33/06/06
تحمیل
الموضوع / ضابط مورد البراءة والاشتغال / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
والوجه في ذلك واضح:- فانه في حالة الاستغراقية نشك في ثبوت حكم جديد مستقل فيكون الدوران بين الأقل والأكثر الاستقلاليين فان ضابط الاستقلاليين وجود أحكام بعضها مستقل عن الآخر بحيث يكون لكل واحد منها امتثال خاص به ، وأما إذا كان العموم مجموعياً فالحكم حيث أنه واحد ويشك في امتداده وسعته فيلزم أن يكون المورد من الارتباطيين لفرض وحدة الحكم وضابط الارتباطيين كما ذكرنا هو أن يكون الحكم واحداً غايته يشك في سعته وامتداده.
ثم انه لا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون الحكم وجوبياً - كما في مثال أكرم العلماء - أو يكون تحريمياً من قبيل حرمة رسم ذي الروح كالإنسان مثلاً ونفترض أنا شككنا في أن الحرام هل هو رسم الشيء بكامله أو أن الحرمة ثابتة حتى لحالة رسم بعض الإنسان كنصفه الأعلى بحث لو رآه الرائي لقال هذا صورة إنسان ، وهنا الحكم هو الحرمة والمتعلق هو الرسم والموضوع هو الجسم ذو الروح ، وهنا إذا فرض أنا كنّا نحتمل تعدد الحرمة بحيث توجد حرمة لرسم الكامل جزماً ونشك في ثبوت حرمة ثانية لرسم الناقص فهنا يكون المورد من الأقل والأكثر الاستقلاليين ، وأما إذا كانت الحرمة واحدة جزماً ونشك في امتدادها لرسم الناقص فالأقل والأكثر يكون من الارتباطيين لفرض وحدة الحكم ، وعليه فالشك شك في أصل التكليف - أي بمعنى ثبوت التكليف الآخر أو بمعنى امتداد التكليف الواحد للرسم الناقص - فيكون مجرى للبراءة.
نعم نلفت النظر إلى قضية جانبية وان لم تكن مهمة:- وهي أنه في باب الحكم الوجوبي كالشك في أجزاء الصلاة أو في وجوب إكرام العلماء يكون المتيقن هو الأقل - يعني تسعة أجزاء - فإنها متيقنة الوجوب ويكون الشك في الزائد ، وهكذا إكرام هذه المجموعة من العلماء واجب جزماً ونشك في وجوب الزائد فالأقل - أي هذه المجموعة - متيقنة الوجوب ، ففي باب الوجوب يكون المتيقن هو الأقل.
بينما في باب الحرمة يكون المتيقن هو الأكثر ، فانه في باب الرسم يكون المتيقن حرمته هو رسم الكل الكامل وأما رسم الناقص فهو مشكوك الحرمة . هذا كله في الحالة الأولى.
الحالة الثانية:- أن يكون إطلاق الحكم بلحاظ الموضوع بدلياً ، من قبيل ( أكرم عالماً ) أي أكرم فرداً من أفراد العلماء بنحو البدل . وهذه البدلية لا تتصور إلا في باب الواجبات ولا تتصور في باب التحريم فانه في باب التحريم لا معنى لأن يكون المطلوب هو ترك الواحد على نحو البدل إذ أن تركه متحقق بشكل قهري فلابد وأن يكون المطلوب هو ترك المجموع.
وفي مثله يكون الشك شكاً في الامتثال فيكون المورد مورد الاشتغال دون البراءة فان المطلوب هو إكرام شخص واحد وأنا بإكرامي هذا الشخص المشكوك أنه عالم سوف أشك في أني حققت إكرام العالم الذي اشتغلت الذمة به أو لا ؟ فالشك إذن شك في فراغ الذمة عمّا اشتغلت به لا في أصل ما اشتغلت به فإنها اشتغلت جزماً بإكرام عالمٍ واحد وهذا يكون مورداً للبراءة.
الحالة الثالثة:- أن يكون الموضوع جزئياً لا كلياً ، فانّا في الحالتين السابقتين كنّا نفترض أن الموضوع أمرٌ كليٌ - أعني إكرام عالمٍ ما الذي هو شيء كلي أو إكرام كل العلماء وهو عنوان كلي فان كل العلماء في الحالة الأولى قد يكون مصداقه عشرة وقد يكون مائة فهو أمر كلي - والآن نفترض أن الموضوع لا يقبل الزيادة والنقيصة والاختلاف بل هو جزئي من قبيل وجوب استقبال الكعبة المشرفة أثناء الصلاة فالمتعلق هو التوجُّه والكعبة متعلّق المتعلّق أي هي الموضوع وهي أمر جزئي ، وهكذا حرمة استقبال الكعبة أو استدبارها أثناء قضاء الحاجة فان الموضوع في مثل ذلك شيء جزئي ، ومن أمثلة ذلك أيضاً وجوب إكرام العلماء ولكن بنحو القضية الجزئية دون الكلية كما إذا جاء شخص وقال ( أكرم هؤلاء ) فان ( هؤلاء ) أمر جزئي وليس كلياً.
وحينئذ نقول:- لو شككنا في مثال القبلة أنها من هذا الاتجاه أو من ذاك الاتجاه ؟ أي بالتالي هل التوجه حاصل في صلاتنا لو توجهنا إلى أحد هذا الاتجاهات ؟ المناسب في مثل هذه الحالة أن يكون الشك في الامتثال فيكون مجرى للاشتغال فلابد من إحراز اتجاه الكعبة حتى يتحقق الشرط المطلوب في الصلاة وهو التوجّه إليها.
وفي مثال حرمة استقبال واستدبار الكعبة لو شككنا في اتجاهها فهل يجوز التخلي ؟ والشك هنا هل هو في أصل التكليف أو في الامتثال ؟ ان الشك هنا شك في أصل التكليف والمناسب أن يكون مجرى للبراءة لولا وجود شيء آخر يقتضي التحريم وهو فكرة العلم الإجمالي ، فانّا نعلم إجمالاً بأن الكعبة من هذا الطرف أو من ذاك أو من ذاك فالتوجه إلى أحد هذه الجهات يكون محرمّاً ، وبالتالي تثبت الحرمة لأجل العلم الإجمالي وإلا فالمناسب هو البراءة لولاه ، فمتى ما تشكل هذا العلم الإجمالي لزم الاحتياط ومتى لم يتشكل فتجري حينئذ البراءة .
وأما في مثال ( أكرم هؤلاء ) وشككنا في شخص أنه من هؤلاء أو لا ؟ فان الشك هنا يكون شكاً في أصل ثبوت التكليف إما بنحو التكليف المستقل - فيما إذا فرضنا أن كل فرد له حكم مستقل - أو في امتداد الحكم الواحد له - فيما إذا فرض أن الحكم كان واحداً -.
هذه صورة مجملة لتحديد مورد البراءة والاشتغال.