34/07/18
تحمیل
الموضوع:- الأقوال في المسألة ( هل يجري الاستصحاب في الشبهات الموضوعية والحكمية أو لا ؟ ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
القضية الثانية:- إنه سواءً قلنا بوجود المعارضة في باب الشبهة الموضوعية أو بعدمها فالموقف العملي للمرأة لا يتغير بل يبقى هو المنع من دخولها المسجد في فترة الشك في انقطاع الدم وذلك باعتبار أنه لو قلنا بوجود المعارضة بين الاستصحابين - أي استصحاب المنع الفعلي الذي هو استصحاب للحكم الفعلي وبين استصحاب عدم الجعل الزائد إما في حق المرأة الجزئية لو كان هناك جعول جزئية في حق المرأة الجزئية أو في حق المرأة الكليّ بالبيان المتقدم - فإنه بعد تعارضهما وتساقطهما نرجع إلى الاستصحاب الموضوعي - يعني استصحاب عدم انقطاع الدم فإنه كان يسيل سابقاً والآن نشك فنستصحب بقاءه على السيلان وعدم الانقطاع وهذا استصحاب موضوعي - ونتيجته المنع ولا نرجع إلى البراءة من حرمة الدخول فإنه مع وجود الاستصحاب الموضوعي لا تصل النوبة إلى البراءة إذ الاستصحاب ينقّح الموضوع ويقول إن الدم بَعدُ يسيل فهو سببي والبراءة أصل مسبّبي والسببي مقدّم على المسببّي . هذا إذا فرضنا التسليم بالمعارضة.
وأما إذا رفضنا المعارضة وقلنا بأن استصحاب عدم الجعل الزائد لا يجري إما أنه لا توجد جعول جزئية بعدد الموضوعات أو لأنّا رفضنا إجراء استصحاب عدم الجعل الزائد بلحاظ المرأة الكليّة فلا يجري وإذا لم يجرِ هذا الاستصحاب المعارض يبقى استصحاب المنع الفعلي جارياً بلا مزاحم وبذلك تعود النتيجة العمليّة واحدة على كلا التقديرين وهي المنع ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
والخلاصة من كل ما ذكرناه في هذا الاستثناء الأول أمور ثلاثة:-
الأول:- إن استصحاب الحكم الفعلي في الشبهات الموضوعية يجري بلا معارض والمستند في ذلك صحيحة زرارة فإن الامام عليه السلام أجرى استصحاب بقاء الوضوء من دون أن يعارضه باستصحاب عدم الجعل الزائد.
الثاني:- إنه بقطع النظر عن الصحيحة يمكن تتميم المعارضة وقبولها حتى إذا لم نقل بوجود جعول جزئية بلحاظ أفراد الموضوع حيث يمكن تصوير المعارض بلحاظ المرأة الكليّة بالبيان المتقدم.
الثالث:- إن الموقف العملي لا يتغير بين أن نقول بثبوت المعارضة بين الاستصحابين أو عدمها فإنه على كلا التقديرين يبقى الموقف العمليّ واحداً بالبيان المتقدم.
الاستثناء الثاني:- الأحكام الترخيصية ، حيث ذكر(قده) أن المعارضة تتم في الأحكام الكليّة الإلزامية وأما الأحكام الكليّة الترخيصية فلا يتحقق بلحاظها التنافي ، فلو فرضنا أنا شككنا أن الاباحة التي كانت ثابتة سابقاً هل هي مستمرة إلى زماننا أو غير مستمرة كإباحة أكل اللحوم مثلاً فيجري استصحاب بقاء الاباحة بلا معارضة بأصالة عدم الجعل الزائد للإباحة في الفترة المشكوكة والوجه في ذلك هو أن الاباحة والرخصة لا تحتاج إلى جعلٍ وإنما الذي يحتاج إلى جعلٍ هو الحكم الالزامي وأما الحكم الترخيصي فهو مقتضى الأصل الأوَّلي بلا حاجة إلى جعلٍ فالله عز وجل يجعل الحرمة أو يجعل الوجوب أما أنه يجعل الاباحة فهو أمرٌ لا داعي إليه بل يكون مصداقاً لـ( اسكتوا عما سكت الله عنه ) ، فإذا لم يكن لها جعلٌ بل هي مقتضى الأصل الأوّلي المستفاد من قاعدة ( اسكتوا عما سكت الله عنه ) فانه بناءً على هذا يجري استصحاب الاباحة لو شككنا في بقائها بلا معارضة بأصالة عدم الجعل الزائد لها في الفترة المشكوكة إذ قلنا أن الاباحة لا تحتاج إلى جعلٍ ليثبت هذا المعارض.
ومن خلال هذا البيان يندفع هذا الاشكال وحاصلة:- إنه في مثال المرأة التي تشك في انقطاع الدم قد يقال إن استصحاب المنع الفعلي يجري بلا معارضة باستصحاب عدم الجعل الزائد فإن استصحاب عدم الجعل الزائد مبتلٍ بالمعارض في حدِّ نفسه فيوجد إلى جنبه معارضٌ قبل أن تصل النوبة إلى استصحاب المنع الفعلي فلا يجري إذن بتقريب أن استصحاب عدم جعل الحرمة في الفترة المشكوكة معارض باستصحاب عدم جعل الاباحة في الفترة المشكوكة فكما يحتمل أن الشارع قد جعل الحرمة في الفترة المشكوكة يحتمل أنه قد جعل الاباحة فيصير استصحاب عدم الجعل الزائد للحرمة معارضاً باستصحاب عدم الجعل الزائد للإباحة فيتساقطان إذ كلاهما ناظرٌ إلى الجعل الزائد ويبقى حينئذ استصحاب المنع الفعلي جارياً بلا معارضٍ . هذا إشكال قد يسجَّل على السيد الخوئي(قده) في جميع الموارد لا في خصوص الشبهات الموضوعية بل حتى في الشبهات الحكمية نقول له إن استصحاب عدم الجعل الزائد هو في حدِّ نفسه لا يجري لوجود معارضةٍ فإن استصحاب عدم الجعل الزائد للحرمة معارض لاستصحاب عدم الجعل الزائد للإباحة فيتساقطان فتصل النوبة إلى استصحاب الحكم الفعلي - يعني الحرمة الفعلية أو الوجوب الفعلي - بلا معارض .
إن هذا الكلام قد اتضح اندفاعه فيمكن للسيد الخوئي(قده) أن يدافع ويقول:- إن هذا الاستصحاب الثاني المعارض لا يجري لأن الاباحة لا تحتاج إلى جعلٍ فالذي يجري فقط وفقط هو استصحاب عدم الجعل الزائد للحرمة من دون معارضةٍ باستصحاب عدم الجعل الزائد للإباحة فإذا كان ذلك الاستصحاب يجري وحده بلا معارضة فيكون استصحاب عدم الجعل الزائد للحرمة معارض لاستصحاب بقاء الحرمة الفعلية فيتم كلام السيد الخوئي(قده) الذي أراد أن يثبت المعارض وعدم جريان الاستصحاب في باب الأحكام الكلية.
ولعله يخطر إلى الذهن:- إنه لماذا لا نقول دفاعاً عن السيد الخوئي(قده) إن هذا الاستصحاب الجديد - وهو استصحاب عدم جعل الاباحة - لو سلمنا أنه يجري وقلنا أن الاباحة هي من الأمور المجعولة فمع ذلك لا يضر هذا السيد الخوئي شيئا باعتبار أن المعارضة تتحول آنذاك إلى ثلاثية الأطراف بدلاً من كونها ثنائية الأطراف فالسيد الخوئي(قده) بإمكانه أن يجيب بجواب آخرٍ غير ذلك الجواب فيقول سلمت أن الاباحة من الأمور المجعولة ويجب استصحابها ولكن المعارضة سوف تصير ثلاثية وإذا صارت ثلاثية فحينئذ لا يجري الاستصحاب في الشبهات الحكميّة لوجود معارضة ثلاثية بدلاً من كونها ثنائية ولا يؤثر ذلك عليه شيئاً.
وجوابه قد أشرت اليه:- وهو إن ذينك الاستصحابين ماداما ناظرين إلى الجعل فكلاهما يكونان في رتبة واحدة وفي مستوىً واحد فالمعارضة تقع بينهما فيبقى حينئذ ذلك الاستصحاب الثالث - أعني استصحاب الحكم الفعلي- بلا معارضٍ.
إذن هذا الجواب لا ينفع السيد الخوئي(قده) والذي ينفعه هو ذلك الجواب المتقدم الذي أشرنا إليه.