37/12/22


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

37/12/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 21 ) القيافة - المكاسب المحرمة.

وباختصار أقول:- إنّ وجه عدم حجية هذه القاعدة - أي القاعدة النائينية - على ما ذكرنا هو أننا نسلّم في كثير من الأمثلة أنّ الرخصة لا تثبت عرفاً إذا لم يحرز العنوان الوجودي ، مثل المرأة التي تمشي في الزقاق أو هي نائمة ويريد النظر إليها وأشكّ هل هي ممّن يجوز النظر إليها أو لا فالحقّ مع النائيني يعني لا يجوز النظر ولا غير ذلك ولكن يمكن أن نقول هنا يوجد أصل لا من باب القاعدة النائينية فأنا أشك هل هذه المرأة زوجتي أو لا فأقول قبل عشر سنين مثلاً هذه المرأة لم تكن زوجتي جزماً والآن أشك هل صارت زوجتي أو لا فاستصحب عدم الزوجية ، فإني لا استصحب العدم الأزلي بل استصحب العدم النعتي لأنها قبل عشر سنين كانت متّصفة بأنها ليست زوجتي فلا استصحب عدم الاتّصاف بالزوجية بل استصحب الاتّصاف بالعدم ، فأستصحب العدم النعتي ، والكثير من الموارد هي من هذا القبيل ، فنستطيع أن نقول للشيخ النائيني(قده) إنَّ مثل هذه الموارد مستندها هذا الاستصحاب وليس القاعدة التي ذكرتها ، أو مثلاً امرأة شككت أنها أختي أو لا أو هي أمّي أو لا فهل يجوز النظر إليها أو لا ، فهنا استصحاب العدم النعتي لا يجري بل يجري استصحاب العدم الأزلي ، فلعل العرف – ويكفيني الاحتمال لأنه من موارد كفاية الاحتمال هو هذا المورد لأنه يريد أن يخرج بقاعدة وأنا يكفيني الاحتمال ونحن قلنا إنّ قاعدة إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ليست تامّة على عموميتها بل هي تامّة في موارد وهذا المورد من موارد تمامية هذه القاعدة - فيحتمل أنّ العقلاء والعرف يبنون على استصحاب العدم الأزلي فيجرون استصحاب عدم علاقة الأمومة أو الأخوّة بيني وبين هذه المرأة لأنه قبل والولادة لم تكن هناك أمومة أو أخوّة فأشك بعد الولادة هل تحقّقت الأمومة أو الأخوّّة فاستصحب العدم الأزلي ، فلعل المستند لحكم العرف والعقلاء هو هذا الاستصحاب ، وما يتبقّى لنا من أمثلة فهو بلا أصل - وعليك أن تستعرض الأمثلة وتلاحظ هل يجري فيها كلّها أصل أو لا يوجد أصل ؟ -.

والذي أريد أن أقوله:- هو إنه إذا كانت هناك موارد لا يجري فيها الأصل إلا مقداراً قليلاً لا نستطيع أن ننتزع منه عنوان سيرة عقلائية وسيرة عرفيّة وأنّ العرف بنى على هكذا ، فلا يمكن أن نستنتج بناء العرف من موردين أو ثلاثة ، بل يلزم أن تكون الموارد متعدّدة والغالب قلنا أنه يوجد أصل من الأصول فما تبقى لا يمكن أن يشكل عنوان انعقاد بناء العرف أو سيرة العرف أو العقلاء فإنّ هذا صعب.

قلت:- هذا الاقتراح الذي بيناه[1] يتم بناءً على أحد مبنيين:-

الأوّل:- القاعدة الميرزائية ، وهي ليست ثابتة.

الثاني:- حجّية استصحاب العدم الأزلي ، فإذا بنينا على أنّ الاستصحاب في الأعدام الأزلية حجّة فهذا الاقتراح له وجاهة ، لأنه بالتالي هذا الولد الذي قالت القيافة عنه أنه ابنك وأنا أردت أن أرتّب مسألة الارث وجواز النظر فهنا يتم هذا الاقتراح ، وهو أنه لا دليل على ترتيب هذه الآثار فإنّ مقتضى استصحاب العدم الأزلي عدم ثبوت البنوّة بيني وبين هذا الولد - وليس استصحاب العدم النعتي لأنه لا توجد حالة متيقنة بعد الوجود حتى نستصحبها وهذا واضح فلا تغفل عن ذلك - ، فإنه قبل انعقاد النطفة لم يكن هناك علاقة بيني وبين هذا الولد المشكوك فنشكّ بعد ذلك هل صار ابني أو لا فأستصحب عدم البنوّة الثابت قبل انعقاد النطفة ، فباستصحاب العدم الأزلي سوف أنفي البنوة ، فترتيب آثار البنوّة هو الذي يحتاج إلى دليل باعتبار أنه يوجد استصحاب ينفي البنوّة ، فترتيب آثار البنوّة هو الذي يكون محتاجاً إلى دليل.

إذن هذا الاقتراح يتمّ إذا بنينا على أحد هذين المطلبين - أو على أحد هذين المبنيين أو على أحد هذين الرأيين - ، أما إذا لم نبنِ على أيّ واحدٍ منهما فماذا نصنع حينئذٍ ؟ ، في مثل هذه الحالة نفي الأثر أيضاً يحتاج إلى دليل ، فكما أنّ ثبوت الأثر يحتاج إلى دليل كذلك نفي الأثر أيضاً يحتاج إلى دليل ، والقول بأنّ نفي الأثر لا يحتاج إلى دليل باطل ، بل نفي الأثر كثبوت الأثر يحتاج إلى دليل ، لكن غالباً في نفي الأثر يوجد أصل من الأصول يساعده فلذلك في كثيرٍ من الأحيان نفي الأثر لا يحتاج إلى دليل ، ولكن عدم الاحتياج هو بسبب وجود أصلٍ خفيّ أنت قد تكون غافلاً عنه ، أما إذا لم يكن يوجد أصل ولا قاعدة من القواعد فنفي الأثر كثبوت الأثر يحتاج إلى دليل ، فإن نفي الأثر بالتالي هو حكمٌ فإنك تحكم شرعاً وتقول هذا الأثر غير مترتّب شرعاً ، يعني جواز النظر ليس بثابتٍ شرعاً ، فهذا حكمٌ ، فأنت تحكم على الشرع أنه من الشرع هذا الحكم بثابت وهذا يحتاج إلى دليل ، فكما أنّ ثبوت الأثر يحتاج إلى دليل كذلك نفي الأثر يحاج إلى دليل ، وإذا نحن رفضنا القاعدة النائينية ورفضنا استصحاب العدم الأزلي فنفي الأثر يبقى - يعني نفي آثار البنوّة فنقول لا يجوز النظر ولا يترتّب الارث وغير ذلك - بلا دليل ، فإن نفي الأثر هو بالتالي نحوٌ من الحكم من الزاوية الشرعية وهو يحتاج إلى دليل ، فإذا لم يكن هناك دليل من قاعدةٍ نائينيةٍ أو من استصحاب عدم أزليٍّ فعلى هذا الأساس لا يمكن الحكم بنفي الأثر.

إن قلت:- نحن مثلاً ننكر القاعدة الميرزائية وننكر حجية استصحاب العدم الأزلي فماذا نصنع حينئذٍ تجاه هذا الولد الموجود - الشخص الشكوك - ؟ فإن لا تستطيع أن تقول هو ابني ولا تستطيع أن تقول هو ليس بابني فلا تستطيع أن ترتّب آثار الولديّة ولا تستطيع أن ترتّب آثار عدم الولديّة فالاثنين هما نحوٌ من الحكم فيحتاج إلى دليل ولا دليل فماذا نفعل ؟ فانسدّت كلّ الأبواب أمانا ؟

قلت:- إنّ الباب مفتوح أمامنا من البداية ، فإننا نبني على أنّ قاعدة الفراش ثابتة وتنفي بالدلالة الالتزامية حجّية قول القائف فلا تصل النوبة إلى كلّ هذا الكلام فإنّ هذا الاقتراح العلمي الذي ذكرناه يأتي إذا فرض أنه أردنا أن نغضّ النظر عن قاعدة الفراش وقاعدة شرعية اللعان والنصوص الدالة على عدم حجّية الظن فهذه إذا غضضنا النظر حينذاك قد يقول قائل يوجد عندي طريق وهو أنّ ثبوت الأثر يحتاج إلى دليل أما نفي الآثار فلا يحتاج إلى دليل ، ولكن نحن لم ننكر تلك القواعد المتقدّمة - الأمور الثلاثة المتقدّمة - فلا نقع في مأزق من هذه الناحية.

ولو تنزّلنا وفرضنا أننا أغمضنا النظر عن تلك الأمور الثلاثة فماذا نصنع في مثل المقام الذي المفروض فيه أنّ القاعدة الميرزائية ليست موجودة واستصحاب العدم الأزلي ليس موجوداً فلا أتمكن إذن أن أنفي الولديّة بالاستصحاب لأنّ استصحاب العدم لأزلي رفضناه ولا يمكن اثبات الولديّة فماذا نصنع فلا تثبت آثار الولديّة ولا آثار العدم ؟ فالفقيه قد يصل بحسب النتيجة إلى هذه المرحلة بحيث لا يمكنه تطبيق الأصول كما في هذا المورد حيث انسدّ الباب سدّاً محكماً حسب ما افترضنا فماذا نصنع ؟

والجواب:- نحكّم الأصول الطوليّة ، يعني الأصول من المرتبة الثانية ، فنحن توجد عندنا أصول من المرتبة الأولى ، وعندنا أصول من المرتبة الثانية ، فالأصول من المرتبة الأولى لا يمكن تطبقها لأنّ الأصول من المرتبة الأولى مثلاً استصحاب عدم الولديّة افترضنا أنّ هذا استصحاب العدم الأزلي وافترضنا أنه ليس بحجّة ، كما لا يوجد عندنا أصلٌ يثبت الولديّة ، فأصول من المرحلة الأولى - في المرتبة الأولى - لا يوجد عندنا فيذهب الفقيه إلى الأصول من المرتبة الثانية والتي يعبّر عنها بالأصول الطوليّة ، ويعبّر عنها بالأصول الطوليّة لأنها في طول الأصول في المرحلة الأولى ، لأنه إذا كانت الأصول في المرحلة الأولى موجودة فلا تصل النوبة إليها.

مثلاً نأتي في مقامنا فنقول الولديّة لا يمكن إجراء أصل لإثباتها أو نفيها فنذهب إلى آثار الولديّة فنقول نحن نشكّ هل يستحق الارث أو لا يستحق الارث ، فقبلاً لم يكن يستحقّ الارث – أي قبل أن تشهد القافة لم يكن مستحقاً للإرث - فنستصحب عدم استحقاقه للإرث ، أو مثلاً مسألة جواز النظر فسابقاً بالنسبة الى النظر حينما كان طفلاً صغيراً كان يجوز النظر إليه أو يجوز لي أن أنظر إليها لأنها صغير والآن حينما صارت كبيرة نشك أهل ارتفع جواز النظر أو لم يرتفع فنستصحب جواز النظر ، فبلحاظ جواز النظر نقول قبل البلوغ أو قبل التمييز كان يجوز النظر فالآن نستصحب جواز النظر ، وبالنسبة إلى الارث نقول إنه قبل أن يتحقّق موتٌ فلا هو ميّت ولا أنا ميّت فلا يوجد إرث لأنّ الاستحقاق فرع الموت فنشك هل يستحق الارث بالموت أو لا فقبلاًً كان لا يستحقّه فالآن أيضاً لا يستحقه فنستصحب حينئذٍ عدم استحقاقه للإرث ، فنصل إلى الأصول الطوليّة في المرتبة الثانية بعد تعذّر إجراء الأصول في المرتبة الأولى.

إن قلت:- إنّ نتيجة الأصلين منافية لما نعلمه ، وذلك لأنه إن كان ولداً حقاً في علم الله فهو يرث ويجوز النظر إليه ، وإن لم يكن ولداً فلا يجوز النظر ولا إرث ، أمّا أن نحكم بأنّ النظر إليه يجوز بمقتضى الاستصحاب لأنه قبل البلوغ كان يجوز النظر إليه ولكن الارث لا يثبت بمقتضى الاستصحاب قبل الموت فهذان الاستصحابان ينافيان ما نحن نعلمه ، فنحن نعلم بالإجمال أنّ أحد هذين الاستصحابين باطلٌ جزماً ؟

وجوابه:- إنّ المخالفة القطعية لمقتضى الأصول شيء لا محذور فيه ، أنما المحذور فهو في المخالفة القطعية للحكم الواقعي ، أما المخالفة القطعية بسبب جريان الأصول فلا محذور فيها كما قرأنا هذا في الأصول من الكفاية والرسائل وغيرهما ، فقالوا إذا كان هناك ماءٌ قد طرأت عليه حالتان متضادّتان طهارة ونجاسة ولا نعرف المتقدّم منهما ولا المتأخر فلا يجري استصحاب الطهارة ولا يجري استصحاب النجاسة ، فلو أردت أن أتوضأ به فهل يحصل الوضوء أو لا ؟ إنه لا يحصل به الوضوء ، فلا يرتفع الحدث ، بل استصحب بقاء الحدث لأني لا أحرز أنّ هذا الماء طاهر ، إذ المفروض أنّ استصحاب الطهارة لا يجري لأنه توجد حالتان سابقتان متضادّتان متعاقبتان فالحدث باقٍ ، ولكن هل أعضاء وضوئي تنجست أو لا ؟ هنا نقول هي ليست نجسة ، لأنها كانت طاهرة سابقاً وأشك هل تنجّست أو لا والحال أنّ أحد الاستصحابين جزماً هو باطل لأنه إما ان يكون الماء طاهراً فيلزم ارتفاع الحدث وطهارة الاعضاء أو هو نجسٌ فيلزم بقاء الحدث ونجاسة الأعضاء ، أما أن نقول إنَّ الحدث باقٍ والأعضاء ليست متنجسة فهذا يتنافى مع علمنا الاجمالي ، وهناك تعلّمنا أنه لا محذور في المنافاة لما تقتضيه الأصول وإنما الخالفة القطعية للحكم الواقعي هي التي لا تجوز دون المخالفة القطعية لما تقتضيه الأصول.


[1] وهنا رجعنا إلى صلب الموضوع حيث كان عندنا اقتراح علمي وهو أنه لا نحتاج إلى دللي على عدم حجية القيافة بل يكفينا عدم الدليل على ترتب الآثار من خلال القيافة، فلا يوجد عندنا دليل على أنه إذا حصلت القيافة فذها الاثر من جواز النظر يترتب وما شاكل ذلك فيكفيني عدم الدليل فلا احتاج إلى دللي على العدم.