35/12/06
تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 436
)/ الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
وأما الحكم الثالث - أعني أنه لو انتقل إلى خارج مكة فلا يلزمه العود –:- فهو حكم على طبق القاعدة ، بمعنى أنّه لو لم توجد لدينا رواية تدلّ على عدم لزوم العود وسوف نذكر أنه توجد رواية ولكن لو لم توجد رواية فالقاعدة تقتضي عدم لزوم العود؛ لأن الواجب هو الرمي في أحد اليومين وهذا قد سقط أمره بسبب النسيان والوجوب من ثانيةً يحتاج إلى دليل وحيث إنّه لا دليل على وجوب العود - هكذا نفترض - فلا موجب للعود بمقتضى القاعدة ، بل ولا موجب للقضاء في السنة الثانية أيضاً ، ويؤكد هذه القاعدة صحيحة معاوية فإنه ورد في ذيلها ذلك حيث ذكر فيها ما نصّه:- ( قلت فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج ، قال:- ليس عليه أن يعيد )[1].
يبقى أنّه في السنة الآتية هل يقضي بنفسه أو بنائبه ؟
ذكرنا أنّ القاعدة تقتضي العدم ن ولكن جاء في رواية عمر بن يزيد المتقدّمة ذلك فإنه ورد فيها:- ( من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل فإن لم يحج رمى عنه وليّه فإن لم يكن له وليّ استعان برجلٍ من المسلمين )[2].
إذن الرواية واضحة الدلالة على أنّ من لم يرمِ حتّى انقضت أيام التشريق عليه القضاء في العام المقبل بنفسه أو بنائبه والمدار على انقضاء أيّام التشريق ، ولو كانت الرواية صحيحة من حيث السند لكنّا نفتي بذلك ونقول بوجوب القضاء بنفسه أو بنائبه في السنة الثانية ولكن السند محلّ تأمل بمحمد بن عمر بن يزيد على ما تقدّم حيث لم يرد في حقّه توثيق ، وقد ادعى صاحب الجواهر(قده) أنها مدعومة بعمل المشهور وأضاف ( بل لا أجد فيه خلافاً ) فيكون المناسب هو الاحتياط الوجوبي بذلك أي بالقضاء في السنة الثانية بنفسه أو بنائبه كما أفاد السيد الماتن(قده).
مسألة ( 436 ):- المريض الذي لا يرجى برؤه إلى المغرب يستنيب لرميه . ولو اتفق برؤه قبل غروب الشمس رمى بنفسه أيضاً على الأحوط.[3]
..........................................................................................................
هذه المسألة تتعرض إلى المعذور من الرمي بنفسه والقاعدة تقتضي عند التعذّر سقوط الرمي عنه ولا يؤثر ذلك على حجّه لأن المفروض أنّ رمي اليوم الحادي عشر والثاني عشر ليس من أجزاء الحج ولكن دلّت بعض الروايات على أنّه لابد وأن يستنيب ، ومن جملة تلك الروايات صحيحة معاوية بن عمّار وعبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اله عليه السلام:- ( الكسير والمبطون يرمى عنهما ، قال:- والصبيان يرمى عنهم )[4] ، وموثقة اسحاق بن عمّار :- ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن المريض ترمى عنه الجمار ؟ قال:- نعم يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه )[5] ، ومن ذلك أيضاً صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألته عن رجلٍ أغمي عليه ، فقال:- يرمى عنه الجمار )[6] ، وهذا الكلام - أعني لزوم النيابة - لا يختصّ برمي الجمار في اليوم الحادي عشر والثاني عشر بل يعمّ رمي جمرة العقبة فهذا من أحكام الرمي العاّمة التي لا تختصّ بأحد الرميين وكان من المناسب عقد الأحكام العامة تحت عنوانٍ مستقلّ حتى تُفهم وتُميَّز عن الأحكام الخاصّة.
إذن الذي له عذر لا يسقط عنه الرمي بل يرمي عنه غيره ، وهذا مطلب لا كلام فيه.
إنما الكلام هو في أنّه هل يلزم استدامة العذر إلى آخر الوقت - يعني إلى الغروب - فآنذاك تلزمه النيابة أو أنّه متى ما أرد أن يرمي وفرض أنّه كان معذوراً فتجوز له النيابة حتى لو فرض أنّه يرتفع العذر بعد ذلك ؟
ذكر صاحب المدارك(قده)[7] أنّه يجوز بلا حاجة إلى إحراز استدامة العذر بل حتى لو ارتفع العذر فذلك الرمي السابق يكون صحيحاً ، ومدركه في ذلك اطلاق الروايات يعني أنَّ الإمام عليه السلام لم يقل يلزم أن يكون مرضه وكسره مستمراً إلى آخر الوقت ولو ارتفع لزمته الإعادة فنتمسّك بالاطلاق من كلتا الناحيتين ، ونصّ عبارته:- ( ولا يشترط في استنابة المريض اليأس من البرء عملاً بإطلاق الرواية ، ولو زال عذره بعد فعل نائبه لم تجب الإعادة وإن كان في الوقت لأن الامتثال يقتضي الاجزاء ) [8]، ومقصوده من هذه العبارة أنّه قد أتى بالمأمور به ومادام قد أتى به فيجزئ وعدم الإجزاء يحتاج إلى دليل ، وواضحٌ أنّ هذا لا يتمّ إلّا إذا ضممنا الإطلاق ، يعني أنّ الدليل مطلقٌ يعني أنَّه يقول ااتِ به سوء انكشف بعد ذلك أو لم ينكشف ومن دون الاطلاق لا يمكن التمسّك بالقاعدة.
هذا ولكن السيد الخوئي(قده) في المعتمد[9] يظهر منه أنّه ترك الروايات وتمسّك بالقاعدة ، وحاصل ما ذكره هو أنّه يلزم أن يكون عذره مستمرّاً إذ لو لم يكن كذلك فلا يصدق عليه أنّه عاجز عن الانيان بالمأمور به فلكي يتحقق هذا العنون يلزم أن يكون عاجزاً طيلة الفترة.
ثم قال:- وإذا شك المكلّف في أنّه يبقى عذره إلى آخر الفترة أو لا أمكن آنذاك التمسّك بالاستصحاب - ومقصوده استصحاب بقاء العذر - وهو ما يعبّر عنه بالاستصحاب الاستقبالي يعني نحن الآن على يقين بالعذر وإنما نشك بلحاظ المستقبل هل العذر موجودٌ أو ليس بموجود فنستصحب بقاء العذر إلى المستقبل ، في مقابل الاستصحاب العادي المتعارف الذي يكون زمان اليقين هو ما مضى والآن هو زمان الشك - يعني على عكس الاستصحاب الاستقبالي - . فإذن هو قال نستصحب بقاء العذر.
نعم هناك كلامٌ أنّ مدرك حجيّة الاستصحاب الاستقبالي ما هو ؟ إنَّ الدليل هو إمّا اطلاق الروايات بأن نقول إنّ الروايات مطلقةٌ حيث قالت ( لا تنقض اليقين بالشك ) [10]وهذا كما يشمل اليقين لو كان في الزمن الماضي يشمل ما إذا كان اليقين الآن والشك في زمن الاستقبال فإنه لا مانع من ذلك ، أو يدّعى انعقاد السيرة على ذلك فإنه من كان حيّاً الآن يبني على أنه حيٌّ غداً وما بعد غدٍ ، وإذا كان صحيحاً الآن يبني على أنّه صحيحٌ في غدٍ وما بعد غدٍ وإلّا لاختل نظام الحياة إذ لا زمه أنّ لا أتزوج ولا أبني داراً ولا أسافر ولا أذهب إلى الحجّ لأن احتمال الموت مثلاً في يوم غدٍ موجودٌ أو ما شاكل ذلك من العوامل . إذن هذه الاحتمالات لا يعتني إليها الناس ، وحيث إنّ هذه السيرة لا رادع عنها فيثبت إمضاؤها ، فإن قبلت بهذا فبها وإن لم تقبل به فلا دليل على حجيّة الاستصحاب الاستقبالي.
والمهم أنّه(قده) قال:- إذا شك يبني على الاستصحاب فيجوز له حينئذٍ النيابة ولكن إذا انكشف أنّ العذر قد ارتفع - بعد أجرى الاستصحاب وأناب شخصاً - فلابد وأن يأتي به بنفسه إذ ينكشف أنّه ليس بعاجز.
وهو كما ترى تمسّكٌ بما تقتضيه القاعدة ، وكان من المناسب له(قده) فنيّاً مناقشة الاطلاق أمّا من دون أن يناقشه فلا معنى لما أفاده ، فلابد وأن يدّعي أنّه لا يوجد إطلاقٌ في الروايات يشمل من يزول عذره أو ينكشف زوال عذره فيما يأتي خلافاً لما ذكره صاحب المدارك(قد) ، أمّا أن يذكر هذا المطلب من دون أن يناقش في الاطلاق فهذا لا أراه شيئاً فنيّاً.
إذن المناسب لو كان هناك توقّف هو المناقشة في دلالة النصوص على الاطلاق.
وربما يناقش في إطلاق الروايات:- بأنها في صدد أنّ صاحب العذر يجب عليه النيابة أمّا أنّه لو زال عذره بعد ذلك فما هو الحكم فهذه قضيّة ليست الرواية في مقام البيان من ناحيتها ، كما إذا فرض أنّه جاءني شخصٌ في يوم الرمي وقال أنّي لا أتمكن من الرمي فأقول له يجوز لك أن تنيب وأسكت عن قضيّة أنه لو زال العذر بعد ذلك لأجل أنّي في مقام البيان من هذه الناحية - أي من ناحية أنه مادمت معذوراً فيجوز لك الرمي - أمّا هل العذر يلزم أن يكون مستمرّاً ولو انكشف بعد ذلك لزمت الإعادة فأنا لست في مقام البيان من تلك الناحية ، إنه لو شككنا في كون الروايات في مقام البيان من هذه النواحي فما ذكره السيد الخوئي(قده) يكون تامّاً ، وأمّا إذا قلنا أنّه لا داعي للمناقشة من هذه الناحية فالإطلاق آنذاك يكون تامّاً ، وحيث إنّه يوجد مجالٌ للمناقشة من هذه الناحية - يعني يمكن أن يدّعى أنّها في مقام البيان من ناحية أنّ صاحب العذر حينما يريد أن يرمي يجوز له النيابة أمّا أنّه يلزم أن يكون عذره مستمراً فهي ليست في مقام البيان من هذه الناحية - حيث إنّ هذا شيء أراه محتملاً فعلى هذا الأساس يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي كما أفاده السيد الخوئي(قده).
وقد تقول:- إذا شككنا أنّ المتكلم هل في مقام البيان من الناحية الأخرى أو لا فلِمَ لا نتمسّك بالأصل فنقول إنّ الأصل هو أنّ المتكلم في مقام البيان من النواحي الأخرى أيضاً.
قلت:- لو ثبت هذا الأصل الذي مدركه السيرة فهو جيّدٌ ولكنه لم يتّضح انعقاد السيرة على ذلك بصورة جزميّة ، فعلى هذا الأساس لا يمكن الفتوى بالإيجاب أو بالسلب - أي بلزوم الإعادة أو بعدم لزوم الإعادة – في المورد والاحتياط في الفتوى هو المناسب.
وأما الحكم الثالث - أعني أنه لو انتقل إلى خارج مكة فلا يلزمه العود –:- فهو حكم على طبق القاعدة ، بمعنى أنّه لو لم توجد لدينا رواية تدلّ على عدم لزوم العود وسوف نذكر أنه توجد رواية ولكن لو لم توجد رواية فالقاعدة تقتضي عدم لزوم العود؛ لأن الواجب هو الرمي في أحد اليومين وهذا قد سقط أمره بسبب النسيان والوجوب من ثانيةً يحتاج إلى دليل وحيث إنّه لا دليل على وجوب العود - هكذا نفترض - فلا موجب للعود بمقتضى القاعدة ، بل ولا موجب للقضاء في السنة الثانية أيضاً ، ويؤكد هذه القاعدة صحيحة معاوية فإنه ورد في ذيلها ذلك حيث ذكر فيها ما نصّه:- ( قلت فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج ، قال:- ليس عليه أن يعيد )[1].
يبقى أنّه في السنة الآتية هل يقضي بنفسه أو بنائبه ؟
ذكرنا أنّ القاعدة تقتضي العدم ن ولكن جاء في رواية عمر بن يزيد المتقدّمة ذلك فإنه ورد فيها:- ( من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل فإن لم يحج رمى عنه وليّه فإن لم يكن له وليّ استعان برجلٍ من المسلمين )[2].
إذن الرواية واضحة الدلالة على أنّ من لم يرمِ حتّى انقضت أيام التشريق عليه القضاء في العام المقبل بنفسه أو بنائبه والمدار على انقضاء أيّام التشريق ، ولو كانت الرواية صحيحة من حيث السند لكنّا نفتي بذلك ونقول بوجوب القضاء بنفسه أو بنائبه في السنة الثانية ولكن السند محلّ تأمل بمحمد بن عمر بن يزيد على ما تقدّم حيث لم يرد في حقّه توثيق ، وقد ادعى صاحب الجواهر(قده) أنها مدعومة بعمل المشهور وأضاف ( بل لا أجد فيه خلافاً ) فيكون المناسب هو الاحتياط الوجوبي بذلك أي بالقضاء في السنة الثانية بنفسه أو بنائبه كما أفاد السيد الماتن(قده).
مسألة ( 436 ):- المريض الذي لا يرجى برؤه إلى المغرب يستنيب لرميه . ولو اتفق برؤه قبل غروب الشمس رمى بنفسه أيضاً على الأحوط.[3]
..........................................................................................................
هذه المسألة تتعرض إلى المعذور من الرمي بنفسه والقاعدة تقتضي عند التعذّر سقوط الرمي عنه ولا يؤثر ذلك على حجّه لأن المفروض أنّ رمي اليوم الحادي عشر والثاني عشر ليس من أجزاء الحج ولكن دلّت بعض الروايات على أنّه لابد وأن يستنيب ، ومن جملة تلك الروايات صحيحة معاوية بن عمّار وعبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اله عليه السلام:- ( الكسير والمبطون يرمى عنهما ، قال:- والصبيان يرمى عنهم )[4] ، وموثقة اسحاق بن عمّار :- ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن المريض ترمى عنه الجمار ؟ قال:- نعم يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه )[5] ، ومن ذلك أيضاً صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألته عن رجلٍ أغمي عليه ، فقال:- يرمى عنه الجمار )[6] ، وهذا الكلام - أعني لزوم النيابة - لا يختصّ برمي الجمار في اليوم الحادي عشر والثاني عشر بل يعمّ رمي جمرة العقبة فهذا من أحكام الرمي العاّمة التي لا تختصّ بأحد الرميين وكان من المناسب عقد الأحكام العامة تحت عنوانٍ مستقلّ حتى تُفهم وتُميَّز عن الأحكام الخاصّة.
إذن الذي له عذر لا يسقط عنه الرمي بل يرمي عنه غيره ، وهذا مطلب لا كلام فيه.
إنما الكلام هو في أنّه هل يلزم استدامة العذر إلى آخر الوقت - يعني إلى الغروب - فآنذاك تلزمه النيابة أو أنّه متى ما أرد أن يرمي وفرض أنّه كان معذوراً فتجوز له النيابة حتى لو فرض أنّه يرتفع العذر بعد ذلك ؟
ذكر صاحب المدارك(قده)[7] أنّه يجوز بلا حاجة إلى إحراز استدامة العذر بل حتى لو ارتفع العذر فذلك الرمي السابق يكون صحيحاً ، ومدركه في ذلك اطلاق الروايات يعني أنَّ الإمام عليه السلام لم يقل يلزم أن يكون مرضه وكسره مستمراً إلى آخر الوقت ولو ارتفع لزمته الإعادة فنتمسّك بالاطلاق من كلتا الناحيتين ، ونصّ عبارته:- ( ولا يشترط في استنابة المريض اليأس من البرء عملاً بإطلاق الرواية ، ولو زال عذره بعد فعل نائبه لم تجب الإعادة وإن كان في الوقت لأن الامتثال يقتضي الاجزاء ) [8]، ومقصوده من هذه العبارة أنّه قد أتى بالمأمور به ومادام قد أتى به فيجزئ وعدم الإجزاء يحتاج إلى دليل ، وواضحٌ أنّ هذا لا يتمّ إلّا إذا ضممنا الإطلاق ، يعني أنّ الدليل مطلقٌ يعني أنَّه يقول ااتِ به سوء انكشف بعد ذلك أو لم ينكشف ومن دون الاطلاق لا يمكن التمسّك بالقاعدة.
هذا ولكن السيد الخوئي(قده) في المعتمد[9] يظهر منه أنّه ترك الروايات وتمسّك بالقاعدة ، وحاصل ما ذكره هو أنّه يلزم أن يكون عذره مستمرّاً إذ لو لم يكن كذلك فلا يصدق عليه أنّه عاجز عن الانيان بالمأمور به فلكي يتحقق هذا العنون يلزم أن يكون عاجزاً طيلة الفترة.
ثم قال:- وإذا شك المكلّف في أنّه يبقى عذره إلى آخر الفترة أو لا أمكن آنذاك التمسّك بالاستصحاب - ومقصوده استصحاب بقاء العذر - وهو ما يعبّر عنه بالاستصحاب الاستقبالي يعني نحن الآن على يقين بالعذر وإنما نشك بلحاظ المستقبل هل العذر موجودٌ أو ليس بموجود فنستصحب بقاء العذر إلى المستقبل ، في مقابل الاستصحاب العادي المتعارف الذي يكون زمان اليقين هو ما مضى والآن هو زمان الشك - يعني على عكس الاستصحاب الاستقبالي - . فإذن هو قال نستصحب بقاء العذر.
نعم هناك كلامٌ أنّ مدرك حجيّة الاستصحاب الاستقبالي ما هو ؟ إنَّ الدليل هو إمّا اطلاق الروايات بأن نقول إنّ الروايات مطلقةٌ حيث قالت ( لا تنقض اليقين بالشك ) [10]وهذا كما يشمل اليقين لو كان في الزمن الماضي يشمل ما إذا كان اليقين الآن والشك في زمن الاستقبال فإنه لا مانع من ذلك ، أو يدّعى انعقاد السيرة على ذلك فإنه من كان حيّاً الآن يبني على أنه حيٌّ غداً وما بعد غدٍ ، وإذا كان صحيحاً الآن يبني على أنّه صحيحٌ في غدٍ وما بعد غدٍ وإلّا لاختل نظام الحياة إذ لا زمه أنّ لا أتزوج ولا أبني داراً ولا أسافر ولا أذهب إلى الحجّ لأن احتمال الموت مثلاً في يوم غدٍ موجودٌ أو ما شاكل ذلك من العوامل . إذن هذه الاحتمالات لا يعتني إليها الناس ، وحيث إنّ هذه السيرة لا رادع عنها فيثبت إمضاؤها ، فإن قبلت بهذا فبها وإن لم تقبل به فلا دليل على حجيّة الاستصحاب الاستقبالي.
والمهم أنّه(قده) قال:- إذا شك يبني على الاستصحاب فيجوز له حينئذٍ النيابة ولكن إذا انكشف أنّ العذر قد ارتفع - بعد أجرى الاستصحاب وأناب شخصاً - فلابد وأن يأتي به بنفسه إذ ينكشف أنّه ليس بعاجز.
وهو كما ترى تمسّكٌ بما تقتضيه القاعدة ، وكان من المناسب له(قده) فنيّاً مناقشة الاطلاق أمّا من دون أن يناقشه فلا معنى لما أفاده ، فلابد وأن يدّعي أنّه لا يوجد إطلاقٌ في الروايات يشمل من يزول عذره أو ينكشف زوال عذره فيما يأتي خلافاً لما ذكره صاحب المدارك(قد) ، أمّا أن يذكر هذا المطلب من دون أن يناقش في الاطلاق فهذا لا أراه شيئاً فنيّاً.
إذن المناسب لو كان هناك توقّف هو المناقشة في دلالة النصوص على الاطلاق.
وربما يناقش في إطلاق الروايات:- بأنها في صدد أنّ صاحب العذر يجب عليه النيابة أمّا أنّه لو زال عذره بعد ذلك فما هو الحكم فهذه قضيّة ليست الرواية في مقام البيان من ناحيتها ، كما إذا فرض أنّه جاءني شخصٌ في يوم الرمي وقال أنّي لا أتمكن من الرمي فأقول له يجوز لك أن تنيب وأسكت عن قضيّة أنه لو زال العذر بعد ذلك لأجل أنّي في مقام البيان من هذه الناحية - أي من ناحية أنه مادمت معذوراً فيجوز لك الرمي - أمّا هل العذر يلزم أن يكون مستمرّاً ولو انكشف بعد ذلك لزمت الإعادة فأنا لست في مقام البيان من تلك الناحية ، إنه لو شككنا في كون الروايات في مقام البيان من هذه النواحي فما ذكره السيد الخوئي(قده) يكون تامّاً ، وأمّا إذا قلنا أنّه لا داعي للمناقشة من هذه الناحية فالإطلاق آنذاك يكون تامّاً ، وحيث إنّه يوجد مجالٌ للمناقشة من هذه الناحية - يعني يمكن أن يدّعى أنّها في مقام البيان من ناحية أنّ صاحب العذر حينما يريد أن يرمي يجوز له النيابة أمّا أنّه يلزم أن يكون عذره مستمراً فهي ليست في مقام البيان من هذه الناحية - حيث إنّ هذا شيء أراه محتملاً فعلى هذا الأساس يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي كما أفاده السيد الخوئي(قده).
وقد تقول:- إذا شككنا أنّ المتكلم هل في مقام البيان من الناحية الأخرى أو لا فلِمَ لا نتمسّك بالأصل فنقول إنّ الأصل هو أنّ المتكلم في مقام البيان من النواحي الأخرى أيضاً.
قلت:- لو ثبت هذا الأصل الذي مدركه السيرة فهو جيّدٌ ولكنه لم يتّضح انعقاد السيرة على ذلك بصورة جزميّة ، فعلى هذا الأساس لا يمكن الفتوى بالإيجاب أو بالسلب - أي بلزوم الإعادة أو بعدم لزوم الإعادة – في المورد والاحتياط في الفتوى هو المناسب.