36/11/10
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ إطلاق الجزئية لحالة النسيان.
الوجه الثالث من وجوه تقريب الاستصحاب في المقام: ما ذكره الشيخ الأنصاري(قدس سره) في الرسائل،[1] حيث يقول أننا نستصحب في المقام الوجوب النفسي الاستقلالي الثابت سابقاً، لا أن الاستصحاب يتوجه إلى الجامع كما قيل في الوجهين السابقين، في الوجهين السابقين كان يُفترض أن الاستصحاب يكون لجامع الوجوب. في هذا الوجه يقول نستصحب نفس الوجوب النفسي الاستقلالي الذي كان ثابتاً سابقاً عندما كان المكلف قادراً على جميع الأجزاء، وكانت جميع الأجزاء واجبة بالوجوب النفسي الاستقلالي، يقول الشيخ(قدس سره) بأننا نستصحب هذا الوجوب، وذلك باعتبار المسامحة في تحقق موضوعه، هناك مسامحة في تحقق موضوع هذا الوجوب باعتبار أن العرف يرى أن المركب التام الذي تعلق به الوجوب النفسي الاستقلالي سابقاً والناقص بعد تعذر جزء من الأجزاء، هذان أمران متحدان بالنظر العرفي المسامحي، وإن كان بالنظر الدقي هذا غير ذاك، لكن بالنظر العرفي المسامحي، هذا يعتبر نفس ذاك وليس شيئاً آخر، هذا الموضوع الذي هو الموضوع الشرعي للوجوب إذا تعذر منه جزء، العرف لا يرى أنه يتبدل فيكون شيئاً آخر، وإنما هذا هو ذاك بالنظر العرفي المسامحي.
وبعبارة أخرى كما يصرح الشيخ(قدس سره): تعذر بعض الأجزاء بنظر العرف يعتبر من الحالات الطارئة على الموضوع الواحد، وجود الجزء المتعذر وعدم وجوده ليس مقوّماً لذات الموضوع بحيث أنه بانتفاء الجزء ينتفي الموضوع ويتبدل إلى شيءٍ آخر، وإنما هو من الحالات التي تتبادل على الموضوع الواحد، هذا الموضوع الواحد مرة يلتحق به هذا الجزء المتعذر ومرة لا يلتحق به هذا الجزء المتعذر، لكن الموضوع يكون موضوعاً واحداً بالنظر العرفي المسامحي، فإذا كان الموضوع واحداً وكان الباقي بعد تعذر ذاك الجزء متحداً مع المركب التام الذي فُرض وجوده سابقاً؛ حينئذٍ ينتفي الإشكال ويجري الاستصحاب؛ لأن القضية المتيقنة تكون متحدة مع القضية المشكوكة، فنلتفت إلى هذا المركب بعد تعذر الجزء ونقول: هذا كان واجباً بالوجوب الاستقلالي النفسي، والآن كما كان، لا نستصحب جامع الوجوب وإنما نستصحب الوجوب النفسي، لكن بإعمال مسامحة في موضوعه باعتبار أن العرف يرى أن تعذر جزءٍ من الأجزاء لا يضر في صدق المركب؛ بل يكون نفس المركب، ولعلّه يشهد بهذا ـــــــــ كما يقولون ـــــــــ أن الحكم على الأجزاء بعد تعذر بعضها بنفس الحكم السابق يُرى بنظر العرف إبقاءً للحكم السابق وليس أنه حكم آخر ثبت لموضوع آخر مماثل للحكم السابق؛ بل هو إبقاء له، كما أن ارتفاع الحكم عن الباقي بعد التعذر يعتبر ارتفاعاً للحكم السابق، هذا النظر العرفي يستلزم أن يكون بقاء الحكم إبقاءً للحكم السابق كما أن ارتفاعه هو ارتفاع للحكم السابق؛ لأن العرف يرى الوحدة، وحدة الموضوع متحققة في المقام؛ فحينئذٍ يجري الاستصحاب ولا يواجه المشكلة السابقة.
هذا ما ذكره الشيخ الأنصاري(قدس سره). ومثّل لذلك بمسألة استصحاب كرية الماء الذي أُخذ منه مقدار بنحوٍ يُشك في بقاء كرّيته، فأنه لا إشكال عندهم في أنه يجري استصحاب الكرية المتيقنة سابقاً مع أن موضوع الكرّية المتيقنة سابقاً قد اختلف الآن، الماء الذي كنّا نحكم بكرّيته يقيناً سابقاً كان هو الماء بإضافة المقدار الناقص المأخوذ منه، بينما الآن نحكم بكرّية ماءٍ أُخذ منه مقدار، بالدقة هذا غير ذاك، لكن بالنظر العرفي المسامحي العرف يرى أن الموضوع واحد، وأخذُ هذا المقدار لا يؤثر في بقاء الموضوع ووحدة الموضوع، فيكون الموضوع واحداً، فيُشار إلى هذا الماء الذي أُخذ منه مقدار ويقال: هذا كان كراً والآن كما كان، مع أنه بالدقة ليس كذلك. وما نحن فيه من هذا القبيل، هذا المركب التام تعذّر منه جزء، بنظر العرف هذا التعذر لا يعني تعدد الموضوع؛ بل يبقى الموضوع واحداً ويقال هذا المركب قبل تعذّر الجزء كان واجباً بالوجوب الاستقلالي النفسي والآن كما كان.
أُعترض على هذا التقريب: بأنّ هذا إنما يتم فيما إذا كان الجزء المتعذِّر غير مقوّمٍ للموضوع؛ حينئذٍ هذا يكون له وجه، لابدّ أن نفترض أن الجزء المتعذّر في محل الكلام ليس من الأجزاء المقومة للموضوع، وإلا فواضح أنه بزواله يزول الموضوع وينتفي، وما يوجد بعد ذلك هو موضوع آخر، فلا تتحقق وحدة الموضوع، ولا تكون القضية المتيقنة هي نفس القضية المشكوكة؛ بل هي غيرها. إذن: لكي يتم هذا الوجه لابدّ من افتراض أن الجزء المتعذّر ليس من الأجزاء المقومة للموضوع، فيأتي فيه هذا الكلام، من الممكن تعذّر جزء من الموضوع ليس أساسياً في الموضوع ولا مقوماً له، فيمكن دعوى أن العرف يرى أن تعذّره وزواله لا يضر في وحدة الموضوع وبقائه، فيجري الاستصحاب على هذا الأساس، وبناءً على هذا؛ حينئذٍ إذا كان الجزء مقوماً للموضوع لا يجري الاستصحاب بشكلٍ واضح؛ لأنه إذا كان مقوماً للموضوع، فبانتفائه ينتفي الموضوع؛ لأنّ هذا مقتضى كونه مقوماً للموضوع، فإذا انتفى الموضوع، فالحكم الثابت له يكون منتفياً ويكون الشك في ثبوت حكمٍ آخر لموضوع جديد، وهذا ليس شكاً في البقاء حتى يجري فيه الاستصحاب، فالاستصحاب إنما يجري حينما يكون الشك في البقاء، وعندما يكون الجزء المتعذّر مقوماً لا يكون هذا شكا في البقاء، عندما يكون الجزء المتعذر مقوماً، فبتعذره ينتفي الموضوع، وبانتفائه ينتفي الحكم الذي كان ثابتاً له سابقاً، والشك إنما يكون شكاً في ثبوت حكم آخر لموضوع جديد، و هذا الشك ليس شكاً في البقاء، فلا يجري الاستصحاب.
إذن: لابد من فرض أن الجزء المتعذّر غير مقوم للموضوع.
الشيء الآخر أن هذا الوجه أيضاً لا يتم في ما إذا فرضنا أن المتعذّر هو معظم الأجزاء بقطع النظر عن كونه مقوماً أو غير مقوم، وهذا يدخل في محل الكلام، فنحن لم نفترض أن المتعذّر هو جزء واحد من الأجزاء، إذا تعذّرت بعض الأجزاء، سواء كان المتعذّر جزء واحد، أو كانت أجزاء متعددة، فإذا فرضنا أن المتعذّر كان هو معظم أجزاء المركب؛ حينئذٍ لا يتم هذا الوجه فيه، هنا لا مجال لدعوى المسامحة العرفية في الصدق العرفي بأن الموضوع باقٍ ومحفوظ، وأن وحدة الموضوع التي هي شرط في جريان الاستصحاب متحققة في المقام عندما يتعذّر معظم أجزاء ذلك المركب، هذا الكلام إنما يتم في حالة ما إذا تعذّر جزء واحد من الموضوع، وكان ذلك الجزء غير مقوم؛ حينئذٍ يمكن أن يُذكر هذا الوجه في المقام ويُبنى على جريان الاستصحاب على أساس المسامحة العرفية بالبيان الذي تقدم.
إذن: نستطيع أن نقول أن الجزء المتعذّر إذا كان مقوماً، فهذا الوجه لا يتم، وكذلك الجزء المتعذّر إذا كان هو عبارة عن معظم الأجزاء، فهذا الوجه أيضاً لا يكون تاماً. ومن هنا نستطيع أن نقول: لكي نجري الاستصحاب في محل كلامنا لإثبات وجوب الباقي من الأجزاء بعد التعذّر لابدّ من إحراز أن المتعذّر ليس مقوماً للواجب، لابدّ أن نحرز ذلك حتى يمكننا إجراء الاستصحاب على هذا الأساس بنحوٍ يكون الشك في وجوب الأجزاء الأخرى ما عدا الجزء المتعذر شكاً في البقاء، أو يكون مشمولاً لأدلة الاستصحاب. وأما إذا أحرزنا أنه مقوم، أو شككنا، كما لو تعذر جزء من الأجزاء وتوقفنا ولم نعلم أنه مقوم للموضوع وينتفي الموضوع بتعذره، أو لا ينتفي؛ فحينئذٍ لا نستطيع أن نجري الاستصحاب؛ لأننا لا نحرز أن الشك شك في البقاء حتى يجري الاستصحاب ويكون مشمولاً لأدلة الاستصحاب. إذن: لابدّ أن نحرز أن الجزء المتعذر ليس مقوماً للموضوع؛ حينئذٍ نحرز توفر أركان الاستصحاب وتحقق شروطه؛ وحينئذٍ يمكن إجراء الاستصحاب في ذلك المورد. ومن هنا يقال: أن إحراز أن الجزء المتعذر مقوم للموضوع، أو غير مقوم له، هذا ليس متاحاً لنا، في المركبات الشرعية التي هي محل كلامنا، الصلاة ونحوها، ليس متاحاً للمكلف أن يحرز أن هذا الجزء المتعذر مقوم أو أنه ليس مقوماً، هذه مركبات شرعية اعتبارية؛ حينئذٍ أمرها بيد المعتبر من دون أن يرد لنا بيان من قبل الشارع يدل على أن هذا مقوم و هذا ليس مقوماً، ولو باعتبار الآثار المترتبة على كل واحدٍ منها، والأحكام المترتبة على كل واحد منها، بحيث نفهم من ترتب حكم معين شرعاً أن هذا الجزء مقوم، ومن ترتب حكم معين آخر أن هذا الجزء ليس مقوماً، من دون ورود بيانٍ من قِبل الشارع يبين أن هذا مقوم وهذا ليس مقوماً نحن لا يمكننا أن نحرز أن هذا مقوم وأن هذا ليس مقوماً، لا يمكننا ذلك عند تعذر جزء من الأجزاء، أي جزء كان، لا يمكننا الجزم بأن هذا الجزء ليس مقوماً بالنسبة للموضوع الذي هو عبارة عن المركب التام الشرعي حتى نجزم بجريان الاستصحاب لإثبات هذا الحكم الشرعي، لا طريق لنا لذلك. نعم إذا بيّن لنا الشارع ذلك نتبع البيان، لكن في حالة عدم وجود البيان ليس متاحاً لنا أن نعرف أن هذا الجزء المتعذر ليس مقوماً. هذا نقوله في باب المركبات الشرعية عندما يكون موضوع الحكم الذي يُراد استصحابه هو من المركبات الشرعية. نعم، هذا في المركبات العرفية لا يتم؛ لأنه في المركبات العرفية لنا طريق لمعرفة أن هذا مقوم و هذا ليس مقوماً؛ لأنه مركب عرفي وأمره بيد العرف، فيمكن حينئذٍ إذا تعذر جزء من المركب العرفي يمكن فرض أن المكلف بحكم كونه إنساناً عرفياً يستطيع أن يميّز بين الجزء المقوم، فلا يجري الاستصحاب وبين الجزء غير المقوم، فلا مانع من جريان الاستصحاب، هذا يتم في المركبات العرفية، ويمكن تمييز المقوم وغير المقوم على هذا الأساس، ومن هنا يختلف محل الكلام(استصحاب الوجوب الاستقلالي الذي يدعيه الشيخ الأنصاري(قدس سره)) في محل الكلام الوجوب الذي كان ثابتاً سابقاً، استصحاب هذا الوجوب في محل الكلام يختلف هذا المثال عن مثال استصحاب كرية الماء، العناية المبذولة هناك يمكن أن تؤدي إلى النتيجة؛ لأن الموضوع للكريّة الذي هو الحكم المستصحب هو موضوع عرفي وليس أمراً شرعياً، فيمكن افتراض أن العرف يدرك أن أخذ مقدار قليل منه بالنظر العرفي المسامحي لا يغير، لكن هذا لا يصح في المركبات الشرعية، كيف يمكن لنا أن نجزم بضرس قاطع بأنه عندما تتعذر القراءة ـــــــــ مثلاً ــــــــــ في الصلاة، نقول بأن القراءة ليست من الأجزاء المقومة للصلاة ؟ أو في مثال آخر؛ لأن الصلاة لها أحكام خاصة وهناك بعض الأدلة من قبل الشارع قد تميّز، بقطع النظر عن البيان الشرعي لا يمكن للمكلف أن يحكم بأن القراءة ليست من المقومات حتى يجري الاستصحاب في محل الكلام، ومن هنا إحراز الشرط الذي لابدّ منه لكي يجري الاستصحاب في محل الكلام لا يخلو من صعوبة.
السيد الخوئي(قدس سره) حاول أن يجيب عن هذا الإشكال: وذكر ما حاصله(في كلا التقريرين)[2] إذا فرضنا أنه ورد بيان من الشارع على أن هذا الجزء مقوم وهذا ليس مقوماً، فالمسألة واضحة، وعندما لا يرد بيان من قبل الشارع، فالظاهر أن الشارع أوكل النظر إلى العرف في معرفة ما هو الجزء المقوم لهذا المركب وما هو الجزء غير المقوم له، والعرف يستطيع أن يميز بين المقوم وغير المقوم، ليست هناك مشكلة، العرف حتى في المركبات الشرعية إذا لم يرِد بيان من قبل الشارع يستطيع أن يميز بين الأجزاء المقومة والأجزاء غير المقومة، فإذا أحرز العرف بنظره العرفي المسامحي أن هذا الجزء ليس مقوماً فيجري استصحابه ولا توجد أي مشكلة، ثمّ هو يذكر بأن العرف عندما يوكل إليه الأمر ـــــــــ كما فرض ــــــــ من قبل الشارع، فأن تحديده يكون على أساس كمّي، فذكر أنه إذا تعذر جزء من عشرين، فهذا بنظر العرف ليس مقوماً، لكن عندما يتعذر نصف المركب، عشرة أجزاء تتعذر من عشرين، أو ثلث المركب، في هذه الحالة العرف لا يحكم بأن هذا الموضوع باقٍ وأن الوحدة لا تنثلم ولا تختل بتعذر نصف المركب او ثلثه، الظاهر أن هذا المتعذر مقوم للموضوع، فلا يجري الاستصحاب. هذا خلاصة ما ذكره في المقام.
يُلاحظ على هذا الكلام:
أولاً: أن الجزء المتعذر في محل الكلام(المركبات الشرعية) حتى إذا لم يكن مقوماً بنظر العرف مع ذلك لا يجري الاستصحاب؛ لأن هذا الجزء سلمنا أنه غير مقوم للموضوع، لكن لا يمكن إنكار أنه دخيل في ثبوت الحكم بأي نحوٍ من أنحاء الدخالة، بالنتيجة هو دخيل في ثبوت الحكم، وإلا لو لم يكن دخيلاً لما كان واجباً بوجوب ضمني حاله حال سائر الأجزاء الأخرى؛ ولذا شمله الحكم كما شمل سائر الأجزاء وانبسط عليه الحكم كما انبسط على سائر الأجزاء. إذن: هو دخيل في ثبوت الحكم في محل الكلام، وإن لم يكن مقوماً. بناءً على هذا عندما نفرغ عن كون الجزء المتعذر وإن لم يكن مقوماً يكون له دخل في ثبوت الحكم؛ حينئذٍ لا إشكال النتيجة الطبيعية لذلك أنه باختلال هذا الجزء وتعذره ينتفي ذلك الحكم الذي كان ثابتاً سابقاً، في الحكم الثابت سابقاً نحن لا نستصحب كلي الوجوب، نحن لا نطرح الوجه الأول أو الوجه الثاني، نحن نستصحب الوجوب الاستقلالي النفسي، أي هذا الفرد من الوجوب نستصحبه، هذا الفرد الذي كان ثابتاً سابقاً نريد استصحابه في هذا الوجه الثالث، هذا الفرد لا إشكال في أن الجزء المتعذر دخيل في ثبوته، وإلا لا يمكننا أن نقول أن هذا الجزء المتعذر لا علاقة له بالمسألة ! إذن: لماذا صار جزءً من الموضوع ؟ لماذا صار واجباً وجوباً ضمنياً ؟ إذن: هو لابد أن يكون دخيلاً في ثبوت الحكم، وله مدخل في ثبوت الحكم بأي نحوٍ من الأنحاء، فإذا فرغنا من ذلك؛ حينئذٍ بتعذر ذلك الجزء وسقوطه لابدّ أن يسقط ذلك الفرد من الحكم الذي كان ثابتاً ومنبسطاً عليه وعلى سائر الأجزاء؛ وحينئذٍ إذا شككنا في ثبوت حكم لهذا الباقي بعد التعذر؛ حينئذٍ سوف يكون شكاً في ثبوت حكم آخر غير الحكم الذي كان ثابتاً سابقاً وإن لم يكن الجزء مقوماً، ولا علاقة لذلك بكون الجزء مقوماً أو غير مقوم، هذا الجزء سابقاً كان دخيلاً في ثبوت هذا الحكم لهذا المركب التام المركب من عشرين جزءً، هذا الفرد من الحكم سوف يرتفع بتعذر بعض الأجزاء حتماً، فإذا ارتفع لتعذر بعض الأجزاء، فالشك في ثبوت حكم للباقي بعد التعذر لا يكون شكاً في البقاء، وإنما يكون شكاً في ثبوت حكم جديد لهذا الباقي. حتى لو افترضنا أن هذا الباقي ليس الجزء مقوماً له، لكن شخص ذلك الحكم الذي كان ثابتاً سابقاً يزول؛ لأن الجزء المتعذر دخيل فيه، وله دخل بنحوٍ من الأنحاء في ثبوت هذا الحكم، فإذا زال أو تعذر هذا الجزء لابدّ أن يزول ذلك الحكم، والشك حينئذٍ لا يكون شكاً في البقاء، فجريان الاستصحاب حينئذٍ يكون مشكلاً. وهذا لا يتوقف ــــــــــ كما ذكرنا ـــــــــ على أن يكون الجزء المتعذر مقوماً للواجب أو غير مقوم للواجب.
من جهة أخرى: هو ذكر أنه إذا لم يرد بيان من قبل الشارع، فالأمر أوكل إلى العرف، والعرف هو الذي يحدد ما هو المقوم وما هو غير مقوم. يمكن أن يُدعى في المقام بأنه لا يوجد مورد لم يرد فيه بيان من قبل الشارع على تحديد الجزء المقوم وغير المقوم، فليس هناك مورد يمكن فيه فرض ما ذكره من أن الأمر أوكل إلى العرف في تحديد أن هذا مقوم و هذا غير مقوم، كل الموارد وارد فيها بيان شرعي، إما بيان بكون الشيء مقوم، وإما بيان بكون الشيء غير مقوم، لا أقصد بذلك أنه ورد دليل خاص يقول هذا مقوم وهذا غير مقوم، وإنما نعلم ذلك من الآثار ومن الأحكام الشرعية الواردة من قبل نفس الشارع.
بيان ذلك: في بعض الحالات يرِد بيان من قبل الشارع يدل على أن هذا مقوم وهذا غير مقوم، إذا لم يرد بيان يقول فيه هذا مقوم وهذا غير مقوم بصراحة، في هذه الحالة نقول أن إطلاق دليل الجزئية إذا تم ــــــــــ وقلنا سابقاً أنه في حد نفسه تام ــــــــــ يقول أن هذا الجزء جزء حتى في حالة التعذر، و هذا معناه أن الشارع يحكم بأن هذا الجزء المتعذر هو جزء مقوم للموضوع ومقوم للمركب بحيث أنه بانتفائه ينتفي المركب وينتفي وجوب المركب؛ لأنه مقوم للمركب ولا يجب الإتيان بالباقي؛ لأنه مقوم للمركب، فيُفهم من إطلاق دليل الجزئية إذا تم أن هذا الجزء مقوم؛ ولذا يسقط وجوب المركب بتعذر بعض أجزائه بناء على تمامية إطلاق دليل الجزئية، وإطلاق دليل الجزئية بيان من قبل الشارع يؤدي إلى أننا نحكم بأن هذا الجزء مقوم. إذا غضننا عن وجود إطلاق في دليل الجزئية؛ فحينئذٍ ننتقل المرحلة الثانية التي تقدم الحديث عنها؛ حينئذٍ نقول: نتمسك بإطلاق دليل الواجب المركب الذي يقول بأن هذا واجب في جميع الحالات حتى لو تعذر بعض أجزائه، هذا يؤدي إلى وجوب الإتيان بالباقي، ممّا يعني أن هذا الجزء ليس مقوماً لذلك المركب الاعتباري الشرعي، فالشارع يقول إذا تعذر هذا الجزء يجب الإتيان بالباقي، فيُفهم منه أن هذا الجزء ليس مقوماً، فلنفترض عدم وجود إطلاق في دليل الواجب ولا في دليل الجزئية؛ حينئذٍ تصل النوبة إلى الأصل العملي، والأصل العملي بيان من قبل الشارع، والأصل العملي كما تقدم سابقاً هو عبارة عن البراءة عن التعيين فيما لو ارتفع العذر في داخل الوقت؛ لأننا قلنا أن الأمر يدور بين الأقل والأكثر الارتباطيين بالبيان الذي ذكرناه سابقاً؛ لأن المكلف يعلم بأنه يجب عليه الإتيان بالتام بعد ارتفاع العذر، أو يجب عليه الجامع بين الناقص حين التعذر والتام بعد ارتفاع التعذر، فتجري البراءة لنفي التعيين بناءً على جريان البراءة في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين، فتجري البراءة لنفي التعيين، أي لا يُشترط الإتيان بالتام، فيجوز للمكلف الاكتفاء بالناقص، ونتيجته هي أن هذا الجزء ليس مقوماً. هذا إذا ارتفع العذر في داخل الوقت.
أما إذا ارتفع العذر في خارج الوقت، فقلنا هنا يحصل لدينا علم إجمالي دائر بين المتباينين ويكون منجزاً؛ لأن المكلف حينئذٍ يعلم بأنه إما يجب عليه الإتيان بالناقص في داخل الوقت، وإما يجب عليه الإتيان بالتام في خارج الوقت الذي هو عبارة عن القضاء، يعني إما يجب عليه الإتيان بالناقص إداءً، أو بالتام قضاءً، وهذان أمران متباينان العلم الإجمالي ينجز كلاً منهما، فيجب على المكلف الإتيان بالتام، ولو في خارج الوقت مما يعني أن الجزء مقوم للمركب. فيمكن أن يُدعى بأنه لا يوجد مورد خالٍ من بيان من البيانات الشرعية التي تبين، ولو باللوازم أن هذا مقوم أو غير مقوم، فلا يوجد مورد أوكل فيه الشارع الأمر إلى العرف، وبهذا حينئذٍ يمكن أن نقول أن الأمر ليس منوطاً بنظر العرف بالبيان الذي ذكرناه، مضافاً إلى أن ما يظهر من أن الملاك في التحديد العرفي هو الكم، كأنه يأخذ الكمية بنظر الاعتبار، واحد من عشرين يكون غير مقوم، ونصف من عشرين يكون مقوماً، بينما الكيف له دخل أيضاً بالنظر العرفي، بلحاظ المركبات العرفية الكيف له دخل في تحديد أن هذا مقوم أو ليس مقوماً وليس فقط الكم. والعمدة في مناقشة ما ذكره السيد الخوئي(قدس سره) هو الوجه الأول، وهو الذي يرى أنه حتى لو لم يكن الجزء مقوماً، فهو دخيل في ثبوت الحكم بنحوٍ من أنحاء الدخالة، وهذا يستلزم زوال الحكم وارتفاع الحكم بتعذره، فالشك لا يكون شكاً في بقاء الوجوب وإنما يكون شكاً في ثبوت وجوب آخر وفرد آخر من الوجوب.