34/07/10
تحمیل
الموضوع:- الدليل الثالث للاستصحاب ( التمسك بالأخبار ) / أدلة الاستصحاب / الاستصحـاب / الأصول العملية.
الاحتمال الرابع:- ما ذكره الفيض الكاشاني(قده)
[1]
وحاصله:- إن المقصود من اليقين هو اليقين بالإتيان بثلاث ركعات صحيحة وكأن الرواية تريد أن تقول للمكلف أنت متيقن من أنك قد أتيت بثلاثٍ صحيحةٍ وكاملةٍ وهذه الثلاث حافظ عليها وعلى صحتها في مقابل أن لا تحافظ عليها ، وكيف تصير عدم المحافظة ؟ ذلك بترك هذه الصلاة والإتيان بصلاة جديدةٍ ، فإن الإمام عليه السلام يردع عن هذا وأن الصحيح لا ترفع اليد عنه بل حافظ عليه . هكذا ذكر(قده).
ونحن نضيف له ونقول:- إن عدم المحافظة يصير برفع اليد عن تلك الصلاة والشروع في صلاة جديدة - كما ذكر هو (قده)- أو بإضافة الركعة المشكوكة متصلةً
[2]
- وهذا تبرع منّا - فإن هذا أيضاً إبطالٌ لتلك الثلاث الصحيحة لأنه يحتمل زيادة ركنٍ آنذاك - أي زيادة ركعة -.
إذن هو قد فسَّر الرواية بالشكل الذكور ، قال(قده) في بيان الرواية :- ( " لا ينقض اليقين بالشك " يعني لا يبطل الثلاث المتيقن فيها بسبب الشك في الرابعة بأن يستأنف الصلاة بل يعتد بالثلاث .... ) ، وبناءً على هذا تكون أجنبية عن الاستصحاب بشكل كليٍّ ولا ربط لها به.
وفيه:- إن هذا مخالفٌ للظاهر أيضاً إذ بناءً عليه يكون(قده) قد فسَّر اليقين بالمتيقّن فاستعملت كلمة ( يقين ) وأريد منها المتيقن واستعملت كلمة ( الشك ) وأريد منها المشكوك فإن الثلاث الصحيحة السابقة هي المتيقن فهناك ثلاثٌ صحيحةٌ متيقنةٌ فقوله ( لا تنقض اليقين بالشك ) يصير معناه هو أنه ( لا تنقض المتيقن ) يعني الثلاثة الصحيحة ( بالشك ) يعني بالركعة الرابعة المشكوكة - وقلنا إن النقض يصير إما بالإعادة من جديد أو بوصلها بها -.
إذن يلزم أن نفسِّر اليقين والشك بالمتيقن والمشكوك وهذا مخالف للظاهر ، وإذا قبلنا بهذا هنا وقلنا إنه قد يستعمل اليقين بمعنى المتيقن ولكن نقول إن هناك فقرة أخرى ذكرها الإمام عليه السلام في جملة الفقرات التي ذكرها حيث قال ( ولكن ينقض الشك باليقين ) فقوله هذا لا يمكن أن يفسَّر بالمشكوك والمتيقن بل المراد حتماً هو نفس الشك ونفس اليقين . إذن هذا قرينة على أن كلمة اليقين والشك في الفقرة السابقة يراد منها هذا المعنى أيضاً - أي نفس اليقين والشك - لا أن المقصود هو المتيقن والمشكوك . على أن ما ذكره(قده) رغم ظرافته هو مجرد احتمال لا أكثر.
والنتيجة من كل ما ذكرناه في هذه الرواية:- هو أن فيها احتمالاً ظاهراً واحتمالات أخرى ليست بظاهرة ، أما الظاهر فهو ما أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) في الاحتمال الأول - يعني لا تنقض اليقين بعدم الاتيان بالرابعة في الشك بالإتيان بها - وبناءً عليه تكون الرواية دالة على الاستصحاب ولكن كما قال الشيخ(قده) إن هذا الاحتمال الظاهر لا يمكن الركون والمصير إليه لأنه مخالف للمذهب . وأما الاحتمالات الأخرى فهي مخالفة للظاهر مضافاً إلى أنه لا تثبت حجيّة الاستصحاب بناءً عليها وبالتالي تعود الرواية غير صالحة للاستفادة منها في إثبات حجيّة الاستصحاب.
الرواية الرابعة:- صحيحة عبد الله بن سنان:- ( سأل أبي أبا عبد الله وأنا حاضر:- إني أعير الذميَّ ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيردّه عليّ فأغسله قبل أن أصلي ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام:- صلِّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجّسه )
[3]
، والرواية لا مشكلة فيهما من حيث السند فان عبد الله بن سنان هو من أجلة أصحابنا .
نعم قد يتوقف من ناحية والد سنان إذ لم يعرف حاله باعتبار أن السؤال قد صدر منه وهو مجهولُ الحال.
وجوابه واضح:- فإن عبد الله قال ( وأنا حاضر ) فلولا هذه العبارة لكانت الرواية ساقطة عن الاعتبار .
وقد استفاد الفقهاء من هذه الرواية في مجالات متعددة فمرّة يذكرونها في باب نجاسة الخمر فإن هناك كلاماً في أنه نجس أو أنه حرام من دون نجاسة ؟ يوجد خلاف في المسألة وهذه الرواية يذكرونها لإثبات النجاسة فإنها تدلّ على ذلك ، وهكذا تذكر في باب لحكم الخنزير وأن الخنزير هل هو نجس أو لا ؟ فهناك تذكر لأنه يستفاد منها ذلك ، وأيضاً تذكر في باب طهارة ونجاسة الكتابي فإن هناك كلاماً في أنه طاهر أو نجس ؟ فتذكر هناك وهي تدلُّ على أن الكتابي طاهر إذ لو كان نجساً فلا معنى لأن يفترض السائل أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ، وهذا ذكرته من باب نكاتٍ جانبية عابرةٍ والمهم هو أن الفقهاء ذكروها أيضاً في باب حجيَّة الاستصحاب واستدلوا بها على أن الاستصحاب حجّة فإن الإمام عليه السلام حكم بطهارة الثوب لأنه أعاره سابقاً وكان طاهراً ولم يستيقن أنه نجّسه فيحكم بطهارته.
نعم هناك مشكلة لابد من التغلب عليها حتى تتم دلالة الرواية:- وهي أنه من المحتمل أن الإمام حكم بالطهارة لقاعدة الطهارة وليس لاستصحابها وهو لم يذكر بالصراحة أنه لا تنقض اليقين بالشك فإنه لو ذكر هذا فنقول هو ناظر إلى الاستصحاب حتماً ولكنه لم يعبّر بذلك وإنما حكم له بالطهارة فكما يحتمل أن يكون ذلك للاستصحاب يحتمل أن يكون لقاعدة الطهارة وبذلك تعود الرواية مجملة من هذه الناحية ولا يمكن التمسك بها لإثبات حجيّة الاستصحاب.
والجواب:- إن الامام عليه السلام لو كان يقصد قاعدة الطهارة فلا معنى للإشارة إلى الحالة السابقة وأنك أعرته إياه وهو طاهر فهذا لا حاجة إلى ذكره كما لا حاجة إلى أن يقول عليه السلام بعد ذلك ( ولم تستيقن أنه نجّسه ) إن الإشارة إلى هذين المطلبين والتأكيد عليهما وتسليط الاضواء عليهما لا حاجة إليه بناءً على إرادة قاعدة الطهارة فإنه يكفي للإمام آنذاك لو كان يقصد قاعدة الطهارة أن يقول ( أنت الآن شاك في الطهارة فتبني على الطهارة ) بلا حاجة إلى افتراض أن الحالة السابقة هي الطهارة وبلا حاجة إلى افتراض أنك لم تستيقن أنه قد نجّسه فإضافة هذين العنصرين شيء لا حاجة إليه . إذن تأكيد الإمام عليه السلام على هذين يدلّ على أنه ناظر إلى الاستصحاب وليس إلى قاعدة الطهارة ، هكذا يمكن دفع الإشكال المذكور فتكون دلالة الرواية على حجيّة الاستصحاب تامّة.
ولكن قد يقال:- إنه لا ينبغي أن نُحَمِّل مبانينا الفقهية المسبقة على الرواية والاستدلال بها ، فصحيحٌ نحن نبني فقهيّاً على أن موضوع قاعدة الطهارة هو الشك في أن هذا الشيء طاهرٌ الآن أو لا ؟ فمادام يوجد شكّ يحكم بالطهارة سواء كانت الحالة السابقة هي الطهارة المتيقنة أو لا وسواء أنه لم أستيقن أنه طرأ عليه نجس أو لا فهذا لا حاجة إليه بحسب مبانينا الفقهية بل يكفي لإجراء قاعدة الطهارة أن نشك الآن أن هذا طاهر أو ليس بطاهر ولكن لا ينبغي أن نُحَمِّله على الرواية فلعله في هذه الرواية يريد الإمام عليه السلام أن يستند إلى قاعدة الطهارة ويريد أن يقول إن قاعدة الطهارة متى تجري ؟ إنها تجري إذا فرضنا أن الشيء كان طاهراً في الحالة السابقة ولم يُعلم بطروِّ النجاسة عليه فحينئذ تجري قاعدة الطهارة أما إذا كانت الحالة السابقة مجهولة فلا يحكم بقاعدة الطهارة ، فلعل الإمام عليه السلام يريد أن يقول هكذا.
نعم قد تقول:- هذا معارض لموثقة عمّار الساباطي التي هي مدرك قاعدة الطهارة التي قالت:- ( كل شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر ) فلم تأخذ اليقين السابق بالطهارة ، فأقصى ما هناك أنك تجيبني هكذا.
ولكن أقول في مقام الجواب:- ما أكثر الروايات المتعارضة والمتنافية ، فبالإمكان أن نفترض أن موثقة عمّار تدلّ على أن قاعدة الطهارة تجري مطلقاً من دون قيدٍ سوى شيءٍ واحد وهو أن لا يُعلَم بأن هذا الشيء نجس الآن ، فتمام الملاك في قاعدة الطهارة هو أن لا أعلم الآن أن هذا نجس أما الحالة السابقة ما هي ؟ وهل هي يقين بالطهارة أو لا ؟ فهذا كله لا مدخليَّة له ، فصحيح أنها تدلّ على ذلك ولكن هذا لا ينافي أن تأتي رواية أخرى يضيق فيها الإمام عليه السلام من موضوع قاعدة الطهارة ويريد أن يقول إن قاعدة الطهارة لا تجري إلا في هذه الحالة والمساحة الضيّقة يعني إذا فرض أن الحالة السابقة كانت هي الطهارة ثم شككنا في زوالها فهنا تجري قاعدة الطهارة ، وهذا احتمالٌ وجيهٌ في أن يكون هو مقصود الإمام عليه السلام ولا معنى لأن نُحَكِّم مبانينا الفقهية على الرواية ، وعلى هذا الأساس يعود من الوجيه احتمال أن تكون هذه الرواية ناظرة إلى قاعدة الطهارة وليس إلى حجيَّة الاستصحاب.
[1] الوافي، الفيض الكاشاني، ج8، ص980 ط جديدة.
[2] وهذه الكلمة التي قلتها ليست مهمة.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج3، ص521، ب74 من أبواب النجاسات، ح1.