34/03/30
تحمیل
الموضوع / التنبيه السابع / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الفارق بين الحكومة والتخصيص:-
ذكرنا فيما سبق وجود فارقٍ بين الحكومة والتخصيص رغم اشتراكهما في شيءٍ واحدٍ فجنبة الاشتراك هي أنهما معاً يرجعان بحسب الروح إلى تخصيص الحكم فالحاكم دوره دور المخصص فهو روحاً وجوهراً يخصّص الحكم أيضاً فحينما يقول مثلاً ( لا ربا بين الولد وولده ) يكون قد خصّص دليل ( وحرَّم الربا ) إذ تصير النتيجة هي أنه لا حرمة للربا بين الوالد والولد وهذا تخصيص وتقييد لدليل ( وحرَّم الربا ) غايته أنه ذكر لا بلسان التخصيص بل بلسانٍ آخر ، وأما جنبة الاختلاف فقد أشرنا إليها فيما سبق فإن الحاكم لا ينفي الحكم ابتداءً أو أنه ينفيه ابتداءً ولكن بلسان النظر كما في ( لا ضرر ) فإنه ينفي الحكم ولكن بلسان النظر إلى الأدلة الأولية - أعني دليل ( وحرم الربا ) - أو يفترض أنه ينفي الموضوع دون الحكم كما في ( لا ربا بين الوالد وولده ) ، والذي نريد أن نسلط الأضواء عليه الآن هو أن الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل ذكر أن ( كون المخصص بياناً للعام إنما هو بحكم العقل الحاكم بعدم جواز أرادة العموم مع العمل بالخاص وهذا
[1]
بيان بلفظه ومفسّر للمراد من العام فهو تخصيص في المعنى بعبارة التفسير )
[2]
فإنه يظهر من كلامه هذا أن الحاكم بالتقديم في باب التخصيص هو العقل فإنه هو الذي يقضي بلزوم تقديم الخاص على العام بخلافه في باب الحكومة فإن الحاكم بالتقديم ليس هو العقل وإنما الحاكم هو بيانٌ بلفظه وبمدلوله ، ويظهر من الشيخ النائيني(قده) متابعته على ذلك حيث قال:- ( الفرق بين التخصيص والحكومة هو أن بيانيّة الخاص للعام إنما هو بحكم العقل وبيانيّة الحاكم للمحكوم إنما هو بنفس مدلوله )
[3]
.
ولكن يمكن أن يعلّق ويقال:- إن العقل يحكم في كليهما بالتضاد ، فيقول هناك تضاد بين الحكم المذكور في العام مع الحكم المذكور في الخاص فهما لا يجتمعان فـ( أكرم كل عالم ) لا يجتمع مع ( لا تكرم العالم الفاسق ) إذ يوجد بينهما تضاد ومنافاة ، وهكذا بالنسبة إلى الحاكم والمحكوم فإن المحكوم يقول ( حرّم الربا ) - يعني مطلق الربا - والحاكم يدل على أنه ( لا ربا بين الوالد والولد ) - أي لا حرمة - فالمضادة في كليهما ثابتة عقلاً وهو يقول لا يمكن أن يصدقا معاً فلابد وأن يتقدم أحدهما إن أمكن وذلك للمرجِّح وإلا تساقطا وحيث أن العرف في باب الحكومة يرى أن الحاكم يوضّح بنفس لفظه أو بنظره المقصود من المحكوم فيتقدم وفي باب التخصيص يرى العرف أن الخاص أظهر أو أقوى فيتقدم . إذن دور العقل في كلا الموردين واحد فهو يقول لا يمكن أن يجتمع الحاكم مع المحكوم والخاص مع العام فكلاهما لا يمكن أن يصدقا ويتقدم ما يراه العرف موجباً للتقديم والعرف في الحكومة يرى أن الحاكم يستحق التقديم للنظر أو بلفظه كما قال الشيخ الأعظم(قده) فيتقدم وفي الخاص حيث أنه أظهر أو أقوى فيتقدم . إذن هما معاً على منوالٍ واحدٍ - يعني لا معنى لأن نجعل الحاكم بالتقديم في باب التخصيص هو العقل وفي باب الحكومة هو العرف كما توحي بذلك عبارة العلمين الشيخ الأعظم والشيخ النائيني - . إذن لا فرق بين الموردين ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
القضية الثالثة:- كيف نطبِّق ضابط الحكومة على حديث لا ضرر؟
عرفانا أن ضابط الحكومة هو النظر فكل دليلٍ ينظر إلى الدليل الآخر بحيث يكون هذا الناظر لغواً إن لم يكن ذاك موجوداً إن هذا هو عبارة عن الحكومة والحاكم ، والآن نأتي إلى حديث لا ضرر ونقول:- كيف نطبق هذا الضابط عليه ؟
إن الشيخ الآخوند(قده) في الكفاية رفض انطباق هذا الضابط على حديث لا ضرر وقال إنه لا يوجد نظر كما قيل - ويشير بقوله ( كما قيل ) إلى استاذه الشيخ الأعظم(قده) - وقد قرأنا عبارته سابقاً
[4]
، فما هو وجه تشكيك الشيخ لخراساني(قده) في انطباق ضابط الحكومة على حديث لا ضرر ؟
والجواب:- إن المنشأ لذلك أحد مرين:-
الأول:- ما أشرنا إليه سابقاً من أن الشيخ الخراساني(قده) تصور أن الحكومة تختص بما إذا كان الدليل قد ورد مفسراً للدليل الآخر بلسان أعني أو أقصد أو ما شاكل ذلك فإنه لو فسرنا الحكومة بهذا التفسير الضيق فالحق معه فإن حديث لا ضرر لم يرد مفسراً بلسان أعني وأقصد من الأدلة الأولية أن أحكامها ثابتة في غير حالة الضرر ، كلا إنه لم يرد بهذا اللسان ولكن كما قلنا في مناقشته إن هذا تفسير وفهم ضيّق للنظر والناظر فإن المقصود من النظر ما هو أوسع من ذلك.
الثاني:- وهذا هو المهم - وهو أن يدّعى أن حديث لا ضرر ينفي كل حكمِ ضررٍ في الشريعة الاسلامية وهذا المضمون لا يلزم أن يكون ناظراً إلى الأدلة الأولية فإن من حق الشارع أن يقول ابتداءً ( إن شريعتي لا تحوي على أحكام ضررية ) وهذا المضمون مقبول سواء فرض وجود أحكام أولية مطلقة أم لم توجد فإنه يصح للمولى أن يبين هذا المطلب بلا حاجة إلى نظرٍ إلى الأدلة الأولية . إذن بناءً على هذا سلمنا أن حديث لا ضرر ينفي الحكم الضرري ولكن ضابط الحكومة - وهو النظر - لا ينطبق عليه فإن صدق مضمونه لا يتوقف على النظر إلى الأدلة الأولية وأحكامها إذ يصح للعاقل والمشرّع أن يقول ( شريعتي لا تحوي على أحكاماً ضررية ) فلعل الشيخ الخراساني(قده) يقصد هذا المعنى حينما أنكر كون حديث لا ضرر ناظراً.
وفي الرد على ذلك نقول:- إذا لم يكن حديث لا ضرر ناظراً إلى الأحكام الأولية فيلزم أن يكون الشارع المقدس ناقلاً لواقعٍ ثابتٍ كما ينقل القصّاص والمؤرخ فإنهما ينقلان واقعاً ثابتاً وليست لهما وظيفة أكثر من ذلك والشارع لا يليق به ذلك ، فلو كان المقصود ما ذُكر - يعني أن الشارع في حديث لا ضرر يريد أن يقول ( لا يوجد في شريعتي أحكام ضررية فهي من حيث الجودة قد بلغت الذروة العالية ) - من دون أن ينظر إلى الأحكام التي صدرت منه ويضيّق من مساحتها ويجعلها خاصة بحالة عدم الضرر يلزم أن يكون مؤرخاً وقصاصّاً ، ولأجل أن لا يلزم هذا المحذور يتعيّن أن يكون الشارع قاصداً النظر أيضاً إلى الأحكام التي صدرت منه وأنها لا تعمّ حالة الضرر . إذن انطبق الضابط المذكور للحكومة على حديث لا ضرر ولا مشكلة من هذه الناحية.
التنبيه الثامن:- تعارض الضررين.
هناك حالات يتعارض فيها الضرران فماذا نفعل في مثل ذلك ؟
وهناك صورة مهمّة لتعارض الضررين وصور أخرى غير مهمة والتي هي ليست مهمة نذكرها في التنبيه التاسع إنشاء الله تعالى وأما في هذا التنبيه فسوف نتعرض إلى الصورة المهمّة وهي أنه لو كان هناك شخص يملك داراً وأراد أن يحفر فيها بالوعة أو يصنع حديقة مثلاً بيد أنه يتضرر جاره من ذلك ففي مثل هذه الحالة هل يجوز للمالك أن يتصرف التصرف المذكور رغم أن جاره يتضرر أو لا يجوز له ذلك ؟
[1] أي الحاكم.
[2] الرسائل، تسلسل الكتاب27، ط جديدة، فرائد ج4، ص13.
[3] رسالة لا ضرر، ص408.
[4] في الوجه السادس ما قبل الحكومة، الجمع العرفي.