33/03/14
تحمیل
الموضوع / التنبيه الرابع / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
والجواب:- ان ذلك لا يجوز باعتبار أنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية ببيان:- أن ( أحل الله البيع ) وان دل بإطلاقه على حلية كل معاملة وأنها ممضية ولكن علمنا من خلال المخصص الخارجي أن البيع الربوي قد خرج من هذا الإطلاق لأنه يوجد دليل يقول ( وحرَّم الربا ) فيصير مقيداً لقوله ( أحل الله البيع ) ومعه يصير الإطلاق إطلاقاً مقيداً وكأنه يقول هكذا ( أحل الله البيع في غير المعاملة الربوية ) فهو حجة في غير المعاملة الربوية ، وحيث نحتمل أن معاملة هذا اليوم ربوية فلا يمكن التمسك بهذا الإطلاق بعد فرض أن حجيته مقيدة بغير المعاملة الربوية ، وهكذا لا يجوز التمسك بالإطلاق المذكور بالنسبة الى معاملة غدٍ لنفس النكتة.
وينبغي الالتفات إلى أن كون المورد من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ليس هو لأجل أننا علمنا بوجود معاملةٍ ربويةٍ إما هذا اليوم أو في الغد فان هذا العلم الإجمالي ليس هو الذي صيَّر المقام من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، كلا بل حتى لو كانت الشبهة بدوية فلا يجوز التمسك فيها بالإطلاق أيضاً لنفس النكتة ، فلو فرض أن شخصاً أراد أن يجري معاملة واحدة ولا يدري أنها ربوية أو غير ربوية فلا يمكنه التمسك بإطلاق ( أحل الله البيع ) لإثبات صحتها رغم أن الشبهة بدوية باعتبار أن الإطلاق المذكور قد خرج منه مورد الربا فصار الإطلاق حجة في غير مورد الربا وحيث يحتمل أن هذه المعاملة ربوية فيصير المقام من التمسك بالعام في الشبهة البدوية ، هذه نكتة أرجو الالتفات إليها.
إذن عدم جواز التمسك بإطلاق ( أحل الله البيع ) في مقامنا ليس هو لأجل العلم الإجمالي بكون المكلف يرتكب الربا إما اليوم أو غداً بل حتى إذا كانت الشبهة بدوية يكون الأمر كذلك فضلاً عما إذا فرض وجود العلم الإجمالي.
وقد تقول:- لِمَ لا نتمسك بأصالة الصحة ؟ فلو فرض أن المكلف أراد أن يجري معاملة وشك في أنها ربوية حتى تصير باطلة أو غير ربوية حتى تكون صحيحة فلا يمكن التمسك بإطلاق ( أحل الله البيع ) لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية ولكن عندنا أصل باسم أصالة الصحة نطبقه في المقام ويثبت بذلك صحة هذه المعاملة فيما إذا كانت الشبهة بدوية ، ونفس الشيء أيضاً ربما يأتي في مورد العلم الإجمالي ؟
والجواب:- ان أصالة الصحة تختص بمورد تحقق المعاملة وانتهاءها ، فلو جرت معاملة بين طرفين وبعد فترة - كسنة أو شهر - شك في أنها صحيحة أو باطلة فيُبنى على صحتها ، أما إذا فرض أن المعاملة بعد لم تتحقق كما هو المفروض في مقامنا فان أصالة الصحة لا تجري في مثل هذا المورد . وما هي النكتة في ان أصالة الصحة لا تجري الا فيما مضى ولا تجري فيما يأتي ؟ النكتة هي أن مدرك أصالة الصحة هو إما قوله عليه السلام ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) أو هو السيرة - أي سيرة العقلاء والمتشرعة - على أن الشيء الذي تحقق وشك في صحته بُنِيَ على صحته ، أما الرواية فهي مختصة بالذي مضى فإنها قالت ( كل ما مضى ) فدائرتها ضيقة من البداية ، وأما السيرة فهي دليل لبي والقدر المتيقن منها هو ما إذا فرض أن الشيء قد تحقق وانتهى ثم بعد ذلك شُك في صحته فانه في هذه الحالة يبني العقلاء على الصحة أما إذا لم يقع بَعدُ فلا نجزم - ويكفينا عدم الجزم بانعقاد السيرة على الحكم بالصحة وترتيب أثارها.
نعم استدرك وأقول:- هناك بعض الموارد الاستثنائية التي يبني فيها العقلاء أو المتشرعة على الصحة حتى قبل تحقق العمل وذلك من قبيل أصالة الصحة في قراءة الغير ، فلو فرض أن شخصاً عادلاً تقدم إلى صلاة الجماعة فهل نقتدي به ونصلي خلفه أو أن نختبر قراءته ؟ كلا لا يوجد مثل ذلك فان سيرة المتشرعة قد جرت على أنه ما دام عادلاً صحت الصلاة خلفه ، ان هذه سيرة متشرعية في هذه المساحة الضيقة - وهي صحة القراءة - فإنها تثبت بهذا الأصل.
نعم هناك كلام آخر وهو:- هل نجريها حتى في حق غير عربي اللسان أو تجري في خصوص من كان صاحب لسان عربي ؟
إذن لأجل هذه السيرة يحكم بصحة القراءة حتى قبل تحقق القراءة والصلاة ، ومن هنا ترى أن الفقهاء لا يذكرون هذا كشرط في الرسالة العملية ويقولون ( ويشترط في الائتمام إحراز صحة القراءة ) وإنما يقولون ( يشترط إحراز العدالة ) والنكتة الفارقة بين العدالة وصحة القراءة رغم أن كليهما شرط هو أن العدالة لا يمكن إحرازها بالأصل فلا يوجد عندنا أصالة العدالة في كل شخص . نعم قد يشكك شخص في أصل العدالة ويقول من قال انه يلزم أن يكون إمام الجماعة عادلاً
[1]
. هذه سيرة على الحكم بالصحة قبل تحقق العمل ولكن في مجال معين ، وبالتأمل ربما نحصل على سيرة في مجالات أخرى.
وعلى أي حال لا يمكن أن نتمسك بأصالة الصحة لإثبات أن المعاملة التي نحتمل ربويتها صحيحة والفرض أنه لم تجر المعاملة بعدُ فانه لم يثبت الأصل المذكور.
ان قلت:- ألا يمكن إثبات صحة المعاملة من خلال أصالة الحل التكليفي ؟ فقد ذكرنا أنه عند الشك في حلية وحرمة المعاملة يمكن إثبات حليتها بأصالة البراءة والحل وحينئذ نقول إذا ثبتت حليتها فسوف تثبت صحتها بناءً على أن الحكم الوضعي منتزع من الحكم التكليفي.
قلت:- حتى لو سلمنا بالحكم المذكور فلا يمكن تطبيق ذلك في المقام لأن ذلك يتم إذا كان الحكم بالحلّ بنحو الحكم الواقعي لا ما إذا كان بنحو الحلّ الظاهري وبقطع النظر عن الحل الواقعي ، فلو جاء دليل ناظر إلى الحكم الواقعي وقال ان هذه المعاملة جائزة تكليفاً فقد تستنتج وتنتزع صحتها من جوازها أما إذا فرض أنه لا يوجد عندنا حكم من هذا القبيل وإنما يقال ( ما دمت لا تعلم بالحكم الواقعي وتشك فيه فهو ظاهراً جائز وتجري البراءة ) ان مثله لا يثبت من خلاله الصحة والحكم الوضعي.
بقي شيء أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل وحاصله:- انك قد قبلت بإجراء الأصل العملي في كلتا المعاملتين وحكمت بالبراءة رغم وجود علم إجمالي بكون إحدى المعاملتين - إما معاملة اليوم أو معاملة غدٍ - ربوية أو حرام ، انه لماذا لم تتوقف هنا وتوقفت في تطبيق الأصل اللفظي ، أي انك لم تقبل بتطبيق ( أحل الله البيع ) على المعاملتين بينما قبلت تطبيق ( رفع عن أمتي ) أو ( كل شيء لك حلال ) على الطرفين ، فلماذا هذه التفرقة بين الأصل اللفظي وبين الأصل العملي وما هو الفارق بين المردين ؟ ثم قال ما نصه ( لكن الظاهر الفرق بين الأصول اللفظية والعملية فتأمل ).
[1] كما لمَّحنا إلى ذلك في كتاب دروس تمهيدية بأن الأدلة قاصرة عن إثبات عنوان العدالة في إمام الجماعة.