33/07/05
تحمیل
الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
ان هذه القاعدة مهمة ويستفيد منها الفقيه كثيراً في مرحلة الاستنباط فانه سوف يأتينا فيما بعد انشاء الله تعالى أنه وقع كلام في تفسير المقصود من ( لا ضرر ولا ضرار ) فان هذه الجملة هي من قصار الكلم للنبي صلى الله عليه وآله وهي على وجازتها حمّالة وجوه وذكرت عدة احتمالات في المقصود منها وهذه معركة مهمة بين الاعلام بل هذا هو مهم البحث في قاعد لا ضرر ، أي ماذا يريد أن يبين النبي صلى الله عليه وآله وماذا يريد أن يقول من وراء هذه الجملة ؟ فهناك رأي يقول:- ان مقصوده هو النهي والنهي قد يبين بلسان النفي فـ( لا ضرر ) يعني ( لا تضر غيرك ) وقد بنى على ذلك شيخ الشريعة الاصفهاني(قده) كما سيأتي ، وهناك احتمال آخر - هو المهم في هذا المجال - قد بنى عليه الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل ووافقه عليه جماعة كالشيخ النائيني(قده) وغيره وهو أن المقصود هو نفي الحكم الشرعي الذي يتسبب إلى الضرر فكل حكم شرعي متى ما تولّد من ثبوته ضرر على المكلف كوجوب الوضوء مثلاً أو لزوم المعاملة أو حلق اللحية أو غير ذلك فانه يرتفع مادام يلزم منه الضرر . وبناءً على هذا التفسير سوف يستفيد الفقيه من هذه القاعدة في مقام الاستنباط كثيراً فانه بالتالي سوف ينفي كل حكم يسبّب الضرر في حق المكلف ، فهي إذن قاعدة مهمة نافعة جداً.
بل قد قيل:- ان روح الفقه تدور على خمسة أحاديث أحدها حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) . ولكن قد يقال في المقابل:- ان قاعدة لا ضرر ليست بهذه المثابة من الأهمية وما ذكر مبالغة في أهميتها إذ توجد لدينا قاعدة لا حرج التي مستندها قوله تعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) والفقهاء يستندون إلى هذه الآية الكريمة ويقولون ( كل حكم وصل إلى درجة الجرج - وهو المشقة اما مطلق المشقة أو المشقة التي فيها نحو من الشدة فهو مرتفع ) - والفارق بين الضرر والحرج يأتي فيما بعد انشاء الله تعالى - فانه لأجل اجتماع كلا العنوانين غالباً بحيث إذا صدق الضرر صدق معه الحرج - ونقول في كثير من الأحيان وليس دائماً - يمكن أن يستعين الفقيه لنفي الحكم بقاعدة لا حرج حتى اذا لم نقل بقاعدة لا ضرر ، وقد نقل الشيخ النائيني(قده) في رسالته ( رسالة لا ضرر )
[1]
أن بعض أعاظم عصره قد قلّل من أهمية قاعدة لا ضرر وذلك لإمكان الاستعانة بقاعدة لا حرج.
وما ذكر شيء وجيه - أي يمكن التعويض بقاعدة لا حرج - ولكن كما قلنا يكون ذلك في كثير من الموارد وهي موارد صدق كلا عنواني الضرر والحرج ، ولكن تبقى هناك أهمية لقاعدة لا ضرر إذا مورد الافتراق كثير أيضاً وليس بالنادر ولأجل هذا اهتم أعلامنا بهذه القاعدة وألف فيها بعضهم رسالة خاصة كشيخ الشريعة الاصفهاني والنائيني والسيد الخميني وغيرهم . إذن هذه القاعدة من القواعد المهمّة التي يستفيد منها الفقيه.
الأمر الثالث:- ان هذه القاعدة قد ذكر فيها أعلامنا نكات مهمة ومطالب علميّة جليلة - وسوف نرى ذلك فيما بعد انشاء الله تعالى - ومن هنا يكون من الضروري للطالب الاطلاع على هذه القاعدة لأجل هذه المطالب المهمّة ، وأحد أسباب ذكر هذه المطالب هو تظافر جهود أعلامنا في هذه القاعدة ونظرهم إليها الأمر الذي سبّب أن تذكر فيها نكات مهمة.
وعلى أي حال لابد من الالتفات إلى ما أشرنا إليه وتنظيم المنهجة بشكل لا يقع عندنا التباس ، ونحن نمنهج حديثنا عن هذه القاعدة ضمن أربعة أبحاث:-
البحث الأول:- مدرك القاعدة.
البحث الثاني:- المعنى الافرادي لكلمة ضرر وكلمة ضرار.
البحث الثالث:- المعنى المقصود لمجموع هذه الجملة.
البحث الرابع:- تنبيهات ترتبط بهذه القاعدة.
البحث الأول:-
أما بالنسبة إلى مدرك القاعدة فالكلام فيه يقع في جهات ثلاث:-
الجهة الأولى:- عرض روايات القاعدة.
الجهة الثانية:- توضيح الحال في سند الروايات.
الجهة الثالثة:- الإشارة إلى بعض النكات التي ترتبط بأسانيد الروايات المذكورة.
الجهة الأولى:- عرض الروايات.
أما بالنسبة إلى روايات القاعدة فقد ذكر فخر الدين(قده)
[2]
- نقل ذلك عنه الشيخ الأعظم في الرسائل - أن روايات القاعدة المذكورة متواترة.
إذن هو(قده) قد ادعى التواتر ، ولأجل هذه الدعوى لم ير البعض حاجة إلى عرض الروايات وبحثها من قبيل الشيخ العراقي في مقالاته فانه لم يشر إلى روايات المسألة وقال ( انها متواترة كما قال فخر الدين ) ولم يذكر أكثر من ذلك.
ولكن نرى ان التعرض لها حسنٌ اما للتأكد من صحة هذه الدعوى أو للتأكد من أن التواتر هل هو بلحاظ هذه جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) بالنص أو أنه تواتر بلحاظ حكمٍ يتوافق مع ( لا ضرر ولا ضرار ) فانه في بعض الروايات لم يرد تعبير ( لا ضرر ولا ضرار ) وإنما ورد تعبير ( انك رجل مضار ) أي عبّر بكلمة ( مضار ) ولم يعبر بجملة ( لا ضرر ) فانه لو أردنا أن نعدّ هذه أيضاً من روايات لا ضرر رغم أنه لم ترد فيها الجملة المذكورة فتعاملنا مع التواتر قد يتغير فانه لا ينفعنا تواتر من هذا القبيل وإنما التواتر الذي ينفعنا هو التواتر الذي نقلت فيه الجملة بالنص ، وهكذا لأجل أن نتأكد من أن هذا التواتر هل هو بلحاظ رواياتنا فقط أو هو بضم روايات العامة فالمجموع يحصّل التواتر دون رواياتنا بمجردها فان هذه قضية تستحق التأكد ، وللتأكد من أن التواتر الثابت في روايات المسألة هل هو ثابت بلحاظ قيد ( في الاسلام ) أيضاً وقيد ( على مؤمن ) أيضاً فان بعض الروايات قد ورد فيها القيد المذكور أي ( لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) وفي بعضها ( لا ضرر ولا ضرار على مؤمن ) ووجود هذا القيد ربما يؤثر على استفادتنا من الحديث كما سوف نلاحظ فان شيخ الشريعة ذكر أن وجود هذا القيد يؤثر فنلاحظ أن التواتر هو تواتر ثابت حتى بلحاظ هذا القيد أو أن هذا القيد لم يثبت تواتره ، ان هذه الأمور وما شاكلها يستحق لأجلها أن نعرض الروايات ونتأكد من هذه النواحي المذكورة.
والكلام تارةً يقع في الروايات من طرقنا ، وأخرى في الروايات الواردة من طرق العامة:-
روايات المسألة من طرقنا:-
وإذا أردنا أن نلاحظ رواياتنا وجدنا أنها على أقسام أربعة:-
القسم الأول:- ما ورد في قصة سَمُرَة بن جُنْدَب ، فانه قد وردت أكثر من رواية في نقل قصّة الرجل المذكور مع النبي صلى الله عليه وآله والأنصاري.
القسم الثاني:- ما ورد في مسألة الشفعة.
القسم الثالث:- ما ورد في قضية منع فضل الماء - كمن حفر بئراً وأخذ ما يحتاجه فهل يجوز له أن يمنع الآخرين منه ؟ جاءت روايات في هذا المجال تنهى عن منع فضل الماء وعللت بقاعدة لا ضرر -.
القسم الرابع:- موارد مستقلة لا تدخل تحت العناوين السابقة.
[1] المذكورة في آخر كتاب منية الطالب للشيخ موسى الخوانساري الذي هو بحث خارج الشيخ النائيني على المكاسب - وفي آخر منية الطالب طبعت رسالة لا ضرر للشيخ النائيني ج3 405.
[2] ايضاح الفوائد 2 48 من كتاب الرهن.