34/01/26
تحمیل
الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وفيه:-
أما بالنسبة إلى خيار تبعّض الصفقة:- فيمكن أن يقال:- إن تبعض الصفقة يوجب الضرر غايته ليس الضرر المالي فإنه من ناحية المال لا يتضرر المشتري لأن البائع يُرجِع إليه قسطاً من الثمن يعادل ذلك البعض المتخلّف من المبيع وإنما الضرر اللازم هو لازم من جهة أخرى وهي أن الإنسان في كثيرٍ من الأحيان يكون غرضه متعلقاً بمجموع الصفقة وتخلفها بالكامل يوجب ضرراً عليه وهذا أمر واضح ، وعليه يمكن أن يكون المستند لخيار تبعّض الصفقة هو حديث لا ضرر بعد ما كان الضرر حاصلاً في تبعضها غايته بالنحو الذي أشرنا إليه - أي تخلف الهدف العقلائي من شراء الصفقة - وهذه قضية ينبغي أن تكون واضحة ومن الغريب أن يغفل عنها الشيخ العراقي(قده).
وأما بالنسبة إلى خيار العيب والغبن:- فيمكن أن يقال بأن لا ضرر صالح لإثبات الخيار بنحو الحقيّة ، والوجه في ذلك أمران:-
الأول:- إن المشتري إذا رضي بالمبيع المعيب وهكذا إذا رضي في حالة الغبن ففي مثل هذه الحالة يكون مُقدِماً بنفسه على الضرر غايته ليس من البداية وإنما بقاءً ومن الواضح أن حديث لا ضرر لا يشمل حالة الإقدام على الضرر باعتبار ما ذكروه من أنه حديث امتناني ومقتضى المنّة هو رفع الضرر في حق الشخص الذي لم يُقدم على الضرر دون من أقدم عليه . إذن حديث لا ضرر بعد كونه امتنانياً - حسب نظر المشهور - فهو يوجب اختصاص نفي الضرر بحالة عدم الإقدام ولا يعمّ حالة الإقدام على الضرر ، ومعه فلا مشكلة من هذه الناحية.
ومنه يتضح الوجه في إرث الخيار - بمعنى أنه لو مات المشتري فينتقل الخيار إلى الورثة - فإن الشيخ العراقي(قده) ذكر أن حديث لا ضرر لا يمكنه أن يثبت قابلية الخيار للإرث والحال أن الفقهاء ذكروا أن خياري الغبن والعيب يورثان.
ونحن نقول له يمكن إثبات أنه يورث وذلك ببيان:- أنه إذا جاز اسقاطه للوجه الذي أشرنا إليه - وهو أنه مع الرضا بالعيب أو الغبن يكون المشتري قد أقدم فلا ينتفي اللزوم آنذاك لأن نكتة الامتنان لا تشمل مثل هذه الحالة - يتضح أن الخيار قابل للإرث أيضاً فانه إذا قبل الإسقاط فيكون مقابَلاً بالمال آنذاك فيمكن أن يقول البائع للمشتري ( أسقِط الخيار وأنا أعطيك كذا مقدار من المال ) فإنه شيء وجيه ، يعني أن كل حقٍّ يقبل الإسقاط سوف يكون مالاً إذ يمكن جعل المال في مقابل الإسقاط نظير الشخص الذي في مكان فلا يحق لأحد أن يأخذه منه فنه مادام قد سبق اليه فيصير هو صاحب الحق فيه وهذا الحق قابل للإسقاط إلى الغير كما يمكن أن يأخذ مالاً في مقابل اسقاطه فيصير حقاً مالياً ، ومثال آخر لذلك هو أن من حق الزوج أن يطلق زوجته متى ما أراد فلو أراد أن يطلقها فهل يجوز للزوجة أن تقول ( أدفع لك كذا مقدار من المال في مقابل أن لا تطلق ) أو هو يقول ( أنا سأطلقك وإذا لم تريدي الطلاق فادفعي لي كذا مقدار من المال ) إنه يجوز له ذلك . إذن هو حق قابل لأن يقابل بالمال فيصير حقاً مالياً . وخيار الغبن والعيب من هذا القبيل ، أي يمكن للمشتري أن يقول للبائع ( أنا لا أسقطهما إلا إذا دفعت لي كذا مقدار ) وهكذا من طرف البائع ، وإذا قبلنا بهذا فسوف يصير حق الخيار حقاً مالياً وإذا صار كذلك دخل في إطلاق ( ما ترك ) فان الآية الكريمة التي تثبت إرث الورثة لما تركه الميت سوف يكون عنوان ( ما ترك ) صادقاً على الخيار لأنه صار حقاً مالياً فيشمله عنوان ( ما ترك ) . نعم إذا لم يقابل بالمال فلا يصدق عليه عنوان ( ما ترك ) ، أما إذ كان يقابل بالمال ويمكن اسقاطه في مقابل المال فيكون مصداقاً لقوله تعالى ( ما ترك ) وبالتالي يكون قابلاً للرث فيشمله دليل الإرث ، ولا يخفى لطفه.