبار الانضمام في خصوص البيّنة ، كما أنه من الواضح لزوم التكرار بناءً على كون المدرك هو الصحيحة لأن اليمين المكمّلة لشهادة الشاهد يراد بها إثبات أصل الحقّ واليمين المشترط انضمامها يراد بها ذلك أيضاً ، كما أنه لا يرد النقض بالبيّنة أيضاً لأن الفارق بين (البيّنة) و(الشاهد واليمين) هو النصّ - وهو صحيحة الصفار بحسب الفرض - فإنه وإن كان كل منهما حجة في حدّ نفسه إلا أن الدليل دلّ على أن البيّنة تحتاج إلى ضم اليمين ولم يدل دليل على اعتبار انضمام اليمين إلى الشاهد واليمين فإنه لا تعليل في هذا الدليل ليُتمسّك بعمومه لأجل التعدّي .
 هذا ما يمكن به توجيه ما ذكره العلامة .. ولكن قد عرفت أن هذا المبنى [5] غير تام أصلاً وأن الصحيح كون المدرك هو معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري وحينئذ يمكن التعدي بعموم التعليل الموجود فيها لينتج عدم الفرق بين (البيّنة) و(الشاهد واليمين) .
 القول الثاني : عدم الاكتفاء باليمين الأولى المكمّلة لشهادة الشاهد الواحد [6] بل لا بد من ضم يمين آخر لإثبات بقائه إلى حين الموت ، والوجه فيه ما قد تبيّن من أن الصحيح كون المدرك لاشتراط انضمام اليمين إنما هو معتبرة البصري .
 والصحيح من القولين - كما قد ظهر مما مرّ - هو الثاني ، نعم .. لو فُرض أن شهادة الشاهد قامت على بقاء الحقّ إلى حين الموت وقامت اليمين على ذلك أيضاً فثمة مجال هنا لأن يقال بعدم الحاجة إلى اليمين الثانية لأن اليمين الأولى تستبطن الحلف على أصل الحقّ فيلزم التكرار حينئذ لأن كلا اليمينين يكون لإثبات الحقّ إلى حين الموت .
 هكذا قد يقال وإن كانوا قد منعوا منه حتى في هذا الفرض لأصالة عدم التداخل فيُلتزم بأن يحلف مرتين مرة على أصل ثبوت الحقّ وأخرى على بقائه إلى حين الموت [7] .
 هذا .. وقد ذكر السيد الماتن (قده) في كلامه في شرح المتن في ذيل هذا البحث أمرين :
 الأول : أن نصوص الشاهد واليمين لو استفيد منها الدلالة على تنزيل اليمين المكمّلة للشاهد الواحد منزلة الشاهد الثاني - الذي فُرض عدم وجوده - فيكون ذلك بمثابة البيّنة لا مجرد الدلالة على أن الحقّ يثبت بشاهد ويمين فلا مانع حينئذ من التعميم إلى الدين على الميت وحينئذ ينفتح المجال للبحث الثاني من لزوم اشتراط الانضمام وعدمه إلا أنه (قده) يرى عدم ثبوت التنزيل في نصوص الشاهد واليمين بل الثابت عنهم (عليهم السلام) أنهم أجازوا شهادة الواحد ويمين المدّعي من غير تنزيل هذا اليمين منزلة الشاهد الثاني .
 وأقول : لا محصّل لهذا الكلام لأن المحذور عنده (قده) من إطلاق نصوص الشاهد واليمين بناءً على ما فهمه من صحيحة الصفار من أن اشتراط انضمام شهادة الوصي إلى شهادة عدل آخر مع يمين المدّعي صادر من الإمام (عليه السلام) - هو لزوم اللغوية فإنه إذا اكُتفي بالشاهد واليمين لإثبات الدين على الميت يكون اشتراط انضمام شهادة الوصي لغواً .. ولكن هذا المحذور ممّا لا يرتفع بالتنزيل حتى يقال بعدم المانع من التعميم فإن لزوم اللغوية لا يعني إلا أن الشاهد واليمين مُنزّل منزلة البيّنة ليس أكثر ومع الاكتفاء بشاهد ويمين لإثبات الدين على الميت فلا معنى لاشتراط ضم شهادة الوصي إلى شهادة العدل الآخر واليمين فحينئذ يلزم إشكال اللغوية في صحيحة الصفار حتى مع القول بالتنزيل .
 الأمر الثاني : يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى .


[1] أي أدلة اعتبار الشاهد واليمين .
[2] أي سواء كانت الدعوى على الحي أم على الميت .
[3] وقد كان تعرّض الفقهاء (قدهم) لهذا الفرض لا لأصل المطلب - أعني البحث الأول - فإن التعميم فيه مسلّم عندهم (منه دامت بركاته) .
[4] أي المكمّلة لشهادة الشاهد الأول .
[5] أي كون المدرك هو صحيحة الصفار .
[6] اللذان يثبت بهما أي باليمين وشهادة الشاهد - أصل الحقّ .
[7] ولكنك قد عرفت أن هذا غير محلّ الكلام لأن المفروض في ما نحن فيه أن اليمين المكمّلة لشهادة الشاهد هي يمين على أصل ثبوت الدين لا على بقائه إلى حين موت المُدّعى عليه (منه دامت بركاته) .