35/05/17
تحمیل
الموضوع:- التنبيه التاســع ( تعــارض
الاستصحــاب مــع غيــره ) / تنبيهات / الاستصحاب / الأصول العملية.
وثالثاً:- إن ما ذكر لا يتمّ حتى بناءً على أن المجعول في باب الاستصحاب هو العلميّة من زاوية الكشف والكاشفيّة - كما يراه السيد الخوئي(قده) -، والوجه في ذلك هو أنه بجريان استصحاب طهارة الماء يصير المكلف عالماً بطهارة الماء ولا يصير عالماً بطهارة الثوب، فإنّ جعل العلميّة من جهة الملزوم - أي من ناحية طهارة الماء - لا يلازم جعل العلميّة من زاوية اللازم - يعني المعلوم يعني طهارة الثوب -، نعم التعبّد به يلازم التعبّد به، ولكن جعل العلميّة من ناحيته لا يلازم جعل العلميّة من ناحية الآخر.
فالذي أريد أن أقوله:- هو أنه باستصحاب طهارة الماء المولى قد جعلني عالماً بطهارة الماء، فهل يلزم من جعلي عالماً بطهارة الماء أن يجعلني عالماً من حيث اللازم - يعني بطهارة الثوب - ؟ كلّا لا توجد ملازمة، ولا تقل:- هذا أثرٌ شرعيٌّ وفي الآثار الشرعيّة نحن نقبل ترتب الآثار واللوازم الشرعيّة ؟ قلت:- عليك أن تلتفت إلى أنه في باب الأثر الشرعي يكون التعبّد بالمستصحب يلازم التعبّد بلوازمه الشرعيّة - أي في مقام أصل التعبّد - يعني أن المولى حينما يقول لي هذا الماء طاهر فلازمه أن يقول لي إنّ آثاره أيضاً تترتب والتي منها طهارة الثوب لو غسلته بهذا الماء، أمّا إذا جعلني عالماً بطهارة الماء فهل يلزم أن يجعلني عالماً بطهارة الثوب ؟ كلّا، فمن زاوية جعل العلميّة لا توجد ملازمة وإنما توجد ملازمة من زاوية التعبّد فالتعبّد بالمستصحب تعبّد بلوازمه الشرعيّة، أمّا جعل العلميّة من زاوية المستصحب فلا يلازم جعل العمليّة من زاوية اللازم، وهو شيءٌ ظريفٌ جداً فالتفت إليه.
ورابعاً:- لو تنزلنا وقبلنا أن اعتبار الشخص عالماً بالمستصحب يلازم اعتباره عالماً بلوازم المستصحب - أي جعله عالماً بطهارة الماء يلازم جعله بطهارة الثوب - ولكن نقول سوف يلزم محذور آخر وهو أنّه كما أن استصحاب طهارة الماء يصيّرني عالماً بطهارة الماء ومن ثم بطهارة الثوب فصرت عالماً بطهارة الثوب ببركة استصحاب طهارة الماء، نقول إن استصحاب نجاسة الثوب يجعلني أيضاً عالماً بنجاسة الثوب، وعلى هذا الأساس سوف يلزم التعارض بلحاظ اللازم - أي لازم طهارة الماء - فإن لازمه هو طهارة الثوب، فاستصحاب طهارة الماء يقول أنت عالم بطهارة الثوب، بينما استصحاب نجاسة الثوب يقول أنت عالم بنجاسة الثوب، فتحصل معارضة من حيث اللازم، فالاستصحاب الأوّل يجعلني عالماً بطهارة الثوب بينما الاستصحاب الثاني يجعلني عالماً بنجاسة الثوب، فإذن لماذا تُجرِي الاستصحاب الأوّل قبل جريان الاستصحاب الثاني ؟ فإنهما من حيث نجاسة وطهارة الثوب في عرضٍ واحدٍ فلا موجب لتقديم الأوّل على الثاني فتحصل معارضة من حيث اللازم، وبناءً على هذا لا يجري استصحاب طهارة الماء لأنه يلزم منه المعارضة بلحاظ اللازم، فإمّا أن لا يجري أبداً تحرّزاً من هذه المعارضة، أو نقول هو يجري ويصيّرني عالماً بطهارة الماء من دون أن يصيّرني عالماً بطهارة الثوب لأجل المعارضة، فإمّا أن نمنع جريانه من الأساس أو نسلّم بجريانه من دون أن يصيّرني عالماً بطهارة الثوب، فأنا أمام هذين الخيارين، أمّا أن نقول - كما صنع الشيخ النائيني(قده) - بأنه يجري استصحاب طهارة الماء ويجعلني عالماً بطهارة الماء ومن ثم يجعلني عالماً بطهارة الثوب فهذا لا يمكن أن يتمّ ؛ لأن استصحاب نجاسة الثوب أيضاً يجعل العلميّة بنجاسة الثوب فتحصل المعارضة من حيث اللازم . وهذا أيضاً مطلب ظريف يجدر الالفات إليه.
وخامساً:- إن أصل فكرة الحكومة - أي حكومة الأصل السببي على المسبّبي - أمر مرفوض من جهة أخرى، وهي أن الحكومة تعني النظر، فهذا حاكمٌ على ذاك يعني أنه ناظر إليه، والنظر فرع وجود دليلين حتى يكون أحدهما ناظراً إلى الآخر فيزيل موضوعه، وفي المقام لا يوجد دليلان وإنما الموجود دليل واحد وهو ( لا تنقض اليقين بالشك ) ولا يوجد لدينا دليل آخر غير هذا الدليل، فكيف نتصوّر آنذاك نظر دليل الاستصحاب السببي إلى دليل الاستصحاب المسبّبي ؟ إنه شيءٌ غير ممكن، ففكرة الحكومة هي باطلة من الأساس بقطع النظر عن مسلك جعل العلميّة وما أشرنا إليه، إنّه باطلٌ لهذه النكتة التي أشرنا إليها . وكأن الشيخ النائيني(قده) كان ملتفتاً إلى هذا الإشكال فحاول التخلّص منه[1] حيث ادّعى شيئاً دفع به هذا الإشكال:- وهو بأن ندّعي الانحلال، يعني نقول إن دليل ( لا تنقض اليقين بالشك ) هو انحلاليٌّ فينحلُّ ويشمل الاستصحاب السببي ويشمل الاستصحاب المسبّبي، فمرّة عندنا دليل يقول ( لا تنقض اليقين بطهارة الماء بالشك فيها ) ودليل آخر يقول ( لا تنقض اليقين بنجاسة الثوب بالشك فيها ) فحصل إذن دليلان والأوّل يصير ناظراً إلى الثاني وحاكماً عليه.
والجواب عليه واضح:- فإن الانحلال لا يعني أن الدليل الواحد سوف يصير دليلين أو ثلاثة، بل يبقى الدليل والجعل واحداً . وإن شئت قلت:- إن هذا الانحلال ليس في مقام الجعل وإنما هو انحلالٌ في مقام المجعول - يعني الفعليّة - فلا يوجد جعلان من الشارع، بل يوجد جعلٌ واحدٌ وهو ( لا تنقض اليقين بالشك ) فكيف تتصوّر الحكومة حينئذٍ والنظر ؟!!
ومن هنا تراجع عنه في أجود التقريرات قائلاً:- ( إنه لا معنى لنظر أحد الدليلين إلى الآخر في القضايا الانحلاليّة )[2].
ومن هنا حاول(قده) لدفع هذا الاشكال - أي أنه لا يوجد نظر والحكومة فرع النظر بل عين النظر - أن يذكر توجيهاً آخر فذكر ما حاصله:- إنّ ما ذكر - يعني من الحاجة إلى النظر - يتمّ في الحكومة الواقعيّة دون الحكومة الظاهريّة.
وقبل أن أوضّح مقصوده أشير إلى أن مصطلح الحكومة الواقعيّة والظاهريّة مصطلحٌ أصوليٌّ وهو مذكورٌ في كلمات الأصوليين، بيد أن الشيخ النائيني(قده) يريد الآن مصطلحاً جديداً من الحكومة الواقعيّة والحكومة الظاهريّة، فلابد وأن نعرف أوّلاً ما هي الحكومة الواقعيّة والظاهريّة بالمصطلح المتداول، ثم نأتي إلى أنه ما هو المعنى الجديد لهما.
وثالثاً:- إن ما ذكر لا يتمّ حتى بناءً على أن المجعول في باب الاستصحاب هو العلميّة من زاوية الكشف والكاشفيّة - كما يراه السيد الخوئي(قده) -، والوجه في ذلك هو أنه بجريان استصحاب طهارة الماء يصير المكلف عالماً بطهارة الماء ولا يصير عالماً بطهارة الثوب، فإنّ جعل العلميّة من جهة الملزوم - أي من ناحية طهارة الماء - لا يلازم جعل العلميّة من زاوية اللازم - يعني المعلوم يعني طهارة الثوب -، نعم التعبّد به يلازم التعبّد به، ولكن جعل العلميّة من ناحيته لا يلازم جعل العلميّة من ناحية الآخر.
فالذي أريد أن أقوله:- هو أنه باستصحاب طهارة الماء المولى قد جعلني عالماً بطهارة الماء، فهل يلزم من جعلي عالماً بطهارة الماء أن يجعلني عالماً من حيث اللازم - يعني بطهارة الثوب - ؟ كلّا لا توجد ملازمة، ولا تقل:- هذا أثرٌ شرعيٌّ وفي الآثار الشرعيّة نحن نقبل ترتب الآثار واللوازم الشرعيّة ؟ قلت:- عليك أن تلتفت إلى أنه في باب الأثر الشرعي يكون التعبّد بالمستصحب يلازم التعبّد بلوازمه الشرعيّة - أي في مقام أصل التعبّد - يعني أن المولى حينما يقول لي هذا الماء طاهر فلازمه أن يقول لي إنّ آثاره أيضاً تترتب والتي منها طهارة الثوب لو غسلته بهذا الماء، أمّا إذا جعلني عالماً بطهارة الماء فهل يلزم أن يجعلني عالماً بطهارة الثوب ؟ كلّا، فمن زاوية جعل العلميّة لا توجد ملازمة وإنما توجد ملازمة من زاوية التعبّد فالتعبّد بالمستصحب تعبّد بلوازمه الشرعيّة، أمّا جعل العلميّة من زاوية المستصحب فلا يلازم جعل العمليّة من زاوية اللازم، وهو شيءٌ ظريفٌ جداً فالتفت إليه.
ورابعاً:- لو تنزلنا وقبلنا أن اعتبار الشخص عالماً بالمستصحب يلازم اعتباره عالماً بلوازم المستصحب - أي جعله عالماً بطهارة الماء يلازم جعله بطهارة الثوب - ولكن نقول سوف يلزم محذور آخر وهو أنّه كما أن استصحاب طهارة الماء يصيّرني عالماً بطهارة الماء ومن ثم بطهارة الثوب فصرت عالماً بطهارة الثوب ببركة استصحاب طهارة الماء، نقول إن استصحاب نجاسة الثوب يجعلني أيضاً عالماً بنجاسة الثوب، وعلى هذا الأساس سوف يلزم التعارض بلحاظ اللازم - أي لازم طهارة الماء - فإن لازمه هو طهارة الثوب، فاستصحاب طهارة الماء يقول أنت عالم بطهارة الثوب، بينما استصحاب نجاسة الثوب يقول أنت عالم بنجاسة الثوب، فتحصل معارضة من حيث اللازم، فالاستصحاب الأوّل يجعلني عالماً بطهارة الثوب بينما الاستصحاب الثاني يجعلني عالماً بنجاسة الثوب، فإذن لماذا تُجرِي الاستصحاب الأوّل قبل جريان الاستصحاب الثاني ؟ فإنهما من حيث نجاسة وطهارة الثوب في عرضٍ واحدٍ فلا موجب لتقديم الأوّل على الثاني فتحصل معارضة من حيث اللازم، وبناءً على هذا لا يجري استصحاب طهارة الماء لأنه يلزم منه المعارضة بلحاظ اللازم، فإمّا أن لا يجري أبداً تحرّزاً من هذه المعارضة، أو نقول هو يجري ويصيّرني عالماً بطهارة الماء من دون أن يصيّرني عالماً بطهارة الثوب لأجل المعارضة، فإمّا أن نمنع جريانه من الأساس أو نسلّم بجريانه من دون أن يصيّرني عالماً بطهارة الثوب، فأنا أمام هذين الخيارين، أمّا أن نقول - كما صنع الشيخ النائيني(قده) - بأنه يجري استصحاب طهارة الماء ويجعلني عالماً بطهارة الماء ومن ثم يجعلني عالماً بطهارة الثوب فهذا لا يمكن أن يتمّ ؛ لأن استصحاب نجاسة الثوب أيضاً يجعل العلميّة بنجاسة الثوب فتحصل المعارضة من حيث اللازم . وهذا أيضاً مطلب ظريف يجدر الالفات إليه.
وخامساً:- إن أصل فكرة الحكومة - أي حكومة الأصل السببي على المسبّبي - أمر مرفوض من جهة أخرى، وهي أن الحكومة تعني النظر، فهذا حاكمٌ على ذاك يعني أنه ناظر إليه، والنظر فرع وجود دليلين حتى يكون أحدهما ناظراً إلى الآخر فيزيل موضوعه، وفي المقام لا يوجد دليلان وإنما الموجود دليل واحد وهو ( لا تنقض اليقين بالشك ) ولا يوجد لدينا دليل آخر غير هذا الدليل، فكيف نتصوّر آنذاك نظر دليل الاستصحاب السببي إلى دليل الاستصحاب المسبّبي ؟ إنه شيءٌ غير ممكن، ففكرة الحكومة هي باطلة من الأساس بقطع النظر عن مسلك جعل العلميّة وما أشرنا إليه، إنّه باطلٌ لهذه النكتة التي أشرنا إليها . وكأن الشيخ النائيني(قده) كان ملتفتاً إلى هذا الإشكال فحاول التخلّص منه[1] حيث ادّعى شيئاً دفع به هذا الإشكال:- وهو بأن ندّعي الانحلال، يعني نقول إن دليل ( لا تنقض اليقين بالشك ) هو انحلاليٌّ فينحلُّ ويشمل الاستصحاب السببي ويشمل الاستصحاب المسبّبي، فمرّة عندنا دليل يقول ( لا تنقض اليقين بطهارة الماء بالشك فيها ) ودليل آخر يقول ( لا تنقض اليقين بنجاسة الثوب بالشك فيها ) فحصل إذن دليلان والأوّل يصير ناظراً إلى الثاني وحاكماً عليه.
والجواب عليه واضح:- فإن الانحلال لا يعني أن الدليل الواحد سوف يصير دليلين أو ثلاثة، بل يبقى الدليل والجعل واحداً . وإن شئت قلت:- إن هذا الانحلال ليس في مقام الجعل وإنما هو انحلالٌ في مقام المجعول - يعني الفعليّة - فلا يوجد جعلان من الشارع، بل يوجد جعلٌ واحدٌ وهو ( لا تنقض اليقين بالشك ) فكيف تتصوّر الحكومة حينئذٍ والنظر ؟!!
ومن هنا تراجع عنه في أجود التقريرات قائلاً:- ( إنه لا معنى لنظر أحد الدليلين إلى الآخر في القضايا الانحلاليّة )[2].
ومن هنا حاول(قده) لدفع هذا الاشكال - أي أنه لا يوجد نظر والحكومة فرع النظر بل عين النظر - أن يذكر توجيهاً آخر فذكر ما حاصله:- إنّ ما ذكر - يعني من الحاجة إلى النظر - يتمّ في الحكومة الواقعيّة دون الحكومة الظاهريّة.
وقبل أن أوضّح مقصوده أشير إلى أن مصطلح الحكومة الواقعيّة والظاهريّة مصطلحٌ أصوليٌّ وهو مذكورٌ في كلمات الأصوليين، بيد أن الشيخ النائيني(قده) يريد الآن مصطلحاً جديداً من الحكومة الواقعيّة والحكومة الظاهريّة، فلابد وأن نعرف أوّلاً ما هي الحكومة الواقعيّة والظاهريّة بالمصطلح المتداول، ثم نأتي إلى أنه ما هو المعنى الجديد لهما.