33/07/06
تحمیل
الموضوع: حجية العقل
كان الكلام في حجية العقل وانتهى بنا الكلام الى تفسير حجية العقل بالملازمة وتقدم ان حجية العقل لاينحصر تفسيرها بالملازمة وان أحد تفسيرات حجية العقل بالملازمة وهي كلما حكم به العقل العملي حكم به الشرع وقد ذكرنا لذلك تقريبات ثلاثة عند الأعلام وهناك تقريبات اخرى سنستدركها فيما بعد
ونلفت الآن الى بيان آخر لهذه التقريبات وهو ان الزاجر والدافع لتشريع الأحكام الشرعية هو العقل العملي كما ثبت في محله فعندما يدرك العقل واقعيات الامور ويزجر عنها اذا كانت مفسدة أو يبعث نحوها اذا كانت مصلحة مع الالتفات الى ان البحث في دائرة البديهيات فحينئذ اذا كان الزاجر والدافع هو العقل فكيف الشارع يحكم بحكم يستلزم التدافع مع العقل والحال ان العقل هو الذي يسيّر ذات الانسان بل هو من آثار الحكم الشرعي
وهذا ليس بتقريب آخر الاّ انه يرجع الى احدى التقريبات السابقة وهو وجه من الوجوه
ثم تأتي نوبة الكلام على الملازمة بالمعنى الثاني وهو كل ماحكم به العقل النظري حكم به الشرع، فالصحيح ان سيرة الفقهاء وبقية العلوم الانسانية لاسيما الإمامية يبنون على ان العقل النظري اذا حكم بشيئ حكم به الشرع
وهناك مقدمة لهذا البحث وهو وجود علاقة وطيدة بين العقل العملي والعقل النظري وللأسف لم نشرحها من قبل وسنعاود البحث فيها بعد الفراغ من الملازمات الثلاث
وهذه الملازمات الثلاثة عبارة عن
أولا: كلما حكم به العقل العملي حكم به الشرع
ثانيا: كلما حكم به العقل النظري حكم به الشرع
ثالثا: كلما حكم به الشرع حكم به العقل العملي والعقل النظري
والملازمة الثالثة هي عكس الملازمتين
ونعود الى هذا المطلب وهو ان كلما حكم به العقل النظري به العقل فحسب ماتقدم بيانه انه ليس المراد من العقل العملي والعقل النظري هو القضية التي يحكم بها العقل
ابن سينا ومن ثم الخواجة وبقية أعلام فلاسفة الامامية وصولاً الى الكمبانب والمظفر فسروا العقل العملي والعقل النظري بالقضية التي يحكم بها العقل فالقضية اذا ارتبطت بالعمل فيكون العقل عملي ينبغي فعله واما اذا لم ترتبط القضية بالعمل كالوجود والاثبات فهذا هو العقل النظري فتمييز النظري عن العملي بالقضية التي يحكم بها العقل
ومن ثم فالصدق مما ينبغي ارتكابه والكذب مما ينبغي إجتنابه هو من العقل العملي وهذا المييز إجمالا صحيح
ولكن يؤاخذ على ابن سينا بانه هناك توجد ميزات اخرى أهم في نفس القوتين للعقل العملي والنظري
وميزة اخرى ان المحمول في قضية العقل العملي ليس مفهوم ولو كان هو مفهوم وعمل
فالقضية في العقل العملي محمولها ليس مفهوم بل محموله عمل فحكم العقل العملي تكويني وليس حكم العقل العملي مفهومي تنظيري، وهذه ميزة اخرى في العقل العملي
وكما في بيان الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) العقل ما عُبد به الرحمن واكتسب به الجنان فهو من العمل وهذه الميزة للعقل العملي عن النظري
لذا ما صورة ابن سينا والخواجة نصير الين الطوسي والكمبانب والمظفر من العقل العملي هو في الحقيقة عقل نظري وليس من العقل العملي
ونقطة اخرى ذكرها الفلاسفة والمتكلمين وهي مطابقة لمنهج الوحي الالهي وهي ان العقل العملي يمكن ان يدرك الحكمة النظرية ويمكن ان يدرك الحكمة العملية فيمكنه ان يدرك من اقصى التوحيد الى النبوة والامامة والمعاد ويدرك جملة من براهين التوحيد عند القدماء على اختلاف مشاربهم كمنهج الانبياء بينما ابن سينا الغى كل هذه الأدلة تبعا للانبياء فالعقل العملي ليس حوزة مدركاته العمليات خلافا لما يتوهم
فسمي العقل العملي بالعملي لأن محموله دائما فيه سير وحركة ولوكان تالحركة علمية وملكوته فالحب هو التقرب الى الله وعدم الحب يعني الكفر والابتعاد قال له اقبل فأقبل أما العقل النظري فهو التقاط صور فقط
فمتعلقات العقل العملي ليس فقط العمليات كما توهمه ابن سينا بل محموله عمل سواء كان موضوع عمل أو موضوعه وجود فطبيعته الإنجذاب نحو الكمال في كل مراتب درجاته وينفر عن النقص لان النقص مشوه وقبيح ونتن وهذا هو المائز
كما ان العقل النظري ليس المائز فيه ان يكون متعلقه الوجود والاّ وجود بل حتى لو كان متعلقه امور عملية فاذا نظرت اليه من جهة ثبوت هذه الامور العملية وعدم ثبوتها فهو من العقل النظري وهو جمود وانعكاس
وليست حوزة العقل النظري ودائرة معلوماته ومدركاته خصوص الحكمة النظرية بل يشمل حتى الحكمة العملية ونفس ابن سينا لايمكنه ان يتنكر لارتكازة فيوافق القدماء
وان التقريب الذي ذكره ابن سينا والخواجة نصير الدين الطوسي والكمباني والمظفر ليس هو تقريب للعقل العملي بل هو للعقل النظري اذا ادرك العمليات فحتى في أكبر الامور النظرية وهي ادراك الواقعية الازلية الأبدية المطلقة فالعقل العملي يقول ان هذه المعلومة الأكبر لها العمل وهو الأيمان بها والتسليم بها والانقياد وهو عمل علمي
وكما قال الامام الصادق (عليه السلام) الايمان عمل كله بل ان أكبر قوام الايمان وهو الاذعان بوجود الله تعالى هو عمل
فكلما حكم به العقل النظري حكم به الشرع سواء كانت مدركاته عمليات أو نظريات لابالتقريب الذي ذكره ابن سينا او الخواجة او الكمباني أو المظفر فبعض تلك التقريبات تأتي هنا مثلا ان بديهيات العقل النظري وحي فطري ونفسه يأتي بالعقل النظري ويلزم منه التناقض وان كان العقل العملي أشرف من العقل النظري