33/05/01
تحمیل
الموضوع / الدوران بين الأقل والأكثر / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الدليل الثاني:- انا بنينا فيما سبق على أن المكلف يجري أصالة البراءة عن وجوب الأكثر باعتبار أن وجوب الأقل معلوم له بالتفصيل ولكن بالصيغة المقبولة عندنا لا بالصيغة التي ذكرها الشيخ الانصاري(قد) أولاً - فانه ذكر في توجيه العلم التفصيلي بوجوب الأقل أنه معلوم الوجوب اما نفساً أو غيراً أي بالوجوب الغيري ، والصيغة الثانية هي أن نقول:- أن الأقل معلوم الوجوب بالوجوب النفسي ولا ندخل الغيرية في الحساب ولكن هذا الوجوب النفسي مردّد بين كونه استقلالياً أو ضمنياً ، يعني حتماً أن التسعة واجبة بالوجوب النفسي اما الضمني أو الاستقلالي ، ومعه نجري البراءة عن وجوب الأكثر ، هكذا ذكرنا - وهذا الدليل يقول أنت بعد أن أجريت البراءة عن وجوب الأكثر فلِمَ تأتي بالسورة مثلاً اذا كانت هي الجزء المشكوك ثم تجاوزنا محلها - أي محل السورة - ودخلنا في الركوع أو في السجود فحينئذ يتكون علم اجمالي جديد الآن أي بعد اجراء البراءة عن السورة وبعد تجاوز المحل والدخول في الركوع والسجود - ويقول ان السورة في علم الله عز وجل ان لم تكن جزءاً - أي كان أصل البراءة موافقاً للواقع - فسوف يحرم قطع هذه الصلاة لأنها صلاة صحيحة كاملة فلا يجوز قطعها ، وأما اذا لم تكن جزءاً واقعاً فتجب اعادة الصلاة ، وعليه أنا أعلم اجمالاً اما بحرمة قطعها وذلك على تقدير عدم الجزئية واقعاً أو بوجوب الاعادة وذلك على تقدير الجزئية واقعاً ، وانما قلنا باختصاص هذا الدليل بخصوص باب الصلاة لأن حرمة القطع خاصة بالصلاة ، فلو فرضنا أن هناك واجباً آخر يشارك الصلاة في هذه الميزة لتم فيه هذا الدليل أيضاً.
والعلم الاجمالي لا يلزم في تنجيزه أن يكون علماً بالوجوب على كلا التقديرين - أي بوجوب اما الظهر أو وجوب الجمعة - كلا بل يكفي في التنجيز في أن يكون أحد الطرفين هو علم بالوجوب والطرف الثاني هو علم بالحرمة ، وهنا من هذا القبيل فانا أعلم اما بحرمة القطع على تقدير عدم الجزئية واقعاً أو بوجوب الاعادة على تقدير الجزئية واقعاً وهذا أيضاً منجز.
وعلى أي حال هذا علم اجمالي جديد فكيف الجواب عنه ؟
وفيه:- انا نغض النظر عن المبنى الذي يبتني عليه هذ الدليل ، يعني قد يناقش ويقال:- انه لم يثبت حرمة قطع الصلاة الصحيحة فان ما يستدل به هو بعض الروايات أو الاجماع والكل قابل للمناقشة كما هو موضح في محله
[1]
، فبالتالي لم يثبت حرمة قطع الصلاة ، فهذا الدليل مناقش من حيث المبنى ، ولكن نقطع النظر عن ذلك لأن المهم هو المناقشة في البناء دون المبنى فانه لو قطعنا النظر عن المبنى يمكن أن نقول:- انه لا يتشكل هذا العلم الاجمالي فانه بإجراء البراءة عن جزئية السورة - أو بتعبير آخر عن وجوب الأكثر - يثبت أن الوظيفة الظاهرية في حق المكلف هي تسعة أجزاء - أي الأقل - واذا ثبت هذا ثبت أثران هما حرمة قطع الصلاة - أي التي يؤتى بها بتسعة أجزاء - فإنها وظيفة ظاهرية ويثبت أيضاً عدم وجوب الاعادة ، وبكلمة أخرى هذان الحكمان - أي وجوب الاعادة وحرمة القطع - ليسا أثرين للوظيفة الواقعية فقط فلو كانا أثرين للوظيفة الواقعية فقط - أي للجزئية الواقعية - لتشكل العلم الاجمالي المذكور ، أما اذا قلنا أنه يكفي لترتب هذين الأثرين الأعم من الوظيفة الواقعية والوظيفة الظاهرية فمن الواضح أنه يثبت بأصل البراءة أن الوظيفة الظاهرية هي الأقل فيثبت هذين الأثرين وبالتالي لا يتشكل هذا العلم الاجمالي المذكور.
ومن خلال هذا كله اتضح أنه لا دليل عندنا على لزوم الاحتياط في مسألة الشك في الجزئية.
تنبيهـات
التنبيه الاول:-
ذكر الشيخ الخراساني(قده) مطلباً في الكفاية يمكن أن تثار حوله بعض الأسئلة نذكره أولاً ثم نذكر الأسئلة عليه:-
والمطلب هو:- ذكر في بداية مسألة الشك في الجزئية أن البراءة العقلية لا تجري في مسألة الشك في الجزئية وذلك لوجهين:-
أحدهما:- أن العلم الاجمالي بالوجوب النفسي المتعلق اما بالأقل أو بالأكثر ليس منحلاً ، وما ذكره الشيخ الأعظم في الرسائل من أن الأقل معلوم الوجوب اما نفساً أو غيراً لا يوجب الانحلال لأنه يلزم خلف الفرض مضافاً الى أنه يلزم من فرض الانحلال عدم الانحلال.
اذن العلم الاجمالي باقٍ ، وهذا هو الوجه الأول العقلي لإثبات وجوب الاحتياط ، فاذا كان العلم الاجمالي باقياً فأصالة البراءة من وجوب الأكثر معارضة بأصالة البراءة من وجوب الأقل.
والثاني:- مسألة الغرض ، وهذا ليس بمهم ، وانما المهم هو الوجه الأول وهو الذي تمسك به لإثبات أن العقل يحكم بالاشتغال وأن البراءة العقلية لا تجري.
ثم ذكر بعد ذلك أنه لو وصلنا الى البراءة النقلية فيمكن أن نقول بامكان تطبيق حديث الرفع على الجزئية المشكوكة فنقول:- ان جزئية السورة بما أنها ليست معلومة فهي مرفوعة بحديث ( رفع مالا يعلمون ).
اذن لحد الآن ثبت أن صاحب الكفاية لا يسلّم بالبراءة العقلية لأن العلم الاجمالي عنده تامٌ ولكن تجري البراءة النقلية - أي نطبق البراءة الشرعية على الجزئية المشكوكة -.
ثم أشكل على نفسه:- بأن الجزئية ليست من الأمور مجعولة للشارع وليس لها أثر مجعول فكيف ترفع ؟
وجاب عن ذلك:- بأن رفعها ممكن من خلال رفع منشأ انتزاعها - أعني وجوب الكل - فان وجوب الكل ينتزع منه جزئية السورة فان الوجوب اذا كان متعلقاً بالعشرة التي من ضمنها السورة فينتزع من ذلك جزئية السورة ، فنحن نرفع جزئية السورة برفع منشأ انتزاعها ، هذه قضية ثانية لابد من أن نحتفظ بها.
ثم قال:- اذا رفعنا الجزئية برفع منشأ انتزاعها كيف نثبت الأمر بالباقي ؟ - أي الأقل ( التسعة ) - بعد وضوح أن حديث الرفع هو حديث رفعٍ لا حديث اثبات فهو يقول لا يوجد أمر بالعشرة أما الأمر بالتسعة فهو لا يقول بوجوده كما لا يقول بعدمه بل هو ساكت عنه ، فكيف تثبت الأمر بالتسعة ؟ اللهم الا من خلال الملازمة - يعني أن تقول:- اذا لم يكن هناك أمر بالعشرة فحتماً يوجد أمر بالتسعة - وهذه الحتمية حتمية عقلية ، فالملازمة عقلية فيصير الأصل أصلاً مثبتاً وهو اليس بحجة.
وتخلص من هذا الاشكال:- بأنه صحيح نسلم أن حديث الرفع حديث رفع لا أكثر ولكن نسبته الى أدلة الأجزاء نسبة الاستثناء الى المستثنى منه ، وهذا تعبير صعب ، واذا أردنا أن نسهِّل التعبير فنقول ( أن حديث الرفع مخصِّص الى أدلة الأجزاء فأدلة الأجزاء تقول يجب الركوع و يجب السجود ...... وهكذا ، ويأتي حديث الرفع ويقول:- أنا أستثني حالة الجهل بجزئية السورة مثلاً - اذا لم تعلم بجزئيتها وأقول هي ليست جزءاً في حالة الجهل ، ومعه يبقى الأمر بالأقل ثابتاً من ناحية وجود أمرٍ بالأجزاء في المرحلة المسبقة ، ولا نريد أن نثبت الأمر بالأجزاء بواسطة حديث الرفع بل ان الأمر بالأجزاء ثابت في مرحلة سابقة بقطع النظر عن حديث الرفع ، والحديث يخصِّص ويستثني ويُخرج صورة الجهل فيبقى الأمر بالباقي ثابتاً لفرض وجود أوامر بالأجزاء ثابتة في مرحلة سابقة . هذا توضيح ما أفاده (قده).
ولنا بعض الاسئلة حول هذا المطلب:-
السؤال الاول:- لماذا عدل صاحب الكفاية من تطبيق حديث الرفع بلحاظ وجوب الأكثر الى تطبيقه على الجزئية المشكوكة التي هي حكم وضعي - فان الجزئية حكم وضعي ووجوب الأكثر حكم تكليفي - وسؤالنا هو:- لماذا عدل صاحب الكفاية من تطبيق حديث الرفع على الوجوب التكليفي وطبَّقه على الجزئية ؟ وهل يسلم هذا التطبيق من الاشكالات التي تواجهه أو أنه يفيدنا بشيء ؟
[1] وانا اشرت الى ذلك في كتاب دروس تمهيدية في احكام الصلاة.