33/06/23
تحمیل
الموضوع / شرطية الفحص في جريان أصل البراءة / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وفيه:-
أولاً:- ان من المحتمل أن الامام عليه السلام لم يوجب الفحص في هذا المورد باعتبار أن مانعية النجاسة عن صحة الصلاة هي مانعية علمية وليست مانعية واقعية ، أي أن النجاسة لو كانت وكان المكلف عالماً بها ومطلعاً عليها فتكون آنذاك مانعة وأما إذا لم يكن كذلك فلا تكون مانعة ، وما دامت مانعيتها علمية وذكرية فلعل الامام لم يوجب الفحص لذلك ، أي باعتبار أنه ما دام لا يجزم بها فلا تثبت لها المانعية فانه قد تثبتت لها المانعية عند العلم بها فلماذا يلزمه بالفحص بعدما لم تكن مانعة في حالة الجهل . إذن لعل الامام لم يوجب الفحص لأجل خصوصية المقام.
وثانياً:- مع التنزل عما سبق نقول:- لعل باب الصلاة له خصوصية ، أي يوجد فيه تساهل دون بقية الأبواب كالأكل والشرب مثلاً ، فأكل النجس لعل الشرع يتشدد فيه فيوجب الفحص ولكن أمر الصلاة لعله كذلك بل قد يتساهل فيه فلا يمكن أن نستكشف من عدم وجوب الفحص في باب الصلاة أنه في باب الأكل والشرب والبيع وما شاكل ذلك يتساهل أيضاً ، وهكذا لعله تساهل ولم يوجب الفحص لأن نفس أمر الطهارة والنجاسة مبني على التساهل الشرعي وهذا لا يلزم منه التساهل في غير قضايا الطهارة والنجاسة كما إذا شككنا في أن هذا مذكى أو لا خمر أو لا .... وما شاكل ذلك من الشبهات الموضوعية الأخرى التي لا ترتبط بالطهارة والنجاسة ، فلا يمكن أن نستكشف من تساهل الشرع في أبواب الطهارة والنجاسة والحكم فيها بعدم لزوم الفحص أنه يتساهل في بقية الأبواب التي لا ترتبط بالصلاة أو بالطهارة والنجاسة.
الرواية الثانية:- ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام ( ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم )
[1]
، وتقريب دلالتها أنها تدل على أن المكلف لو أصابه بلل ولا يدري أنه بول أو ماء فإذا شك في ذلك فلا تلزم المبالاة - أي لا يلزم أن يفحص ويلاحظ هل هو بول أو ماء - بل يجري أصل الطهارة من دون حاجة إلى فحص ، وبهذا يثبت المطلوب.
وفيه ما أشرنا إليه سابقاً:- من أن عدم المبالاة لعله هو من ناحية أن اصابة البول للبدن أو الثوب يمنع من الصلاة ، والّا فبقطع النظر عن الصلاة فلا مانعية للبول في حدّ نفسه ، وحيث أن المانعية في الصلاة هي مانعية علميّة لا واقعية فلعله من هذه الناحية لم يوجب عليه السلام الفحص ، مضافاً إلى ما ذكرناه من أن هذا تساهل في باب الصلاة وفي باب الطهارة والنجاسة فلا يمكن أن نثبت بذلك التساهل في غير باب الصلاة أيضا كالأكل والشرب والتساهل في غير باب الطهارة والنجاسة كأكل المحرمات التي هي محرّمة بقطع النظر عن كونها نجسة . إذن استفادة التعميم منها شيء مشكل.
الرواية الثالثة:- ما ورد في النهي عن السؤال عن تذكية الحيوان ما دام السوق سوق المسلمين وذكر عليه السلام ما نصه ( ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك )
[2]
، بتقريب:- انها دلت على عدم لزوم الفحص عن كون الحيوان مذكى.
وفيه:- ان عدم الالزام بالفحص في هذا المورد لعله من باب وجود الأمارة - أعني سوق المسلمين - وكأنه عليه السلام يريد أن يقول ( بعد وجود الأمارة لا حاجة إلى الفحص ) وكلامنا ليس في حالة وجود الأمارة وإنما هو عن الأصل الترخيصي وهل يجوز اجراءه قبل الفحص أو لا ؟ بينما هذه الرواية ليست كذلك فهي لم تعمل الأصل الترخيصي من دون فحص وإنما أمرت بالأخذ بالأمارة عند وجودها من دون حاجة إلى الفحص ، فهي إذن أجنبية عن محل كلامنا.
الرواية الثالثة:- رواية مسعدة بن صدقه عن أبي عبد الله عليه السلام ( سمعته يقول:- كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعله حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة )
[3]
، بتقريب:- انه عليه السلام أجرى الأصل من دون حاجة إلى فحص فقال فـي مقـام بيـان الأصـل ( كل شيء لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه ) وهذا ما يعبّر عنه بأصل الحلية ، ثم أخذ بتطبيقه في موارد ثلاثة ، الأول إذا كان لدى الشخص ثوباً قد اشتراه ولبسه وبعد فترة شك في أنه ليس ملكاً للبائع بل لعله سرقه من شخص ثم باعه والإمام عليه السلام قال لا تعتني لذلك كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام ولم يأمره بالفحص ويقول له ( إذن وحقّق فان يئست فطبق قاعدة كل شيء لك حلال ) بل قال له ابتداءً طبق ذلك من دون فحص ، وفي المثال الثاني عبدٌ عندك وبعد فترة طرأ الشك بأنه ليس بعبد بل لعله حرّ ولكن النخّاس الذي باعه أخذه قهراً ثم باعه والإمام عليه السلام قال هنا أيضاً لا تعتني بهذا الاحتمال وطبق كل شيء لك حلال.
وفي المثال الثالث قال:- امرأة عندك ثم بعد فترة شككت بأنها أختك من الرضاع فقال الامام عليه السلام لا تعتن بهذا الاحتمال وطبق كل شيء لك حلال.
إذن نستنتج من خلال هذه الرواية أن الفحص في الشبهات الموضوعية ليس بلازم بل يجوز اجراء أصل الحليّة من دون اجراء الفحص.
وفيه:- صحيح أن الامام عليه السلام لم يوجب الفحص ولكن لعل عدم ايجاب الفحص هو لأجل أنه توجد أمارة في خصوص المورد تساعد على الحليّة غير أصل الحل:-
ففي مثال الثوب تكون الأمارة على الحلية هي اليد فانها أمارة على الملكية فلأجل هذا تساهل الامام وقال الفحص ليس بلازم ونحن كلامنا في حالة عدم وجود أمارة على الحلية بحيث نحن نبقى والأصل فقط فهنا إذا لم يوجب الامام الفحص يكون ذلك لنا شاهداً أما ذا كانت هناك أمارة فلا ينفعنا.
وهكذا في مثال العبد فان يد النخّاس أمارة على الملكية ، مضافاً إلى ذلك لعله توجد أمارة ثانية وهي قاعدة الصحة فان كل عقد إذا تحقق ثم شك بعد ذلك في صحته بني على الصحة وهي أمارة ، وعلى هذا الأساس يكون عدم وجوب الفحص اما من ناحية قاعدة اليد أو لقاعدة الصحة في العقود.
وأما في مثال الزوجة فيكن أن يقال:- انه عليه السلام طبق أصل الحل من دون حاجة إلى الفحص لوجود أمارة وهي قاعدة الصحة في العقود فان العقد قد جرى منذ فترة فقاعدة الفراغ والصحة تحكم بالصحة ولعل الامام لم يوجب الفحص من هذه الناحية ، أو لأجل وجود الاستصحاب ، أو يقال انه يوجد أصل مؤمن - أي يثبت عدم تحقق الرضاع - وهو استصحاب عدم تحقق الرضاع بينه وبين هذه المرأة فانه حينما ولدا لم يتحقق الرضاع بينهما وبعد ذلك شك في تحققه فيستصحب العدم النعتي - أي عدم تحقق الرضاع المحرِّم - فلعله لأجل وجود هذا الأصل لم يوجب الامام الفحص وطبق أصل الحلية لأنه مدعوم بهذا الاستصحاب الموضوعي.
وأما مثال الأخت:- فهنا أيضاً يجري الاستصحاب ولكنه استصحاب العدم الازلي ، فانه قبل يولدا لم تكن ذواتهما موجودة كما لم يكن وصف الأخوة بينهما ثابتاً وبعد وجودهما يشك في أن عنوان عدم الأخوة الثابت سابقاً هل زال أو بعدُ ثابتاً فيستصحب عدم الأخوة الثابت منذ الأزل ، وهذا من الموارد الصحيحة لتطبيق قاعدة ( إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ) فانه ما دمنا نحتمل أن حكم الامام بعدم وجوب الفحص هو لأجل وجود هذا الاصل الداعم فلا يمكن أن نستنتج أن الفحص في الشبهات الموضوعية ليس بلازم في جميع الحالات ، كلا بل لعل في هذه الموارد خصوصية كما أشرنا.
[1] المصدر السابق ح5.
[2] الوسائل 3 491 50 من أبواب النجاسات ح3.
[3] الوسائل 17 89 4 من أبواب ما يكتسب به ح4.