36/01/21
تحمیل
الموضوع:- الكتاب الكريم - أدلة الاحتياط - الأصول العملية.
كان الكلام في الروايات التي اوردها الكليني (رحمه الله) في اصول الكافي في الباب الاول باب البيان والتعريف ولزوم الحجة وهذا العنوان ايضا اورده الصدوق (رحمه الله) في التوحيد والبرقي في المحاسن، وهذا الباب معهود في الكتب الحديثية، وفي هذا الباب توجد رواية معتبرة وهي (ان الله يحتج على الناس بما آتاهم)[1] وهي مروية في الكافي بطريقين معتبرين وايضا البرقي رواها بطريق ثالث ولسان آخر ومضمونه هو (لا شيء على العباد مالم يعلمون او ما لم يبين لهم).
ومفاد هذا الحديث (ان الله يحتج على الناس بما آتاهم) هو البراءة ولكن قيل ان هذا اللسان وان كان مفاده البراءة ولكنه لا يقف امام ادلة الاحتياط لو تمت دلالتها لان ادلة الاحتياط لو تمت دلالتها تكون إيتاءٌ من الله عز وجل فبالتالي يحتج عليهم بما آتاهم.
نعم لو كان لسان الدليل (ان الله يحتج على العباد على ما آتاهم) أي بدل (الباء) نضع (على) لكان المفاد اقوى فيقاوم ادلة الاحتياط.
والوجه في ذلك:- ان الظاهر من (على ما اتاهم) هو الوصول والورود المنجز على نفس الشيء بخلاف (بما اتاهم) فالباء هنا للتسبيب سواء الذي آتاهم ظاهري او الذي آتاهم واقعي هكذا قرر، وهذه التفرقة بين (الباء) و (على) تحتاج الى شواهد في الاستعمال ولكن على ايتي حال أنا لم استظهر هذه التفرقة، اذن اجمالا هذا مفاد الحديث، وايضا ( لا شيء على العباد حتى يعلمون) نفس الكلام فان مفاده البراءة ولكن لا يقاوم ادلة الاحتياط فيما لو تمت ادلة الاحتياط.
هذا تمام الكلام في ادلة البراءة وربما يقف الباحث على روايات اكثر دالة على البراءة، وتقدم ان جملة من الادلة تامة الدلالة على البراءة مثل حديث الرفع وحديث الحجب وحديث الحل وغيرها بعدما تقدم جملة من الآيات الدالة على البراءة وبعدما تقدم بحث الدليل العقلي ومر بنا انه بالنسبة الى البراءة العقلية ــ وهي التي يحكم بها العقل ــ هي مخصوصة بالغفلة والجهل المركب لا الجهل البسيط لان الجهل البسيط خاص بالبراءة العقلائية ان تم امضائها ولا براءة عقلية في الجهل البسيط بل في الجهل البسيط هناك مقتضي للتنجيز موجود وهو الاحتمال والاحتياط وهذا ملخص ما مر عقلا او كتابا او سنة.
ادلـــة الاحتيـــاط:-
إن ادلة الاحتياط التي تمسك بها الاخباريون قد خصصوها في موارد الشبهة التحريمية الحكمية دون بقية اقسام الشبهة يعني دون الشبهة الوجوبية ودون الشبهة الموضوعية ودون الشبهة التحريمة الموضوعية ودون موارد تعارض النصين او الدوران بين الوجوب والحرمة وهلم جرا، واستدلوا بجملة من الآيات وهذه الآيات لها السنٌ:-
الطائفة الاولى:- وهي ما دل على النهي والمنع عن القول بغير علم مثل ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [2]، ومثل ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [3] وتقفو من قفى قفو أي يتبع، ومثل ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾[4].
الطائفة الثانية:- ولسانها لا تلقوا بأيدكم الى التهلكة باعتبار ان موارد الشبهة تحتمل الحرمة والحرمة تهلكة أخروية أبدية فها هنا نهي عن الألقاء للنفس في التهلكة مثل ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾[5].
الطائفة الثالثة:- ولسانها هو الأمر بالجهاد وهو الجهاد الاكبر مثل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[6] والامر بالتقوى والوقاية يعني الحذر والاحتياط في موارد الشبهة مثل قوله تعالى ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾[7] وقوله تعالى ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾[8] وايضا قوله تعالى ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[9] وهذا اللسان يمكن ان يدرج في اللسان الثالث لكن لسانه جدا قوي وصاحب المعالم (رحمه الله) اورد البحث في هذه الآية الكريمة في بحث الالفاظ، فالحذر عن مخالفة الامر ليست هو نهي عن مخافة الأمر بل هذا مفروغ منه بل الحذر هو تجنب الوقوع في مخالفة الأمر، وبعض الاعلام يعتبرون هذا من اقوى الادلة على لزوم الاحتياط وليس مخصوص بالشبهة الوجوبية بل حتى التحريمية فالحذر يندرج في اللسان الثالث.
الجواب عن الطائفة الاولى:-
أولاً:- اناللسان الاول من الروايات مخصوصٌ بفعل الفقيه لا فعل المكلف فان القول والاسناد الى الله لا ربط له بفعل المكلف فالقول والاسناد شيء آخر، اذن لا صلة لها بفعل المكلف في نفسه أي في موارد الشبهة اعمل او لا ؟ ارتكب او لا؟.
ثانياً:- حتى لو سلمنا ان الانسان لا يرتكب عمل الا ولديه قول يستند اليه وليكن هذا ولكن الكلام ليس في القول بل في العمل نفسه فحكم القول شيء والعمل في نفسه شيء اخر، ومن ثم الذي يرتكب محاربة المؤمنين فانه.
تارة:- لأجل صفة الايمان والاتباع لأهل البيت (عليهم السلام) اعلانا وجهارا فهو إعلانٌ عن النصب والعداوة.
وتارة:- يقاتلهم لغرض دنيوي لا لأجل انهم مرتبطين باهل البيت (عليهم السلام) فهذا بحث آخر اما قتالهم لأجل انهم مرتبطين باهل البيت عليهم السلام فهذا اعلان للعداوة وللنصب لأهل البيت (عليهم السلام) فلا يكون حينئذ ناصبي مستتر لان حكم الناصبي المستتر غير حكم الناصبي المعلن، اذن المقصود ان كلامنا في العمل لا في القول.
ثالثاً:- اننا عندما نستند الى روايات البراءة او آيات البراءة فهو ليس قول بغير علم، بل هو قول بعلم وقول مستند الى آيات وروايات، اذن هذا اللسان من السنة الاحتياط لسانٌ تعليقي وليس لسان منجز أي معلق على عدم العلم وعدم المستند وعدم الدليل.
الجواب عن الطائفة الثانية:-
اما السان الثاني وهو النهي عن الألقاء بأيديكم الى التهلكة فقد اشكل عليه انه مع وجود البراءة والتامين الشرعي من البراءة فلا هلكة فان الهلكة الاخروية مؤمنة واما بالنسبة الى الهلكة الدنيوية يعني الضرر الدنيوي فهذه شبهة موضوعية وليست حكمية والكل متفق على جريان البراءة فيها وهذا تعريف جديد للشبهة الحكمية والموضوعية ان تم فهو لطيف أي الشبهة الحكمية أخروية والشبهة الموضوعية الدنيوية، واصلا هذا التعريف غير منضبط لان الشبهة الموضوعية سواء قلنا بجريان البراءة فيها او الاحتياط فان تبعاتها أخروية لا دنيوية كما ان العذاب الأخروي بلحاظ ارتكابه في الدنيا ليس هو شبهة موضوعي فهذا الضابط أي الضرر الأخروي شبهة حكمية والضرر الدنيوي شبهة موضوعية هذا غير منضبطة.
نعم في الجملة هو مقبول ولكنه بالجملة كلا، فهذه الضابطة غير منضبة للفرز والتمييز بين الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية، اذن على ايتي حال انهم قالوا اذا كان بلحاظ الضرر الأخروي فهو مؤمن واذا كان بلحاظ الضرر الدنيوي فهذا اول الكلام.
وبعبارة اخرى أنَّ لا تلقوا بأيديكم ظاهرةٌ في الهلكة المحققة او من غير أمان او من غير عذر اما مع وجود العذر او وجود التامين فلا هلكة في البين.
الجواب عن الطائفة الثالثة:-
اما اللسان الثالث فقد قالوا ان مع تقيد الانسان بالموازين سواء كانت نقلية او عقلي ليس هو خلاف التقوى، فان ألا تقوى هو ألا ميزان، لذا قالوا في الفقه ان الذي لا يلتزم بالاحتياط الوجوبي فانه محكوم بالظاهر بالفسق أي يعني غير متقيد بالموازين، لان مورد الاحتياط الوجوبي مفروض انه لا تجري فيه البراءة، فمع التقيد بالموازين فهو ليس خلاف التقوى فان خلاف التقوى اذا لم يتقيد بالموازين ومع وجود ادلة البراءة فلا خروج عن الموازين فهذا السان ايضا تعليقي يبقى في هذا السان الثالث في الآية الكريمة وهي ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ فالحذر هو الحيطة والاحتياط وهو لم يعبر في الآية (عن احتمال الأمر) او (عن العلم بالأمر) بل قال (فليحذر الذين يخالفون عن امره) يعني يا ايها المكلف إحذر ان تقع في واقع المخالفة للأمر، وهذا معناه انك لا بد ان تحتاط حتى لا تقع في واقع المخالفة للأمر.
ولكن يبقى سؤال هو انه كيف ينسجم هذا الاحتياط مع البراءة ؟
الجواب:- البعض اجاب بان المراد منه مثل قوله تعالى ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾[10]يعني ان الشيء ليس مجهول مشكوكٌ موضوعاً وحكماً بل هذا الشيء المحقق وهو الزنى لا تقترب من الامور التي تجعلك في معرض الوقوع فيه، لا انه شيء مجهول فان نفس الزنى محقق موضوعا وحكما ولكن المقدمات التي في معرض انزلاق المكلف في الوقوع في هذا الشيء المحقق يتجنبها لا انه نفس الزنى غير محقق، فلا يستفاد من الآية الاحتياط في موارد الشك في الزنى، وهنا كذلك في قوله تعالى﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ فهو أمرٌ محقق معلوم والمخالفة كيفيتها معلومة ولكن فليحذر الانسان الى ان ينزلق وينفلت في الوقوع في مخالفة الاوامر، لا ان المراد ان الأمر مشكوك والمخالفة مشكوكة وهذا الأمر المشكوك والمخالفة المشكوكة احتط ان تقع فيها. ومورد نزول الآية الذين يتسللون وفي الحرب يفرون وينكصون عن القيام بمسؤليتهم بحماية بيضة الدين والجهاد مع الرسول (صلى الله عليه واله) فيرمون بأنفسهم في المعاذير فيقعون في مخالفة هذا الواجب، هذا هو المقصود.
كان الكلام في الروايات التي اوردها الكليني (رحمه الله) في اصول الكافي في الباب الاول باب البيان والتعريف ولزوم الحجة وهذا العنوان ايضا اورده الصدوق (رحمه الله) في التوحيد والبرقي في المحاسن، وهذا الباب معهود في الكتب الحديثية، وفي هذا الباب توجد رواية معتبرة وهي (ان الله يحتج على الناس بما آتاهم)[1] وهي مروية في الكافي بطريقين معتبرين وايضا البرقي رواها بطريق ثالث ولسان آخر ومضمونه هو (لا شيء على العباد مالم يعلمون او ما لم يبين لهم).
ومفاد هذا الحديث (ان الله يحتج على الناس بما آتاهم) هو البراءة ولكن قيل ان هذا اللسان وان كان مفاده البراءة ولكنه لا يقف امام ادلة الاحتياط لو تمت دلالتها لان ادلة الاحتياط لو تمت دلالتها تكون إيتاءٌ من الله عز وجل فبالتالي يحتج عليهم بما آتاهم.
نعم لو كان لسان الدليل (ان الله يحتج على العباد على ما آتاهم) أي بدل (الباء) نضع (على) لكان المفاد اقوى فيقاوم ادلة الاحتياط.
والوجه في ذلك:- ان الظاهر من (على ما اتاهم) هو الوصول والورود المنجز على نفس الشيء بخلاف (بما اتاهم) فالباء هنا للتسبيب سواء الذي آتاهم ظاهري او الذي آتاهم واقعي هكذا قرر، وهذه التفرقة بين (الباء) و (على) تحتاج الى شواهد في الاستعمال ولكن على ايتي حال أنا لم استظهر هذه التفرقة، اذن اجمالا هذا مفاد الحديث، وايضا ( لا شيء على العباد حتى يعلمون) نفس الكلام فان مفاده البراءة ولكن لا يقاوم ادلة الاحتياط فيما لو تمت ادلة الاحتياط.
هذا تمام الكلام في ادلة البراءة وربما يقف الباحث على روايات اكثر دالة على البراءة، وتقدم ان جملة من الادلة تامة الدلالة على البراءة مثل حديث الرفع وحديث الحجب وحديث الحل وغيرها بعدما تقدم جملة من الآيات الدالة على البراءة وبعدما تقدم بحث الدليل العقلي ومر بنا انه بالنسبة الى البراءة العقلية ــ وهي التي يحكم بها العقل ــ هي مخصوصة بالغفلة والجهل المركب لا الجهل البسيط لان الجهل البسيط خاص بالبراءة العقلائية ان تم امضائها ولا براءة عقلية في الجهل البسيط بل في الجهل البسيط هناك مقتضي للتنجيز موجود وهو الاحتمال والاحتياط وهذا ملخص ما مر عقلا او كتابا او سنة.
ادلـــة الاحتيـــاط:-
إن ادلة الاحتياط التي تمسك بها الاخباريون قد خصصوها في موارد الشبهة التحريمية الحكمية دون بقية اقسام الشبهة يعني دون الشبهة الوجوبية ودون الشبهة الموضوعية ودون الشبهة التحريمة الموضوعية ودون موارد تعارض النصين او الدوران بين الوجوب والحرمة وهلم جرا، واستدلوا بجملة من الآيات وهذه الآيات لها السنٌ:-
الطائفة الاولى:- وهي ما دل على النهي والمنع عن القول بغير علم مثل ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [2]، ومثل ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [3] وتقفو من قفى قفو أي يتبع، ومثل ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾[4].
الطائفة الثانية:- ولسانها لا تلقوا بأيدكم الى التهلكة باعتبار ان موارد الشبهة تحتمل الحرمة والحرمة تهلكة أخروية أبدية فها هنا نهي عن الألقاء للنفس في التهلكة مثل ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾[5].
الطائفة الثالثة:- ولسانها هو الأمر بالجهاد وهو الجهاد الاكبر مثل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[6] والامر بالتقوى والوقاية يعني الحذر والاحتياط في موارد الشبهة مثل قوله تعالى ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾[7] وقوله تعالى ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾[8] وايضا قوله تعالى ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[9] وهذا اللسان يمكن ان يدرج في اللسان الثالث لكن لسانه جدا قوي وصاحب المعالم (رحمه الله) اورد البحث في هذه الآية الكريمة في بحث الالفاظ، فالحذر عن مخالفة الامر ليست هو نهي عن مخافة الأمر بل هذا مفروغ منه بل الحذر هو تجنب الوقوع في مخالفة الأمر، وبعض الاعلام يعتبرون هذا من اقوى الادلة على لزوم الاحتياط وليس مخصوص بالشبهة الوجوبية بل حتى التحريمية فالحذر يندرج في اللسان الثالث.
الجواب عن الطائفة الاولى:-
أولاً:- اناللسان الاول من الروايات مخصوصٌ بفعل الفقيه لا فعل المكلف فان القول والاسناد الى الله لا ربط له بفعل المكلف فالقول والاسناد شيء آخر، اذن لا صلة لها بفعل المكلف في نفسه أي في موارد الشبهة اعمل او لا ؟ ارتكب او لا؟.
ثانياً:- حتى لو سلمنا ان الانسان لا يرتكب عمل الا ولديه قول يستند اليه وليكن هذا ولكن الكلام ليس في القول بل في العمل نفسه فحكم القول شيء والعمل في نفسه شيء اخر، ومن ثم الذي يرتكب محاربة المؤمنين فانه.
تارة:- لأجل صفة الايمان والاتباع لأهل البيت (عليهم السلام) اعلانا وجهارا فهو إعلانٌ عن النصب والعداوة.
وتارة:- يقاتلهم لغرض دنيوي لا لأجل انهم مرتبطين باهل البيت (عليهم السلام) فهذا بحث آخر اما قتالهم لأجل انهم مرتبطين باهل البيت عليهم السلام فهذا اعلان للعداوة وللنصب لأهل البيت (عليهم السلام) فلا يكون حينئذ ناصبي مستتر لان حكم الناصبي المستتر غير حكم الناصبي المعلن، اذن المقصود ان كلامنا في العمل لا في القول.
ثالثاً:- اننا عندما نستند الى روايات البراءة او آيات البراءة فهو ليس قول بغير علم، بل هو قول بعلم وقول مستند الى آيات وروايات، اذن هذا اللسان من السنة الاحتياط لسانٌ تعليقي وليس لسان منجز أي معلق على عدم العلم وعدم المستند وعدم الدليل.
الجواب عن الطائفة الثانية:-
اما السان الثاني وهو النهي عن الألقاء بأيديكم الى التهلكة فقد اشكل عليه انه مع وجود البراءة والتامين الشرعي من البراءة فلا هلكة فان الهلكة الاخروية مؤمنة واما بالنسبة الى الهلكة الدنيوية يعني الضرر الدنيوي فهذه شبهة موضوعية وليست حكمية والكل متفق على جريان البراءة فيها وهذا تعريف جديد للشبهة الحكمية والموضوعية ان تم فهو لطيف أي الشبهة الحكمية أخروية والشبهة الموضوعية الدنيوية، واصلا هذا التعريف غير منضبط لان الشبهة الموضوعية سواء قلنا بجريان البراءة فيها او الاحتياط فان تبعاتها أخروية لا دنيوية كما ان العذاب الأخروي بلحاظ ارتكابه في الدنيا ليس هو شبهة موضوعي فهذا الضابط أي الضرر الأخروي شبهة حكمية والضرر الدنيوي شبهة موضوعية هذا غير منضبطة.
نعم في الجملة هو مقبول ولكنه بالجملة كلا، فهذه الضابطة غير منضبة للفرز والتمييز بين الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية، اذن على ايتي حال انهم قالوا اذا كان بلحاظ الضرر الأخروي فهو مؤمن واذا كان بلحاظ الضرر الدنيوي فهذا اول الكلام.
وبعبارة اخرى أنَّ لا تلقوا بأيديكم ظاهرةٌ في الهلكة المحققة او من غير أمان او من غير عذر اما مع وجود العذر او وجود التامين فلا هلكة في البين.
الجواب عن الطائفة الثالثة:-
اما اللسان الثالث فقد قالوا ان مع تقيد الانسان بالموازين سواء كانت نقلية او عقلي ليس هو خلاف التقوى، فان ألا تقوى هو ألا ميزان، لذا قالوا في الفقه ان الذي لا يلتزم بالاحتياط الوجوبي فانه محكوم بالظاهر بالفسق أي يعني غير متقيد بالموازين، لان مورد الاحتياط الوجوبي مفروض انه لا تجري فيه البراءة، فمع التقيد بالموازين فهو ليس خلاف التقوى فان خلاف التقوى اذا لم يتقيد بالموازين ومع وجود ادلة البراءة فلا خروج عن الموازين فهذا السان ايضا تعليقي يبقى في هذا السان الثالث في الآية الكريمة وهي ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ فالحذر هو الحيطة والاحتياط وهو لم يعبر في الآية (عن احتمال الأمر) او (عن العلم بالأمر) بل قال (فليحذر الذين يخالفون عن امره) يعني يا ايها المكلف إحذر ان تقع في واقع المخالفة للأمر، وهذا معناه انك لا بد ان تحتاط حتى لا تقع في واقع المخالفة للأمر.
ولكن يبقى سؤال هو انه كيف ينسجم هذا الاحتياط مع البراءة ؟
الجواب:- البعض اجاب بان المراد منه مثل قوله تعالى ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾[10]يعني ان الشيء ليس مجهول مشكوكٌ موضوعاً وحكماً بل هذا الشيء المحقق وهو الزنى لا تقترب من الامور التي تجعلك في معرض الوقوع فيه، لا انه شيء مجهول فان نفس الزنى محقق موضوعا وحكما ولكن المقدمات التي في معرض انزلاق المكلف في الوقوع في هذا الشيء المحقق يتجنبها لا انه نفس الزنى غير محقق، فلا يستفاد من الآية الاحتياط في موارد الشك في الزنى، وهنا كذلك في قوله تعالى﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ فهو أمرٌ محقق معلوم والمخالفة كيفيتها معلومة ولكن فليحذر الانسان الى ان ينزلق وينفلت في الوقوع في مخالفة الاوامر، لا ان المراد ان الأمر مشكوك والمخالفة مشكوكة وهذا الأمر المشكوك والمخالفة المشكوكة احتط ان تقع فيها. ومورد نزول الآية الذين يتسللون وفي الحرب يفرون وينكصون عن القيام بمسؤليتهم بحماية بيضة الدين والجهاد مع الرسول (صلى الله عليه واله) فيرمون بأنفسهم في المعاذير فيقعون في مخالفة هذا الواجب، هذا هو المقصود.