34/11/24
تحمیل
الموضوع:- تنبيهات / التنبيه الرابع ( الأصل المثبت ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
هذا كلّه بلحاظ الأصل المثبت ولكن لو كان اللازم لازماً للمستصحب وليس لنفس الاستصحاب.
أما إذا كان اللازم غير الشرعي - كوجوب الامتثال والاطاعة - لازماً لنفس الاستصحاب فقد ذكرنا أنه يثبت ، والوجه في ذلك هو أن موضوع اللازم العقلي - أي موضوع وجوب الامتثال عقلاً - يكون ثابتاً بالوجدان وليس ثابتاً بالتعبّد فإنه بالوجدان قد ثبت بالاستصحاب وصول وبقاء وجوب الجمعة الى زمن الغيبة فبقاء الوجوب الى زمان الغيبة قد وصل لي تعبداً وهذا الوصول التعبّدي ثابت بالوجدان بمعنى أني يمكن أن اقسم وأقول ( والله قد وصل لي بقاء الوجوب تعبّداً ) ومعه يثبت وجوب الامتثال عقلاً فإن العقل يقول ( يجب الامتثال إذا علمت ببقاء الحكم إما بقاءً وجدانياً أو بقاءً من خلال الحجّة الشرعيّة يعني تعبداً ) والبقاء من خلال الحجّة الشرعيّة ثابت لديَّ بالوجدان وليس بالتعبّد فموضوع الوجوب العقلي ثابتٌ بالوجدان
[1]
ومادام ثابتاً بالوجدان فيثبت حينئذٍ الحكم العقلي من باب ثبوت موضوعه بالوجدان وليس بالتعبّد ، وبذلك يختلف هذا المورد عن استصحاب حياة الولد لإثبات نبات اللحية فإن نبات اللحية مترتب على حياة الولد خارجاً وتكويناً وحقيقةً والمفروض أني لا أعلم بحياته حقيقةً غايته هناك تعبّد بالبقاء فنقتصر على مقدار التعبّد وهو ثبوت الحياة أما ما زاد عليها - يعني نبات اللحية - فلا ، وهذا بخلافه في وجوب الامتثال فإن موضوعه ثبوت الحكم في هذا الزمان إما بالثبوت الوجداني أو بالثبوت التعبّدي لأن العقل يقول إذا كان الحكم ثابتاً ولو تعبّداً وبحجّة شرعية وجب الامتثال ، وثبوت الحكم وبقاءه بالحجّة الشرعيّة ثابت بالوجدان فيثبت وجوب الامتثال . هذه هي النكتة الفارقة بين ما إذا كان الأثر غير الشرعي أثراً للمستصحب وبين ما إذا كان أثراً لنفس الاستصحاب وليس للمستصحب فإذا كان للمستصحب فلا يثبت الأثر باعتبار أن المناط هو على الثبوت الواقعي للمستصحب والاستصحاب لا يثبت لي ثبوتاً واقعيّاً للمستصحب فيثبت المستصحب دون آثاره ، وأما إذا كان الأثر أثراً لنفس الاستصحاب فجريان الاستصحاب ثابتاً بالوجدان وليس بالتعبّد فيثبت أثره أيضاً لثبوت موضوعه بالوجدان.
المطلب الثالث:- لماذا تكون الأمارة المثبتة حجّة بينما الأصل المثبت لا يكون بحجة ؟ وبكلمة أخرى:- لو أن حياة الولد ثبتت بالاستصحاب فذكرنا أن نبات اللحية لا يثبت وبالتالي لا يثبت وجوب التصدق ، أما لو جاءنا ثقةٌ وقال ( ابنك بَعدُ حيّ يرزق ) ففي مثل هذه الحالة سوف تثبت حياة الولد وبقاءه حيّاً الى هذا الزمان بالخبر وليس بالاستصحاب ومعه يثبت نبات اللحية وبالتالي يتثبت وجوب التصدّق ، هكذا أفتى الأعلام وقد خالف السيد الخوئي(قده) في ذلك.
ولماذا تكون الأمارة حجّة في لوازمها ولا يكون حالها حال الاستصحاب فما هي النكتة الفارقة ؟
والجواب:- إن في ذلك وجوه ثلاثة:-
الوجه الأول:- ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية
[2]
وحاصله:- إن الشخص إذا أخبر عن حياة الولد فهو قد أخبر أيضاً عن اللوازم التي منها نبات اللحية فهو قد أخبر بأنه يأكل - إذ الاكل لازمٌ من اللوازم - ويمشي وينام وهكذا باقي لوازم الحياة فهو قد أخبر بمائة وواحدٍ مائة منها بعدد اللوازم وواحدٌ عن نفس المؤدّى للمدلول المطابقي ، وإذا ثبت هذا - يعني أنه قد أخبر ليس فقط عن المؤدّى والمدلول المطابقي بل أخبر أيضاً عن المدلول الالتزامي - فحينئذ نقول إنه بعد أن صَدَق عنوان الخبر بلحاظ المدلول الالتزامي نتمسك آنذاك بإطلاق دليل حجّية الخبر فإن الدليل الذي دلّ على أن الخبر حجّة هو مطلقٌ فكما يشمل الخبر بلحاظ المدلول المطابقي يشمل الخبر بلحاظ المدلول الالتزامي أيضاً ، فالحجيّة إذن على طبق القاعدة بهذا البيان.
وهو بيانٌ مركّب من مقدمتين:-
الأولى:- إن عنوان الخبر لا يختصّ بالمدلول المطابقي بل هو صادقٌ على المدلول الالتزامي.
والثانية:- إنه بعد أن صدق عنوان الخبر على المدلول الالتزامي نتمسك بإطلاق دليل حجيّة الخبر .
هذا ما أفاده(قده) ونص عبارته هكذا:- ( ثم لا يخفى روح الفرق بين الاستصحاب وسائر الأصول العبديّة وبين الطرق والأمارات فإن الطريق والأمارة
[3]
حيث أنه كما يحكي عن المؤدّى ويشير إليه كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه ولوازمه ملازماته ويشير إليها كان مقتضى إطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها ) - يعني فيما تحكي عنه من اللوازم والملزومات - هذا ما أفاده(قده) في التنبيه السابع من تنبيهات الاستصحاب.
وممن تبنّى هذا الوجه ووافقه عليه الشيخ العراقي(قده)
[4]
.
وأشكل عليه الشيخ النائيني(قده)
[5]
ووافقه على ذلك السيد الخوئي(قده)
[6]
حيث قالا:- إنّا لا نسلم المقدمة الأولى - وهي أن من أخبر عن شيء أخبر عن لوازمه - فإن إخباره متقوّم عرفاً بالقصد وحيث إن المتكلم المُخبِر هو عادةً لا يلتفت الى اللوازم فضلاً عن أن يكون قاصداً للإخبار عنها فلا يصدق أنه أخبر عن اللوازم . إذن المقدمة الأولى ليست بتامّة وعليه فلا تصل النوبة الى التمسك بإطلاق دليل الحجيّة.
وذكر الشيخ العراقي(قده) دفاعاً عن استاذه الخراساني جوابين عن هذا الإشكال:-
الجواب الأول:- أن يدّعى أن الحكاية التصوّرية بلحاظ اللوازم زائداً القصد الجدّي للإخبار عن المؤدّى - أي هذا المجموع - ينفي لصدق عنوان الإخبار بلحاظ المدلول الالتزامي رغم أنه لا يوجد قصدٌ واقعيٌّ للإخبار عن اللازم ولكنّه يوجد قصد جدّي للإخبار عن المؤدّى ويوجد أيضاً حكاية تصوّرية بلحاظ اللازم ، والمقصود من الحكاية التصوّرية يعني الحكاية والإخبار على مستوى المدلول الاستعمالي فاستعمالاً يصدق عنوان الخبر وأنه قد أخبر وإن لم يكن قاصداً لذلك فمادام توجد حكاية وإخبار على مستوى المدلول الاستعمالي والمفروض أن هناك قصدٌ بلحاظ المؤدّى - وهو حياة الولد - فيكفي ذلك لصدق عنوان الإخبار بلحاظ اللوازم ولا يلزم أن تكون اللوازم قد قُصِدَ الإخبار عنها ، فالقصد ليس بلازمٍ مادام توجد حكاية تصوّرية بلحاظ اللوازم مع وجود قصدٍ جدّي بلحاظ المؤدّى.
الجواب الثاني:- لو تنزلنا وقلنا إن عنوان الإخبار متقوّم بالقصد حتى بلحاظ اللوازم ولكن نقول يكفي القصد التقديري بمعنى أنه على تقدير أن يلتفت الى اللوازم فهو يقصد الإخبار عنها لكنّه لم يلتفت إليها صدفةً ، ومادام هناك قصدٌ تقديريّ بهذا الشكل فيكفي حينئذ لصدق عنوان الإخبار.
وخلاصة هذا الخلاف:- إن العلمين النائيني والخوئي(قده) يقولان إنا نحتاج الى قصدٍ فعليّ للوازم حتى يصدق الإخبار بلحاظها بينما الشيخ العراقي(قده) يقول إنّا لا نحتاج الى قصدٍ وإذا احتجنا إليه فسنحتاج الى القصد التقديري والقصد التقديري موجودٌ دائماً.
[1] وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
[2] كفاية الأصول، الخراساني، ص416، ط آل البيت.
[3] والفرق بين الطريق والامارة هو أن الطرق يعبّر في باب الاحكام والأمارة في باب الموضوعات فإذا جاء الثقة وقال دخل الوقت فهذا أمارة فدخول الوقت موضوع لوجوب الصلاة أما اذا قال تجب الصلاة عند دخول الوقت فيقال هذا طريق ، وعلى أي حال هذان مصطلحان أصوليان ولكن رغم أنهما مصطلحان يوجد بينهما ترادف فهما من قبيل اذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا.
[4] نهاية الافكار، العراقي، ج3، 183.
[5] أجود التقريرات، النائيني، ج2، ص418.
[6] مصباح الاصول، الخوئي، ج3، ص153، ط قديمة.