33/05/16
تحمیل
الموضوع / التنبيه الرابع / تنبيهات / الدوران بين الأقل والأكثر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
ثم ان كل هذا يأتي بناءً على تفسير الوجوب التخييري بالوجوب المشروط بعدم الاتيان بالفرد الآخر .
وأما بناءً على تفسيره ببعض التفاسير الأخرى فقد تختلف النتيجة.
تحقيق الحال بناءً على التفسيرات الأخرى في حقيقة الوجوب التخييري:-
وفي هذا المجال نذكر تفسيرين آخرين:-
أحدهما:- تفسير الوجوب التخييري بوجوب الجامع ، فالشارع حينما يقول لنا ( يجب عليك في الكفارة الاطعام أو ..... ) فهو في الحقيقة يوجب علينا الجامع - أي أحد الأمور الثلاثة - بينما الوجوب التعييني هو عبارة عن ايجاب هذا الفرد بخصوصه كالإطعام مثلاً ، اذن مرجع الوجوب التخييري الى وجوب الجامع - أعني مفهوم الأحد ، أي أحد الثلاثة - ولو افترضنا أن الوجوب التخييري يرجع الى هذا فماذا تكون النتيجة ؟
والجواب:- المناسب هو التخيير أيضاً ، وذلك لأجل فكرة الانحلال الحكمي ، بمعنى أنّا نقول هكذا:- نحن نشك في وجوب خصوص الاطعام بشخصه وعينه فننفيه بالبراءة ، ولا يعارض ذلك بالبراءة عن وجوبه التخييري فان ذلك يلزم منه ايقاع المكلف في الضيق اذ لازم نفي التخيير هو تعيُّن الاطعام وحيث أن حديث الرفع حديث امتناني فلا يمكن تطبيقه اذا كان مخالفاً للامتنان.
اذن يجري حديث البراءة بلحاظ الوجوب التعييني فان في رفعه سعة على المكلف بخلاف رفع الوجوب التخييري فان فيه ضيقاً على المكلف فلا يجري . اذن المناسب هو الانحلال الحكمي.
ولكن هناك سؤال علمي وحاصله:- هل يمكن أن ندعي الانحلال الحقيقي قبل أن تصل النوبة الى الانحلال الحكمي ؟ بمعنى أنه لا يوجد علم اجمالي حقيقةً بل هناك علمٌ تفصيليٌ من زاويةٍ وشكٌ بدويٌ من زاويةٍ أخرى.
والجواب:- ادعى جماعة ومنهم السيد الخوئي(قده)
[1]
ذلك ، أي أنه يوجد انحلال حقيقي ، باعتبار أن الأحد نجزم بوجوده وأما خصوصية كون ذلك الأحد هو الاطعام فشيء مشكوك . اذن لا يوجد لدينا علم اجمالي حقيقةً بل هناك علمٌ تفصيليٌ بلزوم الأقل وشكّ بدوي في لزوم ما زاد على ذلك ، نظير ما لو فرض أني كنت أعلم بوجوب قضاء خمس صلوات عليّ أو ستّ فان هذا ليس علماً اجمالياً في روحه بل هو علم اجمالي على مستوى الألفاظ والصياغة والّا فروحاً هناك علم تفصيلي بلزوم قضاء خمس صلوات وشك بدوي في لزوم قضاء الصلاة السادسة ، ومقامنا من هذا القبيل فإنما نجزم بوجوب الأحد - يعني اما الاطعام أو الصيام أو العتق - ونشك في وجوب خصوصية الاطعام فلا علم اجمالي حقيقة ، هكذا ذكر.
ولكن يمكن ان يقال:- ان العلم الاجمالي موجودٌ حقيقةً ، وذلك ببيان أن المكلف يعلم اما بوجوب الأحد أو خصوص الاطعام ، والمقصود من الأحد هو مفهوم الأحد لا واقع الأحد ، ومعلوم أن مفهوم الأحد بما هو مفهوم يغاير تعلّق الوجوب بخصوص الاطعام ، فهما شيآن متباينان وليس هما من قبيل الخاص والعام والكلي والمصداق بل بينهما تباين تامٌّ فيصير المورد من العلم الاجمالي المتعلق بالمتباينين وليس بالأقل والأكثر حتى يرجع الى علم تفصيلي بالأقل وشك في وجوب ما زاد . نعم واقع الأحد ينطبق على الاطعام ولكن المفروض في هذا التفسير هو تفسير الواجب التخييري بتعلق الوجوب بمفهوم الأحد لا بواقع الأحد ومفهوم الأحد يباين التعلق بخصوص الاطعام ، ولذا لو قيل للمكلف:- هل تعلم بتعلّق الوجوب بخصوص الاطعام ؟ يقول كلا ، ثم نسأله ثانياً ونقول:- هل تعلم بتعلّق الوجوب بمفهوم الأحد ؟ فأيضاً يقول اني لا أعلم بتعلّق الوجوب بمفهوم الأحد.
اذن لا يوجد هناك علم تفصيلي بوجوب شيءٍ بل هناك شكٌ على كلا التقديرين ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات اليها ، ولكن كما قلنا هي نكتة علميَّة اذ غاية ما يترتب عليها هو أنه لا انحلال حقيقي ، ولكن بالتالي يوجد انحلال حكمي ، فمن ناحية العمل لا تترتب ثمرة عملية في هذا البحث.
ثانيهما:- أن يقال:- ان الوجوب التخييري يرجع الى وجود غرضين متنافيين ، بمعنى أن وجوب كل فرد هو مطلقٌ وليس مشروطاً غايته يكون الفرد الثاني مسقطاً لذلك الوجوب المطلق ، وهذا ما ذهب اليه صاحب الكفاية(قده) فانه اختار في حقيقة الوجوب التخييري أن وجوب كل طرفٍ هو مطلقٌ وليس مشروطاً لأجل أن هذا فيه غرض مستقل وذاك فيه غرض مستقل ولكن يوجد بين الغرضين تعاند بحيث اذا تحقق هذا الغرض فلا يمكن أن يتحقق ذاك الغرض ، نظير شرب الشاي والماء البارد كما قلنا فان الشخص اذا شرب الشاي أوَّلاً فالغرض من شرب الماء البارد - وهو الارتواء - سوف لا يمكن أن يتحقق ، فيوجد تعاندٌ بين الغرضين - ونحن بغض النظر عن صحة هذا أو عدم صحته فانه ليس لنا فيه بحثٌ انما نريد أن نقول انه بناءً عليه فهل تتغير النتيجة أو لا وبناءً على التفسير لا تكون النتيجة هي التخيير بل تكون هي الاشتغال لأن الاطعام سواءً كان تعيينيّاً أم كان تخييريّاً يوجد فيه غرض مستقلٌ ، ولكن على تقدير كون الصيام عِدلاً سوف يكون هناك غرض آخر معاند لهذا الغرض ، فاذا أتينا بالصيام أوَّلاً دون الاطعام فسوف نشك بأن غرض الاطعام الذي نجزم بثبوته هل حصل ما يوجب التعجيز عنه أو لا ؟ اذ لو كان الصيام عِدلاً فلازمه أن يكون الصيام معجّزاً عن تحقيق غرض الاطعام ، فهناك غرض في الاطعام جزماً ولكن نشك هل حصل ما يوجب التعجيز عنه أو لا ؟ ان العقل في مثل ذلك يحكم بلزوم تحصيل ذلك الغرض الا أن يُجزَم بالعجز عن تحصيله ، أما اذا لم يُجزَم بالعجز عن تحصيله بعد فرض ثبوته جزماً فالعقل حاكم بلزوم تحصيله .
والنتيجة هي لزوم الاتيان بالإطعام لأني لو أتيت بالصيام فسوف أشك في العجز عن تحصيل غرض الاطعام.
والخلاصة:- انه على التفسيرين الأوَّلين لحقيقة الوجوب التخييري تكون النتيجة في المقام هي التخيير ، وأما بناءً على تفسيره بما ذكره صاحب الكفاية(قده) فالنتيجة هي الاشتغال دون التخيير.
هذا كله في الحالة الأولى من حالات الشك ، فانا ذكرنا في البداية أن الدوران بين التخيير والتعيين له حالات وقلنا ان الحالة الاولى هي أن نجزم بأن الاطعام واجبٌ ويكفي جزماً ولكن نشك في أن الصيام عِدلٌ له أو ليس بعِدل.
الحالة الثانية:- أن نفترض الجزم بأن كلّ واحد من الاطعام والصيام هو واجب ولكن لا ندري هل هو واجب بنحو التخيير أو بنحو التعيين.
والمناسب بمقتضى الأصل في هذه الحالة هو التخيير ، لأنا نشك في الوجوب التعييني للإطعام فننفيه بالبراءة ، ونشك كذلك في الوجوب التعييني للصيام فننفيه بالبراءة ، والمنفي بالبراءة هو التعيُّن وخصوصية التعيُّن والتعيين لا أصل الوجوب فان المفروض ان أصل الوجوب جزميٌ وانما الشك في حيثية كونه تعيينيّاً فنرفع خصوصية التعيين من هذا كما نرفعها من ذاك ، وفي تطبيق هذه البراءة سعةٌ ولا ينتج ضيقٌ لا في تطبيقها في هذا الجانب ولا في تطبيقها في الجانب الثاني بل النتيجة من التطبيقين هي السعة دون الضيق ، فتكون النتيجة بناءً على هذا هي التخيير أيضاً للبراءة كما أوضحنا.
[1] مصباح الاصول 2 454.