37/05/08
تحمیل
الموضوع:- التولي للظالمين – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.
هل الحرمة ذاتية أو باعتبار ما تستتبعه الولاية ؟
والجواب:- هناك احتمالان في هذا المجال ويختلف الجواب باختلاف الدليل الذي يستند إليه في إثبات الحرمة ، ونحن حيث اخترنا في مستند الحرمة الأمور الثلاثة المتقدمة - أعني أنه يصدق الركون إلى الظالم فيشمله نهي ( ولا تركنوا إلا الذين ظلموا ) ومعلوم أنّ الركون يتحقق بنفس قبول المنصب وتولّيه سواء قام بأعمال بعد تولي المنصب أم لا ، وهكذا بالنسبة إلى الدليل الثاني وهو أن نفس قبول الولي للظالم نحو دعم للظالم ومعلوم أن هذا الدعم يتحقق بنفس القبول سواء قام بأعمال أو لم يقم بها أثناء الولاية ، وهكذا بالنسبة إلى الدليل الثالث أعني أنه يعدّ من أعوان الظلمة بناءً على أنه عنوان مستقل دلّ الدليل على تحريمه إنّ هذا العنوان يصدق بمجرد قبول الولاية من الظالم - نعم لو كان المستند هو الروايات فربما يكون لسانها مختلفاً ، فمن بعضها يستفاد هذا ومن بعضها يستفاد ذاك ولكن بعدما كان الدليل عندنا هو أحد الامور المتقدّمة فإذن يتضح بذلك أنّ الحرمة ذاتيّة.
هذا وربما يذكر وجهان لإثبات الحرمة الذاتية غير ما أشرنا إليه:-
الوجه الأول:- ما نقله صاحب الجواهر عن السيد بحر العلوم ومحصله:- إنّ قبول المنصب هو نحو من التشريع بيد أنه تشريع بلحاظ المنصب ، فالتشريع كما يتحقق بلحاظ البناء على حرمة شيء هو ليس بحرام فإن ذلك نحو من التشريع ، فمادام كونه ليس بحرام ولكني أبني على أنه حرام فهذا تشريع ولكنه تشريع على مستوى الحكم والاعتقاد بالحكم ، كذلك قد يتحقق التشريع على مستوى المنصب فإنّ هذا منصب الامام عليه السلام أو من نصبه الامام وليس منصب فلان وفلان فاستلام هؤلاء للمنصب وقبوله نحو من التشريع المحرّم ، قال في الجواهر ما نصه:- ( بل مال العلامة الطباطبائي في مصابيحه إلى كون الولاية في نفسها من المحرمات الذاتية مطلقاً - وأنها تتضاعف إثماً باشتمالها على المحرمات - لتضمنها التشريع فيما يتعلق بالمناصب الشرعية )[1] .
ويرد عليه:-
أوّلاً:- إنّ الحرمة بناءً على هذا سوف تصير من ناحية التشريع - أي حرمة تشريعية - وليست حرمة ذاتية ، وهو يريد أن يثبت الحرمة الذاتية بينما الدليل الذي تمسّك به هو أنه تشريع من حيث المنصب ، فإذن الحرمة بناءً على هذا ليست ذاتية وإنما هي تشريعية فهذا الدليل على خلاف المدّعى.
ثانياً:- إنه بناءً على هذا لو استلم المنصب لا من باب أنه صاحب المنصب بل من باب أنه منصب محبوب وتحصيلاً للدنيا وما شاكل ذلك فبناءً على هذا سوف لا تتحقق الحرمة حتى التشريعية ، فإن الحرمة التشريعية فرع الاعتقاد بأنه صاحب المنصب وهذا لا يعتقد بأنه صاحبه.
الوجه الثاني:- ما ذكره السيد الخميني(قده)[2] وحاصله:- إن منصب الولاية هو للإمام عليه السلام أو من نصبه الامام ، - ويقصد من الذي نصبه الامام هو المجتهد - ، فعلى هذا الأساس إذا استلمه غير هذين فهذا يصير استلاماً لما ليس له ولكنه هل هو غصبٌ أو لا ؟ أجاب وقال:- إنَّ الغاصب هو السلطان فالسلطان هو الذي استلم كلّ الأمور ودخل البلدة مثلاً وفتحها فهو الذي يصدق عليه الغاصب وحينما استولى على السلطة فهو الغاصب ، وأمّا من ينصبه على هذه الولاية أو تلك فهذا قد تولى ما ليس له لا أنه غاصب ، قال(قده) ما نصّه:- ( إن الحرمة لا بعنوان الغصب بل بعنوان التصرف في سلطان الغير[3] بلا إذنه وعدواناً ) .
ويردّه:-
أولاً:- يمكن أن يقال إنّ التولي لما ليس أهلاً له إنما يصدق إذا مارس الأعمال فإنّ هذه الاعمال ليست له – أي هي للإمام أو المجتهد - أما نفس قبول التصدّي للمنصب ولكنه بعدُ لم يأمر ولم ينه ولم يفعل شيئاً فهنا من البعيد أن يصدق عليه انه تولّى وتصرّف بما ليس أهلاً له.
إذن هذا لا يتم إلا إذا مارس العمل ، وبذلك سوف تكون الحرمة باعتبار ممارسة العمل وليست الحرمة ذاتية ، وبنفس القبول لا تثبت لحرمة وإنما تثبت فيما إذا تصدّى ومارس العمل.
ثانياً:- هناك بعض المناصب أو الأعمال التي قد لا تكون للإمام أو المجتهد وإنما هي من المناصب المستحدثة ، من قبيل أن ينصب لوزارة الاتصالات أو المواصلات أو الكهرباء فهذه الأمور لم تكن من مناصب الامام عليه السلام أو المجتهد حتى نقول إنّ الشخص إذا قبلها واستلمها فقد تولّى ما ليس له ، فإذن هذا الدليل هو أخصّ من المدّعى.
وفي المقابل يوجد رأي للحاج ميرزا علي الايرواني(قده):- حيث يرى أنّ الحرمة ليست ذاتية ، ويستدل على ذلك بأنّ الحرمة إذا كانت ذاتية يلزم أن لا تزول فإن الذاتي لا يزول والحال أن المتولي للمنصب إذا قام بأعمال حسنة فحينئذٍ تزول الحرمة لأنّ هذا قيام بمصالح العباد ، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أنّ الحرمة ليست ذاتية إذ الذاتي لا يزول ، أجل لو كان نفس قبول المنصب تقويةً للظالم أمكن أن نقول بكون الحرمة ذاتية.
قال ما نصّه:- ( إنّ أخذ المنصب لو كان حراماً في ذاته لما جاز ذلك لأجل غاية مستحبة مثل القيام بحوائج المؤمنين والاحسان إليهم وقد ادعى المصنف تطابق الادلة على جوازه لأجل هذه الغايات . نعم إن كان مجرد أخذ المنصب تقويةً لهم وزيادة في شوكتهم حرم بهذا العنوان وإن لم يقم بشيء من أعمال الولاية )[4] .
ويرد عليه:-
أوّلاً:- إنه فسّر الحرمة الذاتية بمعنى الذاتي الذي لا يقبل الانفكاك عن الشيء كالزوجية التي يقال أنها ذاتية للأربعة بمعنى أنها لا تزول ولا تنفك عنها وإلا لما كانت الأربعة أربعة ، ولو كان يُقصد هذا المعنى من الذاتي فالأمر كما ذكر ، يعني قبول زوال الحرمة عند مساعدة الناس وهذا دليل على أن الحرمة ليست ذاتية وإلا لما زالت ، ولكن ليس المقصود من الذاتي هذا المعنى وإنما المقصود هو أنّ الحرمة ثابتة لنفس قبول المنصب وليس بسبب ما يقوم به من أعمال محرّمة ، بل بقطع عن الأعمال المحرمة التي يقوم بها يكون نفس قبول المنصب محرّماً ، وعلى هذا الأساس يكون ما ذ كره أجنبيّاً عن المقام.
ثانياً:- إنّه ذكر في آخر كلامه أنّه نعم لو كان قبول المنصب بنفسه تقوية للسلطان كانت الحرمة ذاتية ، ونحن نقول:- إنَّ المفروض هو ذلك لا أنّ هذا يجعل استدراكاً ، فالمدّعى هو أنّ قبول المنصب بما هو يوجب التقوية للظالم ، فالحرمة ذاتية بهذا المعنى والاستدراك لا معنى له.
إذن يتضح أنّ الحاج ميرزا علي من القائلين بالحرمة الذاتية لأنه يعترف أن نفس استلام المنصب إذا كان تقوية للظالم فذلك يعد محرم ذاتاً.
وبهذا اتضح من مجموع ما ذكرناه أنّ المناسب أن تكون الحرمة في المقام ذاتية لما أشرنا إليه ، وبهذا ننهي الحكم الأول من الأحكام الثلاثة التي نبحثها في هذه المسألة.