36/01/17
تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 437 )، أحكام المصدود ( مسألة 438 ) / الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع
( رمي الجمار ).
الأمر الرابع:- ورد في موثقة اسحاق المتقدّمة أن المريض يرمى عنه ولكن يحمل هو إلى مكان الرمي ، ومورد هذه الموثقة وإن كان هو خصوص المريض لكن من المناسب ولو بنحو الاحتياط دون الفتوى التعدّي منه إلى غيره - يعني الكسير والمبطون وما شاكل ذلك من أصحاب الأعذار - لعدم الفرق من هذه الناحية ولكن بشرط أن تكون له مُكنَة على ذلك ، أمّا إذا كان يسبب له الحرج فبقاعدة نفي الحرج المستندة إلى قوله تعالى ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ ينفى الوجوب وجوب إحضاره وحمله إلى مكان الرمي.
وإذا قلت:- إنّ قاعدة نفي الحرج تنفي الحكم ولا تثبت صحّة ما أُتِيَ به من دون الجزء المتعذّر فكيف نتمسّك بها ؟
قلت:- نحن لا نشكّ في الصحّة ، يعني لا نحتمل أنّه من دون حضوره يبطل العمل ، كلّا وإنما الشك هو في الوجوب التكليفي وأنه تكليفاً هل يلزمه الحضور أو لا يلزمه ذلك وأمّا أنّ صحّة ما بقي من العمل موقوف على الحضور فهذا لا نحتمله فلذلك نتمسّك حينئذٍ بقاعدة نفي الحرج لنفي الوجوب التكليفي ، فالشك هو في الوجوب التكليفي لا أكثر وننفيه بالقاعدة المذكورة.
إذن إذا كان يمكنه الحضور فمن المناسب حضوره ، ولا يختصّ ذلك بالمريض بل المناسب التعدّي لكلّ صاحبِ عذرٍ ولكن هذا الحضور إنما يكون لازماً لو فرض أنّه لا حرج فيه.
وهناك شيء آخر نقوله:- وهو أنّ هذا هو المناسب لو خلّينا نحن وموثقة اسحاق ، فالمناسب هو لزوم الحضور إلا إذا لزم الحرج ، ولكن حيث لم يعهد من الأصحاب الفتوى على طبق ذلك فيشكل آنذاك الفتوى على طبقها بالوجوب ولا أقل ينتقل إلى الاحتياط الوجوبي.
إذن الأحوط وجوباً لمن أمكنه الحضور من دون حرج هو الحضور من دون فرقٍ ين المريض وغيره.
الأمر الخامس:- ذكرنا فيما سبق أنّ السيد الخوئي(قده) ذكر أنّ صاحب العذر إنما تصحّ منه النيابة إذا استمر عذره ولم ينكشف الخلاف وإذا شكّ أنه يستمر أو لا فيتمكّن أن يأتي بالرمي تمسكاً بالاستصحاب الاستقبالي.
والآن نقول:- لو فرض أنّا لم نبنِ على حجيّة الاستصحاب الاستقبالي فبإمكان المكلّف أيضاً أن يأتي بالرمي وبعد ذلك إذا لم ينكشف الخلاف - يعني بأن كان عذره مستمراً - فلا شيء عليه وإذا انكشف عدم استمرار العذر فيرمي من جديد.
إذن الاستصحاب الاستقبالي لا أهميّة له في هذا المجال بل بإمكان المكلف أن يأتي بالرمي حتى بقطع النظر عن الاستصحاب الاستقبالي - وواضح أنّ هذا يتمّ فيما إذا تأتّى منه قصد القربة كما إذا كان جاهلاً مثلاً - . نعم تظهر ثمرة الاستصحاب الاستقبالي بناءً على أنّ الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء فمن قال إنّه يقتضي الإجزاء فحينئذٍ يوجد مجالٌ للحكم بالإجزاء إذ يوجد أمرٌ ظاهريّ بالرمي بسبب الاستصحاب الاستقبالي فيقع ما أتى به صحيحاً وإذا لم يجري الاستصحاب الاستقبالي ، كما إذا لم نقل بحجيّته فلا يمكن الحكم بالإجزاء . أما مثل السيد الخوئي(قده) الذي لا يراه مقتضياً للإجزاء فحينئذٍ لا توجد ثمرة بين أن نعتمد على الاستصحاب الاستقبالي أو لا نعتمد عليه فبالتالي نقول للمكلف أنت ائت بالرمي فإذا انكشف الخلاف فعليك أن تعيد وإلا فعملك صحيح – وواضح أن هذا يكون إذا لم نقل إنّ للروايات إطلاق يقتضي الإجزاء أمّا إذا كان فيها إطلاقٌ فهو يكفينا كلّ هذه المؤونة -.
مسألة ( 437 ):- لا يبطل الحج بترك الرمي ولو كان متعمّداً ويجب قضاء الرمي بنفسه أو بنائبه في العام القابل على الأحوط.
..........................................................................................................
مضمون هذه المسالة لعله اتضح من خلال ما سبق ، فهناك فرق بين جمرة العقبة في اليوم العاشر فإنه جزء من الحج ومن تركه متعمداً ولم يمكنه التدارك فحكمه البطلان ، وهذا بخلاف رمي اليومين فإنه خارج عن الحج فعلى هذا الأساس لا يبطل الحج بترك الرمي في اليومين حتى لو كان المكلف متعمّداً . نعم هناك إثمٌ وعصيانٌ تكليفي ولكن لا يترتّب عليه البطلان ، وهذا اتضح من خلال ما سبق.
نعم هنا شيآن:-
الأوّل:- إذا لم يمكنه تدارك الرمي في هذه السنة إلى أن انتهت أيام التشريق فهل يلزمه أن يستنيب في العام المقبل إن لم يأت هو به بنفسه في العام المقبل ؟
والجواب:- قد يستفاد من رواية عمر بن يزيد المتقدّمة ذلك وهي:- ( من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى يمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل فإن لم يحج رمى عنه وليّه فإن لم يكن له وليّ استعان برجلٍ من المسلمين يرمي عنه فإنه لا يكون رمي الجمار إلّا أيام التشريق )[1] ، والظاهر أن دلالتها على الوجوب تامّة فهو مخيّر بين أن يأتي بالقضاء بنفسه لو حجّ وإذا لم يحج فبالنيابة.
ولكن سندها كالتالي:- ( موسى بن القاسم عن محمد بن عمر بن يزيد عن محمد بن عذافر عن عم بن يزيد ) ، وموسى بن القاسم وهو من أجلّة أصحابنا ، عن محمد بن عمر بن يزيد فهذا لم تثبت وثاقته ، وأما محمد بن عذافر وعمر بن يزيد لا مشكلة فيهما ، فلأجل هذا لا تصلح الرواية للفتوى بالوجوب على طبقها وإنما الاحتياط لأجلها شيءٌ حسنٌ ، ولأجل هذا قال السيد الماتن(قده) يجب أن يأتي به بنفسه أو بشخص على الأحوط ، وكان الأفضل أن يأتي بكلمة ( على الأحوط ) بعد كلمة ( يجب ) مباشرةً أو يحذف كلمة ( يجب ) ويقول ( والأحوط أن يأتي به بنفسه أو بنائبه في العام المقبل ).
الثاني:- هناك رواية حكمت بأن من ترك الرمي حرمت عليه النساء وعليه الحج من قابل - يعني عليه شيآن حرمة النساء والحج من قابل - وهي رواية عبد الله بن جبلة ، وقد رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن محمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن يحيى بن المبارك عن عبد الله بن جبلة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:- ( من ترك الرمي الجمار متعمداً لم تحلّ له النساء وعليه الحجّ من قابل )[2] ، إنها دلّت على أنّ تارك رمي الجمار لا تحلّ له النساء وعليه الحج من قابل ولا يحتمل أن يكون المقصود منها رمي جمرة العقبة لأنه عبر بكلمة ( الجمار ) وهذه قرينة على أنّ المقصود هو اليومين لا رمي جمرة العقبة.
ولكن لا يمكن الأخذ بها والفتوى على طبقها من ناحيتين:-
الأولى:- إنّ يحيى بن المبارك قد ورد في السند وهو مجهول الحال فهو لم يوثّق إلّا بناءً على وثاقة كل من ورد في اسانيد تفسير القمّي فيمكن إثبات وثاقته آنذاك ولكنّنا لا نبني على ذلك ، فالمشكلة إذن من ناحية يحيى بن المبارك وإلا فطريق الشيخ إلى محمد بن أحمد بن يحيى لا مشكلة فيه عند مراجعة المشيخة ومحمد بن أحمد بن يحيى لا مشكلة فيه أيضاً وهو صاحب كتاب نوادر الحكمة ( دبة شبيب ) ، ويعقوب بن يزيد هو من أجلة أصحابنا أيضاً وكذلك عبد الله بن جبلة ، فالفتوى على طبقها مشكلٌ من هذه الناحية.
الثانية:- حتى لو فرض أنّ السند كان تاماً فمع ذلك لا يمكن الفتوى على طبقها باعتبارها أنّها معارضة بما دلّ على أن من أتى بطواف النساء حلّت له النساء وبقي عليه الصيد والطيب ، من قبيل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كلّ شيء أحرم منه إلا النساء والطيب فإذا زار البيت وطاف وسعى بني الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء وإذا طاف طواف النساء فقد أحل من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا الصيد )[3] ، إنّ هذا المضمون إذا كان وارداً في روايات متعدّدة بحيث تشكّل عنوان السنّة القطعيّة فتطرح رواية ابن جبلة من باب أنها مخالفة للسنّة القطعيّة.
وإذا فرض أنه لم يبلغ هذا المضمون حدّ السنّة القطعيّة فهناك طريق آخر لردّ رواية ابن جبلة وذلك بأن نقول:- إنّ هذا المضمون مخالفٌ لسيرة المسلمين القطعيّة فإنه لا يحتمل أحدٌ من المسلمين أنّه إذا طاف طواف النساء تبقى زوجته ليست حلالاً عليه إلا إذا رمى وأنه إذا لم يرمِ فترتفع الحلّيّة الثابتة عنه سابقاً ، إنَّ هذا مخالف للسنّة القطعيّة الجارية بين المسلمين.
إذن مضمون هذه الرواية مرفوضٌ للروايات الدالة على أنّه بطواف النساء تحلّ النساء وللسيرة القطعيّة بين المسلمين فالفتوى على طبقها لا مجال له حتى لو كانت صحيحة السند بل لعلّ الاحتياط لأجلها لا داعي إليه.
أحكام المصدود:-
مسألة ( 438 ):- المصدود هو الممنوع عن الحج أو العمرة بعد تلبّسه بإحرامهما.
فرّق الفقهاء بين عنوان المصدود وعنوان المحصور فإن الحصر هو عبارة عن المنع من الحج لمانعٍ داخلي كما إذا مرض - والمرض بالمعنى الوسيع الذي يشمل كسر الرجل وما شاكل ذلك - فإن هذا المانع هو مانعٌ يرتبط بنفس المكلّف فمثله يعبّر عنه بالحصر عند الفقهاء . وهناك كلام يأتينا في بعض المسائل الآتية أنّه هل يعمّم لمثل فقدان النفقة ؟ فإذا فقدت نفقته أو كسرت سيارته فهل نعبّر عن هذا بالحصر ؟
وأمّا الصدُّ فهو المنع من الحجّ ولكن لمانعٍ خارجيّ يعني منع ظالمٍ أو منع السلطة.
فالفقهاء إذن فرّقوا بين هذين العنوانين ، وواضح أنّ التفرقة بينهما للتفرقة من حيث الحكم فإن حكم المحصور يختلف عن حكم المصدود.
نعم إذا رجعنا إلى اللغة فربما يظهر منها الوحدة وأنه لا فرق بين العنوانين وهكذا بالنسبة إلى أهل التفسير فربما يظهر من بعضهم ذلك ، فمثلاً قال في القاموس المحيط:- ( الحصر كالضرب والنصر:- التضييق والحبس عن السفر وغيره )[4] ، وقال أيضاً:- ( صدّ فلاناً عن كذا:- منعه )[5] ، وقريب من ذلك ذكر في صحاح الجوهري[6]، إنهم فسّروا الصدَّ بالمنع من دون تقييد بأن يكون المانع خارجياً فيظهر منهم أنهم لم يفرّقوا بين كون المانع خارجياً أو كان داخلياً ، بل جاء في تفسير ابن كثير[7] اتفاق المفسّرين على أنّ قوله تعالى:- ﴿ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ﴾ نزل في صلح الحديبية والحال أنّ الذي كان فيه هو الصدّ إذ المشركون منعوا المسلمين من مواصلة الطريق ودخول مكة ففسّر الحصر بالصد.
وعلى أيّ حال لعله لا اختلاف بينهما في كلمات أهل اللغة أو المفسّرين ولكن عند الفقهاء وفي لسان الروايات يوجد فرقٌ بينهما.
الأمر الرابع:- ورد في موثقة اسحاق المتقدّمة أن المريض يرمى عنه ولكن يحمل هو إلى مكان الرمي ، ومورد هذه الموثقة وإن كان هو خصوص المريض لكن من المناسب ولو بنحو الاحتياط دون الفتوى التعدّي منه إلى غيره - يعني الكسير والمبطون وما شاكل ذلك من أصحاب الأعذار - لعدم الفرق من هذه الناحية ولكن بشرط أن تكون له مُكنَة على ذلك ، أمّا إذا كان يسبب له الحرج فبقاعدة نفي الحرج المستندة إلى قوله تعالى ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ ينفى الوجوب وجوب إحضاره وحمله إلى مكان الرمي.
وإذا قلت:- إنّ قاعدة نفي الحرج تنفي الحكم ولا تثبت صحّة ما أُتِيَ به من دون الجزء المتعذّر فكيف نتمسّك بها ؟
قلت:- نحن لا نشكّ في الصحّة ، يعني لا نحتمل أنّه من دون حضوره يبطل العمل ، كلّا وإنما الشك هو في الوجوب التكليفي وأنه تكليفاً هل يلزمه الحضور أو لا يلزمه ذلك وأمّا أنّ صحّة ما بقي من العمل موقوف على الحضور فهذا لا نحتمله فلذلك نتمسّك حينئذٍ بقاعدة نفي الحرج لنفي الوجوب التكليفي ، فالشك هو في الوجوب التكليفي لا أكثر وننفيه بالقاعدة المذكورة.
إذن إذا كان يمكنه الحضور فمن المناسب حضوره ، ولا يختصّ ذلك بالمريض بل المناسب التعدّي لكلّ صاحبِ عذرٍ ولكن هذا الحضور إنما يكون لازماً لو فرض أنّه لا حرج فيه.
وهناك شيء آخر نقوله:- وهو أنّ هذا هو المناسب لو خلّينا نحن وموثقة اسحاق ، فالمناسب هو لزوم الحضور إلا إذا لزم الحرج ، ولكن حيث لم يعهد من الأصحاب الفتوى على طبق ذلك فيشكل آنذاك الفتوى على طبقها بالوجوب ولا أقل ينتقل إلى الاحتياط الوجوبي.
إذن الأحوط وجوباً لمن أمكنه الحضور من دون حرج هو الحضور من دون فرقٍ ين المريض وغيره.
الأمر الخامس:- ذكرنا فيما سبق أنّ السيد الخوئي(قده) ذكر أنّ صاحب العذر إنما تصحّ منه النيابة إذا استمر عذره ولم ينكشف الخلاف وإذا شكّ أنه يستمر أو لا فيتمكّن أن يأتي بالرمي تمسكاً بالاستصحاب الاستقبالي.
والآن نقول:- لو فرض أنّا لم نبنِ على حجيّة الاستصحاب الاستقبالي فبإمكان المكلّف أيضاً أن يأتي بالرمي وبعد ذلك إذا لم ينكشف الخلاف - يعني بأن كان عذره مستمراً - فلا شيء عليه وإذا انكشف عدم استمرار العذر فيرمي من جديد.
إذن الاستصحاب الاستقبالي لا أهميّة له في هذا المجال بل بإمكان المكلف أن يأتي بالرمي حتى بقطع النظر عن الاستصحاب الاستقبالي - وواضح أنّ هذا يتمّ فيما إذا تأتّى منه قصد القربة كما إذا كان جاهلاً مثلاً - . نعم تظهر ثمرة الاستصحاب الاستقبالي بناءً على أنّ الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء فمن قال إنّه يقتضي الإجزاء فحينئذٍ يوجد مجالٌ للحكم بالإجزاء إذ يوجد أمرٌ ظاهريّ بالرمي بسبب الاستصحاب الاستقبالي فيقع ما أتى به صحيحاً وإذا لم يجري الاستصحاب الاستقبالي ، كما إذا لم نقل بحجيّته فلا يمكن الحكم بالإجزاء . أما مثل السيد الخوئي(قده) الذي لا يراه مقتضياً للإجزاء فحينئذٍ لا توجد ثمرة بين أن نعتمد على الاستصحاب الاستقبالي أو لا نعتمد عليه فبالتالي نقول للمكلف أنت ائت بالرمي فإذا انكشف الخلاف فعليك أن تعيد وإلا فعملك صحيح – وواضح أن هذا يكون إذا لم نقل إنّ للروايات إطلاق يقتضي الإجزاء أمّا إذا كان فيها إطلاقٌ فهو يكفينا كلّ هذه المؤونة -.
مسألة ( 437 ):- لا يبطل الحج بترك الرمي ولو كان متعمّداً ويجب قضاء الرمي بنفسه أو بنائبه في العام القابل على الأحوط.
..........................................................................................................
مضمون هذه المسالة لعله اتضح من خلال ما سبق ، فهناك فرق بين جمرة العقبة في اليوم العاشر فإنه جزء من الحج ومن تركه متعمداً ولم يمكنه التدارك فحكمه البطلان ، وهذا بخلاف رمي اليومين فإنه خارج عن الحج فعلى هذا الأساس لا يبطل الحج بترك الرمي في اليومين حتى لو كان المكلف متعمّداً . نعم هناك إثمٌ وعصيانٌ تكليفي ولكن لا يترتّب عليه البطلان ، وهذا اتضح من خلال ما سبق.
نعم هنا شيآن:-
الأوّل:- إذا لم يمكنه تدارك الرمي في هذه السنة إلى أن انتهت أيام التشريق فهل يلزمه أن يستنيب في العام المقبل إن لم يأت هو به بنفسه في العام المقبل ؟
والجواب:- قد يستفاد من رواية عمر بن يزيد المتقدّمة ذلك وهي:- ( من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى يمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل فإن لم يحج رمى عنه وليّه فإن لم يكن له وليّ استعان برجلٍ من المسلمين يرمي عنه فإنه لا يكون رمي الجمار إلّا أيام التشريق )[1] ، والظاهر أن دلالتها على الوجوب تامّة فهو مخيّر بين أن يأتي بالقضاء بنفسه لو حجّ وإذا لم يحج فبالنيابة.
ولكن سندها كالتالي:- ( موسى بن القاسم عن محمد بن عمر بن يزيد عن محمد بن عذافر عن عم بن يزيد ) ، وموسى بن القاسم وهو من أجلّة أصحابنا ، عن محمد بن عمر بن يزيد فهذا لم تثبت وثاقته ، وأما محمد بن عذافر وعمر بن يزيد لا مشكلة فيهما ، فلأجل هذا لا تصلح الرواية للفتوى بالوجوب على طبقها وإنما الاحتياط لأجلها شيءٌ حسنٌ ، ولأجل هذا قال السيد الماتن(قده) يجب أن يأتي به بنفسه أو بشخص على الأحوط ، وكان الأفضل أن يأتي بكلمة ( على الأحوط ) بعد كلمة ( يجب ) مباشرةً أو يحذف كلمة ( يجب ) ويقول ( والأحوط أن يأتي به بنفسه أو بنائبه في العام المقبل ).
الثاني:- هناك رواية حكمت بأن من ترك الرمي حرمت عليه النساء وعليه الحج من قابل - يعني عليه شيآن حرمة النساء والحج من قابل - وهي رواية عبد الله بن جبلة ، وقد رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن محمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن يحيى بن المبارك عن عبد الله بن جبلة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:- ( من ترك الرمي الجمار متعمداً لم تحلّ له النساء وعليه الحجّ من قابل )[2] ، إنها دلّت على أنّ تارك رمي الجمار لا تحلّ له النساء وعليه الحج من قابل ولا يحتمل أن يكون المقصود منها رمي جمرة العقبة لأنه عبر بكلمة ( الجمار ) وهذه قرينة على أنّ المقصود هو اليومين لا رمي جمرة العقبة.
ولكن لا يمكن الأخذ بها والفتوى على طبقها من ناحيتين:-
الأولى:- إنّ يحيى بن المبارك قد ورد في السند وهو مجهول الحال فهو لم يوثّق إلّا بناءً على وثاقة كل من ورد في اسانيد تفسير القمّي فيمكن إثبات وثاقته آنذاك ولكنّنا لا نبني على ذلك ، فالمشكلة إذن من ناحية يحيى بن المبارك وإلا فطريق الشيخ إلى محمد بن أحمد بن يحيى لا مشكلة فيه عند مراجعة المشيخة ومحمد بن أحمد بن يحيى لا مشكلة فيه أيضاً وهو صاحب كتاب نوادر الحكمة ( دبة شبيب ) ، ويعقوب بن يزيد هو من أجلة أصحابنا أيضاً وكذلك عبد الله بن جبلة ، فالفتوى على طبقها مشكلٌ من هذه الناحية.
الثانية:- حتى لو فرض أنّ السند كان تاماً فمع ذلك لا يمكن الفتوى على طبقها باعتبارها أنّها معارضة بما دلّ على أن من أتى بطواف النساء حلّت له النساء وبقي عليه الصيد والطيب ، من قبيل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كلّ شيء أحرم منه إلا النساء والطيب فإذا زار البيت وطاف وسعى بني الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء وإذا طاف طواف النساء فقد أحل من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا الصيد )[3] ، إنّ هذا المضمون إذا كان وارداً في روايات متعدّدة بحيث تشكّل عنوان السنّة القطعيّة فتطرح رواية ابن جبلة من باب أنها مخالفة للسنّة القطعيّة.
وإذا فرض أنه لم يبلغ هذا المضمون حدّ السنّة القطعيّة فهناك طريق آخر لردّ رواية ابن جبلة وذلك بأن نقول:- إنّ هذا المضمون مخالفٌ لسيرة المسلمين القطعيّة فإنه لا يحتمل أحدٌ من المسلمين أنّه إذا طاف طواف النساء تبقى زوجته ليست حلالاً عليه إلا إذا رمى وأنه إذا لم يرمِ فترتفع الحلّيّة الثابتة عنه سابقاً ، إنَّ هذا مخالف للسنّة القطعيّة الجارية بين المسلمين.
إذن مضمون هذه الرواية مرفوضٌ للروايات الدالة على أنّه بطواف النساء تحلّ النساء وللسيرة القطعيّة بين المسلمين فالفتوى على طبقها لا مجال له حتى لو كانت صحيحة السند بل لعلّ الاحتياط لأجلها لا داعي إليه.
أحكام المصدود:-
مسألة ( 438 ):- المصدود هو الممنوع عن الحج أو العمرة بعد تلبّسه بإحرامهما.
فرّق الفقهاء بين عنوان المصدود وعنوان المحصور فإن الحصر هو عبارة عن المنع من الحج لمانعٍ داخلي كما إذا مرض - والمرض بالمعنى الوسيع الذي يشمل كسر الرجل وما شاكل ذلك - فإن هذا المانع هو مانعٌ يرتبط بنفس المكلّف فمثله يعبّر عنه بالحصر عند الفقهاء . وهناك كلام يأتينا في بعض المسائل الآتية أنّه هل يعمّم لمثل فقدان النفقة ؟ فإذا فقدت نفقته أو كسرت سيارته فهل نعبّر عن هذا بالحصر ؟
وأمّا الصدُّ فهو المنع من الحجّ ولكن لمانعٍ خارجيّ يعني منع ظالمٍ أو منع السلطة.
فالفقهاء إذن فرّقوا بين هذين العنوانين ، وواضح أنّ التفرقة بينهما للتفرقة من حيث الحكم فإن حكم المحصور يختلف عن حكم المصدود.
نعم إذا رجعنا إلى اللغة فربما يظهر منها الوحدة وأنه لا فرق بين العنوانين وهكذا بالنسبة إلى أهل التفسير فربما يظهر من بعضهم ذلك ، فمثلاً قال في القاموس المحيط:- ( الحصر كالضرب والنصر:- التضييق والحبس عن السفر وغيره )[4] ، وقال أيضاً:- ( صدّ فلاناً عن كذا:- منعه )[5] ، وقريب من ذلك ذكر في صحاح الجوهري[6]، إنهم فسّروا الصدَّ بالمنع من دون تقييد بأن يكون المانع خارجياً فيظهر منهم أنهم لم يفرّقوا بين كون المانع خارجياً أو كان داخلياً ، بل جاء في تفسير ابن كثير[7] اتفاق المفسّرين على أنّ قوله تعالى:- ﴿ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ﴾ نزل في صلح الحديبية والحال أنّ الذي كان فيه هو الصدّ إذ المشركون منعوا المسلمين من مواصلة الطريق ودخول مكة ففسّر الحصر بالصد.
وعلى أيّ حال لعله لا اختلاف بينهما في كلمات أهل اللغة أو المفسّرين ولكن عند الفقهاء وفي لسان الروايات يوجد فرقٌ بينهما.