34/05/20
تحمیل
الموضوع: الدليل الثالث للاستصحاب ( التمسك بالأخبار ) / أدلة الاستصحاب / الاستصحـاب / الأصول العملية.
البيان الثاني:- إن هناك مجموعة خصوصيات يمكن بضمّ بعضها إلى بعضٍ تحصيل الاطمئنان بأن الشخص المسؤول هو الإمام عليه السلام:-
من قبيل أن يقال:- إن دقّة الأسئلة التي طرحها زرارة تكشف عن كونه سأل ذلك في أخريات حياته فإن مثل هذه الدقة تتولّد عادةً في أواخر حياة الإنسان لا في أوائلها فيكون من المناسب أن يكون السؤال سؤال من الإمام عليه السلام.ومن قبيل:- دقّة الأجوبة
[1]
فإنها تليق بأن تكون من الإمام عليه السلام.
ومن قبيل:- حالة خضوع زرارة التي تظهر من خلال الرواية أي من لسان ( قلت ) و ( قال ) فإن هذا الخضوع قد يفهم منه أن الطرف طرف مبجَّل يستحق مثل هذا الخضوع والتملّق وليس هو إلا الإمام عليه السلام.
إنه من مجموع هذه القرائن والخصوصيات يمكن تحصيل الاطمئنان بكون الشخص المسؤول هو الامام عليه السلام . وهذا البيان لو تمّ فلا ينفعنا بشكلٍ مطلقٍ - أي في كل المضمرات بل ولا ينفعنا في جميع الأجلة - على خلاف البيان الأول فإنه لو تمّ فهو يتمّ في حق كل مُضمِرٍ يكون من أجلة الأصحاب وأما هذا فهو يتمّ عند اجتماع هذه الخصوصيات المولّدة للاطمئنان . وعلى أي حال هو بيان وجيه وجيد ولكن تبقى المسألة من هذه الناحية نفسية فربَّ شخص يحصل له الاطمئنان من هذه الخصوصيات والقناعة والكافية وربَّ آخر لا يحصل له ذلك.
البيان الثالث:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في بعض تنبيهات الاستصحاب وهو أن السيد بحر العلوم(قده) ذكر في بعض كلماته أن الرواية هي رواية عن الإمام الباقر عليه السلام - يعني أنه نقلها مسندة إلى الباقر عليه السلام - ومن البعيد أن هذا السيد الجليل قد حصلت له هذه النسبة دون أن يعثر على أصلٍ من الأصول التي ذكرت فيها هذه الرواية منسوبة إلى الإمام الباقر ، بل لعله عثر على نفس أصل زرارة ورأى أنها مسندةً فيه إلى الإمام الباقر عليه السلام . وقد قَبِل هذا البيان في جملة من قَبِله السيد الخوئي(قده)
[2]
.
ويرد عليه:- أن السيد بحر العلوم(قده) له مقامٍ سامٍ وعالٍ في قلوبنا ولعله صدر منه شبيه هذا في غير هذا المورد من قبيل تعيينه لمقامات مسجد الكوفة - على ما يقال - فإن هذا وغيره صدر منه(قده) لسعة اطلاعه وتحقيقه وهو أمر لا ينبغي الريب فيه ، ولكن في مسألتنا لا يمكن أن نقول إن من البعيد أنه لم يعثر على أصل من الأصول فإن الاستبعاد وحده لا يكفي مالم يحصل بذلك الاطمئنان فإن الحجيّة هي للاطمئنان فلابد وأن ندّعي بأنا نطمئن بأنه وجدها في الأصول مسندةً إلى الامام الباقر عليه السلام وتحصيل الاطمئنان شيءٌ صعبٌ فنحن في مقامات مسجد الكوفة نأتي بالمراسيم في هذا المكان أو ذاك برجاء المطلوبية وهذا شيء جيد ويكفي رجاء المطلوبية في هذا أما أن نُثبِت أحكاماً شرعية اعتماداً على هذا الاستبعاد فإنه شيءٌ مشكل . وعلى أي حال المهم هو تحصيل الاطمئنان بأنه وجدها في الأصول كذلك ونحن لا يحصل لدينا الاطمئنان المذكور ، نعم يحصل لدينا الظن أما الاطمئنان فلا ، والقضية كما قلنا تتبع نفسية الفقيه.
مضافاً إلى أنه لو سلّمنا حصول الاطمئنان بأنها وجدها في الأصول كذلك ولكن يلزم أن يكون ذلك الأصل الذي عثر عليه السيد الجليل هو ثابت النسبة إلى صاحبه والحال نحن لا نعلم طريق طريقه إلى صاحب هذا الأصل فلعله طريق غير صحيح لو اطلعنا عليه ، نعم لو كان لك قلبٌ طيّبٌ فقد يحصل لك الاطمئنان أيضاً بأن السيد لا يحتمل في حقه أن يكون طريقه إلى الأصل المذكور ليس معتبراً وصحيحاً وهذا كما قلت يحتاج إلى طيب قلبٍ ، ونحن نقول لعلّه لو عثرنا على ذلك الطريق الذي استند إليه السيد بحر العلوم قد نرفضه فهو من خلال القرائن حصل له الاطمئنان بأن هذا الأصل هو صحيح النسبة لكن لعلنا رغم شدة اعتقادنا بالسيد بحر العلوم إلا أن شدّة الاعتقاد لا تعني أنّا نصوّبه في كل ما يراه ويعتقد به.
وعليه فتوجد مشكلتان في هذا البيان.
البيان الرابع:- ما ذهب إليه صاحب الجواهر(قده)
[3]
بقوله:- ( وإضماره
[4]
بعد معلوميّة عروضه من تقطيع الأخبار لا من أصل الرواية كما بُيِّن في محلّه غير قادح ) ومحصّله إن ظاهرة الإضمار نشأت من تقطيع الأخبار فإن الرواية الواحدة قد تشتمل على أسئلة متعددة وفي البداية يذكر الراوي ( أني سألت الإمام عليه السلام عن كذا وكذا ) ثم بعد ذلك يقول ( قلت له ) و ( قال لي ) ويحذف اسم الإمام عليه السلام من باب أنه قد ذكره في البداية وهذه طريقة عرفيّة مقبولة ، ثم بعد ذلك جاء دور أصحاب المعاجم الحديثية حيث أرادوا أن يوزّعوا الأخبار على الأبواب المناسبة فقطّعوا الحديث الواحد كما صنع صاحب الوسائل(قده) وغيره وبسبب هذا التقطيع برزت ظاهرة الإضمار فصاحب الوسائل حينما يريد الجزء الثاني من الرواية ينقلها بلسان ( قلت له ) لأنه في الجزء الثاني ورد التعبير المذكور والقارئ يتصور أن المسؤول مجهولٌ ولا يجزم أنه الامام عليه السلام والحال أن الإمام قد ذكر في البداية ، وعلى هذا الأساس مادام هذا التقطيع قد حصل بعد ذلك من أصحاب المعاجم الحديثية فلا يضرّ آنذاك في حجيّة الرواية . إن هذا ما ذهب إليه غير واحد من الأعلام منهم صاحب الجواهر(قده) كما أشرت.
ويرد عليه:- إن ما ذكر يمكن أن يكون وجهاً لبروز حالة الإضمار فيقال:- كيف برزت ظاهرة الإضمار في الروايات وما هي النكتة لحصولها ؟ وما ذكر يصلح أن يكون نكتة لبروز هذه الظاهرة ، ولكن هذه ليست هي المشكلة وإنما المشكلة هي أنه من قال إن ذلك الشخص المسؤول في بداية الرواية هو الإمام عليه السلام ؟ فنحن نسلّم أن الرواية هي ذات مقاطع وفقرات متعدّدة ثم قُطّعت من قبل أصحاب المعاجم الحديثية ونسلّم أيضاً أن الشخص المسؤول في بداية الرواية قد صُرِّح باسمه ولكن من قال إن ذلك الذي صُرِّح باسمه هو الإمام عليه السلام فلعله شخص آخر من قبيل محمد بن مسلم أو من شاكله . إذن مجرد أن ظاهرة الإضمار حصلت بسبب تقطيع الحديث الواحد من قبل أصحاب المجامع الحديثية لا ينفع في إثبات كون الشخص الذي ذكر اسمه في بداية الرواية هو الإمام عليه السلام فلعله ليس هو الامام ، نعم قد تبذل عنايات ونكات وتقريبات أخرى لإثبات أنه الإمام كما سوف نذكر ذلك فيما بعد ولكن مجرد هذا المقدار لا يكفي لإثبات أن الشخص المسؤول والذي صُرِّح باسمه في بداية الرواية هو الإمام عليه السلام.
البيان الخامس:- ما يظهر من كلمات الشيخ الهمداني(قده) في مصباح الفقيه
[5]
وحاصل ما ذكره هو أن أصحابنا - يعني أصحاب المعاجم الحديثية بما فيهم الرواة الذين عاصروا الأئمة عليهم السلام ولهم الأصول الأربعمائة - سجّلوا الرواية في أصولهم وكتبهم والعادة جرت على أن يسجّل في تلك الأصول والمعاجم الحديثية كلام الأئمة المعصومين عليهم السلام دون غيرهم وبما أن هذه الرواية قد ذكرت في تلك الأصول الحديثية التي هي معدَّة لنقل كلمات المعصومين عليهم السلام فنفس ذكرها في تلك الأصول شهادة التزامية أو ضمنية بأنها عن الإمام وأن الشخص المسؤول هو الإمام عليه السلام فالاعتماد كل الاعتماد يكون على هذه الشهادة - أي شهادة الأصحاب والرواة - بكون هذه الرواية من المعصوم عليه السلام ، قال(قده):- ( نعم كونها
[6]
في كتب الأخبار في سلك الأخبار المروية عن المعصومين عليهم السلام وعدم الداعي لمصنّفيها لنقل كلام غير المعصومين يورث الظن القوي بكونها من منها ) ويظهر من كلامه أنه اعتمد على الظن - يعني يحصل ظن بكونها من أخبار الأئمة عليهم السلام - لا أنه اعتمد على الظهور في الشهادة الضمنيّة أو الالتزامية وكان من المناسب له الاستعانة بهذا فإنه لعله أوجه من الاعتماد على الظن.
[1] ولم أقل دقة الاسئلة فإنه فيما سبق نظرت إلى دقّة الأسئلة.
[2] مصباح الاصول، تقرير بحث السيد أبوالقاسم الخوئي، ج3، ص13.
[3] جواهر الكلام، ج16، ص233.
[4] والمقصود من الضمير في كلمة ( واضماره ) هو الحديث الذي كان يتكلم هو (قده) عنه.
[5] مصباح الفقيه، ج14، ص397، طبع مؤسسة النشر الاسلامي في كتاب الصوم في مفطرية ايصال الغبار إلى الحلق.
[6] مرجع الضمير يرجع إلى رواية في باب الصوم كان يتحدث عنها.