35/11/10
تحمیل
الموضـوع:- مسألة (
431 ) / الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
وأما الوجه الرابع - أعني ما دلّ على لزوم الاعادة في حقّ من خالف الترتيب - فيرد عليه ما أشرنا إليه سابقاً:- من أنّ كلمة ( أعد ) غاية ما يستفاد منها هو الارشاد إلى بطلان ما سبق، يعني أنّ ما سبق فاقدٌ للشرط أمّا أنّ الإعادة لازمة تكليفاً أو لا فهذا يتفرّع على الأمر السابق، فإذا كان الأمر السابق وجوبياً فالإعادة تكون واجبة وإذا لم يكن وجوبياً لم تكن واجبة، فلو فرض أنّ شخصاً سأل وقال:- ( رجلٌ صلّى صلاة الظهر من دون وضوء - إمّا عامداً أو ناسياً - ) فأجابه عليه السلام بأنه يعيد استفدنا من ذلك لزوم الاعادة وأنّ الطهارة شرطٌ في صحّة الواجب، وأمّا إذا سأل الشخص وقال:- ( رجلٌ صلّى النافلة بلا وضوء ) فأجاب عليه السلام بقوله ( يعيد ) فإنّ غاية ما نستفيده هو أنّ الطهارة شرطٌ في النافلة أيضاً وأنها واجبة بالوجوب الشرطي أي هي شرطٌ في صحة النافلة أمّا أنّ الاعادة لازمةٌ تكليفاً فلا يمكن أن نستفيد ذلك.
إذن كلمة ( يعيد ) وما هو بمعناها لا يمكن أن نستفيد منها الوجوب التكليفي حتى يتفرّع على ذلك أنّ الترتيب في مقامنا واجبٌ، كلّا فلعلّ الترتيب في مقامنا ليس بواجبٍ ولكن مع ذلك أمر الإمام بالإعادة من باب أنّ الترتيب شرطٌ في الفضيلة، فلأجل ادراك تلك الفضيلة يلزمه حينئذٍ الإعادة، فالإعادة تصير واجبة بالوجوب الشرطي أي إنَّ شرط حصول الثواب والفضيلة هو ذلك.
وبالجملة:- إنّ كلمة ( يعيد ) وما رادفها متفرّعة في دلالتها على اللزوم وعدمه على ملاحظة الأمر السابق وأمّا هي بنفسها من دون ملاحظة الأمر السابق فدلالتها عائمة وغائمة، وهذه قضيّة نبهنا عليها سابقاً وهي سيّالة يمكن تطبيقها في موارد متعدّدة.
ومن خلال هذا كلّه اتضح أنّ جميع الأدلة الأربعة التي استدل بها الأعلام على وجوب الترتيب في الرمي قابلة للمناقشة.
والأجدر:- التمسّك بالبيان الذي أشرنا إليه مراراً وذلك بأن يقال:- إنّ المسألة ابتلائية، وابتلائية المسألة - وهذا واضح - تستدعي وضوح حكمها - وهذه ايضاً قضية واضحة لا تحتاج إلى دليل - وذلك الحكم الواضح يلزم أن يكون هو المنعكس على فتاوى الفقهاء، فلا يحتمل أنّ ذلك الحكم الواضح يكون هو استحباب الترتيب ولكن المنعكس على الفقهاء جميعاً هو وجوب الترتيب فإنّ هذا هو خلف كون الحكم واضحاً، وحيث إنّه في مقامنا لم يُنقَل الخلاف في لزوم الترتيب فيدلّ ذلك على أنّ الحكم الواضح بين أصحاب الأئمة عليهم السلام هو لزوم الترتيب، وبذلك يثبت المطلوب.
النقطة الثانية:- إنّ من خالف الترتيب عن عمدٍ لزمته الاعادة بما يحصل معه الترتيب.
والحكم من هذه الناحية لم ينقل فيه خلافٌ بين الأصحاب، قال في الجواهر:- ( بلا خلافٍ ولا إشكال بل الاجماع بقسميه عليه )[1] . وقريب من ذلك ذكر في المدارك[2].
أمّا ما هو الوجه في ذلك ؟
والجواب:- إنّه أمران:-
الأوّل:- اقتضاء القاعدة، فإن الترتيب لما كان لازماً ولم يحققه المكلف فيلزمه أن يعيد لتحصيل ما هو الواجب، والمفروض إمكان إدراك الواجب والاتيان به على وجهه . إذن نفس القاعدة تقتضي لزوم الاعادة بلا حاجة إلى دليل.
الثاني:- إنه يوجد الدليل المؤكّد للقاعدة، من قبيل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال:- ( قلت له:- الرجل يرمي الجمار منكوسةً، قال:- يعيدها على الوسطى وجمرة العقبة )[3]، بتقريب:- أن مورد هذه الصحيحة إمّا خصوص الناسي أو الأعم منه ولا شق ثالث في البين، فعلى الأوّل تدل آنذاك على المطلوب بالفحوى - أي بالأولويّة -، وعلى الثاني يثبت المطلوب بلا حاجة إلى ضم مقدمةٍ.
ويدلّ على ذلك أيضاً صحيحة مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في رجلٍ نسي رمي الجمار يوم الثاني فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى ويؤخر ما رمى بما رمى فيرمي الوسطى ثم جمرة العقبة )[4] ودلالتها واضحة ولكن في التعبير ارتباك، وإذا رجعنا إلى التهذيب وجدنا العبارة هكذا:- ( قال:- يؤخّر ما رمى فيرمي الجمرة الوسطى ثم جمرة العقبة )[5]، وفي الكافي هكذا:- ( يؤخّر ما رمى بما رمى ويرمي الوسطى ثم جمرة العقبة )[6]، وعلى أيّ حال المقصود واضح ولا مشكلة من هذه الناحية . وعلى هذا المنوال صحيحة الحلبي[7] وصحيحة معاوية الاخرة.
إذن الحكم لا خلاف فيه لاقتضاء القاعدة والروايات لذلك . وقد أشار إلى هذين الدليلين - أي القاعدة والروايات - صاحب الجواهر والمدارك في المصدرين المذكورين، والأمر سهلٌ.
النقطة الثالثة:- إنّ لزوم الاعادة لا يختص بالعامد بل يعمّ الناسي والجاهل أيضاً، قال في الجواهر:- ( بلا خلاف ولا إشكال بل الاجماع بقسميه عليه )[8].
والوجه في لزوم الاعادة هو نفس ما تقدّم فإن القاعدة تقتضي لزوم الإعادة مادام الإدراك ممكناً والروايات شاملة للناسي والجاهل إمّا بإطلاقها كما في الرواية الأولى - أي صحيحة معاوية بن عمّار - فإنها تشمل الجاهل والناسي بإطلاقها أو بموردها كما في صحيحة مسمع فإن موردها هو الناسي، نعم هي لا تشمل الجاهل ولكن ربما يقال يعمّم ذلك إليه باعتبار الأولويّة فيقال إنّ الناسي الذي هو أشد عذاراً من الجاهل فإذا كان الناسي ليس بمعذورٍ فبالأولويّة يشمل الجاهل.
وعلى أيّ حال سواء كانت هناك أولويّة أم لم تكن فبالتالي يوجد عندنا إطلاقُ روايةٍ فنتمسّك به - وهو اطلاق صحيحة معاوية السابقة - مضافاً إلى اقتضاء القاعدة .
نعم قد يشكل ويقال:- إنه عندنا بعض الروايات التي تدلّ على أنَّ الناسي والجاهل معذورٌ، ونقصد بذلك صحيحتي محمد بن حمران وصحيحة جميل حيث دلتا على أنّه جاء قومٌ إلى النبي صلى الله عليه وآله يوم النحر وقدّموا ما أخّروا وأخّروا ما قدّموا وأجاب صلى الله عليه وآله وقال ( لا حرج ) ونصّ رواية جميل هكذا:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال:- لا ينبغي إلّا أن يكون ناسياً، ثم قال:- إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناه أناس يوم النحر فقال بعضهم يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخّوه إلّا قدّموه، فقال:- لا حرج )[9]، وعلى منوالها صحيحة محمد بن حمران[10]، بتقريب:- أنّ هذه الرواية أعطت ضابطاً عامّاً وأنّ الناسي والجاهل لو خالفوا الترتيب فلا حرج عليهم، ومورد الرواية وإن كان هو الناسي لأن الإمام في البداية قال ( لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً ) ثم استشهد بجواب الرسول صلى الله عليه وآله وحيث إنّ الذين جاءوا إلى الرسول لا يحتمل أنهم بأجمعهم كانوا ناسين بل حتماً كانت فيهم شريحة كبيرة جاهلين، فإذن يثبت الحكم في الناسي وفي الجاهل معاً وبذلك يثبت المطلوب، وعليه فتكون هذه الرواية معارضة للصحيحتين السابقتين الدالّتين على لزوم الإعادة.
وقد يجاب عن ذلك:- بأنّ هذه الصحيحة ناظرة إلى أفعال الحج، فالأفعال لو حصل فيها مخالفة للترتيب لا حرج، ومعلومٌ أنّ الرمي في اليوم الحادي عشر الثاني عشر هو خارجٌ من أفعال الحجّ، نعم رمي جمرة العقبة يوم العاشر هو من أفعال الحجّ أمّا الرمي في اليومين اللذين هما بعد اليوم العاشر فليس جزءاً من الحجّ فلا يكون مشمولاً لهذه القاعدة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وآله.
إذن يرتفع بذلك التنافي . فإذن في باب أفعال الحجّ لا تجب الإعادة وفي غير أفعال الحجّ والذي منه الرمي في اليومين تجب الإعادة ولا محذور في ذلك.
أمّا كيف نثبت أن صحيحة جميل ناظرة إلى أفعال الحجّ فهي لم تصرّح بذلك لأنها قالت:- ( عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال:- لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً ) ثم قال عليه السلام ( إن رسول لله صلى الله عليه وآله ...... فقال:- لا حرج )، فقد تسأل وتقول:- من أين هذا التخصيص بأفعال الحجّ ؟
والجواب:- توجد قرينة - اطمئنانية أو ظنيّة - وهي عبارة ( يوم النحر )، فهي إذن ناظرة إلى الأفعال التي هي قبل يوم النحر وفي يوم النحر أمّا الأفعال التي هي بعد يوم النحر والتي منها الرمي في اليومين فالرواية ليست ناظرة إليها . فإذن لا يمكن أن نستفيد من هذه الرواية التعميم لغير أفعال الحجّ، وهذه نكتة ظريفة.
ويردّه:- إنّه لا نحتمل الخصوصيّة من هذه الناحية، فإنه عليه السلام قال ( لا حرج ) من باب أنّه هم عندهم عذر - يعني نسيان أو جهل - فاحتمال الخصوصيّة لأفعال الحجّ شيء بعيد، نعم إنَّ موردها ذلك ولكن هذا لا يدلّ على اختصاصها بذلك، فالأولى أن يجاب:- بأنَّ المورد من موارد التخصيص أو التقييد فلا مشكلة، يعني صحيح أنّ النبي صلى الله عليه وآله أعطى قاعدةً عامّةً ولكن هذا عامٌّ قابل للتخصيص، فالروايات السابقة المذكورة في النقطة الثانية تخصّص وتخرج الرمي في اليومين . إذن لا مشكلة من هذه الناحية بعدما فرض أنّ المورد من موارد التخصيص وليس من موارد المعارضة المستقرة التي لا يمكن فيها الجمع العرفي.
وأما الوجه الرابع - أعني ما دلّ على لزوم الاعادة في حقّ من خالف الترتيب - فيرد عليه ما أشرنا إليه سابقاً:- من أنّ كلمة ( أعد ) غاية ما يستفاد منها هو الارشاد إلى بطلان ما سبق، يعني أنّ ما سبق فاقدٌ للشرط أمّا أنّ الإعادة لازمة تكليفاً أو لا فهذا يتفرّع على الأمر السابق، فإذا كان الأمر السابق وجوبياً فالإعادة تكون واجبة وإذا لم يكن وجوبياً لم تكن واجبة، فلو فرض أنّ شخصاً سأل وقال:- ( رجلٌ صلّى صلاة الظهر من دون وضوء - إمّا عامداً أو ناسياً - ) فأجابه عليه السلام بأنه يعيد استفدنا من ذلك لزوم الاعادة وأنّ الطهارة شرطٌ في صحّة الواجب، وأمّا إذا سأل الشخص وقال:- ( رجلٌ صلّى النافلة بلا وضوء ) فأجاب عليه السلام بقوله ( يعيد ) فإنّ غاية ما نستفيده هو أنّ الطهارة شرطٌ في النافلة أيضاً وأنها واجبة بالوجوب الشرطي أي هي شرطٌ في صحة النافلة أمّا أنّ الاعادة لازمةٌ تكليفاً فلا يمكن أن نستفيد ذلك.
إذن كلمة ( يعيد ) وما هو بمعناها لا يمكن أن نستفيد منها الوجوب التكليفي حتى يتفرّع على ذلك أنّ الترتيب في مقامنا واجبٌ، كلّا فلعلّ الترتيب في مقامنا ليس بواجبٍ ولكن مع ذلك أمر الإمام بالإعادة من باب أنّ الترتيب شرطٌ في الفضيلة، فلأجل ادراك تلك الفضيلة يلزمه حينئذٍ الإعادة، فالإعادة تصير واجبة بالوجوب الشرطي أي إنَّ شرط حصول الثواب والفضيلة هو ذلك.
وبالجملة:- إنّ كلمة ( يعيد ) وما رادفها متفرّعة في دلالتها على اللزوم وعدمه على ملاحظة الأمر السابق وأمّا هي بنفسها من دون ملاحظة الأمر السابق فدلالتها عائمة وغائمة، وهذه قضيّة نبهنا عليها سابقاً وهي سيّالة يمكن تطبيقها في موارد متعدّدة.
ومن خلال هذا كلّه اتضح أنّ جميع الأدلة الأربعة التي استدل بها الأعلام على وجوب الترتيب في الرمي قابلة للمناقشة.
والأجدر:- التمسّك بالبيان الذي أشرنا إليه مراراً وذلك بأن يقال:- إنّ المسألة ابتلائية، وابتلائية المسألة - وهذا واضح - تستدعي وضوح حكمها - وهذه ايضاً قضية واضحة لا تحتاج إلى دليل - وذلك الحكم الواضح يلزم أن يكون هو المنعكس على فتاوى الفقهاء، فلا يحتمل أنّ ذلك الحكم الواضح يكون هو استحباب الترتيب ولكن المنعكس على الفقهاء جميعاً هو وجوب الترتيب فإنّ هذا هو خلف كون الحكم واضحاً، وحيث إنّه في مقامنا لم يُنقَل الخلاف في لزوم الترتيب فيدلّ ذلك على أنّ الحكم الواضح بين أصحاب الأئمة عليهم السلام هو لزوم الترتيب، وبذلك يثبت المطلوب.
النقطة الثانية:- إنّ من خالف الترتيب عن عمدٍ لزمته الاعادة بما يحصل معه الترتيب.
والحكم من هذه الناحية لم ينقل فيه خلافٌ بين الأصحاب، قال في الجواهر:- ( بلا خلافٍ ولا إشكال بل الاجماع بقسميه عليه )[1] . وقريب من ذلك ذكر في المدارك[2].
أمّا ما هو الوجه في ذلك ؟
والجواب:- إنّه أمران:-
الأوّل:- اقتضاء القاعدة، فإن الترتيب لما كان لازماً ولم يحققه المكلف فيلزمه أن يعيد لتحصيل ما هو الواجب، والمفروض إمكان إدراك الواجب والاتيان به على وجهه . إذن نفس القاعدة تقتضي لزوم الاعادة بلا حاجة إلى دليل.
الثاني:- إنه يوجد الدليل المؤكّد للقاعدة، من قبيل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال:- ( قلت له:- الرجل يرمي الجمار منكوسةً، قال:- يعيدها على الوسطى وجمرة العقبة )[3]، بتقريب:- أن مورد هذه الصحيحة إمّا خصوص الناسي أو الأعم منه ولا شق ثالث في البين، فعلى الأوّل تدل آنذاك على المطلوب بالفحوى - أي بالأولويّة -، وعلى الثاني يثبت المطلوب بلا حاجة إلى ضم مقدمةٍ.
ويدلّ على ذلك أيضاً صحيحة مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في رجلٍ نسي رمي الجمار يوم الثاني فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى ويؤخر ما رمى بما رمى فيرمي الوسطى ثم جمرة العقبة )[4] ودلالتها واضحة ولكن في التعبير ارتباك، وإذا رجعنا إلى التهذيب وجدنا العبارة هكذا:- ( قال:- يؤخّر ما رمى فيرمي الجمرة الوسطى ثم جمرة العقبة )[5]، وفي الكافي هكذا:- ( يؤخّر ما رمى بما رمى ويرمي الوسطى ثم جمرة العقبة )[6]، وعلى أيّ حال المقصود واضح ولا مشكلة من هذه الناحية . وعلى هذا المنوال صحيحة الحلبي[7] وصحيحة معاوية الاخرة.
إذن الحكم لا خلاف فيه لاقتضاء القاعدة والروايات لذلك . وقد أشار إلى هذين الدليلين - أي القاعدة والروايات - صاحب الجواهر والمدارك في المصدرين المذكورين، والأمر سهلٌ.
النقطة الثالثة:- إنّ لزوم الاعادة لا يختص بالعامد بل يعمّ الناسي والجاهل أيضاً، قال في الجواهر:- ( بلا خلاف ولا إشكال بل الاجماع بقسميه عليه )[8].
والوجه في لزوم الاعادة هو نفس ما تقدّم فإن القاعدة تقتضي لزوم الإعادة مادام الإدراك ممكناً والروايات شاملة للناسي والجاهل إمّا بإطلاقها كما في الرواية الأولى - أي صحيحة معاوية بن عمّار - فإنها تشمل الجاهل والناسي بإطلاقها أو بموردها كما في صحيحة مسمع فإن موردها هو الناسي، نعم هي لا تشمل الجاهل ولكن ربما يقال يعمّم ذلك إليه باعتبار الأولويّة فيقال إنّ الناسي الذي هو أشد عذاراً من الجاهل فإذا كان الناسي ليس بمعذورٍ فبالأولويّة يشمل الجاهل.
وعلى أيّ حال سواء كانت هناك أولويّة أم لم تكن فبالتالي يوجد عندنا إطلاقُ روايةٍ فنتمسّك به - وهو اطلاق صحيحة معاوية السابقة - مضافاً إلى اقتضاء القاعدة .
نعم قد يشكل ويقال:- إنه عندنا بعض الروايات التي تدلّ على أنَّ الناسي والجاهل معذورٌ، ونقصد بذلك صحيحتي محمد بن حمران وصحيحة جميل حيث دلتا على أنّه جاء قومٌ إلى النبي صلى الله عليه وآله يوم النحر وقدّموا ما أخّروا وأخّروا ما قدّموا وأجاب صلى الله عليه وآله وقال ( لا حرج ) ونصّ رواية جميل هكذا:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال:- لا ينبغي إلّا أن يكون ناسياً، ثم قال:- إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناه أناس يوم النحر فقال بعضهم يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخّوه إلّا قدّموه، فقال:- لا حرج )[9]، وعلى منوالها صحيحة محمد بن حمران[10]، بتقريب:- أنّ هذه الرواية أعطت ضابطاً عامّاً وأنّ الناسي والجاهل لو خالفوا الترتيب فلا حرج عليهم، ومورد الرواية وإن كان هو الناسي لأن الإمام في البداية قال ( لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً ) ثم استشهد بجواب الرسول صلى الله عليه وآله وحيث إنّ الذين جاءوا إلى الرسول لا يحتمل أنهم بأجمعهم كانوا ناسين بل حتماً كانت فيهم شريحة كبيرة جاهلين، فإذن يثبت الحكم في الناسي وفي الجاهل معاً وبذلك يثبت المطلوب، وعليه فتكون هذه الرواية معارضة للصحيحتين السابقتين الدالّتين على لزوم الإعادة.
وقد يجاب عن ذلك:- بأنّ هذه الصحيحة ناظرة إلى أفعال الحج، فالأفعال لو حصل فيها مخالفة للترتيب لا حرج، ومعلومٌ أنّ الرمي في اليوم الحادي عشر الثاني عشر هو خارجٌ من أفعال الحجّ، نعم رمي جمرة العقبة يوم العاشر هو من أفعال الحجّ أمّا الرمي في اليومين اللذين هما بعد اليوم العاشر فليس جزءاً من الحجّ فلا يكون مشمولاً لهذه القاعدة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وآله.
إذن يرتفع بذلك التنافي . فإذن في باب أفعال الحجّ لا تجب الإعادة وفي غير أفعال الحجّ والذي منه الرمي في اليومين تجب الإعادة ولا محذور في ذلك.
أمّا كيف نثبت أن صحيحة جميل ناظرة إلى أفعال الحجّ فهي لم تصرّح بذلك لأنها قالت:- ( عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال:- لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً ) ثم قال عليه السلام ( إن رسول لله صلى الله عليه وآله ...... فقال:- لا حرج )، فقد تسأل وتقول:- من أين هذا التخصيص بأفعال الحجّ ؟
والجواب:- توجد قرينة - اطمئنانية أو ظنيّة - وهي عبارة ( يوم النحر )، فهي إذن ناظرة إلى الأفعال التي هي قبل يوم النحر وفي يوم النحر أمّا الأفعال التي هي بعد يوم النحر والتي منها الرمي في اليومين فالرواية ليست ناظرة إليها . فإذن لا يمكن أن نستفيد من هذه الرواية التعميم لغير أفعال الحجّ، وهذه نكتة ظريفة.
ويردّه:- إنّه لا نحتمل الخصوصيّة من هذه الناحية، فإنه عليه السلام قال ( لا حرج ) من باب أنّه هم عندهم عذر - يعني نسيان أو جهل - فاحتمال الخصوصيّة لأفعال الحجّ شيء بعيد، نعم إنَّ موردها ذلك ولكن هذا لا يدلّ على اختصاصها بذلك، فالأولى أن يجاب:- بأنَّ المورد من موارد التخصيص أو التقييد فلا مشكلة، يعني صحيح أنّ النبي صلى الله عليه وآله أعطى قاعدةً عامّةً ولكن هذا عامٌّ قابل للتخصيص، فالروايات السابقة المذكورة في النقطة الثانية تخصّص وتخرج الرمي في اليومين . إذن لا مشكلة من هذه الناحية بعدما فرض أنّ المورد من موارد التخصيص وليس من موارد المعارضة المستقرة التي لا يمكن فيها الجمع العرفي.