35/05/02
تحمیل
الموضوع:- التنبيه الثامن ( وجه تقديم الأمارات
على الأصول ) / تنبيهات / الاستصحاب / الأصول العملية.
هذا ويمكن أن يقال:- إن الأجدر من الاحتمالات السابقة هو الورود والتخصيص، فإما أن نبني على أن الأمارة تقدّم على استصحاب لأجل الورود، أو نبني على أن تقدّمها لأجل الخصيص فكلاهما وجيه.
أما بالنسبة إلى الورود - أعني أن الأمارة واردة ورافعة لموضوع الاستصحاب رفعاً حقيقياً ولكن من خلال التعبّد -:- وذلك لأجل أن كلمة اليقين الواردة في حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) يراد بها الحجّة أي لا تنقض الحجّة الشرعيّة بغير الحجّة، وحيث أن دليل حجيّة الأمارة يثبت الحجيّة للأمارة فارتفع موضوع الاستصحاب ارتفاعاً حقيقيّاً وهذا عبارة عن الورود.
وأما ما أفاده السيد الخوئي والسيد الشهيد - من أن هذا على خلاف الظاهر فإن ظاهر كلمة اليقين هو اليقين وحملها على الحجّة يحتاج إلى قرينة وهي مفقودة - فيمكن أن يقال في جوابه:- إن قضيّة ( لا تنقض اليقين بالشك ) هي قضيّة عقلائيّة ارتكازيّة وليست قضيّة تعبّدية، وإذا رجعنا إلى الارتكاز والعقلاء فهما قاضيان بأنّ المناط على الحجّة، فالحجّة لا يجوز رفع اليد عنها بغير الحجّة، أما أن تلك الحجّة هي خصوص اليقين فهذا لا مدخليّة له، واليقين إنما ذكر من باب أنه مثالٌ واضحٌ للحجّة لا أنه المقصود الأساسي، فكلّ حجّة لا يجوز رفع اليد عنها بغير الحجّة، وهذا مطلبٌ عقلائيٌّ وقرينته معه ولا نحتاج إلى قرينة لفظيّة خاصّة تدلّ عليه.
وقد استفدنا من هذا المطلب فيما سبق - ومقصودي مما سبق يعني في مبحث ( كيف يجري الاستصحاب في موارد قيام الأمارة ؟ يعني إذا قامت الأمارة في أن هذا الشيء نجس وشككنا في بقاء النجاسة فالفقهاء يستصحبون النجاسة التي دلّت عليها الأمارة، وكان هناك إشكالٌ وهو أنها كانت ليست متيقّنة فكيف نجري الاستصحاب في النجاسة ؟! ونحن هناك أجبنا وقلنا:- إن المدار في الاستصحاب ليس على وجود يقينٍ بعنوانه بل المدار على ثبوت الحجّة وحيث أن الأمارة حجّة والنجاسة ثبتت بواسطة الحجّة فلا يجوز رفع اليد عنها بغير الحجّة ) -، وهنا أيضاً نستفيد منه فنفسّر اليقين بالحجّة وأنه ذُكِر كمثالٍ لمطلق الحجّة، وعلى هذا الأساس يكون وجه تقدّم الأمارة على الاستصحاب واضحاً حيث أن دليلها يثبت الحجيّة لها وبواسطتها سوف يرتفع موضوع الاستصحاب فإن موضوع الاستصحاب هو الشك في البقاء وعدم العلم والشك فسّرناه بغير الحجّة فلا يجوز نقض اليقين بغير الحجّة، وحيث أن الأمارة حجّة فحينئذٍ يرتفع موضوع الاستصحاب رفعاً حقيقيّاً بسبب قيام الأمارة، ولكن كما قلنا هذا الرفع بواسطة التعبّد فيصير ذلك وروداً وليس تخصّصاً.
إن قلت:- إن هذا معناه أن سيرة العقلاء منعقدة على حجيّة الاستصحاب، ونحن فيما سبق قد شككنا في انعقاد السيرة على حجيّة الاستصحاب فكيف أخذنا الآن بالارتكاز العقلائي وقلنا إن هذه قضيّة ارتكازيّة عقلائيّة، أوليس هذا ينافي ما أشرنا إليه سابقاً ؟
قلت:- ذكرنا فيما سبق أن القضيّة العقلائية على نحوين، فتارةً يفترض أنها ثابتة بدرجةٍ قويّةٍ لدى العقلاء إلى حدٍّ جرت عليها سيرتهم، وأخرى يفترض أنها ثابتة لدى العقلاء ولكن ليست قويّة إلى حدّ جرت عليها سيرتهم، ومثال ذلك ( أكرم فلاناً لأنه عالم ) فإن هذا تعليل بأمرٍ عقلائيّ وليس بأمر تعبّدي، ولكن حينما نقول هو تعليل بأمرٍ عقلائيّ فهذا لا يستلزم أن السيرة قد جرت عليه، كلّا بل هو تعليلٌ بشيءٍ مقبولٍ لدى العقلاء، وليس على حدّ تعليل ( أكرم فلاناً لأنه طويل ) أو ( لأنه من أهل البلد الفلاني ) فإن هذا ليس تعليلاً يتناسب والنكات العقلائية بخلاف ( أكرمه لأنه عالم ) فإن هذا تعليل يتناسب مع النكات والارتكازات العقلائيّة، وقضيّة لا تنقض اليقين بالشك هي من النحو الثاني، فحينما نقول هي قضيّة ارتكازيّة لا نقصد أنها ارتكازية بالمعنى الأوّل بل بمعنى أنه لا يرفضها العقلاء ولا يرونها أمراً تعبّدياً بحتاً، فهم يقبلون إذا قيل لهم لا تنقض الحجّة بغير الحجّة ولا يرفضونه بل يرونه شيئاً مقبولاً ومطلباً عقلائياً ولا بأس به، وبالتالي إذا رجعنا إلى الحيثيّة العقلائية نجد أن النكتة الثابتة عند العقلاء هي أن رفع اليد عن الحجّة بغير الحجّة أمرٌ مرفوضٌ لا خصوص رفع اليد عن اليقين بالشك فإن هذا ليس له مدخليّة وإنما المهمّ هو عنوان رفع اليد عن الحجّة بغير الحجّة.
وأما بالنسبة إلى الخصيص فقد يوجّه بما أشرنا إليه سابقاً – وهو أنه لو لم نقدّم الاستصحاب يلزم لغوية تشريع الأمارة -:- فقد يشكل عليه بما تقدّم عن السيد الخوئي(قده) من أن عمليّة التخصيص غير ممكنة باعتبار أن النكتة التي ذكرت في دليل الاستصحاب هي نكتة عقلائيّة آبية عن التخصيص.
وقد يشكل عليه بإشكال أخر أيضاً أشار إليه الشيخ العراقي(قده)[1] وأجاب عنه من أن لغوية التشريع تامّة إذا أردنا أن نقدّم كلّ الأصول العمليّة على الأمارة لا خصوص الاستصحاب، فتقديم خصوص الاستصحاب لا يلزم منه لغويّة تشريع الأمارة إذ يبقى للأمارة مساحة أخرى في غير مجال الاستصحاب - أي في مجال جريان أصل البراءة أو الأصول الأخرى -، وإنما يلزم ذلك لو أردنا أن نقدّم جميع الأصول، وأجاب عنه(قده):- بأن الأصول ذات حكمٍ واحدٍ من هذه الناحية، فإما أن نقدّمها جميعاً على الأمارة أو لا نقدّم شيئاً منها على الأمارة، أمّا أن نفصّل بين الاستصحاب وغيره فهو مرفوضٌ بالإجماع وبالاتفاق على عدم الفصل بين الأصول.
والذي أريد أن أقوله:- إن التخصيص الذي أريد أن أذكره ليس هو التخصيص بالتقريب المتقدّم حتى يرد ما أفاده السيد الخوئي والشيخ العراقي، وإنما أقصد بالتخصيص معنىً آخر ولعلّ تسميته بالتخصيص يشتمل على نحوٍ من المسامحة ولنقترح مصطلحاً جديداً إن أمكن، وذلك المعنى الآخر هو أنّا ندّعي أن الشرع المقدّس جعل الأمارة حجّة في مورد جريان الاستصحاب، فحينئذٍ تقدّم الأمارة من باب أن الشرع هو الذي أثبت حجّيتها في مورد جريان الاستصحاب، ولنفترض أنه لا يلزم محذور لغويّة التشريع كما إذا فرضنا أنه توجد موارد أخرى للأمارة يمكن أن تجري فيها بلا مزاحمة، فمع ذلك نقول بأن الشارع جزماً شرّع الأمارة في مورد جريان الاستصحاب، ومادام شرّع حجيّتها في مورد جريان الاستصحاب فمعناه أنه يريد تقديمها على الاستصحاب لأنه شرّعها في ذلك المورد.
وقد تقول:- من أين لك أن الشارع شرّع حجيّة الأمارة في مورد جريان الاستصحاب ؟
أجبتك:- بأن هذا الكمّ الهائل من الروايات والآيات الكريمة نجزم بأن الشارع قد شرّع الحجيّة لبعضه - لنصفه أو لربعة - ولا يحتمل أنه لم يشرّع الحجيّة لمقدار ربعٍ من الروايات الموجودة عندنا أو أقل من ذلك بلا إشكال، وهذا المقدار الذي شرّع حجيته بلا إشكالٍ نقول هو قد شرّع حجيّته في موردٍ يجري فيه الاستصحاب، يعني توجد حالة سابقة والاستصحاب جارٍ في ذلك بالحالة السابقة بحيث لولا هذه الروايات التي شرّع لها الحجيّة لكان المناسب الأخذ بتلك الحالة السابقة ولكن لأجل هذه الروايات نحن نرفع اليد عن الاستصحاب، وأنت لاحظ الروايات التي بأيدينا فإنه في قسمٍ كبير منها يوجد استصحابٌ في موردها، فمثلاً إذا استفدنا من الروايات أن صلاة الجمعة ليست واجبة في زمن الغيبة فهذه الروايات حجّة جزماً والحال أنه يوجد استصحابٌ وهو استصحاب بقاء الوجوب . إنّ ما هو نظير هذا شيء كثير، فنحن نتمكّن أن نُقسِم على أن الشارع قد شرّع قِسْماً من أخبار الثقاة في مورد جريان الاستصحاب سواء كانت أخباراً أو آيات أو ما شاكل ذلك . إذن جَزْمُنا هذا بأن الشارع قد جعل الحجيّة للأمارة في مورد جريان الأصل هو موجبٌ لتقديم الأمارة على الاستصحاب لأن الشارع فعل ذلك - أي جعلها حجّة في مورد جريان الاستصحاب - فلأجل هذه النكتة نقدّم الأمارة . والعكس ليس بصحيح، يعني لا يمكن أن يقول قائل:- نحن نجزم أيضاً بأن الشارع شرّع الحجيّة للاستصحاب في موارد جريان الأمارة !! فنحن نقول له:- من أين لك هذا ؟! إن هذا الشيء ليس موجوداً، بخلافه في ذاك فنحن نجزم بأن أخبار الثقاة هذه أو الآيات قد شرّعها في مورد جريان الاستصحاب . إذن هذه نكتة موجبة لتقديم الأمارات على الاستصحاب بقطع النظر عن مسألة لغوية التشريع فلنفترض أنه لا يلزم لغويّة التشريع ولكن نقول يكفينا هذا الجزم الذي ادّعيناه لتقديم الأمارة على الاستصحاب.
هذا ويمكن أن يقال:- إن الأجدر من الاحتمالات السابقة هو الورود والتخصيص، فإما أن نبني على أن الأمارة تقدّم على استصحاب لأجل الورود، أو نبني على أن تقدّمها لأجل الخصيص فكلاهما وجيه.
أما بالنسبة إلى الورود - أعني أن الأمارة واردة ورافعة لموضوع الاستصحاب رفعاً حقيقياً ولكن من خلال التعبّد -:- وذلك لأجل أن كلمة اليقين الواردة في حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) يراد بها الحجّة أي لا تنقض الحجّة الشرعيّة بغير الحجّة، وحيث أن دليل حجيّة الأمارة يثبت الحجيّة للأمارة فارتفع موضوع الاستصحاب ارتفاعاً حقيقيّاً وهذا عبارة عن الورود.
وأما ما أفاده السيد الخوئي والسيد الشهيد - من أن هذا على خلاف الظاهر فإن ظاهر كلمة اليقين هو اليقين وحملها على الحجّة يحتاج إلى قرينة وهي مفقودة - فيمكن أن يقال في جوابه:- إن قضيّة ( لا تنقض اليقين بالشك ) هي قضيّة عقلائيّة ارتكازيّة وليست قضيّة تعبّدية، وإذا رجعنا إلى الارتكاز والعقلاء فهما قاضيان بأنّ المناط على الحجّة، فالحجّة لا يجوز رفع اليد عنها بغير الحجّة، أما أن تلك الحجّة هي خصوص اليقين فهذا لا مدخليّة له، واليقين إنما ذكر من باب أنه مثالٌ واضحٌ للحجّة لا أنه المقصود الأساسي، فكلّ حجّة لا يجوز رفع اليد عنها بغير الحجّة، وهذا مطلبٌ عقلائيٌّ وقرينته معه ولا نحتاج إلى قرينة لفظيّة خاصّة تدلّ عليه.
وقد استفدنا من هذا المطلب فيما سبق - ومقصودي مما سبق يعني في مبحث ( كيف يجري الاستصحاب في موارد قيام الأمارة ؟ يعني إذا قامت الأمارة في أن هذا الشيء نجس وشككنا في بقاء النجاسة فالفقهاء يستصحبون النجاسة التي دلّت عليها الأمارة، وكان هناك إشكالٌ وهو أنها كانت ليست متيقّنة فكيف نجري الاستصحاب في النجاسة ؟! ونحن هناك أجبنا وقلنا:- إن المدار في الاستصحاب ليس على وجود يقينٍ بعنوانه بل المدار على ثبوت الحجّة وحيث أن الأمارة حجّة والنجاسة ثبتت بواسطة الحجّة فلا يجوز رفع اليد عنها بغير الحجّة ) -، وهنا أيضاً نستفيد منه فنفسّر اليقين بالحجّة وأنه ذُكِر كمثالٍ لمطلق الحجّة، وعلى هذا الأساس يكون وجه تقدّم الأمارة على الاستصحاب واضحاً حيث أن دليلها يثبت الحجيّة لها وبواسطتها سوف يرتفع موضوع الاستصحاب فإن موضوع الاستصحاب هو الشك في البقاء وعدم العلم والشك فسّرناه بغير الحجّة فلا يجوز نقض اليقين بغير الحجّة، وحيث أن الأمارة حجّة فحينئذٍ يرتفع موضوع الاستصحاب رفعاً حقيقيّاً بسبب قيام الأمارة، ولكن كما قلنا هذا الرفع بواسطة التعبّد فيصير ذلك وروداً وليس تخصّصاً.
إن قلت:- إن هذا معناه أن سيرة العقلاء منعقدة على حجيّة الاستصحاب، ونحن فيما سبق قد شككنا في انعقاد السيرة على حجيّة الاستصحاب فكيف أخذنا الآن بالارتكاز العقلائي وقلنا إن هذه قضيّة ارتكازيّة عقلائيّة، أوليس هذا ينافي ما أشرنا إليه سابقاً ؟
قلت:- ذكرنا فيما سبق أن القضيّة العقلائية على نحوين، فتارةً يفترض أنها ثابتة بدرجةٍ قويّةٍ لدى العقلاء إلى حدٍّ جرت عليها سيرتهم، وأخرى يفترض أنها ثابتة لدى العقلاء ولكن ليست قويّة إلى حدّ جرت عليها سيرتهم، ومثال ذلك ( أكرم فلاناً لأنه عالم ) فإن هذا تعليل بأمرٍ عقلائيّ وليس بأمر تعبّدي، ولكن حينما نقول هو تعليل بأمرٍ عقلائيّ فهذا لا يستلزم أن السيرة قد جرت عليه، كلّا بل هو تعليلٌ بشيءٍ مقبولٍ لدى العقلاء، وليس على حدّ تعليل ( أكرم فلاناً لأنه طويل ) أو ( لأنه من أهل البلد الفلاني ) فإن هذا ليس تعليلاً يتناسب والنكات العقلائية بخلاف ( أكرمه لأنه عالم ) فإن هذا تعليل يتناسب مع النكات والارتكازات العقلائيّة، وقضيّة لا تنقض اليقين بالشك هي من النحو الثاني، فحينما نقول هي قضيّة ارتكازيّة لا نقصد أنها ارتكازية بالمعنى الأوّل بل بمعنى أنه لا يرفضها العقلاء ولا يرونها أمراً تعبّدياً بحتاً، فهم يقبلون إذا قيل لهم لا تنقض الحجّة بغير الحجّة ولا يرفضونه بل يرونه شيئاً مقبولاً ومطلباً عقلائياً ولا بأس به، وبالتالي إذا رجعنا إلى الحيثيّة العقلائية نجد أن النكتة الثابتة عند العقلاء هي أن رفع اليد عن الحجّة بغير الحجّة أمرٌ مرفوضٌ لا خصوص رفع اليد عن اليقين بالشك فإن هذا ليس له مدخليّة وإنما المهمّ هو عنوان رفع اليد عن الحجّة بغير الحجّة.
وأما بالنسبة إلى الخصيص فقد يوجّه بما أشرنا إليه سابقاً – وهو أنه لو لم نقدّم الاستصحاب يلزم لغوية تشريع الأمارة -:- فقد يشكل عليه بما تقدّم عن السيد الخوئي(قده) من أن عمليّة التخصيص غير ممكنة باعتبار أن النكتة التي ذكرت في دليل الاستصحاب هي نكتة عقلائيّة آبية عن التخصيص.
وقد يشكل عليه بإشكال أخر أيضاً أشار إليه الشيخ العراقي(قده)[1] وأجاب عنه من أن لغوية التشريع تامّة إذا أردنا أن نقدّم كلّ الأصول العمليّة على الأمارة لا خصوص الاستصحاب، فتقديم خصوص الاستصحاب لا يلزم منه لغويّة تشريع الأمارة إذ يبقى للأمارة مساحة أخرى في غير مجال الاستصحاب - أي في مجال جريان أصل البراءة أو الأصول الأخرى -، وإنما يلزم ذلك لو أردنا أن نقدّم جميع الأصول، وأجاب عنه(قده):- بأن الأصول ذات حكمٍ واحدٍ من هذه الناحية، فإما أن نقدّمها جميعاً على الأمارة أو لا نقدّم شيئاً منها على الأمارة، أمّا أن نفصّل بين الاستصحاب وغيره فهو مرفوضٌ بالإجماع وبالاتفاق على عدم الفصل بين الأصول.
والذي أريد أن أقوله:- إن التخصيص الذي أريد أن أذكره ليس هو التخصيص بالتقريب المتقدّم حتى يرد ما أفاده السيد الخوئي والشيخ العراقي، وإنما أقصد بالتخصيص معنىً آخر ولعلّ تسميته بالتخصيص يشتمل على نحوٍ من المسامحة ولنقترح مصطلحاً جديداً إن أمكن، وذلك المعنى الآخر هو أنّا ندّعي أن الشرع المقدّس جعل الأمارة حجّة في مورد جريان الاستصحاب، فحينئذٍ تقدّم الأمارة من باب أن الشرع هو الذي أثبت حجّيتها في مورد جريان الاستصحاب، ولنفترض أنه لا يلزم محذور لغويّة التشريع كما إذا فرضنا أنه توجد موارد أخرى للأمارة يمكن أن تجري فيها بلا مزاحمة، فمع ذلك نقول بأن الشارع جزماً شرّع الأمارة في مورد جريان الاستصحاب، ومادام شرّع حجيّتها في مورد جريان الاستصحاب فمعناه أنه يريد تقديمها على الاستصحاب لأنه شرّعها في ذلك المورد.
وقد تقول:- من أين لك أن الشارع شرّع حجيّة الأمارة في مورد جريان الاستصحاب ؟
أجبتك:- بأن هذا الكمّ الهائل من الروايات والآيات الكريمة نجزم بأن الشارع قد شرّع الحجيّة لبعضه - لنصفه أو لربعة - ولا يحتمل أنه لم يشرّع الحجيّة لمقدار ربعٍ من الروايات الموجودة عندنا أو أقل من ذلك بلا إشكال، وهذا المقدار الذي شرّع حجيته بلا إشكالٍ نقول هو قد شرّع حجيّته في موردٍ يجري فيه الاستصحاب، يعني توجد حالة سابقة والاستصحاب جارٍ في ذلك بالحالة السابقة بحيث لولا هذه الروايات التي شرّع لها الحجيّة لكان المناسب الأخذ بتلك الحالة السابقة ولكن لأجل هذه الروايات نحن نرفع اليد عن الاستصحاب، وأنت لاحظ الروايات التي بأيدينا فإنه في قسمٍ كبير منها يوجد استصحابٌ في موردها، فمثلاً إذا استفدنا من الروايات أن صلاة الجمعة ليست واجبة في زمن الغيبة فهذه الروايات حجّة جزماً والحال أنه يوجد استصحابٌ وهو استصحاب بقاء الوجوب . إنّ ما هو نظير هذا شيء كثير، فنحن نتمكّن أن نُقسِم على أن الشارع قد شرّع قِسْماً من أخبار الثقاة في مورد جريان الاستصحاب سواء كانت أخباراً أو آيات أو ما شاكل ذلك . إذن جَزْمُنا هذا بأن الشارع قد جعل الحجيّة للأمارة في مورد جريان الأصل هو موجبٌ لتقديم الأمارة على الاستصحاب لأن الشارع فعل ذلك - أي جعلها حجّة في مورد جريان الاستصحاب - فلأجل هذه النكتة نقدّم الأمارة . والعكس ليس بصحيح، يعني لا يمكن أن يقول قائل:- نحن نجزم أيضاً بأن الشارع شرّع الحجيّة للاستصحاب في موارد جريان الأمارة !! فنحن نقول له:- من أين لك هذا ؟! إن هذا الشيء ليس موجوداً، بخلافه في ذاك فنحن نجزم بأن أخبار الثقاة هذه أو الآيات قد شرّعها في مورد جريان الاستصحاب . إذن هذه نكتة موجبة لتقديم الأمارات على الاستصحاب بقطع النظر عن مسألة لغوية التشريع فلنفترض أنه لا يلزم لغويّة التشريع ولكن نقول يكفينا هذا الجزم الذي ادّعيناه لتقديم الأمارة على الاستصحاب.