36/06/10
تحمیل
الموضوع:- قاعدة مرجعية العرف - قواعد وفوائد.
ومن هذا القبيل:- الأمر بغسل الثوب إذا أصابه بول أو نجاسة فإنّ الشرع قد ترك طريقة الغسل وإنما قال:- ( اغسل ثوبك من أبوال من أبوال ما لا يؤكل لحمه )، أما كيف يكون الغسل فإنّه تركه ؟ وهذا معناه أنّه ترك الأمر إلى العرف وأنّه ما يعدّ بنظر العرف غسلاً فحينئذٍ يكون كافياً وما لا يعدّ فلا يكفي، ومن هنا ذكر الفقهاء أنّ صب الماء على الثوب المتنجّس أو أن تدخله في النهر وتخرجه لا يكفي إذ هذا لا يصدق عليه أنّه غسل عند العرف وإنما يصدق عليه إمّا صب الماء أو إدخال الثوب في الماء وأمّا كونه غسلاً فلا . ومتى يصدق الغسل ؟ إنّه لابد من إعمال عنايةٍ كأن تفركه أو شيءٍ آخر.
وعلى هذا الأساس يقع الكلام بالنسبة إلى الغسالات الحديثة، فقد يكثر السؤال وأنّه هل يكفي الغسل فيها أو لا ؟ وفي الحقيقة توجد مشكلتان في مسألة الغسالات الحديثة، المشكلة الأولى هي أنّه هل يصدق الغسل أو لا يصدق ؟ والجواب واضح فإنّ المفروض أن هذه الآلة تتحرك حركة جيّدة يمنةً ويسرةً فالغسل يصدق بالنظر العرفي، فهذا المقدار كافٍ ولا يلزم أن يكون هناك عصرٌ أو فركٌ باليد فإنّ هذه ليست مأخوذة بالنظر العرفي بل المهم وجود عنايةٍ حتى لا يصدق الصبّ والعناية إمّا أن تكون بالفرك من خلال اليد أو من خلال دوران الغسالة.
وإذا قلنا إنّ الغسل موقوفٌ على خروج فالماء هنا يخرج أيضاً فلا مشكلة من هذه الناحية.
وتوجد مشكلة ثانية وهي أنّ هذه الغسالة حينما تتحرك سوف يصيب الماء الأطراف العليا منها وحينما تصبّ الماء ثانياً فسوف لا ينصبّ على جميع تلك الأطراف التي أصابتها النجاسة وتبقى بعض الأطراف يشكّ هل أصابه الماء الجديد أو لا فيجري استصحاب بقاء نجاسة الأطراف، إنّه قد يتوقّف من هذه الناحية.
ويمكن التغلب على هذه الناحية أيضاً بروايات المركَن[1] حيث توجد عندنا في باب الغسل روايات في ذلك فالراوي يسأل الإمام عن غسل المركٍن فيقول له الإمام ( ضعه واغسله فيه مرّتين ) - إذا كان من البول - ومن الواضح أنّه حينما غسله في المرّة الثانية هل يلزم أن يوصل الماء إلى جميع أجزاء المركن ويطهّره ؟ كلّا لا يوجد هذا الاحتمال وهذا معناه أنّ ما يحصل بسبب الغُسَالة الأولى لا يؤثر . فإذن نقول إنَّ حوض الغسالة لا يختلف عن المِركَن من هذه الناحية فلا مشكلة.
والذي أريد أن أقوله هو أنّ الشرع أمر بالغسل وترك تحديده وهذا معناه أنّه تحويلٌ على العرف فما يراه العرف غسلاً يكون كافياً وما لا يراه كذلك فلا.
وهناك مثال آخر:- وهو باب الخمس فهل بداية السنة من حين التكسّب أو من حين حصول الربح فالمدار على ماذا وماذا يصنع الفقيه - بعد الالتفات إلى أنّه لا توجد عندنا رواية في هذا المجال فالروايات قليلة والمهم الذي عندنا هو ( كلّ ما أفاد الناس من قليلٍ أو كثيرٍ ففيه الخمس ) - ؟
يمكن في هذا المجال أن يقال:- إنّ سكوت الشرع عن تحديد بداية السنة معناه أنه حوالة على العرف والعرف يرى أنّ من كان يتكسّب فبداية سنته من حين شروعه في التكسّب وأما إذا كان غير متكسّبٍ فمن حين حصول الفائدة، فتحديد بداية السنة الخمسيّة بهذا الشكل لا توجد فيه رواية وإنما نرجع إلى العرف في تحديدها بالشكل الذي أشرنا إليه.
إذن العرف لا يُرجَع إليه في تحديد المصداق وإنما يُرجع إليه في موردين الأول ما إذا صبّ الشرع الحكم على عنوانٍ كلّيٍ وكان بيان ذلك العنوان شيئاً ضرورياً ولازما ًوالشارع ترك تحديده فتَركُ التحديد معناه التحويل على العرف وقد ذكرنا بعض الأمثلة على ذلك.
المورد الثاني الذي يكون فيه العرف مرجعاً في تحديد المصداق:- ما إذا فرض أنّ تحديد المصداق يرجع إلى تحديد المفهوم، ومن الأمثلة على ذلك الدم، فإنهّ قد يفترض خروج القيح من جسم الإنسان وكان مادّةً ليست حمراء وإنما هي قريبة من الصفرة، ففي مثل هذه الحالة يقول العرف هذا ليس بدم ولكنّ المختبر يقول هذا دم ولكن اللون مختلف، ففي مثل هذه الحالة ماذا نصنع ؟ هل نترك النظر العرفي باعتبار أنّ العرف ليس مرجعاً في تحديد المصداق أو نأخذ بالنظر العرفي ولكن يبقى الإشكال العلمي وهو أنّه كيف ترجع إلى العرف في تحديد المصداق والحال أنّ العرف نرجع إليه في تحديد المفهوم دون المصداق ؟
وهكذا الكلام بالنسبة إلى الدم القليل الذي لا يُدرَك بالطرف - حيث نسب إلى الشيخ الطوسي أو غيره أنه لا ينجّس الماء - فهل يمكن الرجوع فيه إلى العرف ونقول هو لا ينجّس أو نقول هو ينجّس فإنّ العرف يُرجَع إليه في تحديد المفهوم دون المصداق.
في هذين المثالين وما شاكلها ربما يقال يمكن الرجوع إلى العرف بأحد بيانات ثلاثة:-
البيان الأوّل:- نقول:- إنّ العرف يأخذ في مفهوم الدم قيداً خاصّاً وهو أن يكون أحمر وأن يُدرَك بالطرف، فإذا صار الأمر كذلك فالعود إلى العرف يكون من العود إليه في تحديد المفهوم ولا بأس بذلك حينئذٍ.
وليس من البعيد أنّ الدم مأخوذٌ بالنظر العرفي أنّه أحمر فإذا لم يكن أحمر فهو ليس بدمٍ والرجوع إلى العرف في تحديد المفهوم شيءٌ جائزٌ ولا بأس به فتنحلّ المشكلة آنذاك.
البيان الثاني:- أن نقول:- حيث إنّ العرف لا يرى الدم الأصفر دماً وهذا شيء واضح في الأذهان العرفيّة وإن كان هو مخطئاً في ذلك ولكن هذا يصبح بمثابة القرينة المتّصلة بدليل نجاسة الدم، فعلى هذا الأساس لا ينعقد إطلاقٌ في دليل نجاسة الدم لكلّ دمٍ - أي حتى دم المختبر - لأجل وجود هذه القرينة المتّصلة.
والفارق بين هذا البيان وبين ما سبق واضحٌ، فإنّه فيما سبق تكون الحمرة جزء من المفهوم، أمّا هنا يبقى مفهوم الدم على سعته ولكن توجد قرينة متّصلة تمنع من الأخذ بإطلاقه.
البيان الثالث:- أن نقول:- مادام العرف يعتبر في الدم الحمرة فسكوت الشرع عن ردّ العرف يستفاد منه إمضاء هذا النظر العرفي وإلّا كان من المناسب أن يردعه.
إذن رجعنا إلى العرف في تحديد المصداق لكن لم نرجع إليه في تحديد المصداق ابتداءً بل رجعنا إليه إمّا بعد تحويل ذلك إلى كونه رجوعاً في المفهوم كما هو مقتضى البيان الأول، أو من باب القرينة المتّصلة كما هو مقتضى البيان الثاني، أو من باب أن سكوت الشرع هو إمضاء لما عليه النظر العرفي كما هو مقتضى البيان الثالث.
المورد الثالث الذي يرجع فيه إلى العرف:- الشروط الضمنيّة.
فيجوز الرجوع إلى العرف لتحديد الشرط الضمني، من قبيل ما إذا اشترى شخصٌ شيئاً ثم ظهر فيه عيبٌ فإنّ له خيار العيب باعتبار أنّه يوجد شرطٌ ضمنيٌّ بين المتبايعين على أني أشتري منك الشيء الصحيح فإذا كان ليس بسليمٍ فلي الحقّ في إرجاعه - ولاحظ وجدانك -، فنرجع إلى العرف من باب أنّه يرى تحقّق الشرط الضمني في هذا المورد وحينئذٍ يثبت الخيار، ولذلك لا نحتاج في خيار العيب وخيار الغش إلى روايةٍ بل تكفينا فكرة الشرط الضمني، ودور العرف ليس دور المثبت للخيار بل إنَّ مدرك ثبوت الخيار هو الشرع فإنّ الشرع قال ( كلّ من اشترط شرطاً فله خيار تخلّف الشرط ) فيأتي العرف ويقول هنا يوجد شرطٌ، فهو ينقّح صغرى تحقّق الشرط ووجه الحجية هو هذا، فنحن لا نرجع إليه في تأسيس الحكم الشرعي وإثباته وإنما الحكم الشرعي قد ثبت بدليله بل نرجع إليه في تنقيح الصغرى وأنّه يوجد شرط ضمني.
وهكذا لو فرض أنّ البائع تأخر في تسليم السلعة أو فرض أنّ المشتري لم يدفع الثمن فللطرف الآخر خيار تخلّف الشرط والعرف ينقّح الشرط الضمني ويبقى حينئذٍ ثبوت الخيار بدليله الخاص الدال على أنّه إذا تخلف الشرط ثبت الخيار.
وهناك بعض الأمثلة النافعة في هذا المجال من قبيل خدمة الزوجة في البيت فهي لا يجب عليها الخدمة في البيت كما يقول الفقهاء ومدرك ذلك هو عدم الدليل على ذلك، ولكن في نفس الوقت يمكن أن نقول يوجد شرط ضمنيّ ولو في بعض المجتمعات.
ونفس الكلام بالنسبة إلى حضانة الطفل فإنّه لا يجب عليها أن ترضعه كما لا يجب عليها أن تستيقظ في الليل لرعايته، ولكن في المقابل يمكن أن يقال يوجد شرط ضمنيّ لذلك، فهنا يمكن الاستفادة من فكرة الشرط الضمني.
ومن هذا القبيل:- الأمر بغسل الثوب إذا أصابه بول أو نجاسة فإنّ الشرع قد ترك طريقة الغسل وإنما قال:- ( اغسل ثوبك من أبوال من أبوال ما لا يؤكل لحمه )، أما كيف يكون الغسل فإنّه تركه ؟ وهذا معناه أنّه ترك الأمر إلى العرف وأنّه ما يعدّ بنظر العرف غسلاً فحينئذٍ يكون كافياً وما لا يعدّ فلا يكفي، ومن هنا ذكر الفقهاء أنّ صب الماء على الثوب المتنجّس أو أن تدخله في النهر وتخرجه لا يكفي إذ هذا لا يصدق عليه أنّه غسل عند العرف وإنما يصدق عليه إمّا صب الماء أو إدخال الثوب في الماء وأمّا كونه غسلاً فلا . ومتى يصدق الغسل ؟ إنّه لابد من إعمال عنايةٍ كأن تفركه أو شيءٍ آخر.
وعلى هذا الأساس يقع الكلام بالنسبة إلى الغسالات الحديثة، فقد يكثر السؤال وأنّه هل يكفي الغسل فيها أو لا ؟ وفي الحقيقة توجد مشكلتان في مسألة الغسالات الحديثة، المشكلة الأولى هي أنّه هل يصدق الغسل أو لا يصدق ؟ والجواب واضح فإنّ المفروض أن هذه الآلة تتحرك حركة جيّدة يمنةً ويسرةً فالغسل يصدق بالنظر العرفي، فهذا المقدار كافٍ ولا يلزم أن يكون هناك عصرٌ أو فركٌ باليد فإنّ هذه ليست مأخوذة بالنظر العرفي بل المهم وجود عنايةٍ حتى لا يصدق الصبّ والعناية إمّا أن تكون بالفرك من خلال اليد أو من خلال دوران الغسالة.
وإذا قلنا إنّ الغسل موقوفٌ على خروج فالماء هنا يخرج أيضاً فلا مشكلة من هذه الناحية.
وتوجد مشكلة ثانية وهي أنّ هذه الغسالة حينما تتحرك سوف يصيب الماء الأطراف العليا منها وحينما تصبّ الماء ثانياً فسوف لا ينصبّ على جميع تلك الأطراف التي أصابتها النجاسة وتبقى بعض الأطراف يشكّ هل أصابه الماء الجديد أو لا فيجري استصحاب بقاء نجاسة الأطراف، إنّه قد يتوقّف من هذه الناحية.
ويمكن التغلب على هذه الناحية أيضاً بروايات المركَن[1] حيث توجد عندنا في باب الغسل روايات في ذلك فالراوي يسأل الإمام عن غسل المركٍن فيقول له الإمام ( ضعه واغسله فيه مرّتين ) - إذا كان من البول - ومن الواضح أنّه حينما غسله في المرّة الثانية هل يلزم أن يوصل الماء إلى جميع أجزاء المركن ويطهّره ؟ كلّا لا يوجد هذا الاحتمال وهذا معناه أنّ ما يحصل بسبب الغُسَالة الأولى لا يؤثر . فإذن نقول إنَّ حوض الغسالة لا يختلف عن المِركَن من هذه الناحية فلا مشكلة.
والذي أريد أن أقوله هو أنّ الشرع أمر بالغسل وترك تحديده وهذا معناه أنّه تحويلٌ على العرف فما يراه العرف غسلاً يكون كافياً وما لا يراه كذلك فلا.
وهناك مثال آخر:- وهو باب الخمس فهل بداية السنة من حين التكسّب أو من حين حصول الربح فالمدار على ماذا وماذا يصنع الفقيه - بعد الالتفات إلى أنّه لا توجد عندنا رواية في هذا المجال فالروايات قليلة والمهم الذي عندنا هو ( كلّ ما أفاد الناس من قليلٍ أو كثيرٍ ففيه الخمس ) - ؟
يمكن في هذا المجال أن يقال:- إنّ سكوت الشرع عن تحديد بداية السنة معناه أنه حوالة على العرف والعرف يرى أنّ من كان يتكسّب فبداية سنته من حين شروعه في التكسّب وأما إذا كان غير متكسّبٍ فمن حين حصول الفائدة، فتحديد بداية السنة الخمسيّة بهذا الشكل لا توجد فيه رواية وإنما نرجع إلى العرف في تحديدها بالشكل الذي أشرنا إليه.
إذن العرف لا يُرجَع إليه في تحديد المصداق وإنما يُرجع إليه في موردين الأول ما إذا صبّ الشرع الحكم على عنوانٍ كلّيٍ وكان بيان ذلك العنوان شيئاً ضرورياً ولازما ًوالشارع ترك تحديده فتَركُ التحديد معناه التحويل على العرف وقد ذكرنا بعض الأمثلة على ذلك.
المورد الثاني الذي يكون فيه العرف مرجعاً في تحديد المصداق:- ما إذا فرض أنّ تحديد المصداق يرجع إلى تحديد المفهوم، ومن الأمثلة على ذلك الدم، فإنهّ قد يفترض خروج القيح من جسم الإنسان وكان مادّةً ليست حمراء وإنما هي قريبة من الصفرة، ففي مثل هذه الحالة يقول العرف هذا ليس بدم ولكنّ المختبر يقول هذا دم ولكن اللون مختلف، ففي مثل هذه الحالة ماذا نصنع ؟ هل نترك النظر العرفي باعتبار أنّ العرف ليس مرجعاً في تحديد المصداق أو نأخذ بالنظر العرفي ولكن يبقى الإشكال العلمي وهو أنّه كيف ترجع إلى العرف في تحديد المصداق والحال أنّ العرف نرجع إليه في تحديد المفهوم دون المصداق ؟
وهكذا الكلام بالنسبة إلى الدم القليل الذي لا يُدرَك بالطرف - حيث نسب إلى الشيخ الطوسي أو غيره أنه لا ينجّس الماء - فهل يمكن الرجوع فيه إلى العرف ونقول هو لا ينجّس أو نقول هو ينجّس فإنّ العرف يُرجَع إليه في تحديد المفهوم دون المصداق.
في هذين المثالين وما شاكلها ربما يقال يمكن الرجوع إلى العرف بأحد بيانات ثلاثة:-
البيان الأوّل:- نقول:- إنّ العرف يأخذ في مفهوم الدم قيداً خاصّاً وهو أن يكون أحمر وأن يُدرَك بالطرف، فإذا صار الأمر كذلك فالعود إلى العرف يكون من العود إليه في تحديد المفهوم ولا بأس بذلك حينئذٍ.
وليس من البعيد أنّ الدم مأخوذٌ بالنظر العرفي أنّه أحمر فإذا لم يكن أحمر فهو ليس بدمٍ والرجوع إلى العرف في تحديد المفهوم شيءٌ جائزٌ ولا بأس به فتنحلّ المشكلة آنذاك.
البيان الثاني:- أن نقول:- حيث إنّ العرف لا يرى الدم الأصفر دماً وهذا شيء واضح في الأذهان العرفيّة وإن كان هو مخطئاً في ذلك ولكن هذا يصبح بمثابة القرينة المتّصلة بدليل نجاسة الدم، فعلى هذا الأساس لا ينعقد إطلاقٌ في دليل نجاسة الدم لكلّ دمٍ - أي حتى دم المختبر - لأجل وجود هذه القرينة المتّصلة.
والفارق بين هذا البيان وبين ما سبق واضحٌ، فإنّه فيما سبق تكون الحمرة جزء من المفهوم، أمّا هنا يبقى مفهوم الدم على سعته ولكن توجد قرينة متّصلة تمنع من الأخذ بإطلاقه.
البيان الثالث:- أن نقول:- مادام العرف يعتبر في الدم الحمرة فسكوت الشرع عن ردّ العرف يستفاد منه إمضاء هذا النظر العرفي وإلّا كان من المناسب أن يردعه.
إذن رجعنا إلى العرف في تحديد المصداق لكن لم نرجع إليه في تحديد المصداق ابتداءً بل رجعنا إليه إمّا بعد تحويل ذلك إلى كونه رجوعاً في المفهوم كما هو مقتضى البيان الأول، أو من باب القرينة المتّصلة كما هو مقتضى البيان الثاني، أو من باب أن سكوت الشرع هو إمضاء لما عليه النظر العرفي كما هو مقتضى البيان الثالث.
المورد الثالث الذي يرجع فيه إلى العرف:- الشروط الضمنيّة.
فيجوز الرجوع إلى العرف لتحديد الشرط الضمني، من قبيل ما إذا اشترى شخصٌ شيئاً ثم ظهر فيه عيبٌ فإنّ له خيار العيب باعتبار أنّه يوجد شرطٌ ضمنيٌّ بين المتبايعين على أني أشتري منك الشيء الصحيح فإذا كان ليس بسليمٍ فلي الحقّ في إرجاعه - ولاحظ وجدانك -، فنرجع إلى العرف من باب أنّه يرى تحقّق الشرط الضمني في هذا المورد وحينئذٍ يثبت الخيار، ولذلك لا نحتاج في خيار العيب وخيار الغش إلى روايةٍ بل تكفينا فكرة الشرط الضمني، ودور العرف ليس دور المثبت للخيار بل إنَّ مدرك ثبوت الخيار هو الشرع فإنّ الشرع قال ( كلّ من اشترط شرطاً فله خيار تخلّف الشرط ) فيأتي العرف ويقول هنا يوجد شرطٌ، فهو ينقّح صغرى تحقّق الشرط ووجه الحجية هو هذا، فنحن لا نرجع إليه في تأسيس الحكم الشرعي وإثباته وإنما الحكم الشرعي قد ثبت بدليله بل نرجع إليه في تنقيح الصغرى وأنّه يوجد شرط ضمني.
وهكذا لو فرض أنّ البائع تأخر في تسليم السلعة أو فرض أنّ المشتري لم يدفع الثمن فللطرف الآخر خيار تخلّف الشرط والعرف ينقّح الشرط الضمني ويبقى حينئذٍ ثبوت الخيار بدليله الخاص الدال على أنّه إذا تخلف الشرط ثبت الخيار.
وهناك بعض الأمثلة النافعة في هذا المجال من قبيل خدمة الزوجة في البيت فهي لا يجب عليها الخدمة في البيت كما يقول الفقهاء ومدرك ذلك هو عدم الدليل على ذلك، ولكن في نفس الوقت يمكن أن نقول يوجد شرط ضمنيّ ولو في بعض المجتمعات.
ونفس الكلام بالنسبة إلى حضانة الطفل فإنّه لا يجب عليها أن ترضعه كما لا يجب عليها أن تستيقظ في الليل لرعايته، ولكن في المقابل يمكن أن يقال يوجد شرط ضمنيّ لذلك، فهنا يمكن الاستفادة من فكرة الشرط الضمني.