34/04/29
تحمیل
الموضوع:- الفارق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين ، الفارق بين الاستصحاب وقاعدة المقتضي والمانع / الفارق بين الاستصحاب وبقية القواعد / الاستصحـاب / الأصول العملية.
الفارق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين:-
أما الفارق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين فهو أنه في الاستصحاب يفترض وجود يقينٍ سابقٍ وشكٍّ لاحق والشك ليس شكاً في أصل اليقين فالمكلف لا يشك في صحّة يقينه السابق وإنما يشك في بقاءِ ما تيقن به فلو كان المكلف قد توضأ صباحاً ثم شك في بقاء طهارته ظهراً فالشك ليس شكاً في أصل صحّة اليقين السابق بل في بقاء ذلك المتيقن ، وأما بالنسبة إلى قاعدة اليقين فالشك فيها يكون في نفس اليقين السابق وأنه هل اليقين السابق كان مصيباً وحقاً أو أن الطهارة لم تحصل لخللٍ في أصل الوضوء ؟ إذن هنا الشك ليس في البقاء وإنما هو في أصل الحدوث وهذا هو مورد قاعدة اليقين فلو تمت القاعدة ستكون النتيجة هي أن هذا الشك لا يعتنى به وبالتالي يحكم بأن اليقين صحيحٌ ومصيبٌ ولا ينبغي الشك في أصله.
ونتمكن أن نقول بعبارة أخرى في مقام بيان الفرق:- إنه في باب الاستصحاب يكون متعلق اليقين مغايراً لمتعلق الشك فاليقين متعلق بالحدوث بينما الشك متعلق بالبقاء ، وهذا بخلافه في قاعدة اليقين فإن المتعلق واحد فاليقين متعلق بالحدوث والشك شك في الحدوث أيضاً وليس في البقاء ، هذا شيء.
وهناك شيء آخر:- وهو أنهما يفترقان من حيث المدرك والنكتة أيضاً فنكتة جعل الاستصحاب حجّة يمكن أن تكون هي غلبة بقاء ما حدث فكل شيء يحدث في زمنٍ يكون الغالب بقاءه ، وهذا بخلافه في قاعدة اليقين فإن النكتة هي غلبة إصابة اليقين للواقع بمعنى أنه إذا حصل اليقين لشخصٍ فالغالب أنه مصيبٌ للواقع . وعلى هذا عرفنا أن الفارق الأساسي بين قاعدة الاستصحاب وبين قاعدة اليقين أنه في الأولى يكون المتعلق متعدداً بينما في الثانية يكون واحداً.
وهناك فارق من حيث المدرك وليس من حيث الموضوع - والمهم عندما يراد بيان الفارق فإنه يبيّن من حيث الموضوع لا من حيث المدرك ولكن هذه فائدة جانبية - وهو أن النكتة للحجية هناك يمكن أن تكون هي غلبة كون الحادث باقياً بينما النكتة هنا هي غلبة إصابة اليقين للواقع ، نعم هناك كلامٌ في أن قاعدة اليقين هل هي حجّة أو لا ؟ ونحن الأن ليسنا بصدد ذلك كما لسنا بصدد كون الاستصحاب حجّة أو لا وإنما نحن بصدد بيان الفارق بين الموردين بقطع النظر عن كونهما حجّة أو لا.
الفارق بين الاستصحاب وقاعدة المقتضي والمانع:-
أما الفارق بين الاستصحاب وقاعدة المقتضي والرافع فهو أنه في باب الاستصحاب يفترض وجود شيءٍ واحد يكون متعلقاً لليقين والشك غايته أن اليقين يتعلق بحدوثه والشك يتعلق ببقائه ، وهذا بخلافه في قاعدة المقتضي والمانع فإن المتعلق مختلف من حيث الذات لا أنهما واحدٌ ذاتاً وأحدهما متعلق بالحدوث والآخر بالبقاء ، ومثال ذلك في حياتنا الاجتماعية هو ما لو فرض أن شخصاً كان شابّاً وقويّاً فهنا يكون المقتضي لبقائه على قيد الحياة بعد شهرٍ أو سنةٍ تامّاً وثابتاً - والمقتضي لبقائه هو أنه سالماً وقوياً وأعضاء بدنه جيدة بخلاف الشيخ الكبير ولكن شككنا أنه مات لاحتمال أن سيارة قد اصطدمت مثلاً فهنا نجزم بوجود المقتضي ونشك في تحقق الاصطدام المانع من الحياة والرافع لها فقد يقال هنا إن العقلاء في مثل هذه الحالة إذا تيقّنوا بالمقتضي للبقاء وشكّوا في الرافع فإنهم يبنون على تحقق المقتضى - وهو الحياة - ، ومثاله الشرعي هو ما لو كان لدينا ماء هو أقل من الكرّ ثم علمنا بعد فترة بطروّ حالتين عليه فهو قد صار كرّاً حتماً وقد لاقته نجاسة حتماً ولكن لا ندري هل أن النجاسة اصابته أوّلاً ثم صار كرّاً حتى يكون الآن متنجساً أو بالعكس حتى يكون الآن طاهراً ؟ إنه وقع الكلام بين الفقهاء في أنه هل يحكم عليه بالطهارة أو بالنجاسة ؟ قد يحكم بالنجاسة ببيان أن الملاقاة مقتضية للتنجس والكرِّية مانعة من التنجس فلو سلمنا هذه الأصول الموضوعية فنقول إن المقتضي للتنجس ثابت جزماً - وهو الملاقاة - والمانعية - وهي الكرية - نشك في ثبوتها حين تحقق الملاقاة لأن الكريِّة إنما تكون مانعة إذا كانت ثابتة قبل الملاقاة لا أن تكون ثابتة بعدها ففي مثل هذه الحالة يدّعى أن العقلاء يبنون على تحقق المقتضى - أعني التنجس - والمدرك الذي يمكن التمسك به لهذه القاعدة هو سيرة العقلاء وبناؤهم فاذا ثبت ذلك حقاً فنضم إليه أنه حيث لم يردع عنها فيثبت الإمضاء.
والمهم هو أننا نريد أن نقول:- إن الفارق إذن بين الاستصحاب وبين قاعدة المقتضي والرافع هو أنه في باب الاستصحاب يكون متعلق اليقين والشك واحداً - وهو الطهارة أو الوضوء - غايته يكون اليقين متعلقاً بحدوثه والشك يكون متعلقاً ببقائه وأما في قاعدة المقتضي والرافع فالمتعلق مختلف بالذات إذ اليقين متعلق بالمقتضي - وهو الملاقاة - والشك متعلق بالمانع وهما شيآن فالمقتضي غير الرافع ، إذن متعلق اليقين والشك مختلف من حيث الذات بخلافه في باب الاستصحاب ، وأيضا هما من حيث نكتة الحجيّة مختلفان فإن نكتة الحجيّة في باب الاستصحاب يمكن أن يقال إنها غلبة استمرار ما حدث والشارع حينما جعل الاستصحاب حجّة فيحتمل أنه جعله حجّة من ناحية غلبة استمرار ما حدث ، وأما في قاعدة المقتضي والمانع فإن نكتة الحجيّة هي غلبة أن المقتضي متى ما كان متحققاً فالمقتضى يكون متحققاً أيضاً - يعني يكون المانع منتفياً - فحيث إن الغالب عند تحقق المقتضي هو تحقق المقتضى وانتفاء المانع فيبنى حينئذٍ على تحقق المقتضى.
ثم نقول:- إن الاستصحاب قد يتفق من حيث النتيجة مع قاعدة المقتضي والمانع وقد يختلف:-
مثال الأول:- ما إذا توضأ المكلف وشك في بقاء طهارته ، فإن نتيجة الاستصحاب هنا هي بقاء الطهارة ، ويمكن أن نطبق قاعدة المقتضي والمانع وتكون النتيجة نفسها وذلك بأن نقول:- إن الوضوء مقتضٍ للطهارة إلى الأبد ونشك في تحقق الرافع أو المانع - أي هل نمت أو لم أنم وهل صدر حدث من أسباب أخرى أو لا ؟ إنه شك في طرو المانع - فيبنى على تحقق المقتضى - وهو الطهارة - بعد اليقين بتحقق المقتضي وهنا تكون نتيجة الاستصحاب وقاعدة المقتضي والرافع متّفقة.
ومثال الثاني:- هو المثال السابق - يعني الماء القليل الذي طرأت عليه حالتان الكرية والملاقاة النجاسة ولا ندري المتقدم منهما - فهنا يكون مقتضى الاستصحاب هو الطهارة لأنه كان طاهراً حتماً قبل طرو الحالين والآن نشك هل زالت طهارته أو لا فنستصحب الطهارة ، بينما مقتضى قاعدة المقتضي والمانع - لو تمت - هو النجاسة إذ المقتضي للنجاسة - وهو الملاقاة - حاصل جزماً ونشك في تحق الرافع - أعني الكرية حين الملاقاة - فيبنى على تحقق المقتضى - وهو النجاسة - ، إذن اختلفت نتيجة الاستصحاب عن نتيجة قاعدة المقتضي والمانع فهنا إذا قلنا إن قاعدة المقتضي والمانع ليست بحجّة وإنما الحجَّة هو الاستصحاب فقط فالأمر واضح فنحكم بالطهارة بلا معارضٍ ، وإذا حكمنا بحجيّة قاعدة المقتضى والرافع دون الاستصحاب فنحكم بالنجاسة بلا معارضة ، وأما إذا حكمنا بحجّية الاثنين معاً فأيهما المقدم على صاحبه فهل يتعارضان ويتساقطان أو يوجد مرجّح يرجّح أحدهما على الآخر ؟