37/07/29
تحمیل
الموضوع:- مبحث الضد.
وأجيب عن هذا الاشكال بأجوبة ثلاثة:-
الجواب الأوّل:- صحيح إن الأمر بالصلاة قد سقط بسبب توجه الأمر إلى الإزالة ولكن الذي سقط هو إطلاقه لحالة الاشتغال بالإزالة ، أما إذا لم أشتغل بالإزالة ففي مثل هذه الحالة لا بأس ببقاء الأمر بالصلاة وهذا ما يعبّر عنه بالأمر الترتّبي - أي أنَّ الأمر بالصلاة يبقى ولكن مترتّباً على عدم الاشتغال بالإزالة - ، وهذه فكرة علمية جيدة وسوف نبحثها تحت عنوان النقطة الثالثة في مبحث الضدّ.
الجواب الثاني:- أن نصحّح الصلاة من خلال الملاك فنقول صحيحٌ أنّ الأمر بالصلاة قد سقط ولكن الملاك باقٍ ويكفي لصحّة الصلاة وجود الملاك ، فأقول مثلاً هكا:- ( أصلي لأجل المحبوبية ) فآتي بالصلاة لأنها محبوبة لله عزّ وجلّ.
أقول:- هذا جوابٌ جيد أيضاً ، ولكن كيف تحرز وجود الملاك لتتقرّب بواسطته ؟!! فأصل الكبرى صحيحة فإنه إذا كان هناك ملاك فيمكن التقرّب به ، ولكن عليك أن تثبت وجود الملاك !!
وفي ها المجال توجد أربع وسائل لإثبات الملاك:-
الوسيلة الأولى:- ما أشار إليه صاحب الكفاية(قده)[1] وحاصل ما ذكره:- إننا نقطع بأنّ الأمر بالصلاة حينما سقط فهو سقط لأجل وجود الواجب المزاحم - وهو الأمر بالإزالة - ولم يسقط الأمر بها لأجل عدم المحبوبية - أي عدم الملاك - فأمر ( صلّ ) قد سقط لا لأجل أنّ الصلاة غير محبوبة ، بل هي محبوبة وبكنه سقط لأجل وجود المانع كي لا يلزم تكليف بالضدّين .
فهو(قده)تمسّك بالقطع.
ويردّه:- من أين لك هذا القطع ؟ فإنه لا قطع بذلك حيث لا يمكن تحصيله ، بل لعلّ المزاحمة صارت سبباً لكلا المطلبين - أعني لسقوط الأمر ولزوال المحبوبية - فإن هذا محتملٌ ، والغريب في الباب أنّ الشيخ الخراساني(قده) نفسه في مبحث اجتماع الأمر والنهي في الأمر التاسع[2] ذكر(قده) ذكر أنّ انتفاء أحد المتنافيين كما يمكن لأجل وجود المانع مع بقاء المقتضي - يعني الملاك المحبوبية - يمكن أن يكون لأجل زوال المقتضي رأساً ، فما عدى ممّا بدى ؟!! والعصمة لأهلها ، ونصّ عبارته في مبحث الأمر والنهي:- ( فإن انتفاء أحد المتنافيين كما يمكن أن يكون لأجل المانع مع ثبوت المقتضي له يمكن أن يكون لأجل انتفائه ) ، فإذن هو أجاب نفسه بنفسه.
الوسيلة الثانية:- التمسّك بفكرة إذا كان عندنا دلالة مطابقية والتزامية وسقطت المطابقية عن الحجية فتبقى الدلالة الالتزامية على الحجية ، فإنه لو بنينا على تمامية هذه الكبرى كما بنى عليه الشيخ النائيني(قده) على ما يظهر من فوائد الأصول[3] يمكن إثبات بقاء الملاك.
وتقريب ذلك:- إنه قبل المزاحمة بالإزالة كان يوجد أمر بالصلاة وهو يدلّ المطابقة على الوجوب ويدلّ بالالتزام على الملاك ، وحينما حصلت المزاحمة بالإزالة فالمدلول المطابقي قد سقط - أي سقط الوجوب - لأنه قلنا يلزم الأمر بالضدّين بناءً على استحالة الترتّب ، فيبقى المدلول الالتزامي - وهو الملاك - على حاله فنتمسّك بالدلالة الالتزامية بعد سقوط الدلالة المطابقية عن الحجية.
وهي وسيلة جيدة إن تمّت.
إن قلت:- نحن قرأنا في المنطق أنّ الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية فإذا سقطت المطابقية سقطت الالتزامية ، فكيف سقطت المطابقية الآن ولم تسقط الالزامية ؟! أوليس هذا منافياً لما قرأناه في علم المنطق ؟!
قلت:- كلا هذا ليس منافياً ، لأنّ المنظور في المنطق هو التبعية في الوجود ، يعني لا توجد دلالة التزامية إلا إذا كان هناك دلالة مطابقية ، أما إذا كانت الدلالة المطابقية موجودة ولكنها ليست حجّة إذ أمر أنَّ ( صلِّ ) يدلّ على الوجوب ، فكدلالةً هو موجود ولكن هذه الدلالة ساقطة عن الحجية لأجل المزاحمة بالأهم وهو الأمر بالإزالة ، فهنا سقطت الدلالة المطابقية عن الحجية لا أنها انعدمت من أساسها بل هي موجودة ولكن ليست بحجة ، وهنا جاء الأصوليون وبحثوا فيه ، وهذا بحثٌ لم يتطرّق إليه المناطقة وليس لهم الحقّ في الدخول في هذا المجال لأنّ هذا ليس من شأنهم فإنّ مباحث الحجية ليست من شأن المنطقي بل الحجية بمعنى المعذّرية والمنجزّية ليس شاناً منطقياً بل هي شأن أصولي.
فإذن ما قرأناه في المنطق هو التبعيّة في أصل الوجود ، وهنا نحن نسلّم بأنّ الدلالة المطابقية موجودة ولكن ليست حجّة فهل تبقى الالتزامية على الحجية أو لا ؟ وهذه قضيّة يبحثها الأصولي وليس المنطقي.
وقال الشيخ النائيني(قده):- فلتبقَ الدلالة الالتزامية على الحجية ، ببيان:- أنه توجد دلالتان دلالة على الوجوب ودلالة على الملاك ، فإذا سقطت الدلالة المطابقية عن الحجية فما المبرّر لسقوط الدلالة الالتزامية عن الحجية فإنه لا مبرر له.
وهذا نظير ما لو جاء شخصٌ وأخبرنا بخبرين ثم تبين أنه مشتبه في الخبر الأوّل فهل نسرّي اشتباهه حينئذٍ إلى الخبر الثاني ولا نأخذ به ؟ كلا إنّ الاشتباه في الخبر الأوّل لا ربط له بالثاني ، ونقل الاشتباه إلى الثاني لا وجه له.
وهنا أيضاً كذلك ، فالدلالة المطابقية هي دلالة وبمثابة خبرٍ عن الوجوب ، والدلالة الالتزامية هي بمثابة إخبارٍ عن الملاك ، وإذا سقط الإخبار الأوّل عن الحجّية لوجود المعارض والمزاحم - وهو الأمر بالإزالة - فالثاني لا موجب لسقوطه عن الحجية فيبقى على الحجية.
والذي أقوله بشكل مجمل في الردّ[4] :- إنّ ما ذكر - من أنّ سقوط أحد الخبرين عن الحجية إذا تبين الاشتباه لا يلازم سقوط الثاني عن الحجية مادام إذا لم يتضح الاشتباه - يتمّ في الخبريين العرضيّين دون الطوليّين ، والمقصود من العرضيّين كما إذا أخبر الشخص في خبره الأوّل عن مجيء زيدٍ من السفر والخبر الثاني أخبر بقضيّة ثانية مثل أنّ فلان سوف يسافر في يوم كذا ، فهذان خبران عرضيّان لا ربط لأحدهما بالثاني ، وهنا نسلّم أن سوقط الأوّل لا يلازم سقوط الثاني عن الحجية.
وأما في مثال الطوليّين كما في موردنا ، فإنّ الإخبار عن الملاك فرع الإخبار عن أصل الوجوب ، فبسبب الإخبار الأوّل عن الوجوب نحن استفدنا الإخبار عن الملاك ، فالخبر الثاني في طول ومسبَّب عن الأوّل لا في عرضة ، وإذا كان الخبر الثاني في طول الأول وليس في عرضه فبعد سقوط الأوّل عن الحجّية هل العقلاء يتمسّكون بالثاني ؟ إنه لابد من الرجوع إلى العقلاء ، ولماذا ؟ لأنّ المدرك المهم لحجّية الخبر هو سيرة العقلاء فلو فرض أنّ شخصاً قال مات زيد لأني رأيته شرب السمّ ثم بعد ذلك تبيّن اشتباهه فهو قال أني كنت أعتقد أنه شرب سم لأنّي رأيت مكتوباً على القدح أنه سمّ ولكن تبيّن بعد ذلك أنّه عصير وكنت مشتبهاً ، ولكن احتملنا أيضاً أنّ زيداً مات أثناء شربة للعصير لأنّه مريض بالسكري مثلاً ، ففي مثل هذه الحالة هل العقلاء يبنون على بطلان الخبر الأوّل - وهو شربه للسمّ - فيقولون إذن اتضح أنه ليس بشارب للسمّ ولكن يبقى المدلول الالتزامي وهو الموت لأنه يحتمل أنه مات لا بسبب السمّ وإنما بسببٍ آخر كمرض السكّري أو غيره ، فهل يبنون على ذلك ؟ كلا ، بل إنّ لم نجزم بالعدم فلا أقل من الشكّ ، والأمثلة التي فرضت هي أمثلة من قبيل الخبرين العرضيّين دون الخبرين الطوليّين.
فإذن لا يبني العقلاء عند ظهور الاشتباه في الأوّل وعدم حجيته على بقاء الحجّية بلحاظ الخبر الثاني ، ولا أقل نشكّ في انعقاد سيرتهم على ذلك وهو يكفي في عدم الحجّية بلحاظ المدلول الالتزامي.