33/04/11


تحمیل
  (بحث يوم الاثنين 11 ربيع الثاني 1433 هـ 89)
 الموضوع :- المسألة العاشرة / الصورة الثالثة : سكوت المدعى عليه/ فروع متعلقة بقضية لزوم كون إحلاف الحاكم للمنكر بموافقة المدّعي وطلبه / الفرع الأول : في استحلاف المدّعي للمنكر من دون إذن الحاكم / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في ذكر فروع متعلقة بما تمّ الفراغ عنه من أن الإحلاف لا بد أن يكون بموافقة المدّعي وطلبه ، وتقدّم الفرع الأول وهو في استحلاف المدّعي للمنكر من دون إذن الحاكم ، وذكرنا أن له فرضين أولّهما ما إذا كان خارج المرافعة والثاني ما إذا كان داخلها ، وأوقعنا الكلام في الفرض الثاني وقلنا إن الظاهر من كلماتهم أنه لا إشكال في عدم ترتّب الأثر على الحلف داخل المرافعة من دون إذن الحاكم وأن اللازم على الحاكم إعادة إحلاف المنكر ليقع حكمه مستنداً إلى يمينه من جهة أن الإحلاف وظيفة الحاكم مشروطاً بأخذ إذن المدّعي ، وقلنا إنه استُدلّ عليه بروايات ذكرنا روايتين منها أهمّهما صحيحة سليمان بن خالد وهي تامة سنداً ودلالة ومضمونها - وهو الأمر بتحليف أطراف الدعوى باسمه عزّ وجل المستفاد من قوله : (وأضفهم إلى اسمي فحلّفهم به) - موجود في روايات كثيرة ادُّعيَ استفاضتها .
 وقد يقال : إنه يمكن التمسّك بإطلاق هذه الروايات لإثبات كون الإحلاف وظيفة للقاضي مطلقاً - سواء أذن المدّعي أم لم يأذن - من جهة كون الخطاب فيها متوجّهاً إلى القاضي وحينئذ تكون منافية للروايات المتقدّمة المُستدلّ بها على لزوم أخذ إذن المدّعي .
 ولكن الظاهر عدم تمامية هذه الدعوى :
 أولاً : من جهة عدم التسليم بأصل وجود إطلاق في تلك الروايات لما تقدّم الإيعاز إليه من أنها ليست بصدد تشخيص من يكون الحالف ومن يكون المستحلِف حتى يُتمسّك بإطلاقها باعتبار كون الخطاب للقاضي لإثبات أن الإحلاف وظيفة له مطلقاً سواء أذن المدّعي أم لم يأذن وإنما هي بصدد بيان طريق من طرق الإثبات القضائي للحاكم الذي فُرض كونه لم يطّلع على واقع الدعوى ولم يُشاهد مُجرَياتِها فأُمر من قِبَله تعالى بأن يحكم بينهم بكتابه ويُضيفهم إلى اسمه فيُحلّفهم به .
 وثانياً : لو سلُمنا تمامية الإطلاق المزبور إلا أنه لا بد من تقييده بمعتبرة ابن أبي يعفور الدالة على اعتبار إذن المدّعي حملاً للمطلق على المقيّد .
 فظهر بما تقدم أن استقلال المدّعي بتحليف المنكر [1] داخل المرافعة غير جائز لما تبيّن من أن التحليف داخل المرافعة وظيفة القاضي فلا يجوز لغيره التصدّي له ، نعم .. يمكن للمدّعي أن يقوم بذلك لكن بعد أخذ إذن القاضي لأن غاية ما يُستفاد من كون التحليف وظيفة للقاضي أنه لا بد أن يقع برضاه سواء أقام هو به مباشرة أم أذن لغيره به إذ يصدق في الحالين أن التحليف صدر عن رضا منه .
 هذا في ما يتعلّق بالفرض الثاني .
 وأما الفرض الأول وهو ما إذا كان تحليف المدّعي للمنكر مستقلاً خارج المرافعة :
 فالظاهر أنه يُسقِط الحقّ استناداً إلى عدّة روايات مفادها سقوط حقّ المدّعي بعد تحليفه للمنكر لا بتبرّع المنكر بالحلف من تلقاء نفسه فإنه من الواضح أنه لا يُسقِط الحقّ - ، وهي كما يأتي :
 الأولى : مرسلة الصدوق : " قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : من حلف لكم على حقّ فصدّقوه ومن سألكم بالله فأعطوه ذهبت اليمين بدعوى المدّعي ولا دعوى له " [2]
  [4] .
 ووجه الاستدلال بها أن لازم الأمر بتصديق الحالف هو سقوط حقّ المحلوف له فإذا حلف المنكر لمدّعي الحقّ فحلفه يكون مسقطاً لحقّه ، ومقتضى إطلاقه أنه يكون كذلك مطلقاً سواء وقع داخل المحاكمة أو خارجها ولا موجب لتقييده بكونه أمام القاضي وفي داخل المرافعة فإن الرواية بظهورها الأوّلي تدلّ على أن اليمين الصادر من المنكر يكون مسقطاً للحقّ مطلقاً .
 الثانية : رواية عبد الله بن وضّاح : " قال : كانت بيني وبين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم فقدمته إلى الوالي فأحلفته فحلف وقد علمت أنه حلف يميناً فاجرة فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة فأردتُ أن أقتصّ الألف درهم التي كانت لي عنده وحلف عليها فكتبتُ إلى أبي الحسن (عليه السلام) وأخبرته أني قد أحلفته فحلف وقد وقع له عندي مال فإن أمرتني أن آخذ منه الألف درهم التي حلف عليها فعلتُ ؟ فكتب (عليه السلام) : (لا تأخذ منه شيئاً إن كان قد ظلمك فلا تظلمه ولولا أنك رضيت بيمينه فحلّفته لأمرتك أن تأخذها من تحت يدك ولكنك رضيت بيمينه فقد مضت اليمين بما فيها) فلم آخذ منه شيئاً وانتهيت إلى كتاب أبي الحسن (عليه السلام) " [5] .
 والرواية واضحة الدلالة على أن يمين المنكر الصادر بطلب من المدّعي تمضي بما فيها وتُسقط حقّ المدّعي .
 إن قيل : ولكن الرواية خارجة عن محلّ الكلام لأنها تبيّن أن اليمين قد وقع في مرافعة وأمام الحاكم فكيف يُستدلّ بها على ما نحن فيه من كون اليمين خارج المرافعة .
 قلتُ : إن الأمر وإن كان كذلك إلا أنه لم يكن ترافعاً إلى حاكم شرعي بل كان ترافعاً إلى والي الجور كما هو الظاهر والترافع إليه غير معتبر شرعاً بل هو بمنزلة العدم ومع ذلك فقد رتّب الإمام (عليه السلام) الأثر على اليمين فيُستفاد حينئذ أن يمين المنكر الصادر بطلب من المدّعي خارج المرافعة الشرعية مما يترتّب عليه الأثر ويكون موجباً لسقوط الحقّ .
 الثالثة : رواية خضر النخعي عن أبي عبد الله (عليه السلام) : " في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده قال : إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئاً وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقّه " [6] .
 وهذه الرواية ظاهرة في أن يمين المنكر الصادر بطلب من المدّعي يترتّب عليه الأثر ويكون موجباً لسقوط الحقّ ومقتضى إطلاقها أنه كذلك سواء كان داخل المرافعة أو خارجها إذ يصدق عليه في الموردين أنه استحلفه .
 الرابعة : رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري : " قال : قلت للشيخ (عليه السلام) [7] : خبّرني عن الرجل يدّعي قِبَل الرجل الحقّ فلا يكون له بيّنة بما له ، قال : فيمين المُدّعى عليه فإن حلف فلا حقّ له " [8] .
 وهذه الرواية ظاهرة أيضاً في أن يمين المنكر مما يترتّب عليه الأثر ويكون موجباً لسقوط الحقّ ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون اليمين واقعاً داخل المرافعة أو خارجها .
 الخامسة : مرسلة يونس : " قال : استخراج الحقوق بأربعة وجوه : بشهادة رجلين عدلين ، فإن لم يكونا رجلين عدلين فرجل وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعي ، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدعى عليه ، فإن لم يحلف وردّ اليمين على المدّعي فهو واجب عليه أن يحلف ويأخذ حقّه فإن أبى أن يحلف فلا شيء له " [9] .
 وظاهرها أيضاً أن اليمين الصادر من المدّعى عليه يكون موجباً لإسقاط الحقّ ومقتضى إطلاقها أنه لا يتوقف على أن يكون أمام الحاكم وفي داخل المرافعة .
 هذه هي عمدة الروايات التي استُدلّ بها على ما هو محلّ الكلام من أن يمين المنكر بطلب من المدّعي تكون مسقطة للحقّ ولو لم تكن أمام الحاكم .
 ونوقش في جميع هذه الروايات بعدم تمامية سندها ، نعم .. بالنسبة إلى مرسلة الصدوق ذكر صاحب الوسائل (قده) ما يُستفاد منه أنه فهم أن هذه المرسلة هي تتمة لمعتبرة ابن أبي يعفور حيث قال بعد إيراده للمعتبرة : " وزاد أي الشيخ الصدوق في الفقيه .. " وذكر المرسلة مع أن الصدوق (قده) أوردها في الفقيه مستقلة عن المعتبرة .
 وكيف كان فإن هذه الرواية إن كانت تتمة لرواية ابن أبي يعفور فمنع الاستدلال بها في محل الكلام واضح لظهور كون المعتبرة تتحدث عن دعوى ومحاكمة فلا يمكن حمل تلك التتمة على كونها مطلقة تشمل حتى حالة صدور اليمين من المنكر خارج الدعوى والمرافعة بل تكون محكومة للصدر في ذلك فتكون دلالتها في ظرف الدعوى والمحاكمة أيضاً .
 وأما إذا كانت رواية مستقلة لا علاقة لها بمعتبرة ابن أبي يعفور كما هو الظاهر والصحيح فتكون مرسلةً أرسلها الصدوق عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحينئذ تكون ضعيفة بالإرسال بناء على ما هو الصحيح من أن مراسيل الشيخ الصدوق مطلقاً سواء أرسلها بعنوان (رُوي عن ..) أو بعنوان (قال) ثم يذكر اسم المعصوم (عليه السلام) غير معتبرة ولا تخلو من شوب إشكال خلافاً لمن يُفصّل ويلتزم بحجية مراسيل الصدوق إذا كانت بالعنوان الثاني .
 ويأتي الكلام في دلالتها وفي سند الروايات الأخرى ودلالتها إن شاء الله تعالى .


[1] أي من دون أخذ موافقة الحاكم .
[2] الفقيه مج3 ص62 ، الوسائل أبواب كيفية الحكم الباب التاسع الحديث الثاني مج27 ص245 .
[3] قال صاحب الوسائل (قده) بعد أن ذكر معتبرة ابن أبي يعفور :
[4] " ورواه الصدوق بإسناده عن عبد الله بن أبي يعفور مثله يعني مثل الحديث السابق الذي هو معتبرة ابن أبي يعفور نفسها - ، ثم قال : " وزاد أي الشيخ الصدوق في الفقيه .. " وذكر المرسلة المتقدمة مما يعني أنه فهم أن هذه المرسلة هي تتمة للمعتبرة . (منه دامت بركاته)
[5] الكافي مج7 ص430 ، الوسائل أبواب كيفية الحكم الباب العاشر الحديث الثاني مج27 ص246 .
[6] الكافي مج7 ص418 ، الوسائل أبواب كيفية الحكم الباب العاشر الحديث الأول مج27 ص246 .
[7] يعني الإمام الكاظم (عليه السلام) .
[8] الكافي مج7 ص415 ، الوسائل أبواب كيفية الحكم الباب الرابع الحديث الأول مج27 ص236 .
[9] الكافي مج7 ص416 ، الوسائل أبواب كيفية الحكم الباب السابع الحديث الرابع مج27 ص242 .